لماذا لم تقوم الدولة الكوردية؟

جواد إبراهيم ملا

في مثل هذا اليوم قبل تسعة سنوات بعد المئة عقدت الدول الكبرى اتفاقية سايكس-بيكو في 14-5-1916 التي أنكرت وجود الشعب الكوردي ووطنه كوردستان وحرمت الكورد من دولة كوردية مستقلة لأسباب عديدة وفيما يلي أهمها:
الاسباب الخارجية، الدولية:
هناك ثلاثة احداث تاريخية محفورة في عقول الساسة وصناع القرار في الدول الكبرى:
1. الدولة الاسلامية الاموية التي احتلت غرب اوروبا من اسبانيا الى بواتيه في جنوب فرنسا منذ عام 711 ودام هذا الاحتلال حوالي 800 عام.
2. الدولة الاسلامية العثمانية التي احتلت جنوب شرق اوروبا من دول البلقان حتى فيينا في وسط اوروبا منذ عام 1400 ودام هذا الاحتلال حوالي 500 عام.
3. الدولة الاسلامية الايوبية التي هزمت الجيوش الاوروبية في الحروب الصليبية التي احتلت الشرق الاوسط منذ عام 1096 ودام هذا الاحتلال حوالي 200 عام…
لذا ترتكز سياسة الدول الكبرى على القضاء على اي تفكير يهدف الى اقامة دولة اسلامية لذلك سعت اوروبا الى تبني استراتيجية دعم القيادات القومية التركية والفارسية والعربية لإستلام زمام الحكم في الشرق الاوسط… فإختار الغرب ان تكون تركيا بقيادة مصطفى كمال منذ عام 1922 وان تكون إيران بقيادة رضا بهلوي منذ العام 1925 ودولا قومية عربية في سورية والعراق تحت الانتداب البريطاني والفرنسي اولا حتى يتم التحضير لقيادة قومية لهم فكان ميلاد حزب البعث بدعم الدول الكبرى ليكون الاداة في ابعاد العرب عن فكرة الدولة الاسلامية.
وقد تم اهمال وجود الشعب الكوردي وتم حرمانه من اقامة دولة قومية كما اشترطت الدول الكبرى على تركيا بقيادة مصطفى كمال عام 1922 وعلى إيران بقيادة رضا بهلوي عام 1925 ان لا يكون اي وجود للدولة الكوردية وذلك لأن الدولة الاسلامية الايوبية كانت موجعة لاوروبا التي تلقت ضربة قاسمة من صلاح الدين الايوبي في معركة حطين في الوقت الذي كانت اوروبا فيه من القوة والقدرة الفائقة على تسيير الجيوش الاوروبية ونقلها الى الشرق الاوسط… والسبب الآخر لحرمان الكورد من الدولة الكوردية هو ان العرب خلال مئة عام لم يستطيعوا ان يحرروا شبرا واحدا من بلادهم حتى جاء صلاح الدين الايوبي بعد مئة عام من الاحتلال الاوروبي للشرق الاوسط وجاء صلاح الدين ومعه 500 عشيرة كوردية التي قلبت الموازين رأسا على عقب… وخوفا من قيام دولة كوردية التي ستكون موحدة لشعوب الشرق الاوسط ليس عن طريق القتل والعنف بل لأن الكورد لهم حضارة ويتحلون بصفات انسانية عالية جدا تؤهلهم لقيادة المنطقة اذا تحرروا واستقلوا.
ان الدول الكبرى نجحت في معاقبة الشعب الكوردي كله بجريرة صلاح الدين الايوبي في اقتسام ارض كوردستان بحدود مصطنعة بموجب اتفاقية سايكس-بيكو عام 1916 ولكن اتفاقية سايكس بيكو فشلت في تجزئة الشعب الكوردي كما فشلت تركيا وايران والعراق وسورية الكيانات العميلة للدول الكبرى على تجزئة الشعب الكوردي أو في اخماد ثوراته وانتفاضاته الرافضة للتقسيم والعبودية.
ومن اجل تمرير سياستها العدوانية تجاه الكورد لجأت الدول الكبرى الى دعم اتفاقية سايكس بيكو 1916 ومعاهدة لوزان 1923 من خلال افتعال المشاكل والازمات بالإعتماد على وجود مصدر دائم للخوف… فكانت الشيوعية والنازية في القرن الماضي وحينما ينعدم وجود الخوف كانت الدول الكبرى تقوم على إيجاده تحت اسم صدام حسين او بن لادن او القاعدة او الدولة الاسلامية في سورية والعراق (داعش) التي تقوم بأعمال ارهابية وقطع رؤوس الابرياء… والحقيقة انها جميعا صنيعة الدول الكبرى، فقد مولت امريكا بن لادن في حربها ضد الروس في افغانستان ومولت صدام حسين في حربه مع ايران والآن تمول داعش لإجبار دول المنطقة على شراء السلاح للدفاع عن نفسها من داعش… مع العلم ان رقاب الكورد تحت ضربات السياف والارهاب منذ 1400 عام ولكن الدول الكبرى كانت ولا تزال تتجاهل الحالة الكوردية التي تصل الى حد الكابوس المريع الذي لا نهاية له، ليس اثناء النوم بل انه كابوس اليقظة.
الاسباب الخارجية، الاقليمية:
لجأت الدول الكبرى والدول التي تحتل كوردستان الى عقد اتفاقيات ومعاهدات متممة لاتفاقية سايكس-بيكو فكانت معاهدة سعد آباد عام 1937 فيما بين العراق وتركيا وايران وافغانستان ومن ثم معاهدة حلف بغداد عام 1955 فيما بين العراق وتركيا وايران وباكستان وبريطانيا وحينما انسحب العراق من حلف بغداد تم تغيير اسم الحلف الى حلف المعاهدة المركزية (السانتو) في العام 1959 فيما بين تركيا وايران وباكستان وبريطانيا… وبالاضافة الى المعاهدات والاحلاف الآنفة الذكر فقد كانت هناك العديد من الاتفاقيات السرية الثنائية فيما بينهم والتي كانت جميعها تهدف الى حماية حدود الدول الاعضاء وتدعيم استقلالها على حساب حرية الشعب الكوردي واستقلال كوردستان والتعاون فيما بينهم لضرب اية حركة تحررية كوردية وتتمثل في النقاط التالية:
1. مع كل الدعم الدولي لهذه الاحلاف إلا انها فشلت فشلا ذريعا لتحقيق اهدافها الاستعمارية لذا أوعزت الدول الكبرى واقترحت على الدول التي تحتل كوردستان ان تقوم اجهزة مخابراتها في توظيف عناصر من الشعب الكوردي فعمل العراق على تأسيس الفرق الخفيفة (الجحوش) وأسست تركيا قوات حراس القرى (القوروجيين) الشبيهة بالفرق الحميدية العثمانية التي اسسها العثمانيون لتكون اداة في قمع الثورات والانتفاضات الكوردية ورفع التقارير عن المناضلين الى مخابرات الدول التي تحتل كوردستان.
2. فشلت حركة الجحوش أيضا في قمع الحركة التحررية الكوردية ولم تعد تقارير مخابرات الدول التي تحتل كوردستان تفيدهم وخاصة بعد ان استطاع الجنرال بارزاني من ايجاد قوة عسكرية كوردية زادت على الـ 150 الف بيشمركه في العام 1974. ومنذ ذلك اليوم ارتعدت الدول التي تحتل كوردستان خوفا من القوة الكوردية الضاربة… فغيرت استخبارات الدول التي تحتل كوردستان من استراتيجيتها تجاه الحركة التحررية الكوردية من كتابة التقارير الى تجهيز جيوش من ضباطهم يتقنون اللغة الكوردية ومدربون على احسن وسائل التجسس وارسلوهم للعمل ضمن الحركة التحررية الكوردية… فكان هؤلاء الضباط الجواسيس لمجرد انتمائهم الى اي حزب كوردي كانوا من خلال مؤهلاتهم العالية بالمقارنة مع اعضاء الاحزاب الكوردية الذين ينتمي معظمهم الى الطبقات الفقيرة وغير المتعلمة… فمن اول مؤتمر كان الضباط الجواسيس يتم انتخابهم كقادة في تلك الاحزاب… واصبحت معظم الاحزاب الكوردية آلة بيد الدول التي تحتل كوردستان… وحينما لم تعد سورية والعراق وايران بحاجة الى الحركة التحررية الكوردية عملوا على القضاء على ثوراتها عن طريق ضباطها الجواسيس ومنها اجبار الجنرال بارزاني قائد ثورة جنوب كوردستان على الانسحاب في العام 1975 واغتيال د. عبد الرحمن قاسملو قائد ثورة شرق كوردستان في العام 1989 واختطاف وسجن الزعيم عبد الله اوجلان قائد ثورة شمال كوردستان في العام 1999… وغيرهم كثيرون من القادة الكورد الذين يتم اغتيالهم وسجنهم واعدامهم علنا وجهارا نهارا ولا تتحرك الدول الكبرى ولا المنظمات الدولية ولا الانسانية من اجل ايقاف هذه الهجمات الوحشية والهمجية التي يتعرض لها شعبنا الكوردي.
وبالاضافة للاسباب الآنفة الذكر هناك اسباب تختبئ وراء الاطماع السياسية والمادية للدول الكبرى مقابل سكوتها على ابادة الشعب الكوردي وسحق ثوراته من اجل انجاح محادثات المفاعل النووي الايراني، ومن اجل استمرارعضوية تركيا في حلف الاطلسي، ومن اجل استمرار تدفق البترول العربي الى المصانع الاوروبية والامريكية…
الاسباب الداخلية:
1. الخيانة: ان خيانة ملا ختي للامير محمد الرواندزي وكذلك خيانة عز الين شير لإبن عمه الامير بدرخان الكبير في القرن التاسع عشر… كما ان خيانة عشائر شرق كوردستان للقاضي محمد رئيس جمهورية كوردستان في العام 1946 وكذلك خيانة قيادة الحزب الديمقراطي الكوردستاني للجنرال بارزاني في العام 1966 وخيانة قيادة الحزب الديمقراطي الكوردي في سورية للعم أوصمان صبري في العام 1968… وغيرها من الخيانات التي كان لها أكبر الاثر في تخلف الشعب الكوردي عن اعلان دولته وتأخير قيامها.
2. ان وجود اكثر من مائة حزب ومنظمة كوردية في كوردستان ومعظمها تتبنى سياسة اقليمية بعيدة كل البعد عن التفكير القومي الكوردي وبذلك ساعدت الدول التي تحتل كوردستان على تنفيذ مؤآمراتها الى حد بعيد فسياسة الاحزاب الكوردية الاقليمية لا تخرج عن حدود اتفاقية سايكس بيكو فالجميع يطالبون بالحقوق الكوردية ضمن حدود الدول التي تحتل كوردستان، وان رفع شعارات الاحزاب الكوردية التي لا تخرج عن كونها شعارات لتمرير مؤآمرات الدول التي تحتل كوردستان ومن اشهر تلك الشعارات الاخوة وقبول التعايش مع القتلة والمجرمين العنصريين العرب والترك والفرس ما هي سوى تعريب وتتريك وتفريس الشعب الكوردي على نار هادئة وبرضاء الكورد انفسهم… بعد ان فشلت عمليات التعريب والتتريك والتفريس بالقوة… فجاءت الاحزاب الكوردية لإقناع الشعب الكوردي على التعايش مع القتلة حيث سيؤدي الى انحلال كافة مقومات القومية الكوردية بمرور الوقت وعلى عدة اجيال.
والانكى من ذلك ان الاحزاب الكوردية في عددها الهائل وجزأوا الشعب الكوردي الى مئة شعب مما يجعلني اتحسر على سايكس بيكو التي لم تطعن الشعب الكوردي كما طعنته الاحزاب الكوردية ألا لعنة الله عليهم أجمعين.