لمحة عن التاريخ الحديث لمدينة سري كانيه/رأس العين عروسة الجزيرة
عبد العزيز محمد أيو- محامي وناشط
مجلة الحوار – العدد /83/ – السنة 31 – 2024م
تُعتبر مدينة سري كانيه/ رأس العين السورية واحدة من أقدم المدن التي شهدت تعاقب الحضارات المختلفة، حيث تمتد جذورها التاريخية لآلاف السنين. يشهد على ذلك تل الفخيرية الذي يحتضن بقايا مملكة “ميتاني” وعاصمتها “واشوكاني”. ومن هذه المملكة خرجت شخصيات تاريخية بارزة مثل الملكة “نفرتيتي” ابنة الملك توشراتا، والتي ساهمت في نقل معتقدات التوحيد إلى مصر عبر زواجها من الفرعون أخناتون.
وكذلك تل حلف الذي كان مقراً لمملكة “بيت بخياني” وعاصمتها “جوزانا” التي حكمها الملك كابارا بن قاديونو.
عبر القرون، شهدت رأس العين / سري كانيه تفاعلاً دينياً وثقافياً كبيراً، فكانت موطناً للعالم الطبيب الشهير “سيرجيوس راسعيني”، الذي عاش بين القرنين الخامس والسادس الميلادي، وهو أول من ساهم في نقل الثقافة من اليونانية إلى السريانية (نقلاً عن الباحث صلوح يوسف) ولقد برع في الترجمة والأمانة العلمية.
كما كانت موطناً للقديس “مار أَحو” الذي نشر رسالة المحبة والسلام وبنى الكنائس والمعابد. بالإضافة إلى كل ذلك، لا تزال هناك الكثير من المعالم التاريخية غير المكتشفة في المنطقة، التي تنتظر جهوداً لاكتشافها وإحياء قيمتها التاريخية.
في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، فُتحت المدينة على يد الصحابي عيّاض بن غنم، ورافقه الصحابي خالد بن الوليد في هذه الفتوحات، والذي يقال إنه أُسر فيها في بعض الروايات، وفي روايات أخرى يقال إنه دخلها للتفاوض.
ودخلت المدينة تحت الحكم الإسلامي وتعرّضت لغزو الصليبيين، وضمّها الأيوبيّون لدولتهم، واستخدمها صلاح الدين الأيوبي كقاعدة لقواته. كما لم تسلم المدينة من غزوات تيمورلنك الذي دمّرها عام 1403.
في العصر العثماني، كانت رأس العين / سري كانيه جزءاً من مراعي القبائل الملّيّة، ويعود تاريخ اتحاد قبائل وعشائر المللي في المنطقة في أقل تقدير إلى ما قبل عهد السلطان العثماني سليم الأول 1512 (أحمد عثمان بكر، أكراد المللي وإبراهيم باشا الملي) حيث كانت تنتشر قبائل التحالف الملّلي في المنطقة.
دخل الفرنسيّون إلى رأس العين في أيار عام 1922 وأنشأوا ثكنة عسكرية (قشلة) فيها، والتي تشمل الآن موقع مديرية التجنيد والجمارك وقسم المخابرات العسكرية ومؤسسة المياه والمركز الثقافي وبناء المجمع الحكومي.
وبعد انفصال الحسكة عن متصرفية دير الزور، تم تعيين السيد نسيب صادق الأيوبي متصرفاً للحسكة، ليتم لاحقاً تحويل رأس العين إلى ناحية تحت إدارة السيد محمد العلي. وفي عام 1964 أصبحت رأس العين/ سري كانييه منطقة إدارياً تتبعها ناحية الدرباسية وناحية أبو راسين، وهي متاخمة للحدود التركية، وتمتد حدودها لأكثر من 100 كم، وبلغ عدد سكان المنطقة وفق إحصاء 2004 حوالي 177,000 نسمة، وعدد سكان المدينة نحو 80,000 نسمة.
تم بناء أول مدرسة ابتدائية في رأس العين في نهاية العشرينات من القرن المنصرم، ودشنت في عهد الرئيس تاج الدين الحسيني. وكانت الدراسة في المدينة مختلطة حتى الثمانينات من القرن المنصرم. وتوجد في رأس العين ثلاثة مدارس ابتدائية خاصة إضافة إلى المدارس الحكومية، وكانت توجد أيضاً إعدادية قطف الزهور التي أُغلقت بقرار من حكومة الوحدة السورية – المصرية.
الحياة الاجتماعية:
تميّزت رأس العين بالتعايش المشترك بين مكوناتها المختلفة من مسلمين ومسيحيين وإيزيديين وأكراد وسريان وعرب وشيشان وأرمن.
وصل الشيشان إلى منطقة رأس العين في عام 1858، وكان عددهم كبيراً. قام السلطان العثماني بتوطينهم على ضفاف نهر الخابور. إلا أن الكثير منهم ماتوا نتيجة تغيّر الظروف المناخية وتفشّي مرض الملاريا بينهم.
توافد الأرمن والسريان إلى مدينة رأس العين أثناء الحرب العالمية الأولى، بسبب المجازر التي لحقت بهم، وعلى إثر مذابح الأرمن والتهجير القسري لهم، ومجازر السيفو عام 1915. وصل عدد العوائل الأرمنية في رأس العين إلى 471 خانة، إلا أن الكثير منهم هاجروا بعد الستينات إلى مدينة حلب وإلى لبنان وإلى جمهورية أرمينيا وإلى مناطق أخرى، وبقيت عوائل قليلة جداً. وهناك المردلية (نسبة لمدينة ماردين) وهم الذين هاجروا من ماردين وريفها ومنهم مسيحيّون وقسم منهم مسلمون ويوجد بينهم عرب وكورد.
توجد قبائل عربية مثل العدوان والجيس والشرابيين وحرب، والغراجنة. كما توجد عائلات عربية من عشائر طي والبكارة وجبور والعبيد والعفادلة. ويوجد في رأس العين بعض العائلات من الأصول التركمانية.
وخلال خمسينيات القرن الماضي، شهدت مدينة رأس العين تدفقاً لعدد من العائلات من منطقة حوران في سوريا. جاء هؤلاء بحثًا عن فرص عمل وظروف معيشية أفضل، واستقروا في الجزء الجنوبي من المدينة. انخرط معظمهم في أعمال تتناسب مع احتياجات المدينة آنذاك، مثل السقاية، والعتالة (نقل البضائع) والزراعة. وعاد القسم الكبير منهم إلى حوران.
و عاش الجميع في وئام وسلام. وكانت المدينة تحتوي سابقاً على ثلاث كنائس ومسجدين فقط، مما يعكس التنوع الديني.
الزراعة:
كانت رأس العين تُعرف بكونها منطقة زراعية غنيّة، بفضل وفرة مياهها ومرور نهر الخابور فيها، وروافده كالجرجب وزركان في شرقها، إضافة إلى ينابيعها الغزيرة والينابيع الكبريتية (المعدنية).
الثورة الزراعية الحقيقية في منطقة رأس العين بدأت عندما أبرمت شركة “أصفر ونجار” اتفاقاً مع عائلة إبراهيم باشا المللي لاستثمار جزء من أراضيهم الزراعية. اعتمدت الشركة على تقنيات زراعية حديثة تشمل استخدام الجرّارات، البذور المُحسّنة، أدوات الحصاد المتطورة، ونظم الري المتقدمة. ساهمت هذه الأساليب في تحسين الإنتاجية وتطوير عملية التسويق، مما أحدث نقلة نوعية في الزراعة بالمنطقة. ولولا قرارات الإصلاح الزراعي وقرارات لجان الاعتماد التي بموجبها تم الاستيلاء على تلك المشاريع والأراضي لتغيّر وجه رأس العين والمنطقة نتيجة لتلك المشاريع.
وكان هناك مزارعون كبار في رأس العين/ سري كانييه أمثال السادة أراكيل كشيشيان وحبيب مريمو وآل العاصي وجورج شماس وآل الرزة وجان اسمريان وغيرهم من المزارعين.
لكن للأسف جفَّ نهر الخابور وتلك الينابيع نتيجة عوامل بيئية وتدخلات بشرية، وعدم إيجاد حلول علمية وعملية من قبل الدولة، وحفر الآبار الارتوازية بطريقة عشوائية.
بلغت مساحة الأراضي الزراعية الصالحة للزراعة في منطقة رأس العين حوالي 240,119 هكتاراً، منها 161,640 هكتاراً تزرع بشكل بعلي، و75,445 هكتاراً تروى بمياه الآبار المرخصة التي يبلغ عددها 8,355 بئراً، إضافة إلى 368 بئراً غير مرخصة. كان المصرف الزراعي في رأس العين يصرف سنوياً نحو 25 مليار ليرة سورية لشراء الحبوب والأقطان والأسمدة والبذور، ناهيك عن القيمة المرتفعة للمحاصيل الزراعية الموسمية.
الينابيع والبساتين:
كانت مدينة رأس العين تُعرف منذ زمن بعيد بوفرة ينابيعها العذبة التي كانت ترفد نهر الخابور، حتى أصبحت هذه الينابيع سمةً مميزة لها، ولقّبت بسببها بـ”رأس العين” / سري كانيه بالكردية. تواجدت تلك الينابيع جنوب المدينة، وكان يُقال أن عددها بلغ 360 نبعاً، تتدفق مياهها لتروي عطش الأرض وتغني المدينة بحكاياتها المنسابة عبر الزمن.
من بين تلك الينابيع، كان هناك نبع “حبيب” الذي استمد اسمه من موقعه قرب بناء السيد حبيب مريمو، ليصبح مصدر حياة لأهالي المدينة الذين كانت جرارهم تملأ منه. إلى جواره، كانت تنبض ينابيع أخرى بأسماء تضفي طابعاً من الأصالة على المكان، مثل نبع “أروخوم”، “السيارات”، “قدس”، “الفوارة”، “السالوبا”، و”عين البنات” في بستان أبو سليمان، و”عين الجبارة”، “بانوس”، “جاموس”. كلّ منها يحمل ذكرى ترتبط بوجود أهالي رأس العين وذاكرتهم. كانت تلك العيون والينابيع مياهاً زرقاء رقراقة، تمدّ يديك وتغرف منها لتشرب.
لم تقتصر جاذبية رأس العين على ينابيعها فقط، بل امتدت إلى بساتينها الغنّاء، تلك المساحات الخضراء التي كانت بمثابة واحات سحرية بين أرجاء المدينة. لكلّ بستان منها قصةٌ ورائحةُ ترابٍ مميزة؛ بستان “أبو هاكوب”، “بستان سلمى”، “بستان الخالة سيرانة”، و”منتزه ومقصف سيروب”، و”منتزه ومقصف الرياض”. كانت هذه البساتين ملاذاً للجميع، تضجّ بالحياة كما كانت تضج بالأحاديث والأماني المخبّأة تحت ظلال أشجارها الوارفة.
أما المنتزهات، فكانت نبضاً آخر من نبضات المدينة، يجتمع فيها أهلها بحثاً عن الراحة والمتعة. كان منتزه بستان سلمى الذي أنشأ عليه السيد عبد الرزاق حسو منتزه مشوار و”حديقة قصر” و”أصفر ونجار” أكثرها شهرة، يجسّدون روعة الطبيعة وكرم أهل المكان في استقبال زائريهم.
وعلى مقربة من “عين حصان”، كانت تُقام احتفالات عيد النيروز، حيث تنساب الأنغام وترتفع الأهازيج، لترسم في الأذهان ذكرياتٍ لا تُنسى، يستعيدها أبناء المدينة كلّما مرّوا بتلك الأماكن أو جال في خواطرهم عبقُ الماضي.
لقد كانت رأس العين، بعيونها المتدفّقة وبساتينها الحالمة، لوحةً منسوجةً من الجمال والذكريات، كلّ زاوية فيها تحمل بين طياتها حكاية، وكل نبع ينبض بروح المكان وعراقة تاريخه.
قطار الشرق السريع:
خط قطار الشرق السريع الذي يمر بشمال مدينة رأس العين على الحدود التركية له مكانة خاصة في ذاكرة أبناء المنطقة. صوت صفيره وحركته يختزلان ذكريات وحكايات لا تُنسى. يُعتبر هذا القطار جزءاً من تاريخ رأس العين، حيث عاش السكان المحليّون لحظات مليئة بالمشاعر على مر الزمن، سواء في انتظار وصول أحبائهم، أو في استرجاع قصص قديمة مرتبطة بهذا القطار الذي شكل جزءاً من الحياة اليومية لسنوات عديدة. وقد ربط رأس العين منذ الثلاثينات من القرن الماضي بمدينة حلب. أما المحطة نفسها فقد أُنشئت في عام 1940.
الحياة السياسية:
كان لكلّ الأحزاب السياسية السورية وجود في رأس العين: الحزب الشيوعي السوري، الحزب القومي السوري الاجتماعي، الاتحاد الاشتراكي، حزب البعث العربي الاشتراكي قبل انقلاب 1963، جماعة الإخوان المسلمين، والحزب الديمقراطي الكوردستاني في سوريا، وهو أول حزب سياسي كردي في سوريا وأصبح له تواجد في رأس العين سريعاً بعد تأسيسه في عام 1957م.
مثّل سري كانيه/ رأس العين في البرلمان السوري السيد خليل بيك إبراهيم باشا الملّلي منذ تأسيسه إلى عام 1950، وكان واحداً من أعضاء اللجنة الدستورية لكتابة أول دستور لسوريا ونال وسام أُميّة، الذي لا يُمنح إلا لمن قدّم خدمات كبيرة لسوريا. وبعده كان ابن أخيه محمد إسماعيل إبراهيم باشا المللي عضواً في البرلمان السوري من عام 1950 إلى عام 1954، وبعده كان ابن أخيه السيد خليل محمود إبراهيم باشا المللي (خليل معمو) الذي عُرف بجوده وكرمه وخدماته التي كان يقدمها لكل من لجأ له. ودخل البرلمان السوري أيضًا السيد عبدالكريم أَخْتا- الشيشاني الأصل-. وكان السيد عبدالعزيز حسن بيك أحد أعضاء اللجنة الدستورية في الأربعينات من القرن الماضي وكان أول نقيب للمحامين في محافظة الحسكة وأصبح وزيراً للعدل.
الحياة الثقافية والفنية:
في ستينيات القرن الماضي، شهدت مدينة رأس العين نهضةً ثقافيّة وفنيّة ورياضيّة تجلّت في ازدهار المسرح والفنون المختلفة. كان هذا العصر، بحق، عصر الإبداع المسرحي والفني الذي برز فيه العديد من الأسماء المضيئة التي أسهمت في بناء هذا المشهد الثقافي.
في طليعة هؤلاء المبدعين، يبرز اسم السيد محمد نابلو (أبو علي)، الذي كان رائداً في مجال المسرح، مقدماً العديد من الأعمال المتميزة التي حظيت بإعجاب الجمهور، وكان من أبرزها مسرحية “براويز”. بعده، جاء جيل جديد من الفنانين والشغوفين بالمسرح، أمثال السيد إبراهيم دوشي والسيد أنطون كرمو، الذين واصلوا حمل شعلة الفن، برفقة مجموعة من شباب المدينة الموهوبين، ليكملوا مسيرة أبي علي ويساهموا في إثراء الحياة الثقافية في رأس العين.
وقُدّمت الكثير من الأعمال المسرحية على مسارح أعياد النيروز من قبل الأحزاب الكوردية، وبرز الفنان المسرحي محمد عرب. لم يكن المسرح وحده هو المزدهر في هذه الفترة، بل كانت الموسيقى أيضاً حاضرة بقوة. فقد تشكلت فرقة موسيقية متميزة ضمت السيد ناجي الرهاوي، والمبدع عبد اللطيف مزعل، وضمَّت أيضاً ظافر ديبو. برع السيد ناجي الرهاوي، بشكل خاص، في العزف على آلة العود، ليضع بصمته الفنية الفريدة ويثري المشهد الموسيقي في المدينة.
آل الرهاوي هي عائلة معروفة في منطقة رأس العين، وكان لها تأثير كبير على الحياة الفنية هناك. يعود هذا التأثير إلى تعدد المواهب الفنية في هذه العائلة التي ساهمت في إغناء المشهد الثقافي والفني للمنطقة. شملت هذه المواهب مجالات مثل الموسيقى، الرسم، المسرح، مما جعل من العائلة رمزاً للإبداع والتميز في المنطقة.
وقد لعب الشاعر والأديب الكردي المعروف يوسف برازي (1931-2009)م ، الملقب بـ( بي بهار Bêbuhar)، دوراً ملحوظاً في سري كانيه بنضاله القومي حيث كان من أوائل المنضمين لأول حزب كردي في سوريا وبدوره الأدبي واهتمامه باللغة الكردية، وقد اعتقل بسبب ذلك من قبل السلطات، مع مجموعة من النشطاء في العام 1966.
أنجبت المدينة أيضاً العديد من الفنانين والمطربين الذين شقّوا طريقهم إلى الشهرة. كان من بينهم المطرب نواف مزعل، الذي اكتسب شهرة واسعة في دمشق، قبل أن ينتقل إلى بريطانيا ليواصل مسيرته الفنية. وكذلك الفنانان الشقيقان محمود عزيز ومحمد علي شاكر، اللذان قدّما العديد من الأغاني والألحان الكردية التي نالت إعجاب الجمهور على مستوى كبير جداً تجاوز حدود سوريا، وخصوصاً الفنان محمود عزيز، الذي تميز بمشاركته من خلال فرقة “سركفتن” في تقديم الأغاني على مسرحي سينما “ريفولي” و”الجندول” في بيروت خلال السبعينيات، بحضور نخبة من الفنانين والشخصيات السياسية البارزة، وعلى رأسهم رئيس مجلس الوزراء اللبناني آنذاك، السيد صائب سلام. كما قدم مع الفرقة المذكورة حفلاً فنياً في الأردن بناءً على طلب من جمعية صلاح الدين في الأردن. وكان له حضور مميز في الإذاعة الكردية ببغداد، حيث سجل العديد من الأغاني التي لا تزال محفورة في الذاكرة.
وبرز أيضاً كل من الفنانين أوميد سليمان وخضر سليمان وروني جان (محمد حسو) وحمي أبو زيد ومصطفى خالد وجوهر أوسو. وكان لعائلة كيكي دور في المشهد الموسيقي والثقافي المحلي من خلال الفنانين صلاح وسعيد ومحمد أمين كيكي، حيث تعاونوا في العزف على الآلات الموسيقية والغناء وتنظيم الأنشطة الفنية. هذا يعكس دور العائلة في الحفاظ على التراث الموسيقي وتقديمه للأجيال القادمة في المنطقة. وبرز أيضاً المطرب محمود عبوش الذي كانت هوايته الغناء منذ صغره، والفنان عمر سليمان الذي وصلت شهرته إلى كل مكان.
هكذا كانت رأس العين في تلك الفترة منارة للفن والموسيقى، حاضنة للإبداع، وموئلاً للمواهب التي أثرَت الساحة الفنية والثقافية بأعمال خالدة تردد صداها في أرجاء المنطقة، وظلّت شاهدة على عصر ذهبي من تاريخ المدينة.
الرياضة:
شهدت الرياضة نشاطاً ملحوظاً، لا سيما في كرة القدم. تم تشكيل العديد من الفرق والأندية الأهلية، منها هومنتمن، فريق السوري، فريق الخابور، فريق الجزيرة، وفريق صلاح الدين. ونشطت فرق كرة الطائرة والسلة وبرز في هذه الألعاب أسماء لاعبين كبار.
ومع ذلك، كانت الرياضات التي حازت على شهرة أوسع في المدينة تشمل رياضة كمال الأجسام، المصارعة، وحمل الأثقال، حيث برز العديد من الرياضيين في هذه المجالات، ما أكسب المدينة مكانة مرموقة في عالم الرياضة المحليّة. ومن أبرز هؤلاء الرياضيين البطل نوري أيوب المللي، الذي فاز عدة مرات ببطولة الجمهورية في كمال الأجسام لفئة الطويلة لأعوام 1958 و1960 و1961 و1963 و1965، ورُشّح لبطولة العالم لعام 1966، إلا أن ظروفه لم تسمح له بالسفر. وكان راعياً ومدرّباً لهذه الألعاب وهو حكم دولي مجاز.
كما كان لبقية الألعاب الرياضية دور وحقق اللاعبون مراكز متقدمة في المسابقات مثل الكاراتيه والجودو وكرة الطاولة والجري وسباق الدراجات.
من الثورة إلى الاحتلال التركي:
مع اندلاع الثورة السورية، شارك أهالي رأس العين بفعالية في المظاهرات السلمية، لكن سرعان ما تحولت المدينة إلى ساحة للصراع المسلح. في 18 نوفمبر 2012، دخلت المجاميع المسلحة، مثل “غرباء الشام” و”كتائب الفاروق” و”جبهة النصرة” إلى رأس العين، مما أدى إلى انقسام المدينة إلى قسمين: القسم الغربي تحت سيطرة تلك الفصائل، والقسم الشرقي تحت سيطرة وحدات حماية الشعب الكردية. بعد اشتباكات عنيفة، تمكّنت الوحدات الكردية من السيطرة على المدينة بالكامل.
في 9 أكتوبر 2019، شنّت القوات التركية، بمساندة الفصائل المسلحة التابعة لها، عملية عسكرية أُطلق عليها “نبع السلام”، تحت ذريعة حماية أمنها القومي، مما أدى إلى نزوح معظم سكان رأس العين نحو مدن الحسكة، القامشلي، الدرباسية، وعامودا، حيث أنشئت لهم مخيمات إيواء، مثل مخيم “سري كانيه” و “واشوكاني”.
اليوم، يعيش الآلاف من النازحين في ظروف صعبة للغاية، وسط قلة التجهيزات واللوازم المدرسية، وتدني الخدمات الأساسية، وارتفاع تكاليف المعيشة.
تعيش المدينة اليوم واقعاً مريراً تحت سيطرة القوات التركية والفصائل الموالية لها، مما يعرف بـ”الجيش الوطني السوري” مثل “فصيل الحمزات” و”السلطان مراد”، الذين فرضوا سطوتهم على المدينة وأهلها. يُعد التنقل من وإلى رأس العين أمراً في غاية الصعوبة والخطورة، وتتعرض كل محاولة للعودة من قبل الأهالي للتحقيقات والاعتقالات التعسفية. تم إسكان الوافدين من إدلب ومناطق أخرى في منازل السكان الأصليين بعد الاستيلاء عليها، ما أدى إلى تغيير ديموغرافي كبير، وأصبحت المدينة مقراً لصراعات الفصائل على النفوذ والغنائم.
في ظل هذه الأوضاع، بات من الضروري العمل على تنظيم تحركات دولية ومحلية لتسليط الضوء على معاناة أهالي رأس العين من خلال:
- تنظيم اعتصامات سلمية أمام سفارات الدول المعنية للضغط على تركيا لإنهاء احتلالها.
- تقديم الدعم الإنساني والإغاثي للنازحين، سواء داخل المخيمات أو في أماكن نزوحهم الأخرى.
- مطالبة المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية بتحمل مسؤولياتها وإطلاق سراح المعتقلين والمختطفين، وضمان عودة النازحين إلى منازلهم.
- توثيق الانتهاكات الجارية في المناطق المحتلة، والتواصل المستمر مع المنظمات الدولية.
- تنظيم ندوات ومحاضرات لشرح معاناة النازحين، ونشرها إعلامياً بشكل دوري.
إن ما يعانيه أهالي رأس العين من نزوح قسري، وتشرّد وفقدان ممتلكاتهم، يتطلب جهوداً حثيثة من المجتمع الدولي وأبناء المدينة في الشتات، لتبني قضاياهم والعمل على إنهاء معاناتهم التي امتدت على مدار سنوات دون حل.
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=59789