لمحة عن النظام الفدرالي في العالم
علي شيخو برازي
الاتحادات الفدرالية هي : كیانات مدنیة مركبة، تضم وحدات إقليمية مترابطة وحكومة عامة تمتاز بالقوة ، ولكل منها سلطات اختارها الشعب بموجب الدستور, ولكل من الحكومة الإقليمية والحكومة المركزية صلاحیة في التعامل المباشر مع المواطنین, من حیث ممارسة السلطات التشریعیة والتنفيذية والقضائية, كما أنها تنتخب انتخابا مباشرا من قبل المواطنین, ویوجد حالیاً نحو 25 اتحادا فدرالیا في العالم تنطبق علیهم المعاییر الأساسیة للاتحاد الفدرالي .
یبدو أن العالم في مطلع الألفية الثالثة، أمام تحول في أنماط الحكم السائدة, من عالم تغلب علیه الدول القومیة ذات السیادة, إلى عالم تتضاءل فیه سیادة الدولة وتتزاید بین الدول روابط ذات طابع دستوري فدرالي. وهذا ما نلاحظه في الكثير من دول العالم.
إن تبني المؤسسات السیاسیة الفدرالیة قد نال اهتماما كبيرا لدى شعوب العالم, وهذا ما تؤكده المعطيات والتجارب, فحاليا هناك نحو 25 دولة, تتكون من 480 إدارة فدرالية، والتي تضم ما یزید عن ٤٠ ٪ من سكان العالم يوجد فیها أسس الاتحاد الفدرالي , وهناك نماذج مبتكرة واختلافات كثير من حيث النظم والصلاحيات, ويعود ذلك إلى حيثيات الدولة التي تتبنى هذا النظام .
فكرة الفدرالیة الیوم هي أكثر شعبیة على المستوى الدولي, من أي وقت مضى في التاریخ,
ونشوء الرغبة في وحدات سیاسیة أصغر حجماً وتتمتع بالحكم الذاتي, كانت من الرغبة في جعل الحكومات أكثر استجابة للمواطن, وأن توفر إمكانیة التعبیر بشكل أكبر عن الروابط الأولیة ضمن المجموعات البشریة مثل : الروابط اللغویة والثقافیة، الروابط الدینیة، التقالید التاریخیة والممارسات الاجتماعیة, التي توفر الأساس المتمیز لإحساس المجموعات العرقية والطائفية, بهویتها وتوقها لتقریر مصیرها بنفسها. ونظراً لهذه الضغوط المزدوجة في مختلف أنحاء العالم، فإن العدد یتزاید من الشعوب التي بدأت ترى في شكل من أشكال الفدرالیة، التي تضم حكومة مشتركة لأهداف عامة محددة, مع أعمال ذاتیة من جانب الوحدات المكونة للحكومة, هدفا للحفاظ على تمیزها الإقلیمي والثقافي .
تاريخيا هناك تجارب عديدة ومتباينة في هذا الإطار, ونرى أربع فئات من الفيدرالية في التاريخ الحديث في الدولة الغربية والآسيوية, وتعتبر الولایات المتحدة أول بلد اعتمد الدستور الفدرالي.
الفئة الأولى : الاتحادات الفيدرالية في المجتمعات الصناعية المتقدمة مثل الولايات الأمريكية المتحدة 1789 – سويسرا 1848 – كندا 1867 – استراليا 1901 – نمسا 1920 – ألمانيا 1949.
الفئة الثانية : إتحادین فدرالیین في آسیا وهم : الهند 1950 – ماليزيا 1963, وبالرغم من بعض المشاكل والتحديات فيها, إلا أن لهما تجربة بارزة في التكیف مع التعددیة, سواء الاثنية أو الثقافية أو الدينية، ويعد الهند اتحاد فدرالي ذي مركز قوي, وفي الوقت الحالي یضم هذا الاتحاد الفدرالي ٢٨ ولایةً و ٧ أقالیم تابعة للاتحاد, من بینها إقلیم العاصمة الوطنیة دلهي, والذي یتمتع بوضع خاص, ویتجاوز العدد الكلي للسكان ٩٥٠ ملیون نسمة, وتتسم الهند بمجتمع متنوع ومتعدد اللغات, واللغة الهندیة هي اللغة الرسمیة, ولا یتجاوز عدد المتحدثین بها ٤٠ بالمائة من السكان معظمهم في الشمال .
وتوجد ١٨ لغة إقلیمیة معترف بها. وما بین عامي ١٩٥٦ و ١٩٦٦ تم إعادة تنظیم الولایات على أساس عرقي لغوي إلى حد كبیر وفي حالة واحدة فقط وهي (البنجاب) على أساس دیني ولغوي، ومنذ ذلك الحین جرت بعض التعدیلات في عدد الولایات.
أما نظام الاتحاد الفدرالي في مالیزيا فیتسم بأهمیة خاصة, لأنه یشكل توازنًا دقیقًا, ومعقدًا من حيث الطوائف المتنوعة داخل اتحاد فدرالي برلماني مركزي نسبیًا, قام بتحقیق تطور اقتصادي سریع كما هو ملحوظ عالميا.
الفئة الثالثة : إتحادین فدرالیین ناشئین, ظهرا حدیثاً وهي أيضا في المجتمعات الصناعية المتقدمة مثل : اسبانيا 1978 – بلجيكيا 1993 . واللتان اعتمدتا مناهج مبتكرة لتطبیق فكرة الفدرالیة . بلجیكا في مجال التدابیر ذات الطائفتین.
إسبانیا خاضت أیضًا عملیة مزدوجة للتحول الفدرالي, ترتبط بالتفویض الداخلي للسلطات والدمج الخارجي مع الاتحاد الأوروبي. وفي عام ١٩٧٨ وبعد حوالي أربعین عامًا من المركزیة الشمولیة في ظل دكتاتوریة الجنرال فرانكو، اعتمدت إسبانیا دستورًا جدیدًا یضع نظامًا من الدیمقراطیة البرلمانیة.
وفي إطار التحول الدیمقراطي ما بعد حقبة فرانكو, وكوسیلة لإحداث توازن بین المصالح الإقلیمیة القویة التي تشجعها النزعة القومیة الباسكیة والكتالونیة المتجددة، قامت إسبانیا بعملیة الأقلمة. حیث أنشأت وحدات تدعى”المجتمعات ذات الحكم الذاتي” یوجد منها ١٧ مجتمع في بلد یضم حوالي٤٠ ملیون نسمة.
تصطبغ إسبانیا بصبغة فدرالیة في شتى المجالات باستثناء اسمها وتضم ١٧ مجتمع حكم ذاتي كما أسلفنا, تتمتع بسلطة دستوریة تمنحها قدرًا كبیرًا من الحكم الذاتي. وفي الوقت الحالي تعد إسبانیا واحدة من أكثر الدول اللامركزیة في العالم .
الفئة الرابعة : تتألف من إتحادین فدرالیین ذي قوميتين تعرضا للفشل: تشیكوسلوفاكیا وباكستان .
في باكستان استولى أول نظام عسكري باكستاني على السلطة ١٩٥٨وأصدر دستوره الخاص الذي أكد مجددًا على وجود الاتحاد الفدرالي بشقیه. الإقليم الغربي والإقليم الشرقي .
وقد قام البنغالیون، الذین كانوا یشعرون بالاستیاء من هیمنة الإقلیم الغربي على حیاتهم السیاسیة والاقتصادیة، وبأنهم كانوا یعاملون كما لو كانوا في مستعمرة ویخضعون لاحتلال الحكومة الموجودة في روالبندي، فقاموا عام١٩٧١ بإعلان انفصال شرق باكستان، أو بنغلادیش كما أعادوا تسمیتها. وقد أدى ذلك إلى نشوب حرب أهلیة على مدار أسبوعین و ظهور دولة بنغلادیش المستقلة إلى حیز الواقع .
أما في حالة تشیكوسلوفاكیا, فقد حدث مشاكل وتوترات كثيرة, وهذا ما یمكن أن يحدث في الاتحاد الفدرالي ذي الطائفتین من العملیة الدینامیكیة المتمثلة في الاستقطاب الثنائي التراكمي، والسرعة التي یمكن أن یحدث بها الانقسام والتفكك, عندما یرى الزعماء السیاسیون من كلا الجانبین أن الانفصال یحقق استفادة مشتركة لمركزیهما السیاسیین.
ففي عام ١٩٩٢ وصل الحزب القومي السلوفاكي إلى السلطة في سلوفاكیا وطالب بالاستقلال. وبعد ذلك قام تحالف بزعامة السلوفاك بمنع إعادة انتخاب فاتسلاف هافل كرئیس فدرالي .
وقد عجل ذلك من الاتفاق بین زعیمي التشیك والسلوفاك، وقد رأى كل منهما أن استقلال كل مجموعة منهما عن الأخرى, وإن هذا العمل سیحقق فوائد سیاسیة, وأدى هذا المخطط إلى الانفصال السلمي لتشیكوسلوفاكیا إلى دولتین في الأول من ینایر ١٩٩٣ وبدون أیة استفتاءات أو عملیات تصویت أخرى للتأكد من آراء الناخبین.
بكل تأكيد ليس هناك نموذج من الفدرالية يمكن تطبيقه في كل مكان, لكن الفكرة الأساسیة التي تتضمن مزیجاً من الحكم المشترك لمصالح معینة, وحكم ذاتي إقلیمي لمصالح أخرى ضمن نظام سیاسي واحد, بحیث لا یكون الواحد من هیاكل الحكم هذه خاضعاً للآخر, وقد تم تطبیق نماذج مختلفة في العالم تتلاءم مع الظروف الذاتية والموضوعية لكل بلد .
وقد تعددت الأنظمة الفدرالیة في جوانب كثیرة منها: الأسس الاجتماعیة والاقتصادیة المتعددة لهذه الأنظمة وأهمیتها, عدد الوحدات التي تشكل الأنظمة الفدرالیة, ودرجة التوافق أو عدمه في حجم الوحدات, الموارد المتوفرة والوضع الدستوري, مدى توزیع وتخصیص المسئولیات من حیث التشریع والتنفیذ والإنفاق, توزیع وتخصیص الموارد وسلطات, فرض الضرائب, الخ … وبالتالي لا تستطیع أيّ فئة في أي دولة من العالم, أن تختار نماذج الفدرالیة كیفما شاءت, حتى عندما یتم تطبیق مؤسسات متشابهة، فوجود ظروف مختلفة حتما ستؤدي بهذه المؤسسات لأن تعمل بصورة مختلفة نظرا لاختلاف التكوين التاريخي لتلك الدولة, وهناك نماذج كثير من تجارب دول العالم في هذا المجال .
جدول الأنظمة الفدرالية في العالم
الاتحادات الفدرالیة المعاصرة :
جمهوریة الأرجنتین:
الوحدات المكونة ٢٣ مقاطعة + مركز فدرالي + ٥ مناطق .
كومنولث أسترالیا :
٦ ولایات + إقلیم + إقلیم رئیسي + ٧ أقالیم إداریة.
جمهوریة النمسا الاتحادیة :
٩ مقاطعات لاندر.
بلجیكا :
٣ مناطق + ٣ مجتمعات ثقافیة.
البوسنة والهرسك :
كیانین + مركز.
البرازیل :
٢٦ ولایة + مركز فدرالي رئیسي.
كندا :
١٠ مقاطعات + ٣ أقالیم + منظمات السكان الأصلیین.
جمهوریة جزر القمر الإسلامیة الاتحادیة :
٣ جزر.
إثیوبیا :
٩ ولایات + ٢ مدن تحكمها مواثیق.
جمهوریة ألمانیا الاتحادیة :
١٦ مقاطعة لاندر.
جمهوریة الهند :
٢٨ ولایة + ٧ أقالیم اتحادیة .
مالیزیا :
١٣ ولایة .
الولایات المكسیكیة المتحدة :
٣١ ولایة + مركز فدرالي.
ولایات میكرونیزیا الموحدة :
٤ ولایات.
جمهوریة نیجیریا الاتحادیة :
٣٦ ولایة + إقلیم رئیسي فدرالي.
جمهوریة باكستان الإسلامیة :
٤ مقاطعات + ٦ بقاع عشائریة + عاصمة فدرالیة.
الاتحاد الروسي :
٨٩ ما بین جمهوریات وفئات متعددة من المناطق.
سانت كیتس ونیفس :
جزیرتین.
صربیا والجبل الأسود :
جمهوریتین + ٢ منطقة ذاتیة الحكم في صربیا.
جنوب أفریقیا :
٩ مقاطعات .
أسبانیا :
١٧ مجتمع ذاتي الحكم.
الاتحاد الكونفدرالي السویسري :
٢٦ كانتون.
الإمارات العربیة المتحدة :
٧ إمارات.
الولایات المتحدة الأمریكیة :
٥٠ ولایة + تحالفین + ٣ أقالیم حكم داخلي محلي + ٣ أقالیم غیر منضمة + ١٣٠ عشیرة محلیة تابعة من الأمریكیین الأصلیین.
جمهوریة فنزویلا :
٢٣ ولایة + مركز فدرالي + ١ مركز تبعیة یتكون من ٧٢ جزیرة .
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=61454
