مصطفى عبد الوهاب العيسى
إن من أكثر ما يدل على القفزة التي أحدثها مام جلال للقضية الكردية من جهة ، و تأثيره في العلاقات العربية الكردية من جهة أخرى هو فرحة الرئيس السوري حافظ الأسد به و بلقائه مع الزعيم العربي جمال عبد الناصر والذي يقول فيه كما أورد شمدين في السلسلة : أنت صديق للعرب و مؤيد للعلاقة العربية الكردية و ما تفعله سيكون له تأثير إيجابي على العلاقات العربية الكردية .. ، و هو ما يُفسر لنا دعم الأسد لاحقاً له و لمدة طويلة .
كيف لا يتقبل العربي و يتبنى القضية التي ينادي بها هذا الشاب الكردي الذي كان سعيه ببساطة كما يقول في مقدمة كتابه : ” ولهذا وطدت العزم وأنا في القاهرة عام 1963 على بذل الجهود اللازمة لإخراج هذه الفكرة إلى حيز الوجود فشرعت بكتابة هذا البحث كمساهمة متواضعة في تعزيز الإخوة الكفاحية بين الجماهير الشعبية الكردية والعربية ، و في توضيح الحقيقة – التي كانت دوماً نبراس نضال الشعوب – عن القضية الكردية للرأي العام العربي الذي يتوقف على تفهمه الصحيح إلى حد كبير إيجاد و تنفيذ حل تقدمي سلمي لها و كذلك مصير الوحدة الوطنية لشعبنا العراقي و مستقبل الأخوة العربية الكردية ” .
لقد كانت إضاءة الكاتب علي شمدين و تجميعه لهذه الجزئيات الخاصة بعلاقات مام جلال العربية في سلسلة مام في الشام هامة بالنسبة لكل قارئ أو كاتب أو سياسي مهتم بالشأن الكردي بشكل عام ، ولكنها أعتقد أكثر أهمية بالنسبة للعربي والكردي بشكل خاص فهو يطلع من هذه التفاصيل على علاقات مام جلال العربية مع جورج حبش و نايف حواتمة وأحمد جبريل وو .. الخ ، و حضوره مؤتمر الشباب الناصري الديغولي عام 1974 أو حتى فرصة المشاركة كوفد كردي مع نجلي الملا مصطفى البارزاني في قمة عربية مثلاً ، كما سيشاهد تقبُّل و دعم رؤساء عرب لهذه الشخصية وذلك رغم اختلاف مشاربهم و أحزابهم و أزمانهم ( عبد الناصر – القذافي – الأسد ) إلا أنهم أجمعوا على قبول هذه الشخصية الكردية وهم من أبرز دعاة القومية العربية .
إن سلسلة مام في الشام بما أظهرته بأسلوب مختصر و شيق لشخصية كردية شابة تتنقل في الخمسينات والستينات والسبعينات بين العواصم العربية ( دمشق – القاهرة – بيروت – الجزائر – طرابلس ) وهي تُعرّف بالوسط الكردي والقضية الكردية تُعيد لنا عرباً و كرداً درساً هاماً مفاده بأن القضايا لا يُقدّم لها التعصب شيئاً ، و لا يخدمها أبداً إنسان متطرف أو عنصري ، وهو ما أدركه مام جلال مبكراً ، وابتعد عنه ، و حاول دائماً إبعاد الكرد عن التطرف والتعصب لعلمه بأن التطرف لا يُولِد إلا التطرف ، و ليقينه بأن التعصب سيمنع التعاون المثمر في حل القضايا العادلة ، ويمنع الناس من استيعاب وجهة نظره ، و يُصعّب الوصول لحلول واقعية وشاملة ، فضلاً عن أن التعصب سيقود للعنف غالباً ، وهو ما ترفضه عقلية مام جلال الداعية للحوار دائماً .
أثبتت برأيي سلسلة مام في الشام بأن للشام دوراً كبيراً في الحماية أو الرعاية الإلهية التي تتولى الفرد و بشكل يتجاوز الحماية القادمة من ارتباط أو علاقات بالسلطة الحاكمة فيها ، ولو تمت إحدى عمليات الاختطاف أو الاغتيال مثلاً لضاع الكثير من المستقبل السياسي الذي شهدناه للكرد وليس فقط لمام جلال ، و مثال ذلك دون حصرٍ الصدفة التي جعلت عبد الإله النصراوي ( أمين عام الحركة الاشتراكية العربية في العراق ) يُساهم في إبعاد الأذى عن مام جلال أو حمايته إن صح القول .
و حماية الشام هذه أعتقد بأنها نابعة من قدسية الشام التي لا يمكن الحديث عنها مطولاً هنا ، فقد لا يتفهمها الكثير من القراء البراغماتيين ، و لكنني أحسب أن مام جلال كان مدركاً لهذه الحقيقة ، و لحقيقة أن الشام كانت و ستبقى علامة فارقة في حياة كل من عاش فيها .
من جميل ما أكدته لنا سلسة مام في الشام هو السير العبقري لمام جلال في خطين متوازيين مع العرب تارةً و مع الكرد تارةً ، فلا العرب رفضوا أو استهجنوا التزامه القومي ولا الكرد أحسوا بتقصير منه .
بحسه الساخر و سرعة بديهته و نكتته الحاضرة استطاع انتزاع قبوله لدى معظم الأطراف العراقية وتأييد و دعم الكثير من العرب له .
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd-online.com/?p=78101