ما هي غاية أردوغان من إثارة تقسيم تركيا وسوريا

كورد أونلاين |

د. محمود عباس

الوعي يخلق القوة وما يشتق منها، بالقوة تأتي الحرية، نعني بها قوة الكلمة، والدبلوماسية، والاقتصاد، والخباثة السياسية وغيرها، وأخرها القوة العسكرية، بدون الفروع الأولى تكون الأخيرة هشة وسهلة تدميرها.
هذا ما يدركه محتلو كوردستان، الذين خرجوا بأخر صرعاتهم؛ بعد فشلهم في تقوية داعش ودفعها لمحاربة الشعب الكوردي، لنقله إلى ظلمات الفكر الراديكالي الإسلامي، لئلا ينهض اليوم مع ما تقدم له الدول الكبرى من المساعدات على خلفية التغييرات الجارية في الاتفاقيات الاقتصادية – السياسية في المنطقة، والمؤثرة بشكل ما على مراكز مصالحها، وبعدما فشلت المنظمة في مهمتها وهي احتلال كوردستان وفرض الفكر الظلامي وتدميره ثقافيا والحد من تنامي وعيه في العقود القادمة المحتملة فيها ظهور كوردستان، جاء تصعيد تهمة تقسيم الدول المحتلة لكوردستان على مستوى الرؤساء، وهو ما أقدم عليه رئيس تركيا اليوم، الدولة التي كانت تنكر الوجود الكوردي حتى قبل عقدين من الزمن.
وبعدما كانت تحصر التهمة (التي لا ينكرها أي كوردي في الواقع النظري دون العملي) في مساحة الإعلام المتدني وشريحة من الكتاب والسياسيين العنصريين، أصبح يتداولها قادة الدول المعنية ليس فقط خلف كواليس مؤتمراتهم، بل أصبحوا ينشرونها في المجالات العالمية، ويقدمونها للدول العظمى كحجج لضرب الإدارتين الكورديتين، مع تبريرات لمحاربة الحراك الكوردستاني بكل الأساليب، وبشائع محاكم أئمة ولاية الفقيه، وسلطة أردوغان بحق الوطنيين الكورد، خير مثال، والتي أدت إلى قتلهم بأبشع الطرق، أو الحكم عليهم بالسجن لسنوات عديدة، كما حدثت للشهيدة (مهسا أميني) أو للسياسي صلاح الدين دميرتاش .
لم يكتفوا بعرض التهمة على طاولة الحوارات الدبلوماسية، بل بدأوا يسارعون ويضخمون من هذه الموجة القديمة في أصلها، وسخرت تركيا من جانبها، لتضخيم الخبر، شريحة من المعارضة السورية وإعلامها لنشر التهمة، ومن على عتبتها محاربة القضية الكوردية في سوريا تحت غطاء محاربة الإدارة الذاتية، يتم كل هذا بعد فشلهم المنوه إليه وعدم جدوى محاولاتهم السياسية – الدبلوماسية مع الدول العظمى حول أمنهم القومي وحماية حدودهم، بل قاموا وعلى خلفية تزايد الأحاديث حول التغيير الجيوسياسي للمنطقة، بعد مرور قرابة القرن على اتفاقية فيزوف – سايكس – بيكو، بالتركيز على أنهم للحد منها لا بد من احتلال مناطق أخرى من غرب كوردستان، والوقوف في وجه تصاعد جنوب كوردستان.
لا خلاف على أنه وتحت غطاء حماية أمن المنطقة، اتفقت الدول المحتلة لكوردستان مراراً، لتقويض أي نهوض كوردي قد يؤثر على الحدود السياسية للدول اللقيطة التي صنعتها فرنسا وبريطانيا، حقيقة يدركها أبسط محلل سياسي والإستراتيجيين السياسيين، وحاكوا المؤامرات وبشكل خفي واليوم يفعلونها بدبلوماسية أخبث من الماضي، لأنهم يتحذرون من الإعلام الحر والسهل الانتشار، ومن قوانين هيئة الأمم المتحدة، فيجدون العلل والأساليب للطعن في الإقليم الفيدرالي ومحاولة إعادتها إلى منطق المحافظات، وما تم معروف للجميع. وضرب الإدارة الذاتية، والعمل على عدم حصول اتفاق ما بين أطراف الحراك الكوردي في غرب كوردستان، بل تمكنوا من توسيع شرخ خلافاته.
الإدارة الذاتية هي الأكثر تعرضا للهجوم، لأن الإقليم الفيدرالي تجاوزت مرحلة القدرة على تدميرها، وهي تكاد أن تكون تحت خيمة قوانين مجلس الأمم، لكن غرب كوردستان لا تزال تعاني من ويلات الاعتداءات عليها، فبين حين وأخر تجد تركيا وأدواتها والقوى الأخرى حجج للطعن، وتضخيم التهم، والغاية تقويضها، ومنعها من تحقيق أي نجاح، فلأول مرة في تاريخ الصراع التركي – الكوردي ينقل رجب طيب أردوغان إشكالية أمن تركيا وحماية حدودها من قوات الحماية الشعبية، إلى مسألة تقسيم تركيا وسوريا، قال في 30/5/2024 “نتابع من كثب التحركات العدائية من منظمة إرهابية ضد وحدة أراضي بلادنا، فضلا عن سوريا، بذريعة الانتخابات”
وهي تهمة مباشرة وخبيثة للكورد عامة تحت غطاء اتهامه للإدارة الذاتية، تحججت بها مع أمريكا لتساعدها على منع قيام الإدارة بأجراء انتخابات البلدية، لأنها تتوقع أن تكون هذه الانتخابات مقدمة لبناء كيان دولة، ربما تكون البديل المحتمل عن سلطة بشار الأسد، فيما لو تم دعمها من قبل الدول الكبرى وخاصة أمريكا.
حجة أردوغان هذه، طفرة غريبة في نص الرسائل السياسية- الدبلوماسية المرسلة إلى الدول المتحالفة مع الإدارة الذاتية أو لنقل مع الحراك الكوردي بشكل عام، مبنية على دراية تركيا باستراتيجية التقسيم القادم والمماثل لما تم رسمه قبل قرن من الزمن في اتفاقية سازونوف- سايكس – بيكو 1916م وأعيد النظر فيه منذ عقد وقد يستمر تطبيقه لعقد أخر أو أكثر.
الرسالة ذات غايات عدة، وترهيب للدول الأربعة المحتلة لكوردستان، لإعادة طرح مطالبه التي قدمها للدول الكبرى والمعنية بسوريا وغرب كوردستان في السنوات الماضية، وهي التخلي عن الإدارة الذاتية، والسماح لها باحتلال مناطق أخرى، خاصة بعدما فشلت تركيا في معظم ما قدمه أردوغان من المخططات لأمريكا للسماح لها بتطبيق مخططه في المنطقة، وهذا الفشل كان من أحد أسباب تراجع شعبيته وحزبه.
ويظل السؤال الموجه لحراكنا الكوردي ونحن منه:
ما نحن فاعلون للحد من هذا التمادي؟
ما هي مشاريعنا المستقبلية لكسر طوق الاحتلال، والتمتع بالحرية؟
هل نبحث عن الوعي، كدرب لتحقيق الغاية؟ بالوعي وحده يمكن تناسي خلافاتنا إلى مرحلة ما بعد بناء كياننا السياسي.
أم إن خلافاتنا الداخلية ستظل قائمة، ووعينا سيظل في العتمة، ويستمر تآكلنا الداخلي؟ ويتكرر سماعنا لصدى حججنا ضد بعضنا؟
وهل وعينا سيظل دون مستوى تناسينا جدلية أن الهدف واحد والدروب عديدة، واختيارنا لأحد الدروب لا تعني الخيانة، نحن بشر احتمالات الوقوع في الأخطاء موجودة دائما، وعدم درايتها متلازمة زمنية، بدون تقبل بعضنا على هذه المنهجية الفكرية سنظل في غياهب عدم الوعي، وعدم الوعي هو السجن الأكثر رعبا من سجون الأنظمة العنصرية.

شارك هذه المقالة على المنصات التالية