محاولات اردوغان ـ الجولاني لتفكيك الصف الكردي

عبدالعزيز قاسم 
كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن تعيين الجنرال مظلوم عبدي وزيرا للدفاع في الحكومة السورية الانتقالية بقيادة أحمد الشرع “الجولاني”، ويروج أصحاب هذه الفكرة أن هذه الخطوة تمثل “انفتاحا وطنيا”، وإشراكا للكرد في مفاصل الدولة. إلا أن قراءة معمقة للمشهد تكشف أن مثل هذا التعيين، وإن حمل رمزية سياسية مهمة، لا يرقى إلى مستوى الحل الجذري للقضية الكردية، بل قد يكون محاولة لاحتواء مطالب مشروعة ضمن أطر شكلية، دون إحداث تغيير حقيقي في بنية الدولة أو مفهومها القومي المركزي، إضافة إلى أن لا يمكن اختزال القضية الكردية في دمج “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في الجيش السوري، وحتى لو تم الدمج بشروط توافقيةُ وبرعاية دولية فهو أيضا لا يعد حلا كافيا للقضية الكردية في سوريا.
فالقضية الكردية ليست فقط مسألة عسكرية أو أمنية، بل هي بالدرجة الاولى سياسية وهوياتية تتعلق بحقوق شعب مظلوم يعيش على أرضه التاريخية وتاريخ من التهميش والحرمان من الحقوق.
كل مايطرح من دمج قسد في الجيش أو تعيين شخص كردي في منصب سيادي أو حتى في منصب رئاسي، لا تحل القضية الكردية ولا يتعدى حدود الرمزية، فالقضية الكردية أكبر من التمثيل السياسي ولا تختزل في إشراك شخصية كردية في موقع سيادي، مهما كانت رمزية هذه الشخصية.
الكرد ليسوا “مكوّنا طارئا” في الجغرافيا السورية، بل شعب يعيش على أرضه التاريخية، ويطالب باعتراف دستوري صريح بهويته القومية، وبحقه في إدارة مناطقه، وتعليم لغته، وحماية ثقافته وهويته القومية، وأي حلّ خارج هذا الإطار يُعدّ قاصرا.
وتعيين شخص كردي في منصب سيادي أو دمج قوات قسد في الجيش، لا يُجسد تحولًا في الفهم العميق للقضية الكردية كجزء من أزمة بنيوية في الدولة السورية الحديثة التي تأسست على فكرة القومية الأحادية والإقصاء.
إضافة إلى أن دمج قوات قسد في الجيش السوري الجديد أو التوزير الرمزي، سيواجه قادة قسد عراقيل بنيوية في “إعادة بناء” جيش وطني.
من الناحية العملية، فإن قائد قسد، كوزير دفاع، لا يجدي نفعا في ظل الدستور المؤقت الذي يعطي الرئيس صلاحيات واسعة جدا في شؤون الأمن والجيش، مما يجعل وزير الدفاع في موقع ضعيف وايضا سيصطدم بحقائق أمنية وعسكرية قاسية، أولها وجود عشرات الفصائل المسلحة التي قاتلت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بدعم تركي، وارتكبت جرائم تطهير عرقي موثقة في مناطق مثل عفرين بحق الأكراد، وكذلك بحق العلويين والدروز في مناطق أخرى،
إضافة إلى أن الإدارة الإسرائيلية / ومن خلفها بعض مراكز القرار الغربي/ تميل إلى دولة سورية بلا جيش، وهو ما يجعل حقيبة الدفاع، كما يقال بالعامية حقيبة “بلا شنطة”.
كل مايطرح حاليا من محاولات حول مفاوضات بين قسد وحكومة الجولاني أو حتى الدعوة الاخيرة للمجلس الوطني الكردي الى دمشق ومايدور من حديث حول اللامركزية الادارية، وكل مايطرح عبر المقاربات الأمنية أو الصفقات الاقليمية، إلى يومنا تتجاهل البعد السياسي والقومي القضية الكردية والاعتراف الدستوري بالشعب الكردي وحقوقه القومية المشروعة، إضافة إلى أن الهدف من هذه المحاولات وطرح هذه الأفكار هو بالدرجة الأولى من أجل تفكك الصف الكردي الهش ولاجهاض ونسف الورقة الكردية المنبثقة عن كونفرانس قامشلو لوحدة الصف والموقف الكرديين.
في ظل ما تشهده سوريا من انسداد سياسي واستمرار ارتكاب جرائم بحق الأقليات، واستمرار التهديدات الممنهجة بحق وجود ومكتسبات شعبنا الكردي في رۆژاڤا، علينا أن نؤكد مجددا والافعال وليس بالاقوال; أن وحدة الصف والخطاب الكرديين لم تعد خيارا تكتيكيا، بل باتت ضرورة وطنية واستراتيجية لا تحتمل التأجيل.
ولهذا لابد من التمسك الكامل بمخرجات كونفرانس قامشلو كأساس لأي حوار كردي – كردي أو كردي – سوري في المستقبل.
والعمل على تفعيل لجنة المتابعة المنبثقة عن الكونفرانس، وتمكينها من أداء دورها في التواصل، والمراقبة، وإعداد خطوات تنفيذية، بشكل يصبح فيه المراهنة على تفكك الصف الكردي والعودة إلى قبل 26 نيسان صعبة، ومن الماضي.

الان الأوان أن نرد على هذه المحاولات الخبيثة، أن شعبنا بات أكثر وعيا، وحركته السياسية انضج من أن تعاد إلى الوراء، وإن تجعل خيارنا الوحيد في هذه المرحلة المصيرية هو تغليب منطق التوافق والاتفاق والمصلحة العامة على كل الاعتبارات الحزبية والشخصية الضيقة، والتأكيد على أن خيار التفرق هو انتحار سياسي.

Scroll to Top