%d8%a3%d8%b1%d8%af%d9%88%d8%ba%d8%a7%d9%86-%d8%b1%d8%a6%d9%8a%d8%b3%d9%8a-%d8%a8%d9%88%d8%aa%d9%8a%d9%86

مرشد اليوسف

التصريح الدراماتيكي الذي أطلقه جاويش أوغلو وزير خارجية تركيا في الأسبوع الماضي بخصوص العلاقة مع سوريا لفت أنظار المراقبين والمهتمين بالشأن السوري، وأثار حالة من الذعر والجدل والتساؤلات الواسعة بين أوساط السوريين المعارضين لحكومة دمشق، معتبرين ذلك بداية لإعادة العلاقات مع النظام السوري.

ولكن ماهي الأسباب والدوافع التي تقف وراء هذه اللغة التركية الجديدة؟ وما إذا كانت ستخلق وضعاً مختلفاً للعلاقة بين أنقرة ودمشق، خلافا لما كانت عليه العلاقة طوال الأزمة السورية الحالية؟

وجاء التصريح المذكور في المقابلة مع وكالة أنباء الأناضول رداً على سؤال بشأن العملية العسكرية التركية المتوقعة في شمال شرق سوريا، وموقف كل من واشنطن وموسكو منها:

” أمريكا وروسيا لم تفيا بوعودهما بإخراج الإرهابيين من المنطقة وهذا يدل على عدم إخلاصهما في محاربة الإرهاب…” وأضاف زاعماً ” سنقدم كل أنواع الدعم السياسي للنظام السوري في هذا الصدد…من الحق الطبيعي للنظام السوري أن يزيل التنظيم الإرهابي من أراضيه لكن ليس من الصواب أن يرى المعارضة المعتدلة إرهابيين…”.

والجديد في هذا التصريح هو أن تركيا للمرة الأولى تطلق هذا الشكل من التصريحات حيال العلاقة مع النظام السوري، فتركيا منذ بداية الأزمة السورية تتهم النظام السوري بجرائم الحرب والقتل الجماعي؛ وبالمقابل يصف النظام السوري الوجود العسكري التركي في الشمال السوري بالإحتلال.

والحقيقة أن تصريحات جاويش أوغلو جاءت بعد قمة طهران بين بوتين وأردوغان والرئيس الإيراني، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على أن قمة طهران لم تصل إلى نتيجة محددة أو إلى اتفاق بخصوص العملية التركية في شمال وشرق سوريا؛ فقد تحدث أردوغان عن استمرار القتال ضد ما يُسمّيها “بالمنظمات الإرهابية”، بينما تحدث بوتين ورئيسي عن حل سياسي يؤدي إلى معالجة مخاوف تركيا الأمنية وسلامة أراضيها دون عملية عسكرية.

وقد تطرقت وسائل الإعلام التركية عمّا إذا كان هناك أي احتمالية لعودة العلاقات بين تركيا وسوريا كما حصل بين تركيا ودول أخرى مثل الرياض ودول الخليج، إلا أنّ الوضع بين تركيا وسوريا يختلف عن الوضع بين تركيا والسعودية، وبين تركيا ودول الخليج؛ والصحف التركية في معظمها موالية لحكومة أردوغان، ولولا التوتر الحاصل لما صرح جاويش أوغلو بهذا التصريح الناري، ففي قمة طهران بدا لافتاً فشل أردوغان الذريع وهو أحد الأسباب التي دفعت جاويش أوغلو للإدلاء بهذه التصريحات التي جاءت معاكسة للتصريحات السابقة طوال الأزمة السورية، وهذا يعني أن تركيا فشلت في سياسة “الخطوة مقابل خطوة” من أجل الحصول على الضوء الأخضر الروسي أو الأمريكي للاجتياح المباشر، وجاء الرفض الإيراني والسوري ليقطع الشك باليقين.

ولا نكون مبالغين إذا قلنا أنّ الدافع الرئيسي وراء تصريحات أوغلو هو هاجس الخوف الذي يقضّ مضجع أردوغان من التفاهمات التي قد تنجح بين الإدارة الذاتية والحكومة السورية من جهة، وهاجس الخوف من الخسارة الكبرى في الانتخابات القادمة (2023م) من جهة أخرى؛ ولهذا فإنّ أردوغان يعمل جاهداً لعقد اتفاق أمني مع النظام السوري للقضاء على الإدارة الذاتية وضرب قسد، وهي أهداف مشتركة مسبقاً بين الطرفين، ما يشير إلى ذلك الرسائل التي احتوتها تلك التصريحات من قبيل الاعتراف بحكومة دمشق والتواصل الاستخباراتي بين الطرفين …إلخ، وبالتالي تبدو محاولة لتحقيق نصر سياسي أو عسكري هنا أو هناك ليرضي ناخبيه من الإسلاميين والقوميين والعنصريين الأتراك، ولا أرى بأن هناك أي تحول جديد في أولويات تركيا في الوقت الحاضر.

المصدر: مركز روج آفا للدراسات الاستراتيجية

شارك هذه المقالة على المنصات التالية