مشكلتنا مع مجتمعات مستبدة وليس فقط مع حكومات مستبدة

بير رستم

إن مشكلتنا في سوريا والشرق الأوسط عموماً ليس فقط مع الحكومات الاستبدادية وأجهزتها القمعية والبوليسية التي تمنع الحريات والحقوق عن شعوبها، بل المشكلة الأساسية والأكبر هي مع الشعوب نفسها حيث بات الاستبداد مع الوقت جزء من ثقافة تلك الشعوب وبنيتها الاجتماعية وفكرها الأيديولوجي.

وبالتالي لا حلول حقيقية لمشكلة القمع والاستبداد في تلك الدول والمجتمعات بإزالة نظام واستبداله بآخر حيث لن يختلف عن السابق إلا بلون القمع الأيديولوجي، ف”كما تكونون يولى عليكم”، وبالتالي علينا إعادة بناء هذه المجتمعات من خلال القطيعة مع الماضي وقيمها الثقافية القائمة على الفكر الأحادي المستبد القامع للصوت الآخر حيث كل جديد وتجديد في الفكر الاسلامي يعتبر “بدعة” و”أصحابها في النار”، فكيف يمكن لهكذا مجتمع أن يقبل بالفكر التعددي القائم على الشراكة والاتحاد وهو يعتبر ذلك كفراً وبدعة ويجب أحراق أصحابها!

إن المجتمعات الأوربية لم تتخلص من النظم القمعية المستبدة، إلا بعد أن فصلت سلطة الدولة عن الكنيسة وأعطي لله ما لله ولقيصر ما هو لقيصر، لكن للأسف ما زالت شعوبنا تعتبر بأن؛ قياصرتنا هم “وكلاء الله” على الأرض، فكيف يمكن لهكذا شعوب أن تتطور وتقبل الحداثة في الفكر السياسي، قبل الاقتصاد وتطوير البنية التحتية، وفقط لاحظوا خطاب “مطبلي” (النظام الجديد) في سوريا ستجدون بأن خطاب أسيادهم أكثر دبلوماسية ومرونةً من خطاب رعاعها فيما تسمى بمؤيديها وجماهيرها!

ولذلك لا حرية ولا تعددية سياسية أو فكرية ولا ديمقراطية حقيقية مع هكذا “موروث ثقافي” قائم على الفكر الاستبدادي القمعي وبالتالي لا بد من ثورة ثقافية تغير هذه المجتمعات فكراً وثقافة وذلك قبل أن نفكر بتغيير نظمنا السياسية من نظم مستبدة مركزية لنظم اتحادية ديمقراطية، لكن كل ما هناك في المرحلة الحالية الانتقالية هو إمكانية تشكيل “حكومات مخلوطة”؛ مثل طبخة سبع دول، من هذه المجموعات والقوى المجتمعية والسياسية في كل بلد؛ أي حكومات اتحادية بالفرض والضغط الدولي كشركاء سياسيين، إلا أن تصبح مسألة التعددية أمراً واقعاً في ثقافتنا مع مضي الزمن ولتصبح جزءً من ثقافة تلك الدول والمجتمعات، وإلا فإن صراعاتنا سوف تستمر لأجيال وأحقاب قادمة.

Scroll to Top