ملاحظات حول آراء د.سربست نبي بحق المؤرخ والسياسي شرفخان البدليسي

د. إسماعيل حصاف (مستشرق مختص بالقضية الكردية)

في مقابلته الأخيرة مع برنامج “وجوه” على قناة “شمس” وفي رده على سؤال مقدم البرنامج السيد جان دوست يقول د.سربست نبي “… البدليسي لم يكن قوميا ولم يكتب كتابه سفره التاريخي بدواعي قومية أو من منظور القصدية التاريخية للمسار كتبها بناء على طلب السلاطين ومتطلبات الأيديولوجية للسطنة العثمانية ولم يكتب من منطلق الوعي بالذات كأمة كشعب بل كجزء من أمة أعظم هي الأمة العثمانية، ولهذا السبب لا أعتبره وعيا قوميا”.
مع إحترامي لرأي الدكتور (وأنا أكن الإحترام للدكتور سربست وهو زميلي وصديقي)، أنه بهكذا رأي يضع نفسه أمام إشكالية تاريخية كبيرة، لايجحف فقط بحق شخصية البدليسي بل يشوه حقيقة التاريخ الكردي ويلغيه من أساسه. ولاحظت أن مايقوله د.سربست لايعتمد على أسس علمية وإنما على مبدأ “خالف تعرف”، علما أن الدكتور حسب معلوماتي، مع تقديري لإمكاناته العلمية في مجال عمله، لم يمارس السياسة داخل الحركة القومية الكردية وليس مختصا بالدراسات الكردولوجية من ناحية ثانية.

ورايت من واجبي كأكاديمي مختص بالقضية الكردية وخريج قسم الدراسات الكردية في معهد الإستشراق بموسكو عام 1986، في وقت كان العالم يجهل وجود الكرد ووطنه المقسم كردستان إلا نادرا في الإتحاد السوفياتي وأوروبا، ولهذا السبب لجأ الزعيم الكردي مصطفى بارزاني إلى الإتحاد السوفياتي عام 1947 لتدويل القضية الكردية. ناهيك عن عملي لأكثر من نصف قرن في الحركة السياسية الكردية، الكتابة عن هذا الموضوع وتبيان بعض الحقائق التاريخية بإختصار.
وهناك مئات الدراسات وباللغات الكردية والعربية والفارسية والتركية والروسية والفرنسية والألمانية …إلخ، تناولت القضايا الكردولولوجية والفكر الكردي ووعي الذات الكردية، إلى جانب ذلك هناك مئات المثقفين الكرد والشعراء والساسة لايعترفون بحدود سايكس –بيكو، ولكن واقع الديفاكتو الموجود فرض نفسه كواقع ملموس. ومن المفروض أن يناقش الأكاديميون الكرد هذه القضايا بإسلوب علمي لايسئ إلى حقائق التاريخ حتى لاتكون ورقة بيد الشوفينيين المنتمين لحكومات الدول المقسمة لكردستان.

ينتمي الأمير المؤرخ شرفخان البدليسي (1543 – 1603) الى الأسرة التي حكمت إمارة بدليس الكردية.ويندرج ضمن طبقة الإقطاعيين الكرد الكبار، ومن ناحية كان يرأس الأسرة الروزكية – وهو اتحاد قوي من 24 قبيلة كردية ، ومن ناحية أخرى كان الحاكم الوراثي لإمارة بدليس.
وشرفخان بيدليسي في المقام الأول مؤرخ ومفكر وأمير سياسي كردي بارز، قدّم مساهمة قيمة في حفظ تاريخ الشعب الكردي وتنظيمه. ويتمثل إرثه التاريخي الضخم “شرف نامه”.

القيمة التاريخية: يعتبر شرفنامه تحفة تاريخية فريدة وقيمة تسلط الضوء على تاريخ كردستان والدول المجاورة في أواخر العصور الوسطى. ويُعتبر هذا الكتاب أهم مصدر منفرد لتاريخ الكرد في العصور الوسطى، وأحد المصادر الرئيسية لتاريخ إيران والدول المجاورة في القرن السادس عشر.
ويعتبر كتاب “شرفنامه” عمل مبتكر في عصره. فقبل ذلك، لم تكن هناك أعمال مماثلة تجمع تاريخ الكرد، وهذا جدير بالملاحظة والتقدير. وكان لكتاب شرف نامه تأثير عميق على المؤرخين والعلماء اللاحقين، ليصبح مصدرا أساسيا لدراسة التاريخ الكردي وغرب آسيا.

لقد طبع الكتاب حتى الان عدة مرات وترجم الى العديد من اللغات العالمية ويعتبره الكثير من الباحثين أحد أهم المصادر التاريخية لشعوب الشرق. عندما طبع كتاب شرفنامة لأول مرة عام 1860 كتب المستشرق زرنوف-فيليامينوف مقدمة باللغة الفرنسية وضح فيها أهمية الشرفنامة بقوله: “القيمة العلمية لهذا التاريخ الكردي ليس محل شك فرغم مرور 300 عام لا نجد في الشرق عملا علميا آخر يضاهي قيمة الشرفنامة”.أما ناشر الطبعة العربية لمترجم ملك مصر محمد علي عوني والذي ترجم الكتاب الى اللغة العربية وطبع في القاهرة عام 1930 فيقول: “ومن الأدلة على قيمة هذا الكتاب تنويه الغربيين بجلالة قدره وعظمة شانه حيث قالوا انه أول نور لاح في سماء تاريخ آسيا فقاموا بترجمته وطبعه مع إننا معشر الشرقيين كنا أولى بنشره”.وهكذا، يُعرف شرف خان البدليسي قبل كل شيء كمؤرخ عظيم كان أول من نظم تاريخ الإمارات والسلالات الكردية، مما خلق مصدرًا فريدًا لا يُقدّر بثمن للأجيال القادمة، وهذا يدل على أنه تناول التاريخ الكردي من منطلق وعي الذات الكردية، ونظر إلى الكرد كشعب متميز وككيان قومي خاص.
تشمل شرفنامة على مقدمة واربعة ابواب وخاتمة. وهو المصدر الوحيد المعروف عن تاريخ كردستان في أواخر العصور الوسطى.

كُتب الكتاب بالفارسية في نهاية القرن السادس عشر ويتناول المؤرخ في المقدمة العشائر الكردية وأنسابها، ويبحث في الباب الأول حكام كردستان الذين رفعوا لواء السلطنة فعدهم الباحثون في عداد السلاطين وهم حكام دياربكر – آمد وجزيرة بوتان ودينور وحكام اللر الصغرى واللر الكبرى وشهرزور وسلاطين مصر والشام من الأسرة الأيوبية. وفي الباب الثاني يتناول المؤرخ الأمير تاريخ الإمارات الكردية التي لم تكن مستقلة تماما عن تبعية الدولة العثمانية والصفوية الا ان حكامها كانوا احيانا يدعون تلاوة خطب الجمعة وسك النقود باسمهم وهم حكام إمارات اردلان وهكاري والعمادية والجزيرة وكوركيل وفنيك وحصن كيف، في الباب الثالث والذي يشمل تسعة فصول يبحث المؤرخ في تاريخ بقية أمراء كردستان من ملاطية وحتى ضفاف مضيق هرمز، وفي هذا الباب ايضا يتناول سيرة حكام بدليس من أجداده.

اما الخاتمة فهي ليست اعتيادية إنما هي الجزء الثاني من الكتاب ويبحث فيه الأمير شرفخان ترجمة سلاطين الدولة العثمانية وملوك إيران وتوران بل تاريخ العالم المعاصر له. ويقول المؤرخون ان الخاتمة لا تقل أهمية عن الجزء الأول أو متن الكتاب لذلك عد شرفخان أبو المؤرخين الكرد.إضافة لذلك زين الأمير كتابه بعشرين لوحة فنية رسمها بنفسه، وتدل اللوحات انه كان فنانا بارعا وهناك دراسات خاصة بهذه اللوحات الفنية التي تبين بعض عادات وتقاليد الكرد وطريقتهم في الصيد ونمط مجالس الأمراء الكرد وغير ذلك. كما زود المؤلف كتابه خارطة لكوردستان في عصره. ألا يدل رسم خارطة كردستان على وعيه القومي المبكر وخاصة في تلك الحقبة الزمنية البعيدة، التي يمكن نسميها ما قبل القومية.

بدراسة مجتمع عصره، أدرك شرف خان بوضوح أنه يضم فئات اجتماعية متنوعة. في آرائه السياسية، كان البدليسي مؤيدًا للسلطة القوية، ربما كان هذا تعبيرًا عن حلمه السري، الذي لم يُعبر عنه صراحةً في كتابه بإقامة دولة كردية يرأسها ملك قوي. يذكر شرف خان مرارًا وتكرارًا بمرارة أن “الكرد ليس لديهم حاكم واحد معترف به عالميا” (ص 64 من الطبعة الروسية)، مشيرًا إلى الصراعات والحروب الأهلية بين الإقطاعيين الكرد، وعجزهم وعدم رغبتهم في الاتحاد. بالنسبة لشرف خان البدليسي، فإن كردستان ليست مفهومًا جغرافيًا – إنها دولة مقسمة إلى أجزاء بسبب التشرذم القبلي والصراع الإقطاعي.
من اللافت للنظر أن المؤلف يفتخر بتمرد القبائل الكردية. نراه يفتخر بفشل السلطان سليمان في إخضاع قبائل الرزكي بالقوة. وكلمات شرف خان مليئة بالفخر عندما يتحدث عن السلطة المطلقة التي يتمتع بها حكام أردلان، وهكاري، وبوتان، وبابان، وغيرها من الإمارت الكردية.(شرفنامه، الطبعة الروسية، ص 77).

بحلول نهاية القرن السادس عشر، عندما كُتب شرف نامه، كانت سلطة إمارة بيدليس قد خضعت لتغييرات كبيرة، على الرغم من أن شرف خان، لأسباب واضحة، لم يذكر ذلك بشكل مباشر. من عام 1535، عندما غادر والد شرفخان، بيدليسي، وحوالي ألف شخص من قبائل الرزيكي إلى إيران، وحتى عام 1578، كانت أراضي إمارة بيدليس يحكمها مسؤولون سلطانيون. تم إجراء تعداد مساحي، وتم تقديم نظام إداري مشترك بين مناطق أخرى من الإمبراطورية العثمانية. ومع ذلك، رفضت القبائل الأكثر عددًا من عشيرة الرزيكي – البايك والمودك والزيداني والبلباسي – الخضوع لسلطة السلطان لمدة ثلاث سنوات. حقق السلطان خضوعهم فقط من خلال إعفائهم مؤقتًا من جميع الضرائب. نُقلت العديد من القرى والمدن إلى مسؤولي السلطان كملكية مشروطة وغير مشروطة – وبحلول عامي 1596 و1597، كان هناك 400 مالك إقطاعات عسكرية في منطقة خنس بإمارة بيدليس وحدها. كان موظفو المالية الأتراك يجمعون الضرائب من الرايات غير الإسلامية، والتي كانت تُشكل أحد المصادر الرئيسية لدخل الطبقة الإقطاعية، وتذهب إلى خزانة السلطان، باستثناء الإيرادات المماثلة من المناطق التي منحها السلطان لشرفخان شخصيًا. وهكذا، على الرغم من أن مؤلف شرفنامه يشهد على اتساع ممتلكاته، إلا أن سلطة أمير بيدليس الكردي كانت محدودة بشكل كبير بسبب التدخل التركي في الشؤون الداخلية للإمارة.

كان الوضع الاجتماعي لشرفخان بيدليسي والوضع السياسي في النصف الثاني من القرن السادس عشر، الذي اتسم بتصاعد الصراع بين إيران الصفوية وتركيا العثمانية، يتطلبان منه بذل كل ما في وسعه للأغراض العسكرية، ولم يتركا له وقت فراغ كافٍ للأنشطة العلمية. إلا أن عالم العلم جذب مؤلف”شرفنامه” منذ طفولته. كتب شرفخان، مختتمًا الجزء الرئيسي من عمله قائلا:”منذ طفولتي وحتى يومنا هذا، قضيت وقتًا في حوارات مع أهل العلم، وفي صحبة علماء مليئين بالحكمة”. تحدث بيدليسي عن العلماء والمستنيرين بإجلال واحترام لا ينقطعان، واصفًا كل واحد منهم تقريبًا بأنه “فريد في عصره” (شرفنامه ص 484) الطبعة الروسية. الأمر الذي يتناقض مع رأي د.سربست نبي بأنه كتب سفره التاريخي بناءا على طلب السلاطين.
كُتب كتاب “شرف نامه” على يد أمير كردي بالوراثة.

وقد حدّد هذا الظرف الموضوع العام للعمل وموقف المؤلف في تقييم الأحداث الموصوفة. كان الهدف الرئيسي لشرفخان وصف تاريخ السلالات والإمارات والقبائل الكردية. وقد حدد وضع كردستان في النصف الثاني من القرن السادس عشر موقف شرف خان البدليسي. وجدت المناطق التي يسكنها الكرد نفسها في قلب صراع عنيف بين القوتين العظميين في ذلك الوقت – إيران الصفوية وتركيا العثمانية. ويبدو أن الإمارات الكردية الصغيرة نسبيًا كان ينبغي أن تختفي من الوجود، عالقةً بين هاتين العقبتين العظيمتين. ومع ذلك، استمر العديد من الإمارات الكردية في الوجود وحافظ على وضع شبه مستقل. في ذلك الوقت، مثّلت ميليشيات وفرق الأمراء الكرد، على ما يبدو، قوة هائلة، وكان من الأفضل لإيران وتركيا عدم تدميرها، بل استخدامها في صراعهما ضد بعضهما البعض. وحتى الإقطاعيين الكرد أنفسهم، تبعاً للوضع السياسي، انحازوا إلى أحد العدوين أو الآخر. وكان شرفخان كسياسي متمكن إستخدم الصراع بين الإمبراطوريتين وبحنكته حافظ على توازن مكانة امارته ضمن هذا الصراع المعقد.

أن المؤلف سعى إلى تحقيق أهداف أخرى. في اختتام تاريخ السلالات والإمارات والقبائل الكردية بخاتمة مطولة، احتاج شرفخان البدليسي إلى لوحة تاريخية أكبر لعرض تاريخ الكرد، الذي يتكشف من منظور زمني ومكاني واسع، بشكل أكثر وضوحًا. يتناسب التاريخ السياسي للسلالات والقبائل الكردية مع السياق العام لتاريخ الجمعيات السياسية الناشئة في تركيا وإيران، لذلك، فإن الحقائق حول تاريخ الدولة العثمانية ودول الهولاكيين والجلائريين والجوبانيين والمظفرين وتيمور والتيموريين وآق قويونلو وقره قويونلو والصفويين التي ذكرها شرفخان البدليسي ، كان ينبغي أن تساعد القارئ، في رأي البدليسي، على فهم المكانة التي احتلتها الإمارات الكردية في التاريخ السياسي لذلك الوقت.
منذ بداية مسيرته السياسية وحتى عام 1578، حين غادر إيران في سن الخامسة والثلاثين، خدم شرف خان بيدليسي الصفويين، وبعد ذلك خدم السلاطين الأتراك. ويبدو أنه كان يُدرك أن مكانته المستقرة ظاهريًا قد تقوض بسبب الحاجة إلى طلب رعاية الشاه مجددًا. لذا، فإن موقف شرفخان من أحداث الحروب الإيرانية – التركية يعكس موقف أمير كردي، مُجبر على المشاركة فيها، ولكنه في الواقع لا يُبدي اهتمامًا يُذكر بها.

عند كتابة “شرف نامه”، كان شرف خان بيدليسي تابعًا للسلطان التركي. ومع ذلك، في تصريحاته بالولاء، لا يُظهر مؤلف “شرف نامه” حماسًا خاصًا ولا تعصبًا خاصًا. أثناء وصفه “أعمال ومآثر” السلاطين العثمانيين، يتجنب شرفخان المبالغة المفرطة. إن عنصر المديح للسلاطين الأتراك، وهو سمة مميزة لأعمال المؤرخين الأتراك، حاضر أيضًا في “شرف نامه” عمومًا وفي “خاتمته” خصوصًا، ولكنه يُعبّر عنه بشكل أكثر دقة، ويُعدّ بمثابة إشادة بأسلوب الكتابة التاريخية المتعارف عليه في ذلك الوقت أكثر منه غاية في حد ذاته.
وفي “شرفنامه” ص 77 الطبعة الروسية ورد:”لم يُكتب عمل شرف خان بهدف نيل مكافأة سخية أو نيل رضا السلطان. بل كان هدفه تأليف كتاب عن حكام وأمراء الكرد، حتى “لا يبقى تاريخ عائلات كردستان العريقة مُحاطًا بالغموض والإبهام”.ولذلك، كان حريصًا على أن يصبح عمله ملكًا ليس فقط لمعاصريه، بل للأجيال القادمة أيضًا وحفظ تاريخ الكرد في الذاكرة، لا إخفائه، ونقله للأجيال القادمة – هذه هي المهمة التي وضعها شرفخان على عاتقه. وليس من قبيل الصدفة أن يسبق كل فصل تقريبًا من الجزء الرئيسي من العمل دعاء: “لا يخفى على العقول النيرة لمن يرفعون رايات الحكمة والصواب”. يُقدر شرف خان بيدليسي عمله تقديرا كبيرا، على الرغم من النبرة الساخرة التي تميّز مؤرخي الفرس. يعبر المؤلف في الخاتمة عن أمله في أن كتابه لن يفقد أهميته، وكتب يهذا الخصوص: “إنني أثق في رحمة الرب المجيدة: طالما بقيت آثار الكتابة على خدود الأخبار والرسائل… فإن الأشعة التي ترتفع من هذه الأوراق ستشرق في جميع أنحاء العالم، مثل أشعة الشمس التي تنير العالم، والمظهر السارق للقلب لهذا سوف يفلت من هجمات كل جاهل..”.

من المثير للاهتمام مقارنة وصف شرفخان لاحتلال السلطان سليمان لتبريز في عامي 1548-1549، مع استيلاء شاه طهماسب على موش وخوي، يكتب شرف خان: “لم يجرؤ محاربو سليمان على أخذ قشة واحدة بالقوة من أيٍّ من رياة أو سكان مدينة تبريز وضواحيها. وكعادتهم، فتح أهل البازار وسكان المنطقة متاجرهم، وبدأت التجارة بالتدفق عندما عاد جيش السلطان غازي المنتصر إلى وان”. صورة مثالية يصعب تصديقها. بعد ذلك، يصف المؤلف كيف أُحرقت مدينتا موش وخوي، بأمر من شاه طهماسب. ومع ذلك، فإن مثل هذه الأمثلة نادرة جدًا: فكقاعدة عامة، يتميز مؤلف شرفنامه بعرض موضوعي.
يحتوي كتاب “خاتمة” على معلومات شيقة عن الكرد، على الرغم من أنه يُركز بشكل عام على تاريخ تركيا وإيران.

وتُعد تقارير شرفخان عن مشاركة الكرد في انقلاب القصر في إيران الذي أعقب وفاة شاه طهماسب مباشرةً، وفي قمع تمرد قلان خوافي في بخرز، وعن انتقال السيطرة على قوجان في عامي 1587 و1588 إلى زعيم قبيلة تشيجيني الكردية، التي تعرضت للعديد من القمع والاضطهاد الجماعي في عهد شاه طهماسب، ذات أهمية خاصة. كما أن رواية شرف خان عن الدفاع الشجاع للكرد البختيين عن قلعة أرجيش في عامي 1551 و1552 ذات أهمية خاصة، وكذلك الاشتباك بين قوات شاه طهماسب ومفرزة حاجي بك دمبولي في عامي 1535 و1536. كما ورد في كتابه، مشاركة أمير إمارة هكاري الكردية، السيد محمد، بنشاط في مؤامرات بلاط السلطان سليمان. وبمساعدته، كتب الصدر الأعظم رستم باشا، وهو مساعد مخلص لزوجة السلطان سليمان، روكسولانا، رسالةً تسيء إلى ابن منافستها، وريث العرش، السلطان مصطفى. ونتيجةً لذلك، خُنق السلطان مصطفى بأمر والده، وأصبح وريث العرش ابن السلطان سليمان وروكسلانا.

يحتوي كتاب شرف نامه على بيانات وافية عن البنية القبلية للمجتمع الكردي في القرن السادس عشر. تناول شرفخان بيدليسي الحقائق بنظرةً ثاقبةً على آراء المؤلف الاجتماعية والسياسية ونظرته للعالم.
اتسمت البنية الاجتماعية والاقتصادية للكرد في عهد شرفخان بيدليسي بانتشار ما يُسمى بالإقطاع العسكري البدوي. ونظرا للخصائص الجغرافية لكردستان، عاش بعض الكرد نمط حياة بدوي أو شبه بدوي وانخرطوا في تربية الماشية. انقسم السكان الكرد بوضوح إلى رعاة ومزارعين.

بعد أن تجاوز الدور الاجتماعي المنوط به، أنتج شرفخان عملاً فريداً، لا يزال يُشكل أساساً لدراسة التاريخ الكردي في العصور الوسطى حتى يومنا هذا. من بين الأعمال المعروفة للمؤلفين الكرد حتى نهاية القرن التاسع عشر: تاريخ بني أردلان لخسرو بن. محمد بني أردلان (أوائل القرن التاسع عشر)، تاريخ دانابل عبد الرزاق بك دمبولي (ت. 1827-28)، تاريخ أردلان للشاعرة والمؤرخة ماه شرف خانوم (1804-05 – 1846-47)، كتاب تواريخي جديدي كردستان للملا محمود بايزيدي (النصف الثاني من القرن التاسع عشر)، حديقة ناصرية ميرزا علي أكبر صادق الملك (أواخر القرن التاسع عشر) – مخصصة لتاريخ منطقة كردية منفصلة أو سلالة أو قبيلة ولا يمكن مقارنتها بأي حال من الأحوال بعمل شرفخان بيدليسي، الذي عكس بانوراما واسعة للحياة الكردية في القرن السادس عشر. وعلاوة على ذلك، ومن المفارقات أن آراء بيدليسي تتسم أكثر ببدايات أيديولوجية قومية من آراء المؤلفين المذكورين، الذين عاشوا بعد قرن ونصف إلى قرنين من الزمان، معاصرين للصعود السريع لحركة التحرير الوطني الكردية.

يمكن تقسيم المواد التي كانت بمثابة مصادر لكتابة حاتم (وكذلك الجزء الرئيسي من شرف نامه) إلى أربع مجموعات: السجلات الفارسية والتركية، والوثائق المختلفة، وقصص المعاصرين والمعلومات من المؤلف.
يحتوي “شرف نامه” إجمالاً على 220 مقطعًا شعريًا، تتراوح أطوالها بين بيت واحد و74 بيتًا، 90 منها في “خاتمته” وتضم 166 بيتًا. أُدرجت بعض القصائد في العمل مع النصوص الأصلية، بينما اختار المؤلف بعضها الآخر، ومن الواضح أن بعض المقاطع الشعرية تنتمي إلى قلم شرف خان بيدليسي نفسه. ويدل على أن مؤلف “شرفنامه” كان يكتب الشعر ويُعتبر شاعرًا ماهرًا وجود ملاحظة هامشية في مخطوطة بودليان، التي يبدو أنها كُتبت في منتصف القرن السابع عشر “يؤكد رواة القصص الصادقون أن شرفخان خاطب السلطة – طالبًا ضمّ موش إلى مملكته، معبرا عن ذلك حتى في أشعاره:
بيدليس بالنسبة لي كجبل جليدي،
بدون موش، هي ضيقة كجحر فأر بالنسبة لي.
مع الشجعان، معركة أبدية بالنسبة لي
يستشهد شرف-خان بأبيات شعراء فارسيين مشهورين من العصور الوسطى: عمر الخيام، كمال أصفهاني، سلمان ساواجي، حافظ، عبد الرحمن الجامي، عبد الله هاتفي، وفي حالات أقل، أعمال شعرية لمؤلفين كورد (على سبيل المثال، حكيم إدريس، الذي كتب، مثل بيدليسي، بالفارسية) وعرب وأتراك.
لذلك، بالنسبة للباحث في تاريخ إيران في النصف الثاني من القرن السادس عشر، يُعدّ كتاب “الخاتمة” و”شرفنامه” ككل مصدرًا قيّما للمعلومات، بعيدًا عن التحيز وموضوعيًا تمامًا.

يجب أن يؤخذ في الاعتبار أن: شرف خان البدليسي عاش في بيئة سنية، وكان التعصب السني بمثابة سلاح أيديولوجي للإمبراطورية العثمانية في صراعها ضد إيران الشيعية ومن الواضح أنه في ظل هذه الظروف، اضطر شرف خان البدليسي إلى إخفاء معتقداته الدينية الحقيقية وطموحه القومي.
أما الموقف السياسي لشرفخان بيدليسي كان من جهة، بصفته تابعًا للسلاطين الأتراك، وشعورًا منهم بجهودهم المتواصلة لتعزيز السلطة المركزية، يسعى شرف خان بيدليسي إلى إظهار الولاء والوحدة. ومن جهة أخرى، لم يكن بيدليسي، بصفته ممثلًا لكبار الإقطاعيين الكرد، إلا أن يشارك طبقته في نزعاتها الإستقلالية.

وأخيرا، يعتبر شرفخان بدليسي مؤرخا وسياسيا وشاعرا قوميا كرديا يخلد في الذاكرة الكردية كأول مؤرخ دون التاريخ الكردي ضمن ظروف صعبة من صراع الإمبراطوريات على كردستان وفي وقت لم تكن المصادر البحثية متوفرة، وما كتبه يعتبر إرثا قوميا وبدايات تشكل الوعي القومي للامة الكردية وتحفة قديرة ليس فقط عند الكرد بل لدى جميع مراكز الدراسات الكردولوجية ومعاهد الإستشراق.
—————————-
تم الإعتماد على بعض المصادر ومنها باللغة الروسية.

المصدر: https://t.me/sarbastnabi2024/18479

Scroll to Top