برادوست ميتاني
منطقة آشيتية وسبب التسمية
أما قصة اسم آشيتيا فهي تبدأ ببناء “الأمير أصلو” لقلعة دوكر عام ١٦٥٠ والتي كانت أول قرية تبنى في منطقة آشيتية وجعل قلعة دوكر قاعدة لقواته إلى تخوم جبل شنكال ولأن من عادة العشائر البدوية الترحال والتنقل لتوسعة المراعي ولغنى المنطقة بالسهول الخصبة والأنهار، فقد حاولت عشيرة طي الانطلاق من تخوم جبل شنكال للتوسع إلى منطقة نفوذ “الأمير أصلو” فتصدى لهم في معركة “دريجيك” ليعودوا إلى تخوم جبل شنكال، ولكنهم أعادوا الكرة مرة أخرى، فتصدى لهم الأمير مع ولده “الأمير مراد” في معركة “هردو”.
استبسل الأمير اصلو وابنه ورجال عشيرته في المعركة وتم دحر الهجوم، ولأن الأميرين أصلو والأمير مراد لم يكونا فقط قائدين عسكريا شجاعين فقط، بل كانا أميرين وسياسيين ذكيين ويتمتعان ببعد نظر، فعملا على بناء اتفاق سلام “آشيتي” مع عشيرة طي؛ لوقف هذه الهجمات ويجعل إدارة وتنظيم المنطقة بيده، ويكون كل شيء وفق قوانين وشروط متفق عليها، ويحدثنا الكاتب برزان عز الدين عباس سليل عائلة آل عباس حكام دوكر أحفاد الأمير أصلو عن بنود معاهدة “آشيتي” حيث يقول:
بنود المعاهدة هي كالتالي:
أولاً: يجب أن تبقى قبائل طي في الجنوب عند تخوم جبل شنكال.
ثانياً: عدم المجيء إلى المنطقة للرعي إلا بإذن مسبق.
ثالثاً: المشاركة ضد أي هجوم خارجي.
رابعاً: تحديد دية القتيل بينهم.
ومنذ ذلك الوقت ارتبط اسم آشيتية بقبيلة دوركا وتعمم فيما بعد على المنطقة برمتها وسميت بمنطقة سنجقا آشيتيا واللفظ العربي /الآشيتية/ نسبة لاتفاقية السلام التي جرت بينهم وبين عشيرة طي وكلمة السلام بالكردية تعني آشيتي.
سنجقا آشيتيا: السنجق كلمة عثمانية وهي أحد التقسيمات الإدارية في الدولة العثمانية، ويعني المنطقة أو المقاطعة بالعربية وسبب تسميتها واسم هذه المنطقة لم يأت أبدا اعتباطيا بل لها من تاريخ من القدم والبطولة فهي ليست تقسيمات “ساخرة” كما يتناقلها أهل المنطقة بينهم الآن من نكات طريفة عن الآشيتية والغربية، وهذه المنطقة معروفة بحدودها الجغرافية فهي تمتد من جبل باكوك شمالا إلى حدود جبل شنكال جنوبا ومن مدينة تربه سبيه/ قبور البيض شرقا إلى مدينة قامشلو غربا وأغلب أراضي منطقة سنجقا آشيتيا هي لآل عباس من عشيرة دوركا ولها سندات تمليك بها الوثيقة وهي “سند تمليك خاقاني” يعود إلى منتصف 1800 تقريبا ويثبت ملكية آل عباس رؤساء عشيرة دوركا ومنطقة سنجقا آشيتيا لأغلب أراضي منطقة سنجق وحسب…
كان الأمير أصلو أول من بنى قرية في منطقة سنجقا آشيتية وجعل قريته دوكر (ومعناها التلتين) مركز القيادة الجنوبية حوالي عام ١٦٥٠ تقريبا، كما خاض الأمير أصلو وابنه الأمير مراد (الذي حكم دوكر بعد والده أصلو إلى وفاته عام ١٧١٦م) المعركة الثانية التي عرفت بـ معركة هردو ضد عشيرة طي والتي أتت بعدها معاهدا آشيتية).
بعض العشائر الكردية في تربه سبي وما حولها
الكاسكا: عشيرة كردية يتزعمها آل أحمد اليوسف وتقطن القرى: كري زيرا، زور آفا، كر صوار، سيحا مزن، سيحا بجوك، بليج، ليلان، رحية، سوقية، حمارة، أرزانه، خراب العبد وخراب الجحاش؛ أما أشهر بطونها فهي آل أحمد اليوسف، علي اليوسف، آل هدو، آل هلالة، حسنكا، آل حزينكيز.
الحاج سليمانا: عشيرة كردية يتزعمها آل علّكي وتقطن القرى التالية: شلهومية، تل شعير، تل بشك، بياندور، حلوة، حاصودة، خربة الذيب، دكشورية، أمريك وتل زيوان، أما أشهر بطونها آل علكي، آل عنتر، آل كارس، آل علي محما، آل عموكا، آل حسني عباس، آل حسكو، آل أوسي، آل بيكرك، آل سنجو.
المحلمية: عشيرة يتزعمها آل غيدا وتقطن القرى التالية: خزنة، فارقين، بويران، خويتلة، خريجكا، سحيل، نعمتلي، خزنة يوسف عتمان، تل غزال، كندك خليل ومرجان، أما أشهر بطونها آل غيدا، آل حمي، آل حسن، خريجكي، آل حجي، آل جمهور، آل رجو، آل حدادكا، آل أحمي، آل خليل أوصمان، آل دلو، آل أسعد، آل جردو، آل كشو.
بالإضافة إلى هذه العشائر الأربعة الرئيسية فهناك عشائر أخرى منها:
عشيرة قرصا وتسكن القرى تنورية، شورك.
جودكا وهذه العشيرة تسكن المناطق قطبة، تربه سبي، تل جهان.
دل ممكا تسكن كرديم خزيموك، معشوك.
وهناك عشائر أخرى متعددة جومرا، زاخراني، براظي، شابظني… وكانت سنجق تسمى قديماً برية خلف آغا.
يتحدث أهالي منطقة سنجق اللهجة الكردية الكرمانجية وتسود فيها عادات وتقاليد ومفاهيم المجتمع الكردي المحافظ. كما توجد عشائر السادة (سيدا) من الكرد والعرب وعشيرة بوتكا وهي فخذ من عشيرة عربية الكردية.
سكان تربه سبيه وبماذا تميزت؟
يقول شمعون في حديث سابق لـ “صحيفة روناهي” عن السكان الأصليين لهذه البلدة التي تؤكد المصادر التاريخية بـأنها مأهولة بالسكان منذ عام 1920م، ويقول: الغالبية العظمى من السكان تعود للسريان الذين يزيد عددهم عن ثلاثمائة شخص في الوقت الحالي، بالإضافة للمسلمين الكرد والقليل من العرب الذين يعودون لقبيلة “الجوالة”. وعما كان يميز تربه سبيه يشير إلى وجود مضافة كبيرة تعود لبيت “حاجو” وهم عائلة كردية كبيرة، يجتمع في المضافة سكان البلدة من كرد وعرب وسريان وآشوريين وإيزيديين يسهرون ويتناقشون بأمور معيشتهم، نشارك بعضنا بالأفراح والأحزان ولا فرق بين بعضنا البعض فجميعنا أخوة في الإنسانية والجوار والتعايش”.
كما كان هناك مطحنة حجرية لبيت حاجو تغطي احتياجات البلدة، ويتعاون الشبان في العمل فيها، وهناك فرقة شعبية تسمى بالكشافة تعود للمسيحيين مهمتها الاحتفال والغناء في الأعراس التي كانت تقام لسبع أيام بلياليها لأي شخص من سكان البلدة.
عدد سكان مدينة تربه سبيه يُقدر بأربعة آلاف نسمة وذلك حسب تقديرات غير رسمية، لأن الإحصاءات الدقيقة توقفت في سوريا منذ إحصاء عام 2004. فحسب إحصاء 2004 الرسمي: بلغ عدد سكان المدينة 28 ألف نسمة في ذلك الوقت.
من حيث الحياة الثقافية والاجتماعية تربه سبيه تُجسد مثالًا للتعايش بين الكرد والعرب والسريان وغيرهم، حيث تُقام فيها فعاليات ثقافية واحتفالات دينية تعكس هذا التنوع. على سبيل المثال، جارشمبا صور وباتزمي الأخوة الإيزيدية ويُحتُفل في المدينة بعيد أكيتو، وهو رأس السنة البابلية الآشورية، بمشاركة السريان والآشوريين والكلدان؛ ما يُبرز روح التعددية والتآخي بين شعوبها؛ وذلك بالإضافة إلى احتفالات عيدي رمضان والأضحى وأعياد رأس السنة الهجرية والميلادية وعيد نوروز وأعياد جارشما صور وخدر إلياس وغيرهما.
التغيير الديمغرافي والتعريب
نقلت حكومة البعث عوائل جمة وبأفواج من داخل سوريا وأسكنتها على طول الحدود مع شمال كردستان وبعمق (10-15) كم وبطول 270كم من سري كانيه (واشوكاني) وإلى ديركا حمكو حيث بدأ ببناء 40 قرية نموذجية عصرية للغمر، تتوفر فيها جميع وسائل الخدمات، وبدأ التهجير بالفلاح الكردي وترك داره وأرضه على قدم وساق. وقد استقر في هذه القرى النموذجية المذكورة آنفاً عرب الرقة وحلب، بحجة انغمار أراضيهم بمياه بحيرة سد الفرات ومن ضمن هذه القرى تم إسكانهم (هؤلاء المغمورون) في بلدة تربه سبيه ومن ثم بدأ حزب البعث باستقدام عرب الطويل ومحيطها من الجوالة إلى تربه سبيه بعد السبعينيات من القرن الماضي، حيث تم منحهم مقاسم من الأراضي الزراعية التابعة لقرية كرداهول مجاناً لترغيبهم في السكن وللإكثار من عدد العرب في المدينة، بعد أن أصبحت كرداهول ضمن المخطط التنظيمي للبلدة وكانت مساحة المقسم الواحد 400 متر مربع، وتم توزيعها لكل فلاح عربي بعثي وافد من قرى الطويّل (وغيرها) وبدون ثمن بغية التغيير الديموغرافي المبرمج، لذلك إذا تمعنّا النظر حالياً في الوضع السكاني للبلدة نرى، أن نسبة العرب تكاد تكون تساوي أو أكثر من جميع الشعوب الأخرى من الكرد والسريان والإيزيديين، إذا عدنا أكثر من خمسين سنة إلى الوراء نجد بأن بلدة تربه سبيه قد تعرضت إلى كارثة طبيعية (الفيضان الذي حدث) عام 1962م حيث كان 27 من شهر نيسان -يوم السبت -الساعة العاشرة صباحاً، وقد كان الجو مشمساً ومن ثم انقلب واكفهرت الغيوم وأصبح الجو بارداً ومن ثم بدأت السماء تسقط برداً وبغزارة واستمر سقوط البرد من السماء من العاشرة صباحاً وحتى الساعة الرابعة عشرة تقريباً، ومن ثم بدأ البرد بالذوبان وتعرضت البلدة لمياه السيول والفيضان ولا سيما من الطرف الشرقي والشمالي من البلدة، وأصبحت البيوت والدور والمحلات التجارية خاوية من محتوياتها، وغرق من البشر سبعة وعشرون شخصا ومن عائلة سريانية واحدة غرق خمسة أشخاص.
الوضع الحالي والإدارة الذاتية
منذ عام 2012، أصبحت تربه سبيه جزءًا من مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، تُدار المدينة ضمن مقاطعة الجزيرة، وتُعرف المدينة بمشاركتها النشطة في الحياة السياسية والاجتماعية ضمن مشروع الإدارة الذاتية، حيث تُعقد فيها اجتماعات جماهيرية لمناقشة التطورات السياسية والعسكرية والاجتماعية.
تبسم شمعون متحسراً على جمال الأيام الماضية، عندما سألناه عن دور العبادة: إنّه فخور لأنّه ولد ببلدة تجاور فيها الجامع والكنيسة وتعالت فيها أصوات المآذن والأجراس وحمل الأولاد أكياس الحلوى في كل الأعياد. وعن الكنيسة وتاريخ بنائها الذي يعود لتاريخ 1925م يحدثنا بأنه كان في الكنيسة قسيسان يخدمان الكنيسة ويقومان بأعمالها وإدارة شؤونها “مراد إيليا وسمعان الخولي” وقد تم ترميم تلك الكنيسة ثلاث مرات، حتى وصلت لشكلها الحالي ولا زالت تقام بها القداسات والصلوات، وهناك العديد من الكنائس التي تتبع الكنيسة السريانية الأرثوذكسية، وخاصة في قرى (كركي شامو) و(قصروك) و(غردوكة) و(سليمان ساري) و(محركان) و(خويتلة) وغيرها.
يشير العم شمعون إلى اللوحات القديمة التي كتب عليها اسم المحلات باللغة السريانية “الآرامية”، حيث كان شارع القماش مليء بمحلات تعود لهم “لم يبق إلّا القليل من السريان الذين يقارب عددهم الآن الأربعين بيتاً”.
وفيما إذا فكر بالهجرة كأغلب أبناء طائفته يقول شمعون: “لدي سبعة شباب وست بنات، هاجر أغلبهم وبقي منهم اثنان فقط، لا أفكر بالهجرة، هنا ولدت وهنا عملي وهنا ستكون تربتي” هكذا يخبرنا إيشوع سعيد شمعون مبيناً ومؤكداً انتماءه وارتباطه بالأرض.
صحيفة روناهي
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd-online.com/?p=74708