منطقة قامشلو… الجغرافيا والتاريخ

برادوست ميتاني

استمدت المدينة اسمها من نبات “قاميش” الذي كان يغطى ضفاف نهر “جقجق” هذا النهر الذي استمد اسمه محلياً بدوره من صوت الماء، وهو يتلاطم مع الصخور وتعرجات النهر وانحداراته، وخاصة في هدأة الصباح، واسمه في التاريخ “نهر هرماس” أو “هرميس”، حيث ينبع ويمر في منطقة هرميسي الكردية، وهو الاسم لعشيرة هرميسي الكردية.
ويقسم النهر المدينة إلى قسميها الشرقي والغربي. والقاميش في بعض اللهجات الكردية يسمى “قرام” و”زل” أحياناً، وهو نبات القصب، وورد اسم المدينة في اللغة العربية قامشلي، وفي السريانية “زالين” ويطلق على القاميش بالسريانية”، بذلك يكون الاسم متجذر في ثقافة المنطقة وبمعنى واحد.
في معنى وأصل الاسم يقول تورجين رشواني: “الاسم بالتركية أيضاً هو “قاميش” ومصادر أخرى تؤكّد أنّ اسمها من كلمة “كاميش” الكُردية، وتعني الجاموس، والسريان يؤكّدون أنها كانت تسمّى زالين نسبة إلى نبات “الزل” الذي كان ينمو على ضفاف نهر الجقجق”.
من جهته الباحث الكردي كونى رش له رأي في إضافة اللاحقة (لي) إلى الاسم  عندما يقول: “سأبدأ بكلمة قامشلي؛ وهي منحوتة من مفردة (قاميش) التي تعني بالكردية نوعاً من القصب، وكلمة “لاحقة” (لي) تعني مكان وجوده، وهي صيغة كردية بمثابة ياء النسبة في العربية، فيكون معنى كلمة قامشلي مكان وجود القصب أو الأراضي المقصبة.. ويخطئ من يكتبها قامشلو”.

الموقع
تعد مدينة قامشلو عقدة المواصلات الأساسية في منطقة الجزيرة بين شمال كردستان عبر بوابة نصيبين والمناطق الشرقية باتجاه مدينة ديرك، والغربية عبر عامودا والداخلية الجنوبية عبر الحسكة، بالإضافة إلى المطار، توجد محطتا قطار، الجديدة التي تربطها بدمشق واللاذقية، مروراً بدير الزور والرقة وحلب. والمحطة القديمة التي كانت تربطها سابقاً بحلب وبغداد بوساطة سكة خط قطار الشرق السريع، ولكن بعد رسم الحدود الجائرة في تقسيم المنطقة وكردستان؛ أصبح القسم الأكبر من ذلك الطريق تابعاً لتركيا بموجب الاتفاقية الفرنسية – التركية.
بعد الأزمة السورية، وانطلاق ثورة روج آفا توقف القطار وحرم المجتمع من فوائده في النقل والتنقل.
إلى الشرق من قامشلو بحوالي 30 كم تقع مدينة تربة سبيه. وتعد قامشلو العاصمة الإقليمية الفعلية لمنطقة الجزيرة. يضم مركز المدينة أكثر من 300 ألف نسمة، أما القرى التابعة لها فهي تضم أكثر من 150 ألف نسمة. نسبة السكان الكرد في المدينة هي في حدود 70 في المائة، أما النسبة الباقية فتضم االسريان والعرب، بالإضافة إلى الشعوب الأخرى مثل الأرمن والكلدان والآشوريين.
مدينة قامشلو حديثة نسبياً، أنشأها الفرنسيون لسد حاجة المنطقة إلى مركز إداري، وتجاري بعد عملية رسم الحدود التي فصلت منطقة الجزيرة عن جزيرة بوطان ونصيبين، بالإضافة إلى ماردين.

سوق اليهود • التُقطت الصورة في شهر أكتوبر تشرين الأول من سنة 1931

التاريخ القديم
تضافرت عوامل عديدة طبيعية وجغرافية لتجعل منطقة قامشلو ذات بيئة ملائمة للسكن البشري عبر التاريخ ومنذ القديم؛ بسبب التربة الصالحة والمناخ المناسب والشرايين المائية من خلال الأنهار الدائمة والموسمية ووفرة الأمطار، حيث شهدت جغرافيتها بناء حضارات متتالية بدأً من العصر النيوليتي وماراً بالمعدني ومنتهيا ببناء المدن.
توجد في منطقة قامشلو مواقع أثرية عديدة تعود إلى التاريخ القديم لكننا لا نستطيع أن نذكرها في موضوع قامشلو، لأنها تتبع جغرافيا إلى المدن الأخرى في الجزيرة السورية لذا نكتفي ببعض المواقع القريبة من قامشلو:
ـ تل ليلان يقع إلى الجنوب الشرقي من قامشلو بمسافة 25كم وتعود آثاره إلى الألف السادس ق.م.
ـ تل عربيد تعود آثاره إلى 5000 ق.م يقع باتجاه الحسكة وعلى بعد 30 كم تقريبا من قامشلو.
ـ تل شعير يقع 22كم شرقي قامشلو وتعود آثاره إلى الألف السادس ق.م.
ـ آثار كري بري تقع شرقي قامشلو باتجاه تربة سبيه وتعود إلى الألف الرابع ق.م.
ـ موقع شاخر بازار يقع جنوب غرب قامشلو، وتعود آثاره إلى الألف الرابع ق.م.
ـ موقع تل أحمدي يقع شرقي طريق قامشلو – الحسكة يبعد عن قامشلو مسافة 20 كم.
تظهر نتائج التنقيب في تلك التلال الغنى الحضاري من خلال اللقى والرقم الطينية والأواني والأدوات المستعملة.
وهي تابعة لحضارات متتالية كالهوريين والميتانيين والبابليين والأكاديين والآشوريين، التي تمازجت فيها الثقافة بشكل عام واللغة بشكل خاص.

قامشلو قبل التأسيس
الأراضي التي تمتد عليها مدينة قامشلو اليوم كانت عبارة عن نهر جقجق بروافده الكثيرة، إذ كان يبدو الموقع على شكل بحيرتي ماء في جنوب مدينة نصيبين، يتخلّلهما غابات من قصب القاميش والقامر، والبردي، وأشجار الحور، والصفصاف، ومنتجعاً خصباً للخنازير البرية والثعابين والذئاب، وكان يصعب على المرء اجتيازها، ناهيك عن بعض القرى المتفرقة حول الموقع مثل: عنترية، ومحمقية في الشرق، وقرية نافكر، وهيمو والهلالية في الغرب، وجرمز وحلكو وزندا في الجنوب.
وللعشيرة الملية الكردية وزعيمها إبراهيم باشا الملي دور كبير في حماية الجزيرة عامة، ومنطقة قامشلو خاصة من العثمانيين وإجراءاتهم التعسفية وكذلك من هجمات القبائل الغازية.
لقد قرأت في كتاب الأديب الكردي الكبير سيدايى جكرخوين الذي يحمل عنوان سيرة حياتي المكتوب باللغة الكردية في الصفحة 35 بعض حوادث بين قبائل عربية وكردية، لكنها عموما انتهت بالمصالحات بفضل فطنه سكانها وحرص الجميع على الأخوة والتسامح.


التأسيس
قبيل التأسيس كانت عبارة عن أرض زراعية تتبع لملاكين منهم المرحوم قدوربك، وهو كُردي أصوله من جنوب كردستان وكان ضابطاً في الجيش العثماني انشق عنه، وبيت نظام الدين وآحو، وحسن جلبي “حسن مصروع” وبيت كوزي ويقال أيضاً في البداية كان بيت كل من بيت المكطف.. وبيت الجرموكلي وبيت عدى وغيرهم.
أما محطة الوقود فكانت في موقع مصلحة المياه على الشارع العام، بالقرب من جامع الشلاح، حاليا، وكان يباع الكاز والبنزين في تنكات مختومة، وكانت قيمة تنكة الكاز آنذاك بخمس ليرات سورية. أما صانعو المرطبات فكان حاج رفيعة، وما ميكون وحسن طنطا.
بناها الفرنسيون وخططت في عام1925 وابتداء البناء بين-1926-1927على يد مهندس معماري يوناني الأصل كان يعمل مع الفرنسيين ويقال: إنّ مخططها يشبه مخطط باريس من حيث شوارعها، وورد اسمه تارة باسم تيريية وتارة باسم كيرالامبوس.
تقع قامشلو على الحدود التركية العراقية “باكور وباشور كردستان” وأقرب نقطة هي نصيبين، تبعد عنها فقط كيلومتر واحد لا غير، وتبعد عن الحدود العراقية مسافة مائة كيلومتر تقريباً، وتقع المدينة أسفل تلة أثرية اسمها (البدن) أي الجسد وهذه التلة هي نصيبين الأثرية القديمة، مساحة المخطط التنظيمي لمدينة قامشلو حوالي2000 هكتار.
يقول الباحث كوني رش: “في البداية كان الناس يعيشون تحت الخيام والأكواخ المصنوعة من القصب والخشب وهم يزاولون حياتهم اليومية في البيع والشراء وما شابه ذلك من التبادل التجاري. كانت تصنع نفسها على طريقة الغرب الأمريكي تكبر بسرعة، بلا ذاكرة، إلا من حي قدور بك والسريان والأرمن واليهود”.
ويتابع كوني رش: “بالرغم من أن اللغة الرسمية لم تكن الكردية تماماً، إلا أن هذه المدينة لعبت دور العاصمة لكرد المنطقة. وفي شمالها مدينة نصيبين العريقة.. كان أهل محيطها في حمى الركض وراء زراعة القمح والشعير وتربية المواشي، والبعض كان يعمل بالقاجاغ/ تهريب المواد المفقودة بين طرفي الحدود وكبرت مع المدينة، حتى أصبحت جزءاً من ذاكرتي، واليوم لا يمكنني العيش خارج محيطها!”.
مد سكة القطار الشرق السريع بين برلين وبغداد مرورا بقامشلو، وأطلقت البعثة الأمريكية الزراعية في الخمسينات من القرن الماضي على مدينة قامشلو كاليفورنيا الشرق، وغدت قامشلو مع نهاية عام 1927 بلدة عصرية، حيث شيدت المباني الحديثة وانتقل إليها التجار من الموصل وآمد ونصيبين.

صحيفة روناهي

 

Scroll to Top