الجمعة, مارس 29, 2024
حقوق الإنسان

منظمات سورية تدعو لاستجابة محلية وحساسة للنزاع لمساعدة المتضررين من الزلزال في جميع أنحاء سوريا

تسبب الزلزال المدمر الذي وقع في سوريا وتركيا بتاريخ 6 شباط/فبراير 2023، والهزات الارتدادية التي تبعته، في حدوث كارثة واسعة النطاق، الأمر الذي عمّق المخاطر الإنسانية الموجودة مسبقاً والناجمة عن اثني عشر عاماً من الصراع في سوريا. على المنظمات الإنسانية ومنظمات المجتمع المدني المحلية أن تلعب دوراً رئيسياً في تقييم الاحتياجات وتصميم وتنفيذ الاستجابة الإنسانية الدولية للزلزال في سوريا. يجب أن تتصدى جميع الجهود الدولية لمخاطر النزاع وحقوق الإنسان قبل وبعد الزلزال، وأن تتخذ نهجاً شاملاً عبر العلاقة بين المساعدة الإنسانية والتنمية والسلام “Triple Nexus”.

قبل جلسة مؤتمر المانحين الدولي في 20 آذار/مارس، والذي عقد استجابة للزلزال في تركيا وسوريا، واستضافته المفوضية الأوروبية والرئاسة السويدية لمجلس الاتحاد الأوروبي؛ وفي غياب إشراك المجتمع المدني، لا سيما المجتمع المدني السوري، ترى منظمات المجتمع المدني السورية والدولية الموقعة أدناه أنه من الضروري التعبير عن مخاوفها المتعلقة بالأمور التالية:

أ. عدم وجود تقييمات محلية مستقلة ومحايدة للاحتياجات والأضرار، والتي من شأنها أن تعطي الأولوية للأشخاص والفئات الأكثر عرضة للخطر في المجتمع.

ب. مخاطر تفاقم انتهاكات حقوق السكن والأراضي والممتلكات.

ج. الاستجابة الدولية البطيئة تجاه سوريا، والتي أدت -وتؤدي حتى الآن- إلى عواقب مميتة وغياب متكرر للمساءلة والشفافية.

وبناءً عليه، فإننا نقدم التوصيات التالية للمانحين وللمجتمع الدولي:

تقييمات مستقلة ومحايدة وشاملة للاحتياجات والأضرار في سبيل ضمان استجابة حساسة للنزاع:

نحث المجتمع الدولي والمانحين على إجراء تقييمات مستقلة ومحايدة للاحتياجات والأضرار في المناطق المتضررة من الزلزال في سوريا. يجب دراسة احتياجات الحماية لدى المتضررين من الزلزال دون تدخل سلطات الأمر الواقع. وبالنسبة لشمالي غرب سوريا، لا بد أن تلعب المنظمات الإنسانية ومنظمات المجتمع المدني المحلية دوراً قيادياً في إجراء مثل هذا التقييم، في ظل غياب الوجود الدولي الذي يمكن أن يشرف على العملية.
يجب إجراء تقييمات الاحتياجات كجزء من فهم أوسع للصراع ولدور الجهات الفاعلة فيه. وفي هذا السياق، يجب تحديد الاحتياجات الخاصة للفئات الأكثر عرضة للخطر بشكل واضح، ويجب معالجتها في تدابير الاستجابة الإنسانية. لذلك ندعو إلى استجابة نسوية تضمن المشاركة الفعالة للمجتمع المدني المحلي والمجتمعات الأهلية المتنوعة -بما في ذلك المبادرات التي تقودها النساء- في تحديد الاحتياجات وتطوير برامج المساعدات الإنسانية.
لضمان اتساق البيانات والاستجابة العادلة عبر المناطق، نوصي باتباع نهج شامل لكامل سوريا، مع معايير موحدة لتقييم الاحتياجات بغض النظر عن وضع سلطات الأمر الواقع.
نشجع الاستخدام المنهجي لصور الأقمار الصناعية (قبل، وبعد، وخلال سلسلة الزلازل والهزات الارتدادية التي وقعت)، وذلك لاستكمال تقييمات الاحتياجات والحصول على معلومات حول آثار الزلزال على البنية التحتية.
يجب وضع تدابير مناسبة وحساسة للنزاع في سبيل ضمان أن أي مساعدة مقدمة: أ) لا تؤذي المدنيين عن غير قصد؛ ب) لا تسهم في المظالم الطائفية وديناميكيات النزاع الأخرى؛ ج) لا تدفع “عوائد جرائم الحرب” للحكومة السورية والجهات الفاعلة الأخرى في الصراع. يجب على الجهات المانحة ووكالات المساعدة الإنسانية تطوير مؤشرات مخاطر خاصة بالسياق، وإجراء تحليلات شاملة للديناميكيات المحلية، والعمل عن كثب مع المجتمعات المحلية والمجتمع المدني، ومع السكان النازحين أيضاً، للتخفيف من الآثار السلبية غير المقصودة لأي برامج يتم التخطيط لها.

احتياجات محددة في ظل تزايد مخاطر انتهاكات حقوق السكن والأراضي والممتلكات:

نؤكد على الحاجة إلى الارتقاء بالجهود الدولية لرصد وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان في أعقاب الزلزال، مع إيلاء اهتمام خاص لانتهاكات حقوق السكن والأراضي والممتلكات، ولزيادة مخاطر النهب المتعمد وحملات نزع الملكية. حتى قبل الفوضى والدمار الناجمين عن الزلزال/الزلازل، كان هناك توثيق لانتهاكات السكن والأراضي والممتلكات كالمصادرات والمزادات غير القانونية والمنع من الوصول إلى الممتلكات في سوريا؛[1] لكن التدمير الإضافي للممتلكات والاضطرابات السكانية يطرحان المزيد من المخاوف وفرص الاستغلال بسبب نزوح السكان و/أو مع بدئهم بإعادة الإعمار.
يجب أن تتضمن جهود الاستجابة للزلازل تدابير لمراعاة المخاطر على حقوق السكن والأراضي والممتلكات المرتبطة بالنزاع، من قبيل التدابير الداعمة للتوثيق والوصول إلى الفصل الآمن والمحايد في الدعاوى المتعلقة بالسكن أو الأرض أو الملكية، نظراً لأن الزلزال قد يعقد الجهود المبذولة للتصدي للانتهاكات، كما قد يؤدي إلى تفاقمها. فعلى سبيل المثال، قد تؤدي عمليات الهدم وإزالة الأنقاض إلى تلف وثائق الملكية أو الأدلة على ارتكاب جرائم حرب.
من المهم أن تلتزم الأمم المتحدة وجميع الجهات الفاعلة التي تدعم الجهود الإنسانية وجهود إعادة الإعمار بإجراء تقييمات تمهيدية قبل تنفيذ البرامج، في سبيل تحديد أماكن وجود أصحاب الممتلكات، وتحديد احتياجاتهم وأولوياتهم. إدراج التضمين المنهجي للمقارنات بين تقييمات الأضرار وعمليات الهدم قبل وبعد الزلزال -وآثارها فيما يتعلق بالوصول لحقوق السكن والأراضي والملكيات- في تحليلات حساسية النزاع و”عدم الإضرار” فيما يخص أولويات البرمجة والتمويل. سيساعد هذا في تحديد أي آثار سلبية محتملة طويلة المدى قد تواجهها عملية إعادة الإعمار، كي يتمكن المنفّذون من اتخاذ خطوات للتخفيف من الضرر المحتمل ومنع النزاعات المحتملة في المستقبل. يجب بذل جهود مثيلة لإجراء عمليات مسح للسكان الأصليين بشكل مستقل عن سلطات الأمر الواقع، وبالتعاون مع المجتمعات المحلية ومنظمات المجتمع المدني، في سبيل منع الآثار السلبية لانتهاكات حقوق السكن والأراضي والملكيات، كتلك التي تم توثيقها بالفعل قبل حدوث زلزال 6 شباط/فبراير.

ضرورة قيام المجتمع الدولي بمراجعة الاستجابة للوضع في سوريا وإعادة النظر به:

تماشياً مع نهج العلاقة بين المساعدة الإنسانية والتنمية والسلام، يجب على الجهات العاملة بالمجال الإنساني وبناء السلام أن تتعاون لتجاوز الجمود والانعزال المؤسساتي، وذلك في سبيل تعزيز أنشطتها ومخرجاتها. مثل هذا التعاون قادر على التكيف مع أنشطة المنظمات المحلية، والتي تجمع غالباً بين السلام والتنمية والبرامج الإنسانية. هناك حاجة أيضاً إلى التنسيق بين المنظمات الإنسانية ومنظمات بناء السلام للتعاون في تحديد الأولويات وفي تنفيذ مبادرات التعافي من الصدمات المصممة للتعامل مع الأضرار السابقة المرتبطة بالحرب، إضافة إلى الأضرار المرتبطة بالزلزال، على مدى فترة أطول.
ندعو الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى طلب إنشاء لجنة مستقلة مفوضة من الأمم المتحدة لفحص ومراجعة الاستجابة الدولية للزلزال في شمالي غرب سوريا.[2]
يجب أن يسترشد المراجعون بالشروط المرجعية لتقديم توصيات بشأن تحسين عملية تسليم المساعدات عبر الحدود الدولية، بناءً على الممارسات الدولية الفضلى ووفقاً للقانون الدولي الإنساني. يجب أن تتضمن الشروط المرجعية آليات محددة لتفعيل التوصيات، كما يجب أن تشترط نشر النتائج والتوصيات الواردة في التقرير؛ فالسوريون يستحقون الشفافية.
على الأمم المتحدة أيضاً أن تقوم بفحص ومراجعة تقييمها لآليات إيصال المساعدات عبر الحدود المعمول بها حالياً، وذلك بما يتماشى مع القانون الدولي الإنساني وإرشادات العمل الإنساني القائم على المبادئ. لقد جادل محامون وخبراء قانونيون دوليون بأنه ما من عائق قانوني أمام الأمم المتحدة في تسليم المساعدات عبر الحدود في شمالي غرب سوريا، بالرغم من غياب قرار من مجلس الأمن الدولي.[3] وإذ نشيد بالجهود المتزايدة اللاحقة من قبل الأمم المتحدة لتوسيع نطاق تقديم المساعدات، بعد التأخيرات الأولية في الأسابيع التي أعقبت الزلزال، فإننا نحذر من المعايير الصارمة للغاية المتعلقة بالآلية الحالية لتسليم المساعدات عبر الحدود، والتي أخرت بشكل كبير وصول المساعدات، الأمر الذي أدى إلى عواقب كارثية في شمالي غرب سوريا. يجب عدم تسييس المساعدات الإنسانية، خاصة على حساب معاناة السكان الأكثر عرضة للخطر بالفعل.
إلى أن يتم إنجاز هذا الفحص والمراجعة لاستجابة الأمم المتحدة والعمليات عبر الحدود، ندعو الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى مطالبة الأمانة العامة بفتح/بإعادة فتح المزيد من المعابر الحدودية الإنسانية إلى شمالي غرب سوريا، وضمان تمديد اتفاقية وصول المساعدات الإنسانية الحالية (والتي مدتها ثلاثة شهور). يجب على مجتمع المانحين الدولي زيادة التمويل الإنساني والموارد المخصصة للبرامج في شمالي غرب سوريا، خصوصاً من خلال التعاون المباشر مع المنظمات الإنسانية ومنظمات المجتمع المدني المحلية.[4]
كما ندعو الدول إلى الاعتراف بمسؤولياتها الفردية تجاه حماية المدنيين والعمل الإنساني والتأكيد عليها. ونذكّر بأن عضوية الأمم المتحدة ودعم أنشطتها الإنسانية وحده لا يعفي المجتمع الدولي من دوره في تقديم الإغاثة الإنسانية الطارئة للمدنيين في شمالي غرب سوريا؛ وهي منطقة محاصرة أساساً.
على مجتمع المانحين الدولي أن يطالب بمزيد من الشفافية من طرف وكالات الأمم المتحدة والمنفذين الآخرين الذين يتلقون التمويل كجزء من الاستجابة الإنسانية في سوريا، ويجب ممارسة رقابة أكبر لضمان إنفاق التمويل بشكل مناسب ومتوافق مع مبدأ بذل العناية الواجبة لمراعاة حقوق الإنسان.

 

قُدمت هذه الرسالة باسم منظمات المجتمع المدني التالية (حسب الترتيب الأبجدي):

باكس لأجل السلام
بيل- الأمواج المدنية
رابطة تآزر للضحايا
سوريون من أجل الحقيقة والعدالة
كش ملك
مبادرة تعافي
النساء الآن

————————————

[1] الأمم المتحدة، تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية، A/HRC/52/69 بتاريخ 13 آذار/مارس 2023.

[2] اعترف وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ في الأمم المتحدة، مارتن غريفيث، بالفشل في مساعدة الناس في شمالي غرب سوريا في 12 شباط/فبراير. وفي 13 آذار/مارس أعرب رئيس لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن سوريا، باولو بينيرو، عن دعمه لإجراء تحقيق في “فشلاً ذريعاً من قبل الحكومة والمجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة، في توجيه الدعم المنقذ للحياة بسرعة” إلى شمالي غرب سوريا، بما في ذلك عوائق تسليم المساعدات عبر الحدود وخطوط النزاع.

[3] لا يوجد عائق قانوني أمام عمليات الأمم المتحدة عبر الحدود في سوريا  There is no legal barrier to UN cross-border operations in Syria، صحيفة الجارديان، 28 نيسان/أبريل 2014؛

لا يوجد حتى الآن أي عائق قانوني أمام عمليات الأمم المتحدة عبر الحدود في سوريا بدون تفويض من مجلس الأمن الدولي There is Still No Legal Barrier to UN Cross-Border Operations in Syria Without a UN Security Council Mandate، المساعدة عبر الحدود إلى سوريا قانونية Cross Border Aid into Syria is Legal، كانون الثاني/يناير 2023.

[4] منذر الخليل وآخرون، الوصول غير العادل للمساعدات بعد الزلزال المدمر في سوريا Inequitable access to aid after the devastating earthquake in Syria، مجلة لانسيت، 10 آذار/مارس 2023.