بيان:
تُستخدم عمليات الترحيل القسري في الحروب لأهدافٍ جيوسياسية، يتم فرضها عبر قوانين مرتبطة بأيديولوجيات مختلفة، قد تكون بغرض الهيمنة الدينية أو العرقية، من خلال التلاعب بالديموغرافيا. وهي ممارسة تصب في سياق الطرد الجماعي أو الترحيل والتطهير العرقي في كثيرٍ من الأحيان.
وفي سوريا برزت هذه الاستراتيجية بشكل واضح في السنوات الأخيرة، وكان لها تأثيراً عميقاً على النسيج المجتمعي للبلاد، عبر اتباع سياسة التغيير الديمغرافي القسري، وكان للمساعدات الخارجية دوراً كبيراً في تسهيل هذه العملية.
قد يكون للكرد الحصة الأكبر من المعاناة جراء عمليات التغيير الديمغرافي، فلم يقتصر تهجيرهم على يد القوات التركية ومرتزقتها من السوريين فقط، بل كان لبعض الحكومات الإقليمية دوراً في هذه الجهود، بالتنسيق مع تركيا.
فمنذ بدء العمليات العسكرية التركية في سوريا، والعدوان على مناطق الكرد، منذ عام 2018، طالت عمليات التهجير القسري ما يقارب 75% من سكانها الأصليين، ليُستكمَل المشروع فيما بعد بإنشاء مشاريع استيطانية لإيواء آخرين مكانهم، من مختلف المناطق في سوريا وخارجها، بهدف محو هوية المنطقة، وكل ذلك بالاتفاق مع جهات تدعم جمعيات تعمل تحت مظلة الإغاثة الإنسانية، لإنجاز مشاريع استيطانية في تلك المناطق.
وبالرغم من الوضوح التام لموقف بعض الدول الداعمة للخطط التركية مثل قطر والكويت وبعض منظمات اخوانية فلسطينية ، والتي اتخذت موقف منفرد بين الدول العربية، كداعم للعمليات العسكرية التركية على مناطق الكرد في سوريا، بالإضافة الى دعمها لخطط الاستيطان، عبر نشاط الجمعيات الإخوانية، وتمويل مشاريع الاستيطان، لتغيير هوية المناطق الكردية المحتلة. إلا أنه هناك بعض اللاعبين ممن ساهموا في تغيير هوية المناطق الكردية عبر وسائل أخرى، ومنها دولة “قطر” ، والتي كان لها دوراً في تهجير الكرد، وفقدان أمل العودة لديهم، حيث تبين وجود تنسيق صريح لدعم وتمويل الجمعيات المتواجدة في مناطق الكرد، لإنشاء مشاريع استيطانية، بما يتماشى مع المصالح القومية التركية.
ذريعة الغطاء الانساني لبناء المستوطنات
تحت عنوان إنشاء التجمعات السكنية، كمشاريع لإيواء النازحين، بدأت العديد من المنظمات بالترويج لدعم النازحين السوريين، لتشييد مستوطنات جديدة، ليتبين أنها مجرد مخططات هندسة ديمغرافية، وخطوة ساهمت في ترسيخ نزوح شرائح جديدة من المجتمع السوري، حيث نتج عنها فرار مئات الآلاف من الكرد، من مناطق نشاط هذه المنظمات إلى شمال شرق سوريا، نتيجة العدوان التركي أولاً، ثم استكمالها من قبل هذه المنظمات ثانياً، وذلك ببناء مستوطنات في أراضي ممن هُجروا من هذه المناطق، وهي أراضي مملوكة للمدنيين من الكرد، تم الاستيلاء عليها، وتوطين عائلات المرتزقة ونازحين آخرين من مناطق المعارضة في حلب والغوطة الشرقية ،بالإضافة إلى دور الفصائل المسلحة الموالية لتركيا، والمتهمة بجرائم حرب بحق الكرد، وفق تقارير صادرة من المنظمات الدولية، فجميعها متورطة في هذه المشاريع الاستيطانية في مناطق الكرد المحتلة، كمشروع “قرية بسمة ”، بالإضافة الى دور رجال الدين من تلك الفصائل في ترغيب المقاتلين بتسجيل أسمائهم وتوزيع الأراضي عليهم، في المستوطنات الجديدة في مدينة عفرين وريفها.
تكفلت جمعيات ومنظمات قطرية من بينها # الهلال الأحمر القطري بدعم هذه المشاريع، وبالتنسيق مع الفصائل السورية المدعومة من تركيا، كفصيل ما يسمى بـ “السلطان سليمان شاه” المعروف بالعمشات .

#حيث أعلن اليوم الثلاثاء 11 يونيو “الهلال الأحمر القطري” على صفحته الرسمية على الفيسبوك أنه انتهى من إنشاء 13 قرية سكنيّة كاملة المرافق بالتعاون مع العديد من الجهات الشريكة في تركيا والشمال السوري، بإجمالي 3,672 شقة سكنية لإيواء 22 ألف شخص، وأنه وفّر 7000 فرصة عمل من خلال أعمال الإنشاءات ومدّ الطرق وشبكات المياه والكهرباء والصرف الصحيّ. وقد جاء هذا الإعلان بعد افتتاح قرية “الإنسانية أولاً” في 28/5/2024، وذلك في بلدة سوسنباط الكردية بريف قباسين بمنطقة الباب، التي وُصفت بأنّها أكبر قرية طابقية متكاملة تُقام في الشمال السوري، وتتكون من 143 بناية مستقلة، وكل شقة بمساحة 50 م2، تتألف من غرفتين وصالة معيشة ومؤثثة بالمستلزمات الأساسية. وبحسب محمد صلاح إبراهيم، مدير قطاع الإغاثة والبرامج الدولية في الهلال الأحمر القطري، تلك القرية تضم 1,136 شقة سكنية. وحضر الافتتاح سادات سازيك، نائب والي غازي عنتاب بتركيا، ومحمود جوشكون، مدير هيئة إدارة الكوارث والطوارئ (آفاد) بولاية غازي عنتاب، وممثلون للهلال الأحمر القطري في تركيا، والهلال الأحمر التركي، وقطر الخيرية.
كل ما سبق يتم بتكليف من المسؤولين الأتراك في المناطق الحدودية من سوريا، لتنفيذ هذه المشاريع الاستيطانية، كحاكم ولاية هاتاي، وهو أحد المسؤولين المباشرين عن بناء مشروع “كويت الرحمة”، ومنح الضوء الأخضر لهذه الجمعيات ببناء هذه المشاريع، إضافة إلى إعلان الرئيس التركي عن المشروع الأكبر للتغيير الديمغرافي، لإعادة ما يزيد عن المليون لاجئ سوري، وبتمويل من هذه المنظمات، ببناء وحدات سكنية في مناطق تسيطر عليها مع مرتزقتها، وأخرى تسعى للسيطرة عليها، ويمنح النازحون حق الانتفاع بالمنازل لمدة خمس أو عشر سنوات. وهذا ما يعتبر كمشروع حزام يشبه الحزام العربي الذي فرضه النظام السوري سابقاً، بهدف تغيير ديمغرافية المنطقة.
#الهلال الأحمر القطريّ يموّل الاستيطان في عفرين
في منطقة عفرين الكرديّة المحتلة ، موّل الهلال الأحمر القطريّ العديد من مشاريع إنشاء البؤر الاستيطانيّة، فقد موّل مشروع قرية استيطانيّة لإسكان عوائل عناصر “الشرطة المدنية”، في منطقة غابية على الطريق الواصل بين قريتي كوباليه- وخالتا/الخالدية في ناحية شيراوا، قرب مستوطنة “القرية الشامية”، وبدأ الاكتتاب على المنازل في 1/6/2021، والمشروع من تنفيذ جمعية “شام الخيرية” الإخوانيّة.
وفي 19/3/2023، الهلال الأحمر القطري اشترى نحو 10 آلاف م2، من الأراضي بناحية جنديرس لبناء منازل لمستوطني الغوطة الشرقية. وتعود ملكية الأراضي لمواطنين من قرية كفر زيت وآخر من عائلة عربو بجنديرس، وتدفع المنظمة القطرية أسعاراً مغرية لشراء الأراضي، تقدر بثلاثين دولاراً للمتر الواحد.
وفي 22/5/2024 أنّه تمّ إخلاء “المخيم اليمنيّ” قرب الخزان في حي الأشرفية، الذي كان يسكنه مستوطنون ينحدرون من منطقة حوران جنوبي سوريا، وتديره “منظمة أهل حوران” المدعومة من “الهلال الأحمر القطري”، وكان مشيداً (بكلفة حوالي 150 ألف دولار أمريكي) على محضر تعود ملكيته لمواطنة أرملة من أهالي قرية “مشاله/مشعلة” – شران ، دون دفع أيّ إيجار لها.
كما أنّ الهلال الأحمر القطري يشرف على إدارة مخيمي المحمدية ودير بلوط في ناحية جنديرس وذلك بالتنسيق مع هيئة إدارة الكوارث التركية “آفاد”، ولا تسمح لأيّ منظمة سوريّة أو فلسطينية بالوصول إليه إلا باستثناءات محدودة. وتم إنشاء مخيم المحمدية في مايو 2018ثم ألحق به مخيم دير بلوط، لإسكان المستوطنين القادمين من ريف دمشق، ويُقدّر عدد سكّان المخيمين بثلاثة آلاف شخص، ويُشكّل الفلسطينيون السوريون قرابة ثلثي القاطنين فيه، نحو 325 عائلة فلسطينيّة، اُستقدمت من مناطق: ببيلا وبيت سحم ويلدا، بريف دمشق.
كما تم بناء مستوطنتين مابين عامي 2021 – 2022 باسم “القرية القطرية الأولى والثانية”من قبل قطر على أطراف بلدة شيه / شيخ الحديد، بإشراف وتنفيذ المدعو محمد الجاسم الملقب أبو عمشة قائد فرقة السلطان سليمان شاه “العمشات ” وبتمويل من قطر .
#اتبعت تركيا ومرتزقتها بعد احتلالهم لمدينة عفرين، سياسة التغيير الديمغرافي للمدينة ومحيطها، وقد ساعدها – منذ ذلك الوقت – العديد من الجمعيات المرخصة من قبلها، بحجة إيواء نازحين لتمويل هذه المشاريع، واللافت في الأمر أن الجمعيات الخيرية في قطر ساهمت بشكل كبير في تشجيع الاستيطان في مناطق الكرد، ولا تزال مستعدة في استمرار الدعم، الذي يشجع على الاستيطان .
مشروع “العودة الطوعية”
وهو مشروع قديمٌ جديد طرحه الرئيس التركي، والذي سينفّذ في المناطق التي احتلتها تركيا، بالتعاون مع الفصائل السورية التابعة لها، في إطار حملة لبناء تجمعات سكنية، وبدعم من منظمات وجمعيات إقليمية، وتنسيق من إدارة الكوارث والطوارئ التركية “افاد”.
يهدف المشروع إلى توطين اللاجئين والنازحين السوريين في مناطق شمال سوريا، في تجمعات على شكل قرى استيطانية نموذجية، بهدف استكمال مشروع التغيير الديمغرافي بحق الكرد، وذلك في إطار سياسة ممنهجة لإحداث تغيير ديمغرافي واسع.
والجدير بالذكر أن جمعيات ومنظمات قطرية ك ” الهلال الأحمر القطري” يدعم الادارة التركية المذكورة “افاد”، عبر اتفاقيات دعم وتنسيق، وتعتبر هذه الجمعيات أحد الداعمين الرئيسيين لتنفيذ هذا المشروع الاستيطاني.
مضامين المشاريع الاستيطانية وتبعاتها
إن مصادرة الممتلكات تحت أي بند كان، إنساني أو غيره، تحمل في طياتها تغييراً ديمغرافياً، فالمشاريع الممولة من الكويت أو قطر، مُورست بشكل رئيسي على الكرد، فحجة الترويج بتلبية الاحتياجات الإنسانية للنازحين السوريين، ساهمت في عملية تغيير ديمغرافي، وفق منهج تركي واضح، بتفريغ المنطقة من الكرد، واستبدالهم بالعرب والتركمان، فالطريقة الأكثر قبولاً لتحقيق هذا الهدف في نظرها يكون على أساس استخدام المنظمات والجمعيات الخيرية، التي ساهمت في دعم هذه المشاريع الاستيطانية، وكل ذلك له تبعات، يمكن أن نذكر منها:
• المشاريع الاستيطانية وتمويلها ينذر بنقطة اشتعال أخرى في الصراع المستمر بسوريا.
• المناطق الكردية الواقعة تحت الاحتلال التركي ومرتزقتها، باتت ملاذا آمنة للإرهابيين.
• زيادة عدد المستوطنات تكشف طموحات بعض القوى بضرب التعايش المستقر منذ عقود بين الكرد والعرب، الأمر الذي سيخلق بؤراً جديدة للصراع، ويضرب النسيج السوري، وقد يستمر هذا الأمر لسنوات.
• تغيير التوازن في المناطق الكردية المحتلة، عبر بناء مستوطنات، واستقدام نازحين من مناطق أخرى، يهدف إلى تغيير ديمغرافي. فاستقدام المستوطنين وإقامة مجمعات الاستيطان، أحد دوافع الاحتلال التركي، وخطوة لاستكمال العدوان والتهجير القسري، والتلاعب بالتركيبة الديمغرافية.
• استمرار تدفق اللاجئين السوريين من تركيا إلى المنطقة عبر بناء مستوطنات جديدة لهم، تعيق عودة السكان الأصليين الذين شردتهم تركيا ومرتزقتها.
• باتت هذه المناطق المحتلة مناطق غارقة في الفوضى، وخارجة عن القانون، وخطيرة، تستخدمها تركيا لقيادة أي هجوم تريده داخل سوريا، أو خارجها.
• هذه المشاريع هي استهداف لخصوصية المناطق الكردية، كونها مراكز للثقافة الكردية، وليست مجرد جغرافيا.
• مخطط بناء مستوطنات في مناطق محتلة مثل عفرين / تل أبيض/ گري سبي، ورأس العين/سري كانييه، هي جريمة ضد الإنسانية.
• أغلب المستفيدين من مشاريع هذه المنظمات هم مقاتلي فصائل ما يسمى الجيش الوطني، وعائلاتهم.
• بناء هذه المستوطنات، أو تمويلها يوحي بأن المانحون متواطئين في التهجير القسري للسكان الأصليين.
في الختام.. يمكن القول إنه لا يوجد حالياً أي مبدأ قانوني ينطبق على عمليات نقل السكان، والتي تتخذ أشكالاً عديدة، فهي عمليات قسرية، تنتهك القانون الدولي لحقوق الانسان، ومبدأ حق تقرير المصير. لكن في سوريا بات من الاعتيادي الانتهاك المنهجي لحقوق السوريين في أرضهم وممتلكاتهم، ومن الواضح – وفقاً للتقارير، والتنفيذ على الأرض – أن هناك دولاً تساهم في دعم هذا الانتهاك، منها قطر ، بجمعياتها، التي تمول وتنفذ المخططات التركية الهادفة للتغير الديمغرافي، بحجة المساعدات الإنسانية.
فإذا كانت قطر ترعى مثل هذه المشاريع، تحت مسمى مساعدة الشعب السوري، أو أنها تدعم جهود إعادة الإعمار – وفق تقارير – للمانحين لهم، لا بد أن تدرك أن مثل هذا الدعم – وبقيادة تركيا – هو انتهاك منهجي لحقوق السوريين، وخاصة الكرد، وينبغي حظر مثل هذا التمويل، الذي يدعم مشاريع ترسخ النزوح، وتزيد من حدة التوتر الاجتماعي في سوريا.
يقع على عاتق قطر وغيرها من الدول الإقليمية – كبح هذه المنظمات، التي تنتهك القانون الدولي بمشاريعها الاستيطانية. فهي وحدات سكنية غير شرعية، ومخالفة للقانون الدولي، وفق البند 46 و 55 من معاهدة لاهاي 1907 و 49 و 53، من معاهدة جنيف الرابعة 1949، اللذان ينصان على عدم أحقية أي دولة احتلال في مصادرة أملاك الناس، والبناء عليها.
إذاً، فجميع هذه الكتل السكنية والمستوطنات تقوم أساساً على أراضي الغير، ك عفرين ورأس العين/ سري كانييه، وتل ابيض/ گري سبي، وغيرهم من المناطق التي احتلتها تركيا، وهجّرت أهلها، واستقدمت آخرين لا ينتمون لها. فأي منظمة تشاركها في هذه الخطوة تعتبر شريكة لها في التغيير الديمغرافي، مهما كانت المسميات، ويقع على عاتق مجلس الأمن والمنظمات الحقوقية، ضرورة اتخاذ مواقف صارمة تجاه هذه المنظمات، ومحاسبتها، على أساس أنهم شركاء في محاولات التغيير الديمغرافي القسري للكرد في سوريا.

شارك هذه المقالة على المنصات التالية

تابعونا على غوغل نيوز
تابعونا على غوغل نيوز