عفرين بوست ــ متابعة

نشرت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” تقريراً اليوم الثلاثاء 14 مارس، حول تورّط سبع ميليشيات تابعة لما يسمى “الجيش الوطنيّ” في عمليات فك وتخريب سكة الحديد بعلمِ السلطات التركية التي غضت الطرف عن الأمر.

خلفية

انتشر بتاريخ 10 سبتمبر 2022 شريط فيديو قيل بأنّه يُظهر عملية تفكيك وسرقة “سكة حديد عفرين”، وزعم المصدر المحلّي الذي نشر الشريط أنّ عملية قطع السكّة وقعت في ناحية راجو التابعة لمنطقة عفرين على يد مسلحي ميليشيا “الحمزات”، وقال إنّ المنطقة التي تمّ تصوير الفيديو فيها تقع على طريق راجو- عفرين- إكبس.

ونشرت وكالة “نورث برس” بتاريخ 14 سبتمبر 2022 صوراً حصريّة قالت بأنّها تُظهر عمليات لتخريب السكك الحديديةّ قرب بلدة راجو دون نشر معلومات إضافيّة.

تتبعت “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” المعلومات الواردة عن عمليات تفكيك السكة الحديديّة الممتدة بين منطقتي راجو وميدان أكبس في عفرين، وحصلت على مجموعة صور جويّة وأرضيّة حصريّة للمنطقة، لصور الأقمار الاصطناعيّة. وبمقارنة الصور والمواد، تبين جلياً تعرّض السكة الحديدية في المنطقة المذكورة للتفكيك والسرقة.

تحدثت “سوريون” مع سبعة مصادر مطلعة وعلى دراية بالحادثة ووثقت شهاداتهم بحسب المنهجيّة المتبعة لدى المنظمة. وتوصلت إلى أنّ سبعة فصائل متورطة بعمليات التفكيك التي امتدت على طول 22 كم على الأقل في تلك المنطقة. وأفادت المعلومات التي حصلت عليها “سوريون” أنّ القوات التركية استخدمت أجزاء من السكة المفككة في عمليات “التدشيم” والتحصين لنقاطها العسكريّة لاسيما في منطقة جبل الأحلام خلال أشهر يوليو وأغسطس وسبتمبر 2022، وهي الفترة التي تلت التصريحات التركيّة حول شن عملية عسكرية جديدة شمالي سوريا. وتم بيع جزء آخر من القضبان الحديدية في الباب وإدلب وحماة خلال الفترة الزمنية ذاتها.

تأتي أهمية سكة الحديد من كونها نقطة عبور لسكة حديد الأناضول – بغداد التي أشئت عام 1914، وبحسب وكالة “الأناضول” التركية، كانت السكة تبدأ من مدينة حلب وتمر بمدينة تل رفعت وبلدة قطمة، وتمر على بعد 4 كم شمال مدينة عفرين ثم راجو وأكبس/ميدان أكبس، وصولاً إلى “إصلاحية”، بولاية غازي عنتاب جنوبي تركيا.

وكان موقع “المدن” الإخباري قد نشر تقريراً وردت فيه أسماء الفصائل المعارضة المتورطة بإزالة وسرقة وبيع سكّة راجو، مشيراً إلى “حركة التحرير والبناء”، وأنّ معظم عناصرها ينحدرون من محافظتي الرقة ودير الزور. واتهم الموقع تشكيلات “هيئة ثائرون للتحرير” و”فيلق الشام” بقيام بذات الفعل، مضيفاً أنَّ “جميع هذه التشكيلات متورطة بالاعتداءات التي تجري على المرافق والأملاك العامة، كقطع الأشجار وتفكيك سكة الحديد”.

اطلعت “سوريون” على تقارير إعلاميّة منشورة في نوفمبر 2020، عن تخريب سكة حديد في منطقة حسن ميشكيه على يد مسلحي ميليشيا “السلطان مراد”، ثم تحققت بشكل قاطع من الموقع الجغرافيّ للمواد البصرية المنشورة.

وسبق أن شهدت سكة حديد عفرين وتحديداً قرب بلدة قطمة عملية تفكيك (بحسب مصادر إعلاميّة معارضة) من قبل وحدات حماية الشعب عام 2017، لأغراض عسكرية، ولكن عمليات لم تكن واسعة واستمرت لفترة قصيرة.

استمرار عمليات تخريب سكة حديد راجو – ميدان أكبس وسط إهمال تركي

تمكنت “سوريون لأجل الحقيقة والعدالة”، من خلال عمليات الرصد والتحقق التي قامت بها، من توثيق تعرض سكة الحديد الممتدة بين منطقتي راجو وميدان أكبس للتخريب إبان عملية “غصن الزيتون” عام 2018، ولكن عمليات التخريب والتفكيك تلك لم تكن واسعة بداية، لأن القوات التركية طالبت الفصائل بوقف تفكيك السكة بحسب مصادر تحدّثت معها “سوريون”، وعليه توقفت بشكل شبه كامل، حتى عام 2022، حيث توسعت عمليات التخريب بشكلٍ كبير وملحوظ على طول لا يقل عن 22 كم.

لغرض الوقوف على حقيقة ما حدث، تحدثت “سوريون” مع ثلاثة مصادر من “الجيش الوطنيّ” أفادوا بأن الميليشيات المسؤولة عن عملية فك وتخريب سكة الحديد مؤخراً في عفرين هي:

ــ “تجمع أحرار الشرقية” يتزعمها المدعو “أحمد إحسان فياض الهايس” الملقب “أبو حاتم شقرا”.

ــ “جيش الشرقية” يتزعمها المدعو الرائد “حسين الحمادي”.

ــ “السلطان مراد” يتزعمها المدعو “فهيم عيسى”.

ــ “الحمزات” يتزعمها المدعو “سيف أبو بكر”.

ــ “سليمان شاه/العمشات” يتزعمها المدعو “محمد الجاسم” الملقب “أبو عمشة”.

ــ “فرقة القوات الخاصة” يتزعمها المدعو “عبد الله حلاوة”.

ــ “فيلق الشام” يتزعمها المدعو “منذر سراس”.

المصدر الأول قياديّ في ميليشيا “الحمزات”

قال إنَّ عمليات التخريب التي طالت السكة عام 2018، ووقعت في راجو وميدان أكبس، تمت بأمر مباشر من متزعم ميليشيا الحمزات “سيف أبو بكر”، وتوقفت لاحقاً بأوامر تركيّة، لتعود بشكل واسع عام 2022، وكانت في معظمها بهدف التجارة والبيع لصالح كل فصيل على حدى.

وأضاف المصدر “شهد عام 2022 حملة تفكيك واسعة للسكة لأن الأتراك لم يبدوا نفس القدر من الاهتمام بها كما السابق، فقد تم تغيير الكثير من ضباط الاستخبارات المسؤولين عن الملف، كما أن الأولويات تغيرت بالنسبة للأتراك. لا نستطيع القول بأن هناك ضوء أخضر من الأتراك لتفكيك السكة، ولكن ما حصل هو نتيجة إهمال وعدم محاسبة من الجانب التركي”.

المصدر الثاني قياديّ في “الفيلق الأول”

قال “بعد سيطرة القوات التركية وفصائل المعارضة على المنطقة عام 2018، وصلت تقارير لجهاز الاستخبارات التركيّ عن تخريب سكة الحديد، لذا نوقش الأمر في اجتماعٍ دوريّ آنذاك. بحضور والي عفرين وهاتاي وضباط استخبارات أتراك إضافة إلى قادة الفصائل. وخلال الاجتماع تحدث الأتراك عن أهمية السكة كونها “رمزاً عثمانيّاً” ومشروعاً للمستقبل بالمنطقة، وطلبوا من الفصائل وقف عملية التخريب. بالفعل انخفضت وتيرة التخريب بشكل ملحوظ وانحصرت العمليات على أجزاء قليلة وبشكلٍ سريّ”.

وتابع المصدر “مع بداية عام 2022 عادت عمليات تخريب السكة بشكل كبير وواسع، لا أعرف السبب، ولكن من الملاحظ أنَّ الاهتمام التركيّ بالسكة قد تراجع، حتى أصبحت بعض الفصائل تقوم بفك السكك الحديدية القريبة من القواعد العسكريّة التركية دون خوفٍ”.

المصدر ثالث، قيادي في ميليشيا “أحرار الشرقية”

قال إنّ الفصائل العسكريّة نفت علاقتها بتفكيك السكة عام 2018، وسرعان ما أعلنت عن إلقاء القبض على شبكة مخربين لصوص على أنهم المتورطين بتخريب السكة.

هذا، وقد حصلت “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” على صور ومقاطع حصرية تم تصويرها في الأشهر الأخيرة عام 2022، أظهرت إزالة وسرقة جزء من سكة في عفرين بين راجو وميدان إكبس على الموقع الجغرافي (36.735199, 36.651051). وحصلت “سوريون” على صور ومقاطع فيديو حصريّة تُظهر إزالة وسرقة جزء من سكة الحديد على بعد بضعة مئات من الأمتار من الموقع السابق على الموقع الجغرافي التالي (36.728367, 36.651779).

مسلحو ميليشيا فيلق الشام يفككون سكة قطار ميدان إكبس ليلاً

شاهد عيان

تحدث لـ “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” حول اعتقال رجل مدنيّ كردي عمل لصالح ميليشيا “أحرار الشرقية” و”فيلق الشام” في تفكيك سكة الحديد في منطقة ميدان أكبس، واعتقلته ميليشيا “فيلق الشام” بعد انتهائه من العمل منتصف العام 2019. وقال الشاهد: “كان أحمد (ومتزوج ولديه 7 أطفال) وينحدر من قرية مشعلة وهو نازح مقيم في قرية قرب مدينة إعزاز يمتلك تركس، وفي أحد الأيام جاء إليه مسلحون من ميليشيا “أحرار الشرقية” وعرضوا عليه العمل بتفكيك السكة الحديديّة في ميدان أكبس مقابل أجر مالي (لم يذكره المصدر)، وبدأ الرجل بالعمل لمدة شهر تقريباً، وذلك في شهر أيار تقريباً، وبعد انتهائه من العمل في قطاع “الشرقيّة” وأثناء عودته إلى قريته، أوقفه مسلحون عند حاجز لميليشيا “فيلق الشام” وطلبوا منه العمل على تفكيك السكة في منطقة سيطرتهم في ميدان أكبس أيضاً. وبعد انتهاء عمله وأخذ مستحقاته وبالطريق العودة إلى منزله، اعتقله حاجز يتبع لميليشيا “فيلق الشام” وصادر التركس بتهمة تفكيكه السكة، ثم نقلوه إلى المقر الأمنيّ العام لميليشيا “فيلق الشام” في ميدان أكبس والذي يديره آنذاك رائد منشق من مدينة حمص يُعرف باسم أبو عبدالله، واُحتجز لمدة عشر أيام، ثم أطلقوا سراحه بعد إجباره على دفع مبلغ ألف دولار بعد وساطة من أحد أمنيي الميليشيات من أبناء منطقة العامل”.

استخدام السكة المفككة لأغراض عسكرية من قبل القوات التركية

أفادت خمسة مصادر للمعلومات المقدمة لـ”سوريون”، بأنّ جزءاً كبيراً من السكك المفككة اُستخدم في عملية تدشيم وتحصين القواعد التركية ونقاط المراقبة على طول خط التماس مع قوات الحكومة السوريّة وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، لاسيما في منطقة “الخالدية” في “جبل الأحلام”. واُستخدم القسم الآخر بهدف التجارة، وتم بيعه في إدلب والباب وحماة عبر تجار ووسطاء محسوبين على الميليشيات.

وحول استخدام القطع الحديدية في عمليات التحصين العسكرية، قال مصدر وهو متزعم بالفيلق الأول لـ”سوريون”:

“المثير للاهتمام أنّ الأتراك، بعدما طالبوا الفصائل بوقف عمليات التخريب، قاموا مؤخراً باستخدام الحديد الصلب والخشب المفكك من السكة في عمليات التدشيم، في نقاط قرب (تل رفعت) و(الخالدية)، وذلك بعد التصريحات عن قرب إطلاق عملية عسكرية جديدة. و(فيلق الشام) هي الميليشيا الذي فكَّ أجزاء من السكة قبل نقل الخشب والحديد إلى النقاط التركية في الخالدية على وجه الخصوص”.

مصدر آخر لـ”سوريون” وهو متزعم في ميليشيا “الحمزات” قال “امتدت عمليات تفكيك السكة التي وقعت خلال عام 2022، على طول حوالي 22 كم من خط سكة حديد (راجو- ميدان أكبس). واُستخدمت أجزاء كبيرة من تلك السكك، والتي فككتها ميليشيا “الحمزة”، في تدشيم وتحصين نقاط الرباط مع (قسد) وقوات النظام، على جبهات (نبل) و(الزهراء) و(تل رفعت). ساهم مسلحو “الحمزات” بشكل كبير في عمليات التفكيك.

تفكيك السكة لأغراض التجارة

بحسب عمليات الرصد والتوثيق التي قامت بها “سوريون”، تبين أنّه وخلال الفترة الواقعة بين يونيو وسبتمبر 2022 نشطت عملية بيع قطع الحديد الصلب والخشب التي تم تفكيكها من سكة راجو- ميدان أكبس، وبحسب المعلومات التي جُمعت فقد تم بيع تلك القطع لتجّار محليين في مدينتي الباب وإدلب، كما تم بيع جزء منها لتجّار في مناطق سيطرة الحكومة السوريّة بحماه. كما بِيع جزء آخر للميليشيات الإسلامية في إدلب ونُقلت إلى نقاط التماس في منطقة الكبينة.

حول عملية تفكيك السكة بغرض التجارة، قال مصدر من الفصيل متواجد في عفرين ما يلي “في منطقة ميدان أكبس تنشط مجموعة لـ “فيلق الشام” يقودها شخص اسمه “خلدون مدور” ويلقب أبو حسان”. في شهر أغسطس 2022 قام مسلحون من الفيلق بجلب حدادين مدنيين من ريف إدلب وأمّنت لهم الحماية للعمل على فك أجزاء من السكة. وعملية التفكيك بطيئة وصعبة ومكلفة وتحتاج معدات خاصة تم إحضارها من تركيا مثل أنابيب الأوكسجين المستخدم لقص الصلب، ولكنها مع ذلك تجارة مربحة إذا كانت الكمية كبيرة”.

وتابع المصدر “نُقلت بعض الأجزاء التي تم تفكيكها في هذه الفترة إلى إدلب وبيعت لتجّار صغار في سوق الحديد في المدينة. وعادة يتم استخدام قطع الحديد الصلب هذه في بناء الهنكارات والمداجن، وتُباع للتجار الصغار دون وسيط”.

قاطعت “سوريون” المعلومات التي قدمها المصدر مع معلومات من مصدر آخر مدنيّ موجود في مدينة إدلب ويعمل كتاجر حديد، فأكّد وصول كميات من الحديد الصلب من منطقة عفرين، ورجح أنّها قطع مفككة من سكة الحديد بناء على شكلها وخبرته. وقال أيضاً إنّها بيعت في السوق المحليّ. وأضاف أنَّ “الحزب الإسلامي التركستاني” و”هيئة تحرير الشام” قاما بشراء كمية من الحديد الصلب ونقلاها إلى منطقة الكبينة، ورجّح أن يتم استخدامها في التحصينات العسكريّة.

وفيما يتعلق بدور ميليشيا “أحرار الشرقية” في تفكيك وبيع سكة الحديد، فقد قال متزعم في الميليشيا إن المدعو “رائد جاسم الهايس” الملقب “أبو جعفر شقرا” يدير العملية كاملة ويتعاون مع تجار مدنيين لتوريد الحديد وبيعه في المنطقة الصناعية في مدينة الباب.

وقال المصدر “خلال الفترة الواقعة ما بين شهري يونيو وسبتمبر، تم بيع كميات من الحديد لتجار في مدينة الباب. تم تسليم الحديد في المدينة عبر المكتب الاقتصادي للفصيل، وقام التجار لاحقاً ببيع الحديد في المنطقة الصناعية. أيضاً تم تفكيك قطع كبيرة من الخشب المشبع بالزيت والشحم من السكة كونه سريع الاشتعال، ويتم استخدامه في النجارة الصناعية وليس للأغراض المنزلية، ولكن بيع هذه الأخشاب كان في مدينة راجو وليس الباب”.

وحول ضلوع ميليشيا “الحمزات” في هذه العملية، قال متزعم فيها “عمليات التفكيك التي تقوم بها الفرقة تكون عادة بعيدة عن خطوط الحديد المحاذية للقرى السكنيّة، والمسؤول الأساسيّ عن التفكيك والبيع هو “محمود البوشي/ أبو عبدو” مسؤول المكتب الأمنيّ بالميليشيا، وآخر عملية بيع نفّذها الأخير كانت في منتصف شهر يوليو 2022 حيث باع كميات من الصلب لتجار في مناطق النظام في محافظة حماة. تراوح سعر كيلو الحديد الواحد بين 2500 ــ 3000 ل.س.

قال مصدر في ميليشيا “الشرطة العسكريّة” لـ”سوريون” بأنّ ميليشيا “الفرقة التاسعة” اعتقلت عناصر من الشرطة العسكرية أثناء قيامهم بتفكيك جزء من السكة الحديدية قرب بلدة راجو.

وأوضح المصدر “خلال شهر سبتمبر 2022، قام مسلحون من الفرقة التاسعة باعتقال عناصر من الشرطة العسكرية أثناء قيامهم بفك جزء من السكة قرب بلدة راجو. وحصل هذا رغم أنّ فكّ السكة كان مهمة رسميّة على عاتق عناصرنا، لأنّ إدارة الشرطة قررت الاستفادة من المبالغ الماليّة التي ستحصل عليها من بيع الحديد لاستخدامها في مكافأة العناصر. لم يكن تدخل مسلحي الفرقة التاسعة من باب الحفاظ على السكة، وإنما للثأر والرد على منعنا لهم من الاستيلاء على محلات تجاريّة، فكانت هذه الحركة من قبلهم بمثابة رد اعتبار لهم. لكن في النهاية تم حلّ الأمر بين القادة وإطلاق سراح عناصرنا”.

​ 

المصدر: عفرين بوست

Read More 

شارك هذه المقالة على المنصات التالية

تابعونا على غوغل نيوز
تابعونا على غوغل نيوز