الخميس, يناير 2, 2025

من تجديد المسجد الأموي إلى إقامة قواعد عسكرية: سوريا تُسيل لعاب تركيا

محمد نور الدين

يشبه التحرّك التركي حيال سوريا، شاحنةَ نقل خارجي تسير بأقصى سرعة على أوتوستراد سريع، في سباق مع الوقت للوصول إلى محطتها النهائية قبل طروء أي مفاجآت. ومَن يتابع حركة المسؤولين الأتراك وتصريحاتهم عن سوريا، يكاد يشعر، وهم يتحدّثون باستخدام ضمير المتكلّم بالجمع، بأنهم يتناولون شأناً تركيّاً داخليّاً. وفي هذا الإطار، أكد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، أن بلاده «ستقدّم الدعم لسوريا في كل المجالات، من الطاقة والتعليم والمواصلات والصحة والتجارة والأمن، وغيرها»، قبل أن يضيف: «(إنّنا) نعتقد بأنّ أحمد الشرع يدير سوريا بصورة جيّدة».
ويعتقد عبد القادر سيلفي، في صحيفة «حرييات»، أن «سوريا تمضي إلى حياتها العادية أسرع من المتوقّع. فالحكومة تشكّلت بصورة سريعة، وتمّ تعيين وزيرَي الخارجية والدفاع، في انتظار تعيين وزراء الطاقة والمالية والاقتصاد والمواصلات وحاكم المصرف المركزي، كما إن الانفتاح على العالم الخارجي يتواصل مع الولايات المتحدة وقطر والأردن والإمارات». ويلفت إلى أن عدداً من الوزراء الأتراك ينتظرون تعيين نظراء لهم في سوريا، ليقوموا بزيارات متتالية إلى دمشق، وفي مقدمة هؤلاء كل من وزراء الدفاع ياشار غولر، والمواصلات عبد القادر أورال أوغلو، والطاقة ألب أرسلان بيرقدار، والبيئة مراد قوروم، والثقافة والسياحة محمد نوري إرصوي. وكان وزير المواصلات التركي قد شرح، قبل يومين، خطط وزارته «لشق الطرق، ومدّ خطوط السكك الحديد، وإعادة بناء الجسور المهدّمة، وصيانة طريقَي إم 4 وإم 5 (في سوريا)، وتجهيز مطار حلب والمطارات الأخرى لتسيير الرحلات الخارجية، كما الخطوط البحرية بين سوريا وتركيا»، بينما أشار أيضاً إلى أن بلاده ستضع يدها على شبكة الخطوط الخليوية والعادية، وعلى طبع العملة الورقية التي كانت تُطبع في موسكو. ومن بين المشاريع التي تبحث تركيا تمريرها أيضاً، «طريق التنمية»، والتي اتُّفق مع العراق على انطلاقها من ميناء الفاو إلى الحدود العراقية مع تركيا، عبر سوريا، علماً أن الفدرالية الكردية في العراق على تباين مع بغداد في شأن بعض تفاصيل الطريق. وفي هذا الإطار، تقول «حرييات» إن «على الأتراك أن يضيفوا إلى اهتماماتهم، تطوير الموانئ السورية على المتوسط».

وينسجم ما تقدَّم، مع ما قاله نائب رئيس الجمهورية، جودت يلماز، من أن «سوريا، بموقعها المهمّ، تقدّم لتركيا آفاقاً واسعة على صعيد النقل والتجارة. سوريا ستكون ممرّاً مهمّاً لتركيا، إضافة إلى ممرّ التنمية، كما ممرّ زنغيزور المخطّط إنشاؤه بين تركيا وآذربيجان عبر أرمينيا، وهو ما يزيد من أهمية مكانة تركيا كممرّ لوجستي للتجارة العالمية». وممّا لفت أيضاً، التصريحات التي أدلى بها وزير المواصلات، أورال أوغلو، حين كشف أن أنقرة تعمل على توقيع اتفاق المنطقة البحرية الخالصة مع دمشق في وقت قريب، علماً أن الحكومة السورية الحالية هي حكومة انتقالية، ما يفقد الاتفاقات الموقّعة معها شرعيتها الدولية. كذلك، إن تركيا تسعى إلى التفرّد بتوقيع الاتفاق مع سوريا، متجاهلةً طرفاً ثالثاً في الموضوع، هو جمهورية قبرص (اليونانية)، التي تُعتبر أمام القانون الدولي مسؤولة عن المنطقة البحرية المواجهة لقبرص الشمالية التركية، فيما ترفض أنقرة الاعتراف بهذا الوضع. وبالفعل، احتجّت نيقوسيا على تصريحات الوزير التركي، وقرّرت رفع القضية أمام الاتحاد الأوروبي، كونها عضواً فيه. ووفقاً لصحيفة «تركيا» الموالية، فإنّ «توقيع اتفاق المنطقة البحرية الخالصة مع سوريا، سيغيّر المعادلات في شرق المتوسط لمصلحة السيطرة التركية».
وهكذا، تتحرّك تركيا في سوريا باعتبارها الراعية لكلّ شيء، والمسؤولة عن كلّ شيء. ومن ذلك، على سبيل المثال، اعتبار الصحف التركية الموالية تعيين عائشة الدبس مسؤولة عن مكتب (ليس وزارة) شؤون المرأة، مؤشراً إلى ضرورة دمج المرأة في مؤسسات السلطة الجديدة، في حين أنه كان للمرأة السورية دور بارز وعلني في جميع المجالات على مدى العقود الماضية. والجدير ذكره أن اختيار الدبس لم يكن عبثيّاً، تماماً كما اختيار وزير الخارجية ومحافظ حلب (وهما من خريجي الجامعات التركية)، كونها أيضاً من أصحاب «التجربة التركية»، إذ كانت من اللاجئات السوريات إلى تركيا، وتولّت إدارة مكتب الجمعيات الخاصة باللاجئين، والتي أسّسها السوريون هناك. ووصل الأمر بتركيا إلى حد الإعلانات أنها تريد تغيير سجادات «الجامع الأموي» لأنها «أصبحت بالية»، وفقاً لرئيسة بلدية غازي عينتاب، فاطمة شاهين، التي قالت إنه «لَشَرَفٌ للبلدية أن تقوم بذلك حفاظاً على تراث إنساني مثل الجامع الأموي، خصوصاً أن عينتاب هي عاصمة السجاد في العالم».
على أن التحرُّك التركي الأهمّ والأكثر دلالة، إلى الآن، يكمن في وضع اليد على تشكيل جيش سوري جديد. وفي هذا الجانب، تقول صحيفة «تركيا» إن السلطة الجديدة في دمشق «ستنشئ جيشاً قوياً من 300 ألف جندي، وبدعم من الخبرات والاختصاصات التركية»، مضيفة أن الجيش التركي «سيعمل على إنشاء خمسة تجمّعات للجيش السوري في إدلب ودرعا والقنيطرة وشرق الفرات وغيرها، تبعاً للتطوّرات مع وحدات حماية الشعب الكردية». وتلفت الصحيفة إلى أن الجيش السوري سيتشكّل بدايةً من 50 ألفاً هي قوات «الجيش الوطني السوري» التابع لتركيا، و50 ألفاً هي قوات «هيئة تحرير الشام»، وصولاً إلى أن يصبح العدد من 150 إلى 200 ألف جندي، مشيرةً إلى أن «روسيا بدأت بالانسحاب من القامشلي وعين عيسى والحسكة، كما أن الجنود الأميركيين بدأوا بالانسحاب من منطقة حقل العمر الغنية بالنفط، وهذا يتطلّب الإسراع في إعداد جيش جديد».
ومع أن سوريا بكاملها أصبحت في مرمى الهيمنة التركية، إلا أن صحيفة «يني شفق» ذكرت أن أنقرة تخطّط لإقامة قواعد عسكرية في كل من دمشق وحمص، وأخرى بحرية في طرطوس أو اللاذقية، بل إنها تفكّر أيضاً في إقامة قاعدة بحرية أو برية في لبنان، واعتبار تركيا وسوريا ولبنان «حوضاً عسكريّاً واقتصاديّاً واحداً».

المصدر: الأخبار اللبنانية

شارك هذه المقالة على المنصات التالية