لجأت الكتلة الوطنية إلى محاولة استغلال نفوذ السيد نجيب آغا البرازي -الكردي-لدى أكراد الجزيرة لكسب تأييدهم في تنفيذ مشروعها بضم جميع المناطق الخاضعة للانتداب إلى سلطتها المركزية المباشرة في دمشق، و لم توفر أية قوة أو وسيلة، بما فيها الإغراءات المالية، لإخضاع الجزيرة لحكمها المباشر، بينما كانت تسعى في نفس الوقت لحشد قبائل من العشائر البدوية في جنوب المنطقة للتدخل المسلح لصالح أنصارها في الجزيرة.
سنستمر في نشر بعض الوثائق المتعلقة بالأحداث الدامية التي وقعت في الجزيرة في شهر آب عام 1937، نترجم في هذه الحلقة وثيقتين فرنسيتين، مرسلة في 17 آب عام 1937، من قبل مدير الأمن العام، المفتش العام للشرطة، إلى وزارة الخارجية الفرنسية في باريس. (1)

****
(الوثيقة الأولى)
الأمن العام
بيروت في 17 آب 1937
معلومة رقم 4163
أمن حماه 15-08-37.-

آ/س- النائب الوطني (2) نجيب آغا البرازي (3) و الكرد:

نقل مخبر من حوالي نجيب برازي بأن الحكومة السورية قد كتبت مؤخراً إلى هذا النائب ذي الأصل الكردي، لتشجيعه للذهاب إلى الجزيرة، بمهمة لدى أبناء جلدته من هذه المنطقة.

يقال بأن مبالغاً مالية قد أرسلت بواسطته ” لتمتين ارتباطهم (ارتباط الأكراد –المترجم)بالكتلة (الكتلة الوطنية -المترجم)”.

خاتم و توقيع
مدير الأمن العام
المفتش العام لشرطة دول المشرق الخاضعة للانتداب الفرنسي

****
(الوثيقة الثانية)
الأمن العام
بيروت في 17 آب 1937
معلومة رقم 4167
أمن دير الزور: 14-08-37.-

آ/س- عن رمضان شلاش (4):

يقال بأنه تم تشجيع عودة رمضان شلاش من قبل نائب الدير محمد نوري فتايح الذي كان قد ذهب لرؤيته في بيروت لهذا الأمر.

قبل يومين أو ثلاثة أيام، يقال بأن كلاً من صالح غنام، و مرعي المشهور، و خلوف عبد الحميد الصباغ، و كلهم من الملاّكين الأغنياء و التجار من الدير، قد طلبوا من رمضان شلاش أن يترأس الوطنيين في الجزيرة بهدف القضاء على الحركة الانفصالية.
” يقال بأنهم قالوا له إن الكابتن (النقيب –المترجم) فوزي قاوقجي (5) قد فعل العجائب في فلسطين ضد الانكليز – لماذا أنتم أيها الكوماندان (الرائد-المترجم) (؟) لا تفعلون مثله في الجزيرة.”
يقال بأن رمضان شلاش قد أعرض عن العرض و لم يعط أي وعد.

خاتم و توقيع
مدير الأمن العام
المفتش العام لشرطة دول المشرق الخاضعة للانتداب الفرنسي
****

ملاحظات المترجم:
(1)- نعتذر عن الخطأ الذي وقع في صياغة الوثيقة الأولى من الحلقة رقم-17 يرجى قراءة المتن كالتالي:
“آ/س – الجزيرة و الكتلة (الكتلة الوطنية-المترجم):

متحدثاً عن الأحداث، يقال بأن الأمين العام للكتلة، عفيف الصلح، قد صرح بأن الأساليب التي قامت الكتلة بتعليم الشعب عليها، يستعملها الشعب حالياً ضد الكتلة.
و أضاف، بأن الخطأ يعود إلى السلطات الفرنسية التي سلمتنا السلطة مع فرضها علينا العديد من الشروط..

كان يجب قبل عشرة سنوات محاولة القيام بالتجربة الحالية.”

(2)- كانت تسمي السلطات الفرنسية التيارات الشعبية المنادية بالحكم الذاتي في مختلف المناطق الخاضعة لانتدابها بالحركات الانفصالية، و ذلك للدلالة على ما كانت تصبو إليه تلك الحركات في عدم الخضوع المباشر للسلطات المركزية في دمشق. و كان يتم استخدام مصطلحي الوطني و الوطنيين للدلالة على أعضاء و حلفاء الكتلة الوطنية التي كانت تسعى لمد نفوذها على جميع المناطق السورية الخاضعة للانتداب الفرنسي.

(3)- عن السيد نجيب آغا برازي، يمكن للقارئ الاطلاع على سجله الشخصي المنشور في الحلقة الرابعة من سلسلة: شخصيات كردي في وثائق فرنسية. و للذكر فأن المذكور كان من أوائل الملاكين الكرد الذين تم الاستيلاء على أراضيهم في عهد وزيرالزراعة السيد مصطفى حمدون عام 1958 أثناء الوحدة.
(4)- رمضان شلاش هو ابن شلاش العبدالله شيخ عشيرة البوسرايا من مواليد عام 1882، من قرية الشميطية غربي دير الزور، تخرج من مدرسة العشائر العربية 1892 في اسطنبول، ثم التحق بالمدرسة الحربية وتخرج منها برتبة ملازم خيال ، التحق بالجيش العربي أثناء الحرب العالمية الأولى، و عينه الملك فيصل أثناء حكمه في دمشق(1918-1920) حاكماً عسكرياً على الرقة والخابور والفرات و لكن لم يمتد نفوذه إلى الجزيرة العليا، شارك في العمليات العسكرية التي وقعت في الغوطة و جبل الدروز في عام 1925، وبقي على علاقة جيدة مع الهاشميين، توفي في دمشق في 21 آب 1961.
(5)- ولد فوزي القوقجيفي عام 1890 في طرابلس، و هو ضابط خيالة في الجيش العثماني، خدم في ولاية الموصل، ثم غادرها أثناء الحرب العالمية الثانية إلى حلب حيث احتمى بوالي حلب الكردي، ثم حارب الجيش العربي-الانكليزي في مناطق غزة و الحوران، و عندما انكسرت الجيوش العثمانية، انسحب معها بإمرة مصطفى كمال باشا (أتاتورك) حتى حمص، و منها عاد إلى طرابلس. التحق بالإدارة الفيصلية في دمشق و تسلم سرية الخيالة في دمشق. بعد احتلال دمشق من قبل قوات الجنرال غورو، التحق بالجيش الفرنسي، و تم تعينه قائداً للسرية و نائباً للمستشار الفرنسي في حماه، وحاول في عام 1925 التمرد على الفرنسيين و السيطرة على حماه بالاتفاق مع نجيب آغا البرازي، الا أن هذا الأخير ، حسب رواية القاوقجي، تخلى عنه، فالتحق بالقوات الدرزية و الشامية التي كانت تقاتل الفرنسيين، ثم عاد مرة أخرى إلى منطقة جبل الزاوية، لكنه لم يحقق نجاحاً كبيراً، فغادر الى مصر و من هناك غادر إلى تركية عام 1926 بحثاً عن المال و العتاد لمحاربة الفرنسيين في سورية، الا أن الأتراك استخدمت وجوده كورقة ضغط في المفاوضات مع الفرنسيين في ترسيم الحدود السورية-التركية، عاد إلى مصر، والتحق بالقوات السعودية في عام 1928، إلا أن السعوديين اتهموه بالتعاون مع الهاشميين، فلجأ إلى العراق في عام 1932، ليعمل في التدريس في مدرسة الخيالة، و في عام 1936 شكّل سرية (300 عنصر) بدعم عراقي و نقلها لمقاتلة القوات اليهودية في فلسطين، و كان يرافقه كردي من العراق اعتمد عليه في العمليات العسكرية التي قام بها خلال ستة أشهر، و من ثم انسحب مع سريته إلى الأردن، فشكّت الحكومة الأردنية في نواياه، و أبعدته مع عناصره إلى العراق، و خلال عام 1937 أقام في كركوك، و خلال أحداث الجزيرة كانت له علاقات و طيدة مع العشائر العربية و بعض السياسيين العرب داخل الحدود السورية.
مع بداية الحرب العالمية الثانية أصبح من العاملين مع السلطات الألمانية، و كان من خططه القيام بمقاومة شاملة في سورية عبر خلق ثلاثة بؤر تمرد، إحداها في سلسلة جبال سنجار و عبد العزيز، و الثانية في جبل الزاوية، و الثالثة في جبل الدروز. جُرح القاوقجي في مناطق حلب، فتم نقله إلى ألمانيا، وأثناء معالجته كان على صلة بالمفتي الفلسطيني الشيخ الحسيني و بقية الزعماء المتحالفين مع الألمان. بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، عاد إلى مصر، ثم إلى سورية ليقود في عام 1948جيش الإنقاذ في فلسطين. و بعد فشل جيش الإنقاذ و انعقاد الهدنة مع اسرائيل، اعتزل العمل العسكري. و توفي في دمشق عام 1977، و للمزيد من المعلومات يمكن الاطلاع على مذكرات القاوقجي المنشورة من قبل خيرية قاسمية.

يتبع

شارك هذه المقالة على المنصات التالية