مير عقراوي: الاسلام ليس لأسلمة العالم

مع إن الاسلام ، هو ديانة عالمية ، إنسانية وعامة ، ومع إنه ديانة لجميع الأمم والشعوب والقوميات والأجناس البشرية في العالم كله ، كما جاء ذلك في الكثير من المواقع القرآنية , منها قوله سبحانه ؛ { قل : يا أيها الناس إني رسول الله اليكم جميعا } الأعراف / 158 ، و : { هذا بلاغ للناس ولِيُنْذَروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليتذكر أولوا الألباب } ابراهيم / 52 ، إلاّ إنه على رغم ذلك ليس لأسلمة العالم كله بشعوبه وقومياته وأجناسه البشرية .
ذلك إن الاسلام جعل الايمان والّلاإيمان مسئلة إختيارية تامة للانسان ، فالانسان في الاسلام حر ومختار وله الحق في إختيار الايمان ، وفي اللاإيمان كذلك ، لأن قضية الايمان ، هي قضية مصيرية تتعلق بالانسان في حياته ، في الحياة الدنيا ، كذلك فهي تتعلق بمصيره بعد الحياة الدنيا ، أي بعد موته وآنقطاعه عن هذه الدنيا ودخوله في العالم الآخر ..
على هذا الأساس لا يمكن ولا يجوز أن تكون هذه القضية المصيرية الكبرى إلاّ بالحرية والاختيار التام للانسان فيما يقرره هو شخصيا ، وذلك بعيدا عن الإكراه والقهر والضغط والعنف أو حتى الإغراء كما قرر ذلك الاسلام في عدد كبير من الايات القرآنية الحكيمة والواضحة كل الوضوح والدلالة ، منها قوله سبحانه : { لا إكراه في الدين .. } البقرة / 256 ، و : { وقل الحق من ربكم : فمن شاء فليؤمن ، ومن شاء فليكفر } الكهف / 29 ، و : { إن هذه تذكرة ، فمن شاء آتخذ الى ربه سبيلا } المزمل / 19 ، و : { إنا هديناه السبيل : إما شاكرا ، وإما كفورا } الانسان / 3 ، و : { ألم نجعل له عينين ، ولسانا وشفتين وهديناه النجدين } البلد / 10 . كما نلاحظ لقد جعل القرآن كلا الإختياران في الايمان والّلاإيمان هدية للانسان من قبل الله تعالى ، عليه فهو – أي الانسان – حر ومختار في إختيار أحد الهديتان ؛ سواء ً كان إيمانا ، أو لا إيمانا . وهذه لعمر الحق الذروة في العدل والاعتدال والانصاف والوسطية في حقوق الانسان التي قررها الاسلام مذ أربعة عشر قرنا من الزمان . كذلك تتجلّى عبقرية الاسلام وعظمته وحكمته وإنسانيته بجميع أبعادها .
أما التبليغ والاعلام والنشر للاسلام ، فهذا من حقه ومن حق كل دين ، أو فلسفة ، أو مذهب ديني وسياسي وأدبي وغيره أن يقوم به ، لكن شريطة أن لايكون بالعنف والضغط والإكراه . بالنسبة للاسلام يقول القرآن الكريم في شروط الدعوة الاسلامية ومواصفاتها : { أدع الى ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن } النحل / 125 . هكذا ينبغي أن تكون الدعوة والتبليغ كما قرره الاسلام ، إذ ينبغي مؤسسا على القواعد الثلاثة الذهبية الحضارية الراقية المذكورة في الآية المتلوة : وهي الحكمة والموعظة الحسنة والحوار والجدال ليس بالحسن والطيب وحسب ، بل الأحسن والأجود والأفضل والأرقى والأطيب من الكلام والخطاب والألفاظ .
ليس أحدا وكيلا على الناس : في الاسلام ليس أحدا كائنا من كان وكيلا وكفيلا من عند الله سبحانه على الناس ، حتى إن الله تعالى لم يُسلِّم الوكالة والكفالة للأنبياء المرسلين ، فالله عزوجل هو الكفيل والوكيل والحفيظ المطلق على البشر كلهم . فإذا كان الأنبياء المرسلون – عليهم الصلاة والسلام – بجلالة قدرهم وعصمتهم وآصطفائيتهم لم يمتلكوا الكفالة والوكالة من الله تعالى ، فكيف بمن لايُقارنون بالأنبياء أبدا ، بل لاوجه للمقارنة إطلاقا بين الأنبياء وغيرهم ..؟ . يقول سبحانه مخاطبا نبيه الأكرم محمد – عليه الصلاة والسلام – في محكم تنزيله : { ولو شاء الله لآمن من في الأرض كلهم جميعا * أفأنت تُكْرِهُ الناس حتى يكونوا مؤمنين } يونس / 99 .
أي : لو آقتضت إرادة الله تعالى وشاءت لآمن جميع البشر في العالم ، لكنه سبحانه لم يشأ ذلك ، وذلك لأنه مخالف لحكمته المتعالية التي تكررت في القرآن كثيرا ، وهي : حرية البشر في قبول الايمان ، أو رفضه ، فهل أنت يامحمد تكره الناس حتى يؤمنون .. يقول المفسرون بأن هذه الآية نزلت حينما كان رسول الله حريصا ومتمنيا في هداية وإيمان الناس كلهم ، بعدها نزلت الآية المتلوة لتوضح للرسول الكريم بأن ذاك الحرص والتمني لايتفق مع الحكمة الإلهية في حرية الناس وآختيارهم الايمان ، أو عدم الايمان ..
ثم بعدها يعلِّم الله تعالى نبيه محمد – عليه الصلاة والسلام – كيفية الدعوة للاسلام ، فيقول جل في ثناءه لحبيبه محمد : { قل : ياأيها الناس قد جاءكُمُ الحق من ربكم : فمنِ آهتدى فإنما يهتدي لنفسه ، ومن ضَلَّ فإنما يَضِلُّ عليها ، وما أنا عليكم بوكيل } يونس / 108 .. هكذا نرى تكرار القرآن من إن الأنبياء لم يكونوا وكلاء على الناس في إعتناق وقبول الدين والايمان ، فمن قبله ، أو رفضه فإن حساب الجميع عند الله تعالى يوم القيامة ، حيث هو جل في عُلاه يحكم بين الناس فيما كانوا فيه يختلفون في الحياة الدنيا …
مير عقراوي / كاتب بالشؤون الاسلامية والكردستانية

أضف تعليق