نداء الشيخ غزال غزال والمقاومة المدنية اليوم؟

هيثم مناع

في 2008 قمنا بتنظيم ندوات فكرية حقوقية هامة حول موضوع الفضاء المدني والمقاومة المدنية وقد نشرت كتابين في هذا الموضوع: “المقاومة المدنية” و”الإسلام وأوربة” صدرا مذ ذاك بعدة طبعات. كانت الغاية من هذا العمل، تعزيز فكرة المقاومة المدنية السلمية في مجتمعاتنا المقهورة بالفساد والاستبداد. علينا انتظار 2012 ليخرج علينا أول رد من أبي محمد العدناني (طه صبحي فلاحة-إدلب) بتهمة مبتكرة: دين السلمية واعتبار هذا الدين كفرا وخروجا صارخا على الإسلام. وكذلك فعل أبو فراس السوري (رضوان محمود نموس) المتحدث باسم جبهة النصرة الذي كفّرني وكفر أخي عبد العزيز الخير. أما رامي عبد الرحمن فلم ينج من كذبة قيلت بحق مناضل حر يرصد جرائمهم أو تهديد بالقتل.

وقف المحامي ياسر السليم، مكبَّل اليدين خلف ظهره، أمام قاضي ما يسمى “الجلسة الشرعية” وسبعة من مرافقيه في سجن العُقاب، لكنه وللمرة الأولى، مفتوح العينين كما كان القاضي، لتتلى عليه تهمة “حمل الفكر العلماني المخالف للشريعة”، وهي إحدى تهم الردة التي توجهها هيئة تحرير الشام لعدد كبير من معتقليها، قبل تطبيق حكم “الإعدام” على مرتكبها. فما هي الجريمة التي ارتكبها ياسر السليم؟

في الحادي والعشرين من سبتمبر/ أيلول 2018، نظم المحامي السليم وقفة احتجاجية في مدينته كفر نبل حاملا لافتة كُتب عليها عبارات تطالب بنساء من محافظة السويداء من بنات الموحدين الدروز مختطفات لدى تنظيم داعش في ريف السويداء الشرقي.

لماذا كل هذا الخوف عند التكفيريين من المقاومة المدنية؟ عاد هذا السؤال للحضور مع مظاهرات السويداء ضد النظام البائد، وردود الفعل المشككة فيها من شرعيي “هيئة تحرير الشام” على أساس طائفي. حيث نسمع خطبا تهاجم الشيخ الهجري باعتباره يروج للطائفة الدرزية الضالة… وتستمر هذه الأسطوانة المشروخة بعد استلام هيئة تحرير الشام السلطة في دمشق.. وشاهدنا من المجازر ما شاهدنا.

في الساحل أيضا وقع الهجوم والتكسير والتفجير في مساجد علوية وعندما يدعو الشيخ غزال غزال لاعتصام مدني تستنفر السلطة بلطجييها لضرب المحتجين السلميين.

عندما يكون رجل الدين وهابيا ابن تيميا يحق له ليس فقط أن يصادر كافة السلطات وإنما أن يمنع أي مخالف له من الحديث في الشأن العام. وللأسف نجد اليوم في صفوف العلمانيين الديمقراطيين من يطرح السؤال: هل نلبي النداء المدني السلمي لشيخ؟

للأسف فإن ثقافتنا الديمقراطية المدنية لم تتسع بعد لكل التجارب المدنية الحديثة التي أسقطت دكتاتوريات وحاكمت طغاة. في نيكاراغوا كان السفير روبرت فورد مع “فلول الدكتاتور سوموزا/الكونترا” ضد الثورة الساندينية وكان رجال الدين من لاهوت التحرير مع الثوار. المجتمع والدولة منذ القرن العشرين ينقسمان إلى فضاءات أربعة: الفضاء الخاص، الفضاء المدني، السلطة السياسية، وفضاء الحريات السياسية والعامة.

وإن كان فضاء الحريات السياسية والعامة يشمل أشكال النضال السياسي فإن الفضاء المدني يشمل المثقف والفنان والحقوقي ورجال الدين… لذا كنا دائما نعمل لتوسيع جبهة المقاومة المدنية لأنها بالضرورة غير محايدة في الدفاع عن الحقوق الستة التي ندافع عنها: السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية. ولا ننسى أبدا أن أحد الحقوق الإنسانية الأولى حق المقاومة.

لأن هذه المقاومة المدنية ترعب كل المتطرفين والقتلة لم يجد الجولاني سوى توجيه ما تبقى من دبابات عنده وسيارات دفع رباعي إلى الساحل اليوم…

فليعلم الإرهابيون التسلطيون أن جبهة المقاومة المدنية واحدة: وعندما يستهدف العلويون فكلنا علويون، عندما يستهدف الموحدين الدروز، فكلنا موحدون. لأننا كلنا سوريون ولن نسمح للفرغلي والمحيسني وعطون بأن يشرذمونا فرقا وطوائف…

لم يعد لسلطة الأمر الواقع سوى النطع والسيف تتعامل بهما مع المجتمع السوري بمختلف مكوناته.. ولم يبق عندها سوى البلطجة وسيلة لمواجهة شعب بأكمله..

ساعة الحرية دقت، ولا يحق لأي سوري أن يقف متفرجا على الاعتداءات المتكررة بحق الأبرياء العزل…

المصدر: المرصد السوري

Scroll to Top