أصدرت الفيدرالية السورية لمراكز وهيئات حقوق الانسان، بياناً بمناسبة اليوم الدولي للقضاء على الفقر، في17تشرين الأول من كل عام دعت فيه إلى وضع حد لغلاء المواد والخدمات الأساسية واحترام الحق الإنساني والدستوري في العمل بالنسبة لعموم المواطنات والمواطنين وفي مقدمتهم حاملي الشهادات مع الإقرار القانوني للتعويض عن البطالة.
وجاء في نص البيان:
إن الفيدرالية السورية لمراكز وهيئات حقوق الانسان، تحيي اليوم الدولي للقضاء على الفقر، في17تشرين الأول من كل عام والذي أصدرته الجمعية العامة – الأمم المتحدة في جلستها العامة رقم93 في 22\12\1992 بالقرار 47\196. وبهذه المناسبة، فإن الملايين من البشر, وفي العديد من بلدان العالم, ينزلون إلى الشوارع من أجل التعبير عن احتجاجهم على انتشار الفقر بمختلف مظاهره ــ رغم ما وصلته الإنسانية من تقدم تقني وعلمي ومن قدرات على الإنتاج وعلى تلبية حاجيات كل الناس ــ وللتعبير عن تضامنهم مع الفقراء عبر العالم وعن عزمهم على محاربة الفقر واستئصال جذوره المتجسدة في العلاقات الدولية غير المتوازنة, وفي الاستغلال الاقتصادي الذي يسمح بمراكمة الثروات الخيالية من طرف الأغنياء وترك مئات الملايين من البشر فريسة للعطالة والفقر والجوع والمرض والجهل ومختلف أشكال البؤس.
ولم تساهم أهداف الألفية للتنمية في تراجع الفقر كما تم برمجة ذلك من الأمم المتحدة، بل إن المجهودات المبذولة نتجعنها ازدياد الفوارق بين مختلف البلدان وداخل كل بلد وبين المواطنين.
وتشارك الحركة العالمية للدفاع عن حقوق الإنسان بدورها في إحياء اليوم الدولي للقضاء على الفقر، هذا الوباء الذي يشكل مصدرا أساسيا لانتهاك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تقرها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
ان الالتزامات التي نتعهد بها كمناضلين من اجل الدفاع عن حقوق الانسان، وبما يحقق التنمية الاجتماعية والسلام ويعود بالنفع على كوكب الأرض، تندرج تحت شعار:الكرامة للجميع في الممارسة العملية، الشعار الشامل لليوم الدولي للقضاء على الفقر للعام 2022 – 2023. إن كرامة الإنسان ليست حقا أصيلا وحسب، بل هي الأساس لكافة الحقوق الأساسية الأخرى، وإن: الكرامة ليست مفهوما مجردا: فهي حق إنساني لكل فرد على هذه الأرض. واليوم، يعاني عديد من الذين يعايشون الفقر المزمن من الحرمان من كرامتهم وغياب احترامها.
وان الالتزام بالقضاء على الفقر وبحماية الكوكب وبضمانات لتمتع جميع الناس في كل مكان بالسلام والازدهار، فان جدول أعمال 2030 مرة أخرى يشير إلى الوعد المنصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ومع ذلك، يظهر الواقع الحالي أن 1.3 مليار شخص لم يزلوا يعيشون في فقر متعدد الأبعاد، ونصفهم تقريبا من الأطفال والشباب.
سنويا تتزايد التفاوتات في الفرص والمداخيل تزايدا حادا وتتسع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وقضيتا الفقر وغياب المساواة ليستا قضيتين حتميين، بل هما نتيجتين لقرارات مقصودة أو تقاعس عن العمل مما أضعف الفئات الأشد فقرا وتهميشا في مجتمعاتنا النامية وانتهك حقوقهم الأساسية. إن العنف الصامت والمتواصل للفقر والإقصاء الاجتماعي والتمييز الهيكلي وغياب التمكين، يعجز المحاصرين في براثن الفقر المدقع عن الهروب وينكر إنسانيتهم.
وسلطت جائحة كورونا الضوء على هذه الدينامية فكشف عن فجوات وإخفاقات نظام الحماية الاجتماعية فضلا عن غياب المساواة وأشكال مختلفة من التمييز التي تعمق الفقر وتديمه. وفضلا عن ذلك، تشكل حالة الطوارئ المناخية عنفا جديدا ضد على الفقراء، حيث تثقل كواهل هذه المجتمعات بأعباء بسبب تكرار الكوارث الطبيعية والتدهور البيئي، مما يتسبب في تدمير منازلهم ومحاصيلهم وسبل عيشهم.
وتحل في هذا العام الذكرى السنوية الخامسة والثلاثين لليوم العالمي للتغلب على الفقر المدقع والذكرى الثلاثين لليوم الدولي للقضاء على الفقر. ويقر فيه بالتضامن العالمي الأساسي والمسؤولية المشتركة التي نتحملها للقضاء على الفقر ومكافحة جميع أشكال التمييز.
في عالم يتسم بمستوى لم يسبق له مثيل من التنمية الاقتصادية والوسائل التكنولوجية والموارد المالية، لكن، لم يزل الملايين الذين يعيشون في فقر مدقع ويمثلون عارا أخلاقيا، فالفقر ليس مسألة اقتصادية فحسب، بل هو ظاهرة متعددة الأبعاد تشمل نقص كل من الدخل والقدرات الأساسية للعيش بكرامة.
ويعاني الأشخاص الذين يعيشون في الفقر مشاكل الحرمان المترابطة والمتعاضدة التي تمنعهم من إعمال حقوقهم وتديم فقرهم، بما فيها: ظروف العمل الخطيرة- وغياب الإسكان المأمون – وغياب الطعام المغذي- ووجود تفاوت في إتاحة الوصول إلى العدالةالاجتماعية.
وفي سورية، يعاني الملايين من السوريين من مشكلة الفقر، في اليوم العالمي لمحاربة الفقر نستحضر لدى المواطنين حقيقة الأوضاع المعيشية على امتداد السنوات العشر الماضية وحتى اللحظة الراهنة ,والتي تميزت باتساع دائرة الفقر في بلادنا ,وانخفاض مستوى المعيشة بدرجة غير مسبوقة ,وذلك نتيجة لاحتكار معظم الثروة الوطنية في يد فئة قليلة متحكمة بمقدرات البلاد وطاقاتها الاقتصادية والإنتاجية ,إضافة إلى انتشار الفساد والإفساد في معظم الأوساط والقطاعات الاقتصادية ,مما أدى إلى تفاقم أزمة الغلاء وارتفاع الأسعار بصورة غير مسيطر عليها ,وأضحى لدى المجتمع السوري جيش هائل من الفقراء والعاطلين عن العمل , علاوة على كل ذلك, جريمة العقوبات الامريكية والاوربية غير المشروعة والكارثية المفروضة على سورية, وتواكب ذلك مع تصاعد الأزمة الاقتصادية العامة التي لن تجد لها حلا لدى المسؤولين في المستقبل المنظور ,إلا إذاقامت الحكومة السورية بعدد من الإجراءات التي يمكن لها أن تحد من حدة هذه الأزمة كخطوات أولى لمعالجة الوضع المأساوي الذي يعيشه المواطنون السوريون.
فبحسب الكثير من التقارير، ان كل اسرة سورية مؤلفة من خمسة اشخاص تحتاج الى ما يقارب ال 1,5 مليون ليرة سورية، وهو الحد الأدنى لمستوى المعيشة الذي لا يؤمن أكثر من مستوى الكفاف، فالزيادات التي طالت الأسعار في السوق الداخلية وانخفاض القوة الشرائية الحقيقية أدت فعلياً إلى تآكل القيمة الحقيقية للرواتب والأجور، الأمر الذي يدل بوضوح تام على المعاناة غير المحدودة لذوي الدخلالمحدود بصورة خاصة. وإن 70% من العاملين في الدولة لاتغطي أجورهم وسطي تكاليف الإنفاق على المواد الغذائية فقط، علما أن وسطي رواتب العاملين في الدولة وبعد زيادات الرواتب الأخيرة يعادل 150 ألف ليرة شهريا، وأن نسبة العائلات الواقعة تحت حد الفقر في سورية تبلغ87% وفقا للأسعار الأساسية وموارد الدخل، وأن نسبة العائلات الواقعة تحت حد الجوع تبلغ38%من إجمالي العائلات الواقعة تحت خط الفقر، وذلك لعدة اعتبارات أهمها: عدد أفراد العائلة العاملين وأسعار الصرف المتغيرة وعوامل أخرى.
وان الكلفة المعيشية لأسرة مكونة من خمسة افراد ضمن الحدود الدنيا وفق الآتي: مادة الخبز, تختلف من أسرة لأخرى, وانخفضت حصة الشخص الواحد من أربع ربطات إلى ثلاث في الأسبوع، وانخفضت مخصصات الشخصين من ست ربطات في الأسبوع إلى خمس, وان سعر ربطة الخبز المباعة في الأفران الحكومية عبر البطاقة الذكية بـ250 ليرة سورية، كما يبلغ سعرها لدى معتمدي الخبز بين 350 و500 ليرة, ويحتاج الفرد من الخبز الى 6000-7000ليرة سورية شهريا, وكانت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك أعلنت، في 3 من تموز 2022، إيقاف السماح للمخابز العامة ببيع كمية 3% من الخبز خارج البطاقة الذكية, وبقيت شكاوي المواطنين من استمرار مشكلة الازدحام على الأفران، وعدم كفاية مخصصات الخبز، إضافة إلى سوء نوعية الخبز المباع عبر المعتمدين, وبالرغم من طرح عشرات الآليات لبيع الخبز خلال العامين الأخيرين، ما تزال الحكومة السورية تفشل في إيجاد حل حقيقي لعلاج الأزمة، وسط تخبط في التصريحات الرسمية أمام مشهد الازدحام والطوابير وإغلاق أفران عديدة بسبب عدم توافر الطحين والمحروقات والكهرباء, إضافة إلى اشتراك الطاقة الكهربائية سواء توفرت ام تم تقنينها ومياه الشرب والاستخدام اليومي للمياه سواء كانت متوفرة عدة ساعات في اليوم ام قطعت لعدة أيام, والاتصالات والإنترنت في حال توفيرهما مع مجيئ الكهرباء, وتعبئة أسطوانة غاز مرة واحدة كل شهرين الى ثلاثة اشهر، ويضاف الى ذلك المصاريف على الخضار والفواكه والمواد البقالية, ويضاف الى ذلك الحصول على الفروج واللحوم مرة كل شهر واحيانا كل ستة اشهر او كل سنة ، ومن ثم مصاريف العلاج والأدوية , التي تختلف حسب امراض الأشخاص العابرة او الموسمية او الامراض الدائمة , ومصاريف الأطفال في المدارس , لتصل الكلفة الكلية لتأمين المعيشة ضمن الحدود الدنيا للأسرة الواحدة خلال الشهر الواحد ما بين 800الف ليرة الى 1,5 مليون ليرة السورية, وهذا مستثنى منه ايجار منزل للسكن .
وحذر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة من أن الوضع في سورية ينذر بالخطر، داعيا المجتمع الدولي للتحرك وتقديم الدعم الفوري وغير المشروط.
واشار البرنامج الى انه يواجه حاليا حوالي14 مليون شخص في سورية، انعداما حادا في الأمن الغذائي، ويوجد أكثر من مليونين آخرين معرضون لخطر الانزلاق إلى هاوية الجوع، وبعد أن أصبحت الوجبات الأساسية بمثابة رفاهية للملايين، أصبحت التغذية مشكلة خطيرة، وان نسبة 11,8% من السكان في سورية تعيش تحت خط الفقر الأدنى المرتبط بالاحتياجات الأساسية للمجتمع في حين أن نسبة35,5%منهم يعيشون تحت خط الفقر الأعلى المرتبط بتأمين السكن , ومع عجز الحكومة السورية عن مواجهة آثار الارتفاع المتواصل لكلفة المعيشة نتيجة الزيادة الممنهجة في أسعار المواد والخدمات الأساسية بالنسبة لعامة الناس, مثل : الطحين، السكر، الحليب ومشتقاته، الخضر والفواكه، والأرز ,الشاي, المناديل الورقية ,الزيت النباتي ,السمن النباتي, النقل، ماء الشرب، الكهرباء، الأدوية ومصاريف الطبابة والدراسة، والاسمنت, إضافة للعديد من السلع الاستهلاكية والمواد الصحية, وتزايد فوضى السوق المترافقة بتلاعب التجار بأسعار عدد كبير من السلع والخدمات ,الضرورية وغير الضرورية, إضافة إلى التأثير المباشر علي مختلف الأنشطة الصناعية والإنتاجية التي ترتبط بشكل مباشر بقوت وكساء وعيش المواطن اليومي.
ونتيجة الاحداث المأساوية منذ عام 2011 وما تعرضت له سورية من تدمير وتخريب لمختلف البنى التحتية , يمكن القول أن اكثر من ثلثي سكان سورية تتعرض للانتهاك السافر لحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفي مقدمتها الحق في التنمية والحق في العمل والحق في الصحة والتعليم والسكن اللائق والعيش الكريم والبيئة السليمة, وتزداد هذه الانتهاكات حدة مع تفاقم مشكلة البطالة, وتشير إحصاءات البطالة بين رسمية وغير رسمية إلى معدل بطالة يتراوح بين15-30% من مجموع السكان ,ومع تزايد أرقام حجم البطالة المخيفة في سورية والتيدفعت بالعديد من الشباب السوري وخاصة من حاملي الشهادات بالهجرة الى الخارج والبحث عن فرص للعيش الافضل, مما أوضح أن سياسات الحكومة السورية فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي و القرارات المتعلقة بالأوضاع الاقتصادية بشكل عام , غير رشيدة ,حيث انها لم تعمل هذه السياسات الاقتصادية على أتباع الخطوات الإصلاحية والضرورية والرشيدة في مكافحة الفساد وإهدار الموارد الاقتصادية والمال العام ومحاربة البطالة ,إنما تسببت في جمود الاقتصاد وتزايد معاناته من إعاقاته الذاتية والموضوعية، وبالتالي فشل مختلف سياسات الإصلاح الترقيعية وغير الممنهجة من قبل الحكومة السورية, الأمر الذي انعكس بشكل أساسي على تدهور الأوضاع المعيشية للمواطن السوري, ودفع شرائح أوسع من المجتمع السوري إلى مزيد من الفقر و التهميش ,وكل ذلك كان يتم تحت شعارات: حماية المستهلك من غلاء الأسعار , وتحسين الظرف المعيشي للمواطنين السوريين, ومحاربة البطالة والفساد. وترافقت هذه الشعارات مع مختلف الوعود والتصريحات الحكومية المتعلقة بتحسين الوضع الاقتصادي للمواطن السوري وعلى حياته ودخله الذي اصابه التراجع النسبي رغم الزيادات التي طرأت على الرواتب في السنوات السابقة، إن ما أقدمت عليه الحكومة السورية خطوة غير مبرمجة, وناتجة عن سوء التخطيط المستمر في مؤسسات الدولة, والذي أدى إلى قرارات مرتجلة غير مبررة ناجمة عن تركيب الأخطاء فوق بعضها, للتوهم بالوصول إلى حل غالباما يكون إسعافيا وليس علاجيا, و لا يتمتع بأي صفة استراتيجية ولا حتى تكتيكية معقولة, إلى جانب غياب أية عدالة في توزيع الثروات الوطنية , فعدالة الفقر ساوت بين المواطنين.
إن استمرار العديد من المشاكل الاقتصادية وما تحمله من آثار سلبية على الحياة المعيشية للمواطنين، وضمن هذه الشروط السياسية الإقليمية والعالمية وما يعانيه الوطن السوري من جراء العقوبات غير المشروعة المعلنةوغير المعلنة، إن كل ذلك يؤثر سلبا في إضعاف إرادة المواطن السوري، وإبداعاته، وازدياد تهميشه وبالتالي إفقاره، وإننا في الفيدرالية السورية لمراكز وهيئات حقوق الانسان بهذه المناسبة نؤكد على ما يلي:
دمشق 17\10\2022
المنظمات والهيئات المعنية في الدفاع عن حقوق الانسان في سورية، الموقعة:
الهيئة الإدارية للفيدرالية السورية لحقوق الانسان
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=8682