هل تعطّلت مخرجات مؤتمر قامشلو؟ 2/2

د. محمود عباس

بهذه الخطوات، تكون تركيا قد اقتربت من تحقيق ما سعت إليه منذ أكثر من خمسة عشر عامًا، عبر مؤتمرات وتحالفات وضغوط على أوروبا وأمريكا، دون أن تحصد نتائج تذكر، لكنها اليوم تواجه رعبًا أكبر من أي وقت مضى، رعبًا تفاقم منذ اللحظة التي تبلورت فيها الإدارة الذاتية، وارتفع مع صعود قوات قسد، وبلغ ذروته بعد دحر تنظيم داعش وانهيار دولته المزعومة، واليوم يزداد خوفها من احتمال فرض نظام فيدرالي لا مركزي سياسيًا في سوريا، يجعل من غربي كوردستان كيانًا إداريًا معترفًا به دوليًا، على غرار ما حصل في جنوب كوردستان عقب دستور العراق لعام 2005. يومها، عارضت أنقرة بشراسة الفيدرالية العراقية في الأمم المتحدة، لكنها فشلت، ومنذ ذلك الحين راحت تتعامل مع الإقليم بأساليب خبيثة، ولا تزال.

وعليه، فإن تركيا اليوم تكاد تقتنع بأن أمريكا والتحالف الدولي لن يتخلوا عن قسد، أي عمليًا أنهم يساندون الحقوق الكوردية في سوريا المستقبل، لذلك تبذل أنقرة كل ما بوسعها لخلق شرخ جديد بين طرفي الاستقطاب الكوردي اللذين تمكّنا من عقد مؤتمر قامشلو والخروج بتشكيل الهيئة.

إنّ الجمود الذي يخيّم على الهيئة المنبثقة من مؤتمر قامشلو لا يمكن تفسيره إلا في سياق لعبة سياسية أكبر تُدار على حساب الشعب الكوردي وقضيته، وإذا كان الآخرون يخططون لتهميشنا أو دفعنا إلى هامش التاريخ، فإن المسؤولية تقع أولًا على عاتقنا نحن، وعلى قدرتنا في تحويل مخرجات المؤتمر من وثائق إلى فعل.

لا يكفي أن نبقى أسرى الصمت أو انتظار ما ستقرره أنقرة أو موسكو أو واشنطن. ما تحتاجه اللحظة التاريخية هو جرأة في الفعل:

1-    أن تعيد الهيئة فتح قنوات الحوار مع كل القوى الكوردية بلا استثناء، وأن تتجاوز الحسابات الحزبية الضيقة.

2-    أن تُفعّل حضورها على الساحة السورية، بالحوار مع باقي المكوّنات الوطنية، وإلا ستُختزل القضية الكوردية مرة أخرى في خانة الأقليات الثقافية.

3-    أن تواجه القوى الدولية بلغة واضحة، مستندة إلى قوة الحق والتاريخ، ومؤكدة أن الحلّ في سوريا لا يمكن أن يكون ديمقراطيًا من دون الاعتراف الدستوري بالشعب الكوردي وحقوقه القومية.

4-    العمل على مستوى تكوين الدولة، وذلك عبر تفعيل الدوائر والمؤسسات التي عطّلتها الحكومة الانتقالية، والبدء بتحضير هيكليات قادرة على إدارة الشأن العام بصفة وطنية، على أن تكون مرتبطة بهيئات دولية شرعية، لا بإطارات حزبية ضيقة، بحيث تكون جاهزة للحوارات والاتفاقات المرتقبة في أي لحظة.

لقد أثبت التاريخ أنّ تغييب الكورد لم يكتب يومًا استقرارًا لسوريا ولا للمنطقة، وإذا كانت تركيا وحلفاؤها يخشون الفيدرالية لأنها تمثل اعترافًا بواقع جغرافي – قومي وإنساني راسخ، فإن الردّ لا يكون بالتراجع، بل بالتمسّك أكثر بخيار سوريا لا مركزية ديمقراطية فيدرالية، يكون فيها الكورد جزءًا أصيلًا من البناء لا هامشًا يُستبعد عند صياغة الدساتير.

على الهيئة أن تدرك أنّ تعطيلها اليوم يعني خسارة فرصة تاريخية قد لا تتكرر، فالمرحلة حاسمة، والقوى الكبرى ترسم خرائط جديدة للمنطقة، ومن لا يحجز مقعده الآن، سيُستبعد غدًا من قطار المستقبل.

وعليه، فإنني بصفتي د. محمود عباس، وباسم كل القوى الكوردية الوطنية المخلصة، أوجه نداءً واضحًا وصريحًا إلى الإدارة الذاتية والمجلس الوطني الكوردي، وإلى كل الأحزاب والاتحادات الثقافية، أن يتجاوزوا خلافاتهم الضيقة، وأن يتوحدوا على موقف وطني جامع يليق بتضحيات الشهداء وصمود الشعب، إنّ التاريخ لن يرحم، واللحظة الحاسمة التي نعيشها اليوم قد لا تتكرر، ومن لا يحجز مقعده فيها سيُستبعد غدًا من قطار المستقبل.

الولايات المتحدة الأمريكية

30/8/2025م

Scroll to Top