الأربعاء 09 تموز 2025

هوزان زبير: من شنكال الى خانقين مروراً بكركوك – خلفيات، تداعيات و حقائق

25d825a225d825b125d825a725d825a1-3825204

الحديث عن كركوك وما شهدتها بتاريخ 16 تشرين الاول لا يكتمل، وسيكون ناقص المعطيات و المعلومات من دون استرجاع الخلفيات والتعمق في حيثيات العملية السياسية و العسكرية في جنوب كردستان و العراق عموماً قبل ظهور داعش و قبله.
كركوك التي اتروت بدماء شهداء البيشمركة و الكريلا الكردستاني في اواخر صيف 2014 مثلها مثل العديد من المناطق الكردستانية التي شاءت الديموغرافية ان تكسبها الوان مكوناتية (كرد- عرب- تركمان- ايزيدية- شيعة-سنة- مسيحية-يارسانية..) وبغض النظر مبدئياً عن كيفية ادارتها بشكل ناجح، تعرضت لهجوم تحت قبعة الدستور المستورد الذي طبق على عراق جديد عقب سقوط البعث دون ان تُشرح مفرداته لشعبها والانغماس الموضوعي في موادها وفقراتها.


بدايةً من كركوك
كركوك كما كأنها بوجه المدفع الذي انشطر قذيفته غرباً الى شنكال مروراً بمخمور و شرقاً الى خانقين مروراً بجولاء و حوض حمرين. ناهيك عن ان كركوك منطقة غنية بالنفط و الغاز الا انها تعتبر رأس الهرم الجغرافي الذي يستند اليه اقليم كردستان العراق (جنوب كردستان) كمحافظة كردستانية لكن بادارة هشة لم تتمكن من تطبيق نموذج يتقبله كل المكونات وهذا ما فسح لدول اقليمية على رأسها ايران و تركيا من جهة و قوى داخلية من جهة اخرى، لجعل مكوناتها اجندة لها.
عندما حققت القوات الكردية نصرها في كركوك و معظم المناطق المتنازع عليها عقب قدوم داعش حتى اقتراب نهايته في العام الجاري، حظيت السلطات في اقليم كردستان بفرصة على طبق من ذهب، لكن تلك الفرصة وضعت بكؤسس قوموية دون تصقيلها على الاقل بمفهوم ديمقراطي فسيفسائي يتقبله جميع المكونات (احد العوامل التي عرقلت ذلك كما ذُكر هو ان مكوناتها تحولت الى اجندة داخلية و خارجية)، كركوك و كعشرات المناطق الكردستانية وبعد ان استعادتها كردستان مستغلة فرصة انشغال القوات العراقية بداعش و بانشقاقاتها المذهبية، فشلت سلطات الاقليم باقناع جميع مكونات تلك المدينة من جهة و فشلت باستمرار فرض هيبتها على السطلة المركزية في بغداد كونها اعتقدت ان فرض الهيبة هو من خلال رفع علم قومي على دوائركركوك او ضمها الى مشروع استفتاء يفتقر لبنية و هدف واضح ما خُلق ارضية ضعيفة يصعب الاعتماد عليها لبناء اسوار رصينة ، بعد هذا الحين نجح العراق من خلال علاقاتها مع الخارج و تبدد داعش من الموصل ومعظم المناطق بفتح ابواب العلاقات المتنوعة غرباً و شرقاً، لذا رأت بغداد و باستخدام قوتها الطائفية ان الفرصة مؤاتية للاستيلاء من جديد على مناطق ما قبل صيف 2014، وهذا نجح بالفعل بفضل مايلي : (العد العكسي)
اولا- الخلافات السياسية الداخلية بين اطراف اقليم كردستان- العراق و ظهرت جلياً في 19 اب 2015 اي عقب انتهاء المدة القانونية لرئاسة الاقليم والذي اصبح عاملاً لتوسع الشرخ بين القوى على الصعيدين السياسي و تفضيل المصلحة الحزبية عن المصلحة العامة اي الافتقار لروح الوحدة الوطنية.
ثانياً – تعرضها لازمة مالية و اقتصادية خانقة رغم استقلاليتها ببيع النفط فضلاً عن ان السلطة واجهت اتهامات عدم الشفافية في استخدام الثروات و تداعياتها على الوضع المعيشي للشعب و رواتبهم المستقطعة والمتأخرة و ركود المشاريع التنموية و ازياد نسبة البطالة.
ثالثاً و تجاوزاً لتفاصيل و نقاط رافدة للنقطتين السابقتين-هو اجراء الاستفتاء الذي واجه رفضاً دولياً ، موضوع الاستفتاء بحد ذاته بحاجة الى حديث يملئ صفحات عدة، في حال ان دخلنا الى هدف الاستفتاء ،من كان وراء الفكرة ، سبب الفكرة ، الغايات الظاهرة و المختبئة، حجم الترويج، صعود طرف على حساب اخر بسلم واوتار المشاعر القومية… الخ، وبالرغم من ان الاستفتاء كمشروع وطني يبقى مشروعاً يفرح قلوب ملايين الكردستانيين، لكن بالعودة الى تفاصيله و خلفياته و موعد اجراءه ستظهر معطيات اخرى تكشف للرأي العام ثلاث توقعات : اما انه فخ نصب لسلطات الاقليم من جهة ما ولغاية في نفس يعقوب ،وتلك الجهة تخلت عنها بسرعة فائقة و بطريقة استخباراتية محنكة ، هذا في حال كانت السلطات تعول على نجاح العملية و انتهائها بالاستقلال بدعم تلك الجهة، او انها لعبة داخلية هدفها التغطية على فشل اداري كاد ان يتسبب بقطع اخر خيوط الثقة الرفيعة بينها و بينها الشعب، وهدف اللعبة اعادة ترميمه الثقة و استعادة قوى السلطة قاعدة جماهيرية افتقدتها بسبب ما تم ذكره في النقطتين السابقتين، او انه فعلاً مشروع وطني بحت خالٍ من مرامٍ حزبية هدفه الاستقلال لتحقيق مكتسب كبير للشعب حتى لو لم تكن هناك اية جهة تدعمه وهذا الاحتمال الاضعف.وحين شعرت الاطراف المشرفة على الاستفتاء من ان العملية ستنتهي بالفشل بسبب الرفض الدولي ،وقع حينها بين نارين، نار الخزي من التراجع عن الخطوة وهذا ما قد يفقدها اخر محاولات البقاء بقوة في الحكم وسط الازمة السياسية و الاقتصادية، ونار المستقبل الذي قد يحرقه بعد اجراء الاستفتاء كون الرفض الدولي ينعكس ايجاباً على مكانة بغداد الدولية. وفي 25 ايلول 2017 فضل حزبا السلطة الخيار الثاني رغم تردد حزب الاتحاد الوطني وقلقها و شعورها بالتابع الى جانب معاناتها من خلافات داخلية.
وفعلاً كانت لعملية الاستفتاء تداعيات و اهمها هو انه فتح باب الذرائع لبغداد وفرصة لها لاستعادة المكتسبات التي حققتها هولير(اربيل) على حسابها، وذلك باعتمادها على الدستور الذي حظي بدعم دولي واُلزم الحكومتين بتطبيقه، فكانت عملية فرض السيطرة على المناطق الكردستانية اسهل ماكانت تتوقعه بغداد لدرجة انها سُلمت اليها بلا مقاومة ، ومن هذه النقطة يمكن التطرق الى كيفية قيام سلطات الاقليم بتسليم المناطق المتنازعة عليها لسلطات بغداد.
كيف سقطت المناطق الكردستانية المتنازع عليها؟
في 15 تشرين الاول عقد قادة حزبي سلطة الاقليم اخر اجتماع لهما في دوكان للوصول الى كيفية التعامل مع ملف الاستفتاء العالق وكيفية تطبيع الاجواء مع بغداد دون ان توقع نفسها بموقف مخجل ، وذلك بعد مواجهتها حزمة عقوبات صادرة من بغداد، و عندما ايقنت القوتان في الاقليم ان دول العالم لن تساندها في مواجهة تلك القرارات لم يكن امامها سوى خيار الخضوع الغير مباشر وانتهى اجتماعهما بالتأكيد على الحوار مع بغداد وحل المشاكل العالقة، الا ان بغداد ولانها عرفت الضعف و الهشاشة التي دخل فيها الاقليم لم تنتظر المزيد من المماطلة و بدأ زحف قواتها ذات النزعة الطائفية الشيعية على المناطق المتنازعة عليها، في تلك الاثناء عرف حزبا السلطة في الاقليم انهما خاسران على الصعيد الوطني بكل الاحوال، وخاسران للمناطق ايضاً لان زحف بغداد كان قد جرى امام اعين التحالف الدولي، لذا و في فجر 16 تشرين الثاني لم يبقى امام الحزبين سوى الابتعاد عن مسؤولية ما سيجري و الهروب من الواقع المخجل، وذلك باتهام احدهما للاخر بالاستسلام و الخيانة و تم التطبيل لهذه الفكرة عبر الماكنة الاعلامية للطرفين ضد بعضهما البعض، دام تشهير هذا الحزب بالحزب الاخر الى حين انتهاء السيطرة العراقية على كركوك اضيف اليها خانقين وجلولاء (مناطق سيطرة ynk) ليتفاجئ الشارع الذي خون احد طرفي السلطة ،بسقوط شنكال و مخمور و بعشيقة و ربيعة(مناطق سيطرة pdk) ايضاً تحت سيطرة القوات العراقية بدون اية مقاومة، وهنا سقطت اقنعة الماكينات الاعلامية لكنها تحاول من جديد تجميل صورة اربابها على ان القوات الكردية تعود لتسيطر من جديد على مناطقها و تروج لاتنفاضة من خلال اللعب بعقول البسطاء ومشاعرهم ، علماً ان الحقيقة المؤسفة هي” انسحاب الحشد الشعبي في 18 تشرين الاول الجاري، جاء بخياره و بقرار بغداد، ليتسلم الشرطة الاتحادية مهام الامن ويتشكل مجالس ادارتها على مزاج المركز(بغداد) وبتوقيعه.
اخيراً و ليس اخراً فان وضع المناطق الكردستانية التي باتت ضحية تلك الخطوات و الحسابات يمكن اختصاره بما يلي :
عاد اقليم كردستان وحدوده الى واقعه ماقبل 2014، ولم يبق اي حوار مستقبلي بين هولير و بغداد حول الاستقلال على الاقل لعقد من الزمن،الا ان للاقليم خيار واحد لم يبقى سواه بعد فشل حساباتها ،وهو الدخول مع بغداد في حوار سياسي لكيفية ادارة تلك المناطق من دون اقصاء المكون الكردي ومن دون شروط مسبقة، وفي هذه العملية السياسية المتعلقة بمناطق المتنازع عليها (ماعدا شنكال) ،ستكون العصمة والقرارات الحاسمة بيد بغداد. بينما شنكال وبفضل تشكيل مجلس الادارة الذاتية في صيف هذا العام و وقبلها بعامين تشكيل قوات وحدات مقاومة شنكال،وقوات الاسايش ، ستصرعلى ادارة نفسها بنفسها ضمن دولة اتحادية، تلك المؤسسات التي انتهجت سياسة دون القطيعة مع بغداد، لتؤكد على حق الدفاع المشروع من اي هجوم بعد كل تلك الجرائم التي طالت ايزيدخان.

أضف تعليق