الخميس, يناير 30, 2025

هيومن رايتس ووتش: جرائم حرب مفترضة على يد قوات تدعمها تركيا في شمال شرق سوريا

قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن الغارة التي شنها تحالف تركيا و”الجيش الوطني السوري” بطائرة مسيّرة وأصابت سيارة إسعاف تابعة لـ “الهلال الأحمر الكردي” في 18 يناير/كانون الثاني 2025، في شمال سوريا، هي جريمة حرب مفترضة. قال شهود إن الغارة أصابت سيارة إسعاف كانت تنقل فتاة مدنية جُرحت في غارة سابقة بمسيّرة في اليوم نفسه استهدفت متظاهرين قرب سد تشرين. أفادت وكالة أنباء “إيه إن إف نيوز” أن الهجمات يومها قتلت ستة مدنيين، بينهم ممثل كردي معروف، وجرحت قرابة 16 آخرين.

نشر حساب تابع للجيش الوطني السوري، الذي تدعمه تركيا، فيديو صوّر بمسيّرة للغارة على الأشخاص قرب السد، إلا أنّ هيومن رايتس ووتش لم تتمكن من تحديد ما إذا كانت الغارات بالمسيّرات قد نفذتها “القوات المسلحة التركية” أو الجيش الوطني السوري. اعتاد المتظاهرون التجمع حول سد تشرين لردع الهجمات المستمرة التي يشنها تحالف تركيا والجيش الوطني السوري في محيط السد وسط مخاوف من انهياره. وقد أصابت أربع هجمات على الأقل شنها تحالف تركيا والجيش الوطني السوري خلال يناير/كانون الثاني متظاهرين قرب هذا الموقع، مسفرةً عن مقتل 20 وجرح 120 آخرين، وفقا لـ “قوات سوريا الديمقراطية”، التي يقودها الأكراد وتدعمها الولايات المتحدة.

قالت هبة زيادين، باحثة أولى في شؤون الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “أظهر الجيش الوطني السوري والقوات التركية نمطا واضحا ومقلقا يتمثل في الهجمات غير القانونية ضد المدنيين والأعيان المدنية، ويبدو أن الطرفان يحتفيان بهذه الهجمات. بصفتها الداعم الرئيسي للجيش الوطني السوري، تركيا ملزمة بردع الانتهاكات التي يمارسها الجيش الوطني السوري، وإلا فإنها تخاطر بالتواطؤ في جرائمه”.

أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع مشاركَيْن في احتجاج 18 يناير/كانون الثاني وسائق سيارة الإسعاف، وتحققت من فيديوهات للهجوم على الاحتجاج قرب السد، الذي وقع بين الساعة 1 و2 ظهرا، وما تلا ذلك. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تحديد أي أهداف عسكرية أو أسلحة مرئية في المنطقة المجاورة مباشرة للاحتجاج، استنادا إلى ثلاثة فيديوهات تحققت منها هيومن رايتس ووتش وإفادات شهود.

قال أرمانج محمد (37 عاما) من القامشلي لـ هيومن رايتس ووتش: “ذهبنا إلى سد تشرين سلميا للوقوف في وجه العدوان التركي والفصائل التابعة له، ولحماية أرضنا، والمطالبة بإنهاء استهداف المياه والكهرباء والبنية التحتية. كنا نغني ونرقص على الأغاني الكردية بمشاركة النساء والأطفال وكبار السن. لم يكن هناك وجود عسكري أو وجود لقوات سوريا الديمقراطية في موقع الاحتجاج”. كان المتظاهرون على مسافة خمسة كيلومترات تقريبا من خط التماس.

تُظهر لقطات من طائرة مسيّرة نشرتها قناة “تيليغرام” تابعة للجيش الوطني السوري في 22 يناير/كانون الثاني، تحققت منها هيومن رايتس ووتش، قنبلتين صغيرتين أُسقطتا جوا تنفجران في حشد من الرجال والنساء عند سد تشرين، حيث كانوا يحتجون ويؤدون رقصة الدبكة الكردية التقليدية. يقول التعليق إن المسيّرة ترسل التهاني لاحتفالات قوات سوريا الديمقراطية في سد تشرين.

تُظهِر فيديوهات لآثار الهجوم نُشرت على قنوات التواصل الاجتماعي في 18 يناير/كانون الثاني وما بعده متظاهرين عُزّلا يهرعون لمساعدة الجرحى أو من يبدو أنهم قتلى.

قالت جيان خليل، المراسلة والمذيعة من قناة “جين تي في” التي كانت تصوّر الاحتجاج: “كان المشهد مرعبا ولا يوصف. لم يكن هناك أي تحذير مسبق قبل القصف. كان الهجوم وحشيا للغاية واستهدف المدنيين مباشرة مرتين متتاليتين”.

اتهمت الحكومة التركية قوات سوريا الديمقراطية و”وحدات حماية الشعب” باستخدام المدنيين دروعا بشرية عند سد تشرين.

تحدثت هيومن رايتس ووتش مع أحد سائقي سيارات الإسعاف التابعة للهلال الأحمر الكردي الذي هرع إلى السد بعد الهجوم. قال: “أثناء توجهنا إلى السد، قبل قرية الحرية مباشرة، على بعد حوالي 30 كيلومتر من السد، أشارت لنا سيارة مدنية بالتوقف، وقالوا إن لديهم فتاة مصابة”.

نقلَ الفتاة، التي قال إنها كانت مصابة بجرح في البطن بعد الهجوم على سد تشرين، إلى سيارة الإسعاف. وقال: “بعد وقت قصير من عودتي إلى سيارة الإسعاف، قصفتنا مسيّرة وتسبب الانفجار في فتح أبواب السيارة وتحطيم نوافذها وأبوابها”.

قال لـ هيومن رايتس ووتش إن زميله أصيب بإصابة طفيفة من شظية معدنية في يده. “وصلت سيارة الإسعاف الثانية إلى مكان الحادث، ونُقلنا نحن والفتاة المصابة إلى الطوارئ. لحسن الحظ، كان الجميع سالمين”.

تُظهر صورتان نُشرتا على تيليغرام في 18 يناير/كانون الثاني آثار الهجوم على سيارة الإسعاف، التي بدت متضررة ومتوقفة في منتصف الطريق وأبوابها مفتوحة جزئيا. كانت تحمل علامة إسعاف واضحة وكان يُفترض أن تكون مرئية من الجو. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التحقق من الموقع الدقيق للصور، التي أفيد أنها التقطت على الطريق بين سد تشرين ومدينة الطبقة.

أصبح سد تشرين نقطة محورية للقتال بين تحالف تركيا والجيش الوطني السوري وقوات سوريا الديمقراطية منذ ديسمبر/كانون الأول. توقف السد عن العمل منذ 10 ديسمبر/كانون الأول 2024 نتيجة تضرره أثناء الاشتباكات، ما حرم قرابة 413 ألف شخص من المياه والكهرباء في منطقتي منبج وكوباني، وفقا لـ”منتدى المنظمات غير الحكومية في شمال شرق سوريا“، وهو تحالف من المنظمات الدولية العاملة في الشمال الشرقي. ثمة حاجة إلى إصلاحات عاجلة لاستعادة الخدمات الأساسية وحماية سبل العيش.

حذرت “اللجنة الدولية للصليب الأحمر” من أنه بحال تضرر السد، “ستكون العواقب الإنسانية والدمار الناتج عن إطلاق مياه الفيضانات مدمرة وقد تسبب أضرارا جسيمة بالبيئة”.

منذ أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2023، أدى القصف التركي على المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في شمال شرق سوريا إلى انقطاع المياه والكهرباء عن الملايين. كما أدت الغارات المتكررة على البنية التحتية المدنية إلى تدمير العديد من المرافق الأساسية، بما في ذلك محطات المياه والطاقة الكهربائية ومنشآت النفط ومحطات الغاز، ما أدى إلى تعطل المستشفيات والمخابز ومرافق المياه.

لدى القوات المسلحة التركية والجيش الوطني السوري سجل حقوقي مزرٍ في مناطق شمال سوريا الخاضعة للاحتلال التركي. وجدت هيومن رايتس ووتش أن فصائل الجيش الوطني السوري ومجموعات أخرى، بما فيها عناصر القوات المسلحة وأجهزة الاستخبارات التركية، اختطفت واعتقلت واحتجزت أشخاصا بينهم أطفال؛ وارتكبت العنف الجنسي والتعذيب بدون محاسبة تُذكر؛ وشاركت في النهب، وسرقة الأراضي والمساكن، والابتزاز.

يتطلب القانون الإنساني الدولي، أو قوانين الحرب، من الأطراف المتحاربة انتشال الجرحى والمرضى ورعايتهم. تتمتع سيارات الإسعاف، كما المستشفيات، بحماية خاصة، ولا يجوز استهدافها في حال كانت تستُخدم لتقديم الرعاية الطبية من أي نوع، بما في ذلك علاج مقاتلي العدو. ينبغي السماح لسيارات الإسعاف ووسائل النقل الطبية الأخرى بالعمل وحمايتها في جميع الظروف.

كما أن الهياكل، مثل السدود، هي أيضا أعيان محمية بشكل خاص بموجب القانون الإنساني الدولي. ينص القانون الإنساني الدولي على أنه ينبغي التعامل مع السدود والمنشآت المماثلة “بعناية خاصة” في النزاعات، لتجنب إطلاق مياه الفيضانات الخطيرة التي تؤدي إلى خسائر فادحة بين السكان المدنيين.

حتى إذا استخدُم السد في عمليات عسكرية أو بالقرب منها، يجب أن تكون الهجمات متناسبة، ويجب اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتجنب الأضرار العرضية المفرطة، فضلا عن إصابة المدنيين أو فقدان حياتهم. وينبغي ضمان المرور الآمن لخدمات الطوارئ الطبية لتنفيذ عمليات الإجلاء لعلاج الجرحى وللموظفين لإجراء الإصلاحات الأساسية.

قالت زيادين: “من غير المرجح أن يكون قصف سيارة إسعاف تحمل مدنيين جرحى على طريق مفتوح حادثا. يبدو أنها جريمة حرب، ويجب محاسبة تحالف تركيا والجيش الوطني السوري”.

شارك هذه المقالة على المنصات التالية