بير رستم
ما هي الحلول الممكنة والتي تنقذ المنطقة وشعوبها من هذه الصراعات الدامية والعنصرية، هل هي تقسيم هذه الدول من مخلفات سايكس بيكو ولوزان وغيرها من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الاستعمارية وانشاء عدد من الكيانات الأخرى؛ كردية، درزية، علوية، سنية، شيعية وأيزيدية ومسيحية آشورية .. إلى ما هنالك من مذاهب وطوائف وأعراق، لكن كيف يمكن أن نقسم أساساً هذه الجغرافيا وهناك تداخل تشابك بين تلك المكونات وذلك نتيجة عوامل عدة؛ منها اقتصادية وأخرى سياسية حيث تداخلت وتمازجت ورحلت بعض المكونات من مناطقها لمناطق أخرى وشكلت جزر داخل مجتمع آخر مختلف ثقافياً، عرقياً أو دينياً مذهبياً، فمثلاً نشاهد في بيئة ومحيط إسلامي منطقة مسيحية أو في بيئة كردية قرى آشورية كلدانية؛ مثال تل تمر والقرى المسيحية في الجزيرة وبالتالي كيف يمكن انشاء هذه الكيانات السياسية، دول داخل دول مثلاً أم نظام مركزي على غرار الأنظمة السابقة القومجية العنصرية بحيث نصبح كلنا عرب أو كلنا مسلمين سنة، كما يطبل مريدي حكام سوريا الجدد لها؟!
بالتأكيد لا هذا ولا ذاك، بل نظم جديدة تراعي هذا التنوع الثقافي والمجتمعي في واقع مناطقنا وأعتقد التجارب الإتحادية في أوروبا والعالم قدمت نماذج واقعية للخروج من هذه الأزمات والصراعات حيث أوروبا وبعد حربين عالميتين استطاعت أن تتفق فيما بينها ومع مجتمعاتها وذلك من خلال الدول الاتحادية الفيدرالية في بلدانهم، بل وتطبيق النموذج الكونفيدرالي فيما بين تلك الدول وذلك بالاتفاق على مشروع الاتحاد الأوروبي، وهناك تجربة عربية قريبة من هذه الحالة، ونقصد دول التعاون الخليجي حيث نجد الإمارات مثلاً قائمة على فكرة الدولة الاتحادية الفيدرالية ومجلس التعاون الخليجي شبيه بالاتحاد الأوروبي والنموذج الكونفيدرالي، والتجربتان العربية والأوروبية قدمتا أفضل النماذج والحلول السياسية للخروج من تلك الصراعات والأزمات وحروب القبائل والأعراق إلى الدولة الوطنية لكل مواطنيها وذلك من خلال بناء دولة تراعي مصالح وحقوق كل المكونات المجتمعية حيث سويسرا فيها أربع قوميات وثقافات، لكن بالرغم من ذلك الكل يعتبر نفسه سويسرياً؛ يعني الألماني والفرنسي والإيطالي وحتى الرومانش والذين نسبتهم إلى نسبة سكان سويسرا لا يتجاوزون 0.05% أي نصف بالمية وليس حتى واحد بالمائة ومع ذلك لغتهم تعتبر من اللغات الرسمية ولهم كانتون وإقليم خاص بهم مع أن عددهم لا يتجاوز أربعين ألفاً!
وهكذا فلما لا نقتدي بهذه التجارب الناجحة وذلك بدل الإصرار على إعادة تجارب فاشلة مستبدة مجترة من الأنظمة الاستبدادية البوليسية كنظامي البعث في سوريا والعراق، أو نظام الملالي في إيران أو حتى النظام التركي بنسخته الأخيرة في المزج بين الفاشيتين الدينية والقوموية، فهذه النماذج كلها أثبتت تاريخياً فشلها ومن الحماقة من ينتظر نتائج مختلفة من المقدمات نفسها! نعم أثبتت التجارب السياسية السابقة؛ بأن الأنظمة القومجية والطائفية لن تقدم الحلول، وبالمناسبة الدولة العثمانية نفسها كانت دولة شبه فيدرالية اتحادية حيث كانت الإمارات وكل أمير هو المتصرف في إمارته ولهم أعضاء في مجلس المبعوثان بأستانة.. وهكذا فما المانع أن تكون سوريا عدد من الأقاليم والكانتونات؛ الجنوب وحتى الجنوب يمكن أن يكون للموحدين الدروز كانتون خاص بهم وللبدو كانتون، وكذلك في الساحل يكون للعلويين كانتون وآخر للعرب السنة وحتى في الشمال الشرق أو الغربي؛ فمثلاً يكون للمسيحيين كانتون في الجزيرة وتصبح تل تمر هي المركز، طبعاً بالإضافة أن يكون للكرد أكثر من كانتون وكذلك للعرب حيث سويسرا فيها 26 كانتوناً مع أن مساحتها أقل من ربع مساحة سوريا!
ربما يجد البعض في كتاباتي؛ بأنني عنصري باتجاه القومية الكردية، لكن في واقع الأمر فإن مواقفي تنطلق من منظور وجداني وانساني، وليس عنصري قومي حيث إنني ضد المشاريع القوموية والطائفية، طبعاً علينا أن نميز بين دعمنا وتأييدنا بأن ينال كل شعب حقوقه القومية كاملةً وبين المشاريع القوموية العنصرية والتي جاءت بالويلات على المنطقة وشعوبها حيث الحروب ومنذ أكثر من قرن ونصف وما زالت مستمرة، وكانت من نتائجها عدد من الدول المركزية الفاشية البوليسية القومجية أو الطائفية مؤخراً مع تجربة الملالي في إيران، وكذلك لست مؤمناً بالتجارب الطوباوية؛ إن كانت التجربة الشيوعية والأممية أو تجربة أخوة الشعوب والأمة الديمقراطية حيث إنها مشاريع طوباوية خيالية لا تقل خيالاً عن المشاريع الطوباوية اللاهوتية وجنات النعيم، كون تلك الأمميات، إن كانت الشيوعية أو الديمقراطية أو حتى الإسلامية تحتاج لمجتمعات حضارية تملك من الوعي والرقي والأخلاق النبيلة بحيث لا تحتاج فيه إلى قوانين ونظم لكي تنظم حياة تلك المجتمعات، أما في مجتمعاتنا المتخلفة والتي تتصارع دينياً مذهبياً طائفياً أو قوموياً عنصرياً، بل حتى قبلياً مناطقياً.. فلا يمكن تحقيق مثل هذه النظم الطوباوية المثالية؛ مدينة أفلاطون، بل الحل في التجارب الواقعية والتي سبق وأن ذكرناها؛ الدول الأوروبية وعربياً؛ الإمارات ودول التعاون الخليجي .. فهل من عاقل يسمع لصوت العقل.
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd-online.com/?p=79177


                


