اعتقال 3 مواطنين في جنديرس بريف عفرين لتحصيل فدى مالية

اعتقل عناصر من الشرطة العسكرية، 3 مواطنين خلال حملة مداهمة في حي الصناعة بناحية جنديرس بريف عفرين. ووجهت إليهم تهم بالخروج في نوبات حراسة خلال فترة سيطرة الإدارة الذاتية على المدينة، وذلك بهدف تحصيل فدى مالية منهم، وفق ما أفاد المرصد السوري.

من جهة أخرى، اعتقل الأمن السياسي في مدينة عفرين شاباً من أهالي قرية خلنيرة أثناء مراجعته لدائرة المواصلات في المدينة لتسجيل مركبته، دون معرفة التهمة الموجهة إليه.

وشهدت الأيام الماضية سلسلة من الاعتقالات التعسفية والتجاوزات الأمنية ضمن منطقة “غصن الزيتون” في ريف حلب الشمالي.

وفي هذا السياق، اعتقلت الاستخبارات التركية عائلة مكونة من أربعة أفراد، بينهم طفلان، من أهالي قرية ميركان التابعة لناحية معبطلي، بعد عودتهم من إقليم كردستان العراق، وتم الإفراج عن السيدة وأطفالها مقابل فدية مالية، بينما لا يزال زوجها قيد الاعتقال.

الشرطة المدنية تعتقل 3 باحثين عن ملاذ آمن في “نبع السلام”

وفي ريف الحسكة اعتقلت الشرطة المدنية التابعة لتركيا 3 باحثين عن ملاذ آمن أثناء محاولتهم عبور الحدود السورية التركية ضمن منطقة “نبع السلام”، عبر طرق غير شرعية بإشراف فصائل “الجيش الوطني. وتم الإفراج عن اثنين منهم مقابل فدية مالية قدرها 5000 دولار أمريكي، بينما لايزال الثالث قيد الاحتجاز لعدم قدرته على دفع الفدية.

وفي حديثه لنشطاء المرصد السوري لحقوق الإنسان، كشف أحد المفرج عنهم (م.خ) عن ظروف الاعتقال، حيث تم اقتيادهم إلى مهجع صغير يضم أكثر من 120 شخصاً، بمساحة تتراوح بين 3-4 أمتار، مما أجبر المحتجزين على التناوب في النوم ليلاً، بينما بقي الآخرون دون نوم.

وأشار إلى تعرض المحتجزين لشتى أنواع التعذيب والضرب، وبعضهم أصيب بجروح متفاوتة، وسط نقص حاد في الطعام والشراب. كما ندد بالاستغلال المادي الذي يتعرض له المعتقلون من قبل المشرفين على المهجع.
مؤكداً بأن المتحجزين بحاجة إلى التدخل العاجل من قبل الجهات المعنية ووقف الانتهاكات والتجاوزات التي يتعرض لها الباحثين عن ملاذ آمن خلال رحلتهم.
وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان، رصد بتاريخ 23 حزيران الماضي، تعرض مجموعة من الأفراد ينحدرون من منطقتي الحسكة والقامشلي، غالبيتهم من النساء، للاعتقال التعسفي من قبل فصيلي “السلطان مراد” و”أحرار الشرقية” الموالين لتركيا، بعد دخولهم مناطق “نبع السلام”، بهدف التوجه إلى الداخل التركي بطرق، ليتم اعتقالهم فيما بعد.

وواجه حينها 38 شخصا من الباحثين عن ملاذ آمن مصير مجهول بعد تعرضهم للاعتقال من قبل عناصر فصيل “أحرار الشرقية” ضمن مناطق “نبع السلام”.

القيادة المركزية الأمريكية تعلن مقتل زعيماً بارزاً في تنظيم حراس الدين

قالت القيادة المركزية الأمريكية “سنتكوم” إن قواتها قتلت زعيماً بارزًا في تنظيم حراس الدين، يدعى أبو عبد الرحمن المكي، عبر استهدافه بضربة دقيقة في سوريا.

وذكرت “سنتكوم” في بيان أن “أبو عبد الرحمن المكّي كان عضواً في مجلس شورى حراس الدين وزعيماً بارزاً مسؤولاً عن الإشراف على العمليات الإرهابية من سوريا”.

وقال الجنرال مايكل إريك كوريلا، قائد القيادة المركزية الأمريكية: “تظل القيادة المركزية ملتزمة بالهزيمة الدائمة للإرهابيين ضمن منطقة مسؤولية القيادة الذين يهددون الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها والاستقرار الإقليمي”.

وبحسب “سنتكوم” أن حراس الدين هي قوة مرتبطة بتنظيم القاعدة ومقرها سوريا وتشارك القاعدة في تطلعاتها العالمية لشن هجمات ضد المصالح الأمريكية والغربية.

وأشار المرصد السوري أمس، إلى اغتيال المدعو “أبو عبد الرحمن المكي” سعودي الجنسية من الجزيرة العربية، وهو قيادي سابق في تنظيم “جند الأقصى” الجهادي التي تتبع لحراس الدين، وشرعي لدى تنظيمات جهادية، إثر ضربة جوية من مسيّرة استهدفته وهو يقود دراجته النارية، على الطريق الواصل بين بلدتي إحسم والبارة بمنطقة جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي، حيث أدت الضربة إلى مقتله وبتر قدميه، مبيناً بأنه كان معتقلاً في سجون “هيئة تحرير الشام” خلال الفترة السابقة.

“قسد”: مقتل متزعّم خطير لـ”داعش” شارك في الهجوم على سجن الصّناعة

أعلن المركز الإعلاميّ لقوّات سوريّا الدّيمقراطيَّة “قسد” مقتل متزعِّمٌ خطير لتنظيم “داعش” الإرهابيّ، كان قد خَطَّط وشارك في الهجوم على “سجن الصّناعة” بحي “غويران” بمدينة الحسكة في يناير/ كانون الثّاني عام 2022.

وقال المركز في بيان (مقتل المتزعّم جاء خلال عمليَّة أمنيَّة دقيقة ومحكمة نفَّذَتها وحدات مكافحة الإرهاب (YAT) التّابعة لقوّاتنا، قوّات سوريّا الدّيمقراطيَّة، يوم أمس الخميس، 22 أغسطس/ آب الجاري، وبدعم ومشاركة من قوّات التَّحالف الدّوليّ، ببلدة “البصيرة” بريف دير الزور الشَّرقيّ، استهدفت إلقاء القبض على المتزعّم والقيادي في صفوف تنظيم “داعش” الإرهابيّ المدعو “مُحمَّد أحمد الحسن” الملقَّب بـ”عمر الشّامي”).

وبحسب البيان (جرت العمليَّة بعد أن استكملت قوّاتنا جمع المعلومات الاستخباراتيَّة الدَّقيقة عن المتزعّم الإرهابيّ، وفرضت طوقاً محكماً على مكان تواجده، وأطلقت له نداء الاستسلام، إلا أنَّه رفض وحاول أن يلوذ بالفرار، وبدأ بإطلاق النّار على مقاتلينا، ما استدعى الرَدَّ بالمِثلِ، اندلعت على إثره اشتباكات أسفرت عن مقتله).

وصادرت قسد مع الإرهابيّ مستلزمات عسكرية ووثائق ومُعدّات الاتّصال، وهي كالتّالي:
1 – هواتف ذكيَّة عدد /2/.
2 – أسلحة كلاشينكوف عدد /1/.
3 – وثائق وثبوتيّات شخصيَّة.

 

تصاعد الانتهاكات بحق الكرد في عفرين: اعتقالات واختطافات على أيدي ميليشيات الجيش الوطني

بيان:

تواصل الجماعات المسلحة المدعومة من تركيا تنفيذ المزيد من عمليات اقتحام المنازل وخطف المدنيين، حيث زادت معدلات العنف والجريمة والاعتقال والخطف في منطقة عفرين وعموم المناطق التي تسيطر عليها القوات المسلحة التركية في شمال سوريا.

القوات التركية والجماعات السورية المسلحة المدعومة منها (الجيش الوطني ، هيئة تحرير الشام) تواصل ارتكاب المزيد من الانتهاكات، ولا يكترثون لدعوات وقف عمليات المداهمة اليومية، واختطاف المواطنين بدافع الحصول على الفدية ومنع ذويهم من معرفة مكان احتجازهم أو أسبابه ورفض عرضهم على المحاكمة ومنعهم من توكيل محامي.

وشهدت منطقة عفرين ومناطق أخرى منذ بداية تموز 2024 خطف ( 69 مواطناً )، فيما ارتفع عدد الذين تم اختطافهم منذ بداية العام الحالي 2024 لأكثر من ( 385 ) حالة خطف، فيما بلغ عدد المختطفين خلال عام 2023 أكثر من ( 467 ) وخلال عام 2022 أكثر من ( 720 ) حالة اعتقال وهم الذين تمكنا من توثيق أسمائهم، فيما العدد الفعلي أكثر من ذلك لا سيما أنّ هنالك أسماء تحفظت عائلاتهم على ذكرها، إضافة لحالات اعتقال لم نتمكن من الوصول إليها، كما وتم متابعة وتوثيق مقتل مدنيين تحت التعذيب، وحالات انتهاك متعددة.

وبات السائد في هذه المنطقة عمليات نهب منظّمة يومية، وعمليات الاستيلاء على منازل وممتلكات الناس ومواسم الزيتون، وقطع الأشجار وغيرها إضافة للاعتقالات التعسفية اليومية، وخطف الناس كرهائن مقابل فدية مالية، والتضييق على السكان.

إطلاق فوضى العسكر وعشرات المجموعات الإرهابية، هي سياسة تركية متعمّدة؛ لكنّها تتم بأيدي “الجماعات السورية المسلحة” تحت اسم “الجيش الوطني السوري” التابع للحكومة السورية المؤقتة/ الائتلاف، فكل ذلك يجري تحت أعين القوات التركية ومشاركتها.

ويؤكد فريق مركز التوثيق أنّه على تواصل مع عوائل ومقربين من المعتقلين، وأنّ جميع الاعتقالات التي تنفذ في مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري وهيئة تحرير الشام شمال غرب أو شرق سوريا لا تستند إلى مذكرات قضائية من المدعي العام، ومعظم عمليات الاعتقال تتم بطريقة غير قانونية، وبشكل تعسفي. وأنّ هذه الاعتقالات تحتوي على سلسلة من الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان، وغالب المعتقلين لا يمكن التواصل معهم بعد احتجازهم أو معرفة مصيرهم.

ومنذ التوغل التركي في سوريا، تم رصد مقتل وإصابة 10422 شخصاً / القتلى 2117 شخصاً / فيما وصل عدد المعتقلين إلى 9368 شخصاً منذ بداية التوغل التركي في شمال سوريا، أفرج عن قرابة 8084 منهم، فيما لا يزال مصير البقية مجهولا. ووصل عدد الذين قتلوا تحت التعذيب في السجون إلى 184 شخصاً.

في تصعيد جديد للأوضاع الأمنية في منطقة عفرين، اعتقلت ميليشيات الجيش الوطني السوري (الشرطة العسكرية) عائلة المواطن الكردي ريبر فوزي أحمد، البالغ من العمر 46 عامًا، خلال محاولتهم العودة إلى قريتهم بعد تهجير قسري دام ستة أعوام. الحادثة وقعت عند معبر قطمة في ناحية شران، حيث تم احتجاز ريبر مع زوجته سوزان نعسان وابنتيه. وبعد أسبوع من الاحتجاز، أفرجت الميليشيا عن الزوجة وطفلتيها، في حين لا يزال ريبر محتجزًا بشكل تعسفي.

وفي حادثة أخرى، تعرض المواطن الكردي خوشناف بحري حسن (37 عامًا) للاختطاف في حي المحمودية بمدينة عفرين من قبل ميليشيا الجيش الوطني (الشرطة العسكرية)، واقتيد إلى جهة مجهولة، مما يزيد من قلق الأهالي بشأن مصيره.

كما اختطفت ميليشيا الجيش الوطني (الأمن السياسي) المواطن محمد محمود داوود (39 عامًا)، وهو من أهالي قرية “خلنير” غرب مدينة عفرين، أثناء مراجعته لدائرة المواصلات في المدينة بهدف تسجيل دراجته النارية. وتشير التقارير إلى أن داوود لم يرتكب أي جرم سوى محاولته القيام بإجراءات رسمية.

وفي أعزاز، تعرض الشاب عبد الرحمن محمد من أهالي قرية “زعرة” بناحية بلبل، للاختطاف من قبل نفس الميليشيا. وكان عبد الرحمن قادمًا من مدينة حلب، حيث نزح قسريًا منذ عام 2018. ووفقًا للمعلومات المتوفرة، تطالب الميليشيا بفدية مالية قدرها 7 آلاف دولار أمريكي من ذويه للإفراج عنه.

تشكل هذه الأحداث سلسلة جديدة من الانتهاكات التي يتعرض لها الأكراد في منطقة عفرين، وتسلط الضوء على الوضع الأمني المتدهور وغياب المحاسبة. حيث أن استمرار هذه الانتهاكات يثير قلقًا كبيرًا ونطالب بتدخل عاجل من قبل المنظمات الحقوقية الدولية لوضع حد لهذه الممارسات والانتهاكات المتواصلة.

 مركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا

 

رئيس المجلس الوطني الكردي يعقد لقاء حواري في مدينة قامشلو

عقد رئيس المجلس الوطني الكردي، سليمان أوسو يوم الخميس ٢٢ آب ٢٠٢٤م لقاء حواري في قاعة البارزاني  في مدينة قامشلو حول آخر المستجدات السياسية.

وبحسب “إعلام المجلس الوطني الكردي” حضر اللقاء مجموعة من السياسيين و المثقفين والكتاب والمهتمين بالشأن الكردي.

وبحسب إعلام المجلس “تم النقاش حول المفاوضات بين المجلس الوطني الكردي وأحزاب الوحدة الوطنية و كيفية إبداء المرونة من الطرفين في سبيل إنجاح الحوار”
كما تحدث رئيس المجلس عن “أداء ودور المجلس الوطني في هذا المرحلة و كيفية الاستفادة من الظروف و التطورات في خدمة الشعب الكردي و تكثيف جهود المجلس على الساحة السياسية و الدبلوماسية بما يتناسب مع طموحات و تطلعات شعبنا”

” كرامة الجبلي ”

ماهين شيخاني

في إحدى صباحات الشتاء ، حمل فلاح طاعنٌ في السِّنِّ صرّته الّتي تحتوي بعض الطعام والماء متوجّهاً كعادته إلى أرضه القريبة من حدود الدولة الشمالية ، كان الجو ضبابياً لا يرى المرء دربه على بُعْدِ خمسةِ أمتار أو ربما أقل , جلس ليأخُذَ قِسْطاً من الرّاحةِ بعد أنْ قطع مسافةَ ثلاثَ مِئَة مترٍ, سمع وقعَ خطواتٍ ….حيثُ لا يُسْمَحُ لطائرٍ تخطّيَهُ….فوجئ  بجنديّ بكامل عَتَادِهِ يقتربُ منه رافعاً يديه …مُشيراً بسبابته….ما قصّتُك  يا بني ؟..تحدّثْ…!. وبصوت مخنوق قال له : لا تخف يا عم لا تخف , جئتكم لنجدتي , لإنقاذي , جئتكم لطلب المساعدة فأنا منذ ايام مختبئ مؤشراً بسبابته نحو كومة القش كانت تبدو لهما.

– مساعدة مني أنا , ماذا تقصد , ما هي قصتك يا بني ، تحدث يبدو أنك تجيد لغتنا بطلاقة , ما خطبك , ما الذي جاء بك الى هنا , من المفترض أن تكون في محرسك , أليس كذلك ..؟.

– قتلتُ جنديين ،  وفررتُ لِأنجوَ بنفسي …؟.

– مذهولاً – ماذا …قتل ..؟!. هل تستهزئ بي وأنا في هذا العمر يا ولدي ..!!.

– لا يا عم حاشى أن أستهزأ بكم , أقول لك الصواب , نعم الصواب , لذا أرجوك أنقذ روحي ، أنهم سيقتفون أثري بكل تأكيد , سيلاحقونني , لو قبضوا عليَّ لن أفلت من حكم الإعدام , خُذْ بندقيّتي ومسدّسي لك….وبهما تصرّف ما تشاءُ, فقط ساعدني بالوصول الى “الدولة الشرقية ” هناك لنا أقرباء وأعلم هناك مقاتلون يدافعون عن حقوقنا , سأذهب لأنضم إليهم , رغم اشتياقي لوالدي ووالدتي , صدق من قال : إنّ الحقوقَ تُؤْخَذُ ، ولا تُوْهَبُ.

– تفضل يا بني , , اجلس ..اجلس.. حدّثني عن جنايتك المرتكبة , أكنت – بني – ثملاً أم الطّلقاتُ قد خرجت من فوّهةِ بندقيّتك خطأً.. .؟!…

– …لا  ، لا ..قتلتهما عمداً وعن سابق إصرار ومن كان في وضعي لقتل الفصيلة بالكامل ..؟.لكن بالله عليك لم يعد يتسع الوقت , حتماً سيمشطون المنطقة وسيخترقون الحدود .

– أوف , يا ساتر يا رب ..!!. لم هذا الانتقام ..؟.. لم عرضت نفسك لخطر كهذا , انك عسكري ألم تفكر بنهايتك ..؟!..

– فكرت ياعمي فكرت وحاولت أن أتخلص وأطرد التفكير من ذهني , لكن هيهات , لم استطع نسيان الإهانات , كنت الوحيد الذي لا ينتمي الى قومهم وكانوا يستهزئون بي وحتى , يمنعوني من الأكل معهم وكل الأعمال الشاقة كان على عاتقي والضابط يتعمد إهانتي أمامهم ويقول : هؤلاء خلقهم الله لخدمتنا , كم نحن مسرورون كوننا من أعظم قومية , …وكم من مرّاتٍ دمعتْ عيناي ، وفي قلبي غصّة تؤلمني تخنقني من الوجع , لا حول لي ولا قوة , قدمت طلب نقلي الى مكان آخر , رفض الضابط وقال : أيها السرسري تريد التخلص منا , لن تحلم بذلك وبدأ يشتمني ويشتم قوميتي , أنتم يا سفلة العالم تريدون الانفصال عنا ..؟. سنجعل نساءكم خادمات وصيفاتٍ في بيوتنا وربما نستعملهم لأمور أخرى , أظنك تدري ما هي الأمور الاخرى , ووضع يده بين فخذيه , ….مشيراً إليه كي يخدموا هذا..؟. هل فهمت يا ” جبلي “..؟. والجنود يضحكون وينظرون إلي بازدراء ..

لو كنت موضعي يا عم ماذا تفعل ..؟. أنا على ثقة كنت ستفجر قنبلة بهم جميعاً, لتتطاير ….لتتطاير أشلائهم للجهات الأربع , لكنّ الحظّ أسعف بعضاً منهم, لم أفوت الفرصة حين أتيح لي الجو الضبابي وبقينا أنا والضابط وجندي آخر .

– سالت عبراتُ  العجوزِ على خدّيه ساخنةً ،وهزّ رأسه , ثم انتصب قائلاً :

أذهب وأختبئ في مكانك يا بني وخذ سلاحك معك ربما تحتاجه , كن حذراً , سأرجع للقرية وأخبر الوجهاء عن كيفية خروجك من هذا المأزق قبل أن يفيق أهل القرية , ففي القرية دسّوا بيننا أولاد الحرام من المخبرين والعملاء .

ثم أخذ العم طريقه نحو القرية بخطوات جاهدة سريعة ليخبر المختار ويستشيره أولاً , حيث كان هو الوحيد الذي يملك هاتفاً مرخّصاً له من الحكومة الّتي لا تسلّمه إلّا لمن يكون عميلاً لها ؛ أو يدفع مبلغاً مغرياً ، به يُرضي رئيس المفرزة فيسيل لعابه لقاء حصوله على هاتفٍ..

دق باب المختار بعصاه , حتى سمع من الطرف الآخر للباب ..؟!.من الطارق ..؟.
أنأ عمك أبو عبدو , نادي المختار , هناك أمر جلل .
حسناً عمي , أذهب للمضافة حتى يحضر والدي .

بعد لحظات دخل المختار :

اللَّهُمَّ اجعله خيراً ..ما الّذي جعلك تأتينا هذا الصّباح أبا سالار..؟! ..
أهدأ يا مختار …لنفكّر سويّاً وبِتَرَوٍّ في المصيبة الّتي حلّتْ بأهل قريتنا, هناك جندي هارب من ” الدولة الشمالية ” والتجأ إلينا يطلب المساعدة وإيصاله الى حدود ” الدولة الشرقية ” . وسرد له الحكاية بالتفصيل وقال :

يا مختار ..هذا ليس رجلاً عادياً ، أو قاتلاً كما تظنّ …إنّه – بحقّ – بطلٌ وأمثاله قِلّةٌ , دافع عن شرفنا وكرامتنا .

سحب المختار من جيبه كيس تبغه , اقتطع وريقةً من ورق الشّام ، وأخرج نُتْفَةً من التّبغ ، وجعل منها لِفافةَ تبغٍ , ساده الصّمتُ برهةً , وهو يفكر بهذه المشكلة , ثم التفت اليه وقال :

أتريد أن نحرق القرية من أجل فردٍ لانعرف – كما يقالُ – صلعةَ أبيه من أين..؟!. صحيح علينا مساعدة الملهوف والدخيل وهي من شيمنا وأعرافنا , لكن أمام العشائر أما أمام الدول والحكومات ليس بمقدورنا , ليس بإمكاننا استقبال قاتل بيننا ولا حتى الاقتراب من القرية , سيجلب لنا الويل وسنتعفن داخل السجون ولا أحد يتجرأ الاقتراب من قضيتنا لإنقاذنا , لأنّنا بذلك نكون شركاء القاتل , وربما يهجمون علينا في ليلة ظلماء ويقضون على كل من في القرية , وقد سمعت ما حصل في قرية ” جرنك” القريبة من قامشلو .

– يا مختار إنه ابن جلدتنا وليس من عاداتنا أن نطرد الدخيل علينا , إغاثة الملهوف واجبنا حتى لو كان عدونا ، لن يظل طويلاً سنستأجر له سيارة وأنا سأناصفك ثمن الأجرة ، حرام أن نترك هذا الشاب الذي دافع عن عرضنا, ستكون وصمة عار على جبيننا , سيلفظنا التاريخ وضميرنا سيؤنّبنا ما حُيِيْنَا ويلاحق العار أحفاد أحفادنا .

– أو تُعَلّمني واجبي؟!. لا نستطيع – أبا سالار – تقديمَ المساعدةِ إلى أحدٍ … اِفهمني جيّداً..افهمني جيّداً…! لو استقبلناه سيصل الخبر الى الجهات المعنية وهذا ليس من مصلحة الشاب , أذهب حالاً عليه أن يتوارى من المنطقة الحدودية ويتوجه الى قرى بعيدة عن الحدود و عن الأنظار, حتى أثار بوطه يجب ان لا يمس أراضي القرية , بلغه ليتخذ مجرى الوادي كي لا يلمحه أحد ويبتعد , ربما يساعده القدر بالحياة في منطقة ما أو يصل إلى أحد من أقربائه

– هو منهك ومنهار يحتاجنا , وحالته النّفسيّة يُرْثَى لها ..ليختبئ عندنا ليرتاح يوماً واحداً علّ الله يهدينا إلى وسيلة أخرى لإنقاذِهِ.

– غير ممكن , مستحيل , قم …تحرك وأسرع الخطا قبل فوات الأوان..!.

رجع العجوز حائراً يسحب خلفه أذيال الخيبة , حاملاً معه بعض الألبسة العتيقة لتبديل مظهر الشاب , خرج الجنديّ بلهفةٍ من مخبئه وتوجه إليه : تأخرت كثيراً  طمني يا عم …؟. قمح أم شعير .

يا بني أعتذر إليك ، فأنا منك خَجِلٌ ..قرّر المختار منعَ دخولك إلى القرية بحجّة أنّ هناك مخبرين بيننا, وهناك اتفاقيات أمنية بين طرفي حدود الدولتين الشمالية والغربية يسمح بملاحقة المجرمين وأنت في حكم القاتل .
أممم …حسناً , لن أثقل عليكم ولا أرضى أنْ يُساءَ إليكم من أجلي, بضع دقائق فقط , أخذ غفوة وأغمض عيني لا أكثر يا عم ..؟.
تنهد وقال : ليت بيتي كان على أطراف القرية , اتبعني يا ولدي اتبعني لأدلك على الوادي الذي عليك أن تسلكه حتى تصل الى أحدى القرى البعيدة من هنا .

أخذا يسيران في جوف الوادي الذي يمر من أطراف القرية ودموع العمّ تسيلُ على خدّيه غزيرةً لخذلان الدخيل وعدم قدرته الإيواء , بعد مسافة لا بأس بها , استودعه , ضمه الى حضنه كمن يحضن ولده المسافر الى مصير مجهول  وجلس وحدَهُ ، وعيناه ترقبان الدّربَ الذي سلكه الشاب حاملاً أشياءه على ظهره .ومن حين إلى حين يرفع بصره إلى السّماء ، و يلتفت وراءه ، وبعد لحظاتٍ, وصل حيث كان يسير داخل نهير صغير جاف يمر بقرب قرية أخرى وهناك هاجمته كلاب الرّاعي ، وسقط أرضاً ، فأخرج مسدّسه فلقّمه ثمّ أعاده وهو منهك وجائع ، انتبه الراعي الصغير مع صديقه وهما لا يتجاوزان الاثني عشر عاماً. الى شخص مجهول يرفع يده اليهما ويلوح بأن يقتربا منه , أبعدا الكلاب عنه لكنهما خائفان  من الاقتراب منه حتى لاح شروق الشمس وإذ بشخصين يخرجان من القرية للذهاب إلى البلد سيراً على الأقدام كالعادة للتسوق وكان أحدهما والد الراعي الصغير, ركض مسرعاً ونادى والده وأخبره بأنّ هناك شخصاً في الوادي لا يستطيع التحرك لكنّه يشير بيديه إلى المساعدة , اسرعا الرجلان الخطى الى الوادي وطالبا من الشاب أن يضع كيسه جانباً تحسّباً لطارئ ما وتحدثا معه باللغة العربية والكوردية , لم يتكلم كان صامتاً ومنهاراً , أخذ الرجل القروي يفتش كيسه فوجد رشاشاً مفككاً والألبسة العسكرية , التفت الى الشاب وقال :

– عسكري …ما خطبك ..؟. قل لنا ماذا جرى لك..؟.. تكلم نحن كورد وإذا تجيد اللغة العربية سنتحدث معك باللغة التي تفهمها , ماذا حصل لك ..؟.

– نطق الشاب بصوت خافت , أنا كوردي من منطقة وان ولغتي كوردية , لم أذق – ومنذ خمسة أيّام – الطّعامَ ، فأنا جائعٌ .

– من ولاية وان ..؟. كيف وصلت الى هنا ..؟!..

– القدر ..؟!.

– أرسل الرجل صغيره لجلب الطعام من البيت , واخبره في حال رآك أحد ما , قل له أن والدي خرج بلا فطور وسآخذ له الطعام .

كان يستمعان إلى قصّة الشّاب في خوفٍ وذهولٍ وأحدهما قام بجمعِ القطع المفككة للرشاش وتركيبها , ليبدي للشاب بان له خبره بالسلاح ويستعرض قدرته المعرفية العسكرية , ثم وضع مخزن الرصاص جانباً بعد أن جهز الرشاش.

– لحظات وإذ بالطعام وصل ..؟.

– أخذ الشاب العسكري يأكل الطّعام بنهمٍ, وهم ينظرون الى بعضهم وعلى وجوههم مسحة حزن , كان الصّغيران واقفين والقروي كان أصبعه على الزناد وإذ برصاصة أخرجت كادت تودي بحياة الرّاعي الصّغير, خرجت القرية عن بكرة أبيها لدى سماع الطلقة ومن بينهم مختار القرية وسارعا نحو الصوت .

– تقدمهم المختار وحين رأى السلاح , نادى : ماذا حصل وما خطبكم ومن هذا الشاب الغريب معكم ..؟!.

– لنساعده ونأخذه للمضافة وهناك سأسرد لكم حكايته يا مختار ..؟.

– حسناً …حسناً , لينصرفُ كلُّ واحدٍ منكم إلى بيته..وأنتما والشاب رافقوني إلى المضافة وعندما سمع بحكايته , التفت الى القروي وقال :

– لقد سببت لنا مشكلة بإطلاق الرصاصة , لقد جمعت القرية كلها بتصرفك وعلينا أن نرسله فوراً الى مكان آمن والتفت الى الشاب وقال :

– بني اسمعني جيداً , أولئك الذين هربت منهم خبزهم وملحهم على ركبهم ” Nan û xwêya wan li ser çokên wan e ” بإمكاننا أن نوصلك الى الضفة الثانية من نهر دجلة أو الى لبنان هناك معسكرات كوردية للتدريب , وبإمكاني أن أساعدك بإخراج قيد أجنبي أو ورقة مكتوم القيد لك , فكر جيداً فالوقت يداهمنا ..؟.

لكن سرعان ما وصل الخبر الى الجهات الأمنية , ما هي إلا لحظات حتى جاءت دورية , داهموا المضافة , حتّى جاءت دوريةٌ مسرعة دهمتِ المضافة ، فوقف أفرادها على رأس الشّابّ ، وبندقيّتهم مصوّبة إليه.

استشاط غضباً ، وكاد دمه ينبجسُ من عروقه ، فنقّل بصرهُ في وجوههم  ، ونظر بازدراء إلى المختار والرّجال ، فقال: بإمكاني الدفاع عن نفسي وافراغ مخزني المليء بالطلقات , لكن الى حد ما أعلم أنّ للفارّ من الظّلم حقوقاً ، وبخاصّة اني التجأت الى بني جلدتني , كل ما ارجوه منكم عدم تسليمي للدولة الشمالية .

رد أحد رجال المداهمة : ضع سلاحك جانباً ولا تخف , بعض الإجراءات الروتينية وسنخلي سبيلك حالاً..؟.

تقدم جنديان , كبلاه واقتادوه إلى السيارة العسكرية , تمعّن في النّظر إلى هيئة المختار  والذي ذُهل من المباغتة , خزنها في ذاكرته الى أن تحركت السيارة وتركت خلفها غباراً حتّى توارت عن الأنظار.

بعد دقائق أنزلوه مقيداً وإذ هو أمام البوابة الفاصلة بين الدولتين , اتصلوا بالجهات المعنية لاستلامه , فتح الباب بين الدولتين بعد أن رفع الحاجز الحديدي تقدم مجموعة من الجنود من الجهة الشمالية , نظر إليهم بذهول , عرفهم من لباسهم , التفت الى من طمأنه وقال :

أهذه هي الاجراءات الروتينية التي وعدتموني بها يا عديمي الضّمير والإنسانيّة ..؟!!..
لم يكترث به أحدٌ…, حيا الطرفان بعضهما , ووقعا على محضر تسليمه , ثمّ أداروا ظهورهم ، وبعد ابتعادهم عن البوّابة الفاصلة بضعة أمتارٍ سمعوا رشقاتٍ متتابعة من بندقيّاتهم .

20/8/2024

 

إصدار جديد للدكتور طارق جوهر: “الإعلام والمرشح خلال الحملة الانتخابية”…

صدر حديثًا عن الدكتور طارق جوهر، الكاتب والباحث والمستشار الإعلامي لرئاسة برلمان إقليم كردستان، كتاب جديد بعنوان “الإعلام والمرشح خلال الحملة الانتخابية”. يهدف الكتاب إلى تقديم نصائح وإرشادات لمرشحي الانتخابات حول كيفية استغلال الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي لتحقيق النجاح في حملاتهم الانتخابية والوصول إلى مناصب رفيعة في الدولة.

أوضح الدكتور جوهر في منشور عبر مواقع التواصل الاجتماعي أن “الكتاب طبع بتمويل من رئاسة الديوان بمركز الدراسات في برلمان كردستان، وسيكون متاحًا للجمهور قريبًا”.

وأضاف أن “الكتاب بمثابة خريطة طريق للمرشحين الساعين وراء النجاح والتوفيق في الحملات الدعائية وتسخير الموارد الإعلامية القديمة والمعاصرة كي يظهر في وسائل الإعلام بمظهر الناجح والمقتدر على الظهور الإعلامي وطريقة التعاطي معه”.

وأوضح أنه “يمثل دليلا وافيا للمرشح لفهم أهمية استخدام لغة الجسد وتسويق خطاب الجهات السياسية والمرشحين ومواقفهم العامة ورفع قدرة المخاطبة والخطاب عند الذين يرنون إلى نيل منصب تشريعي أو سياسي أو حزبي أو حكومي عبر الانتخابات، الأمر الذي يقعون (المرشح) بسببه يوميا في دائرة السؤال والنقد الجماهيري والإعلامي”.

ويقع الكتاب في 276 صفحة وستة فصول، إذ يختص الفصل الأول منه بخطط الحملة الانتخابية واستراتيجياتها وأبعادها، وفيما خصص الفصل الثاني منه لدور الإعلام في الحملة الانتخابية وسبل تعامل المرشحين مع وسائل الإعلام أثناء المقابلات، يتحدث فصله الثالث عن التسويق السياسي والفصل الرابع عن دور شبكات التواصل الاجتماعي وتأثيرها على الديمقراطية والانتخابات والخامس عن فن الخطابة وكسر الرهبة عند المرشح ليغدو خطيبا ناجحا أمام عدسات الكاميرا والجماهير.

أما الفصل السادس والأخير في كتاب (الإعلام والمرشح خلال الحملة الانتخابية)، فيركز على أهمية لغة الجسد للقادة السياسيين والمرشحين أثناء ظهورهم في الإعلام وخلال حضورهم التجمعات العامة والندوات.

“أرملة من الجليل”، سيرة ذاتيّة تتحدّى النّسيان وتحتفي بالحياة

صباح بشير

عن دار يافا العلمية الحديثة (2023) صدرت رواية السّيرة الذّاتية “أرملة من الجليل” للكاتب محمد بكريّة، وتقع في مئة وسبعٍ وثمانين صفحة، مقسّمة على خمسة فصول.

السيرة الذاتيّة هي مرآة عاكسة لحياة الفرد، ترسم صورة واقعيّة لحياته، بدءًا من الأفراح وانتهاءً بالأحزان، وهي بمثابة شهادة صادقة يقدّمها عن نفسه، يسجّل فيها ما مرّ به من تجارب وأحاسيس.

 

من الذّاكرة إلى السّرد، رحلة في أعماق الذّات والمجتمع:

ينسج هذا العمل خيطًا رفيعًا يربط بين الذّات والمجتمع والمكان، حيث تتقاطع الذّاكرة الفرديّة مع الذّاكرة الجماعيّة في لوحة متشابكة تشكّل صورة بانوراميّة للحياة.

يروي السّارد حكاية أسرته على خلفيّة تاريخيّة واجتماعيّة متغيّرة، فتتداخل الذّكريات مع الأحداث الّتي شهدها المجتمع، ليتحوّل النّصّ إلى سيرة تعكس روح الزّمان والمكان، وإلى رؤية شخصيّة عن المجتمع الّذي نشأ فيه الكاتب.

في هذا التّناغم، تتجلّى قوة الكلمة في قدرتها على ربط الأجيال وتوثيق الأحداث، وتتجلّى أيضا قدرة الأدب على تجاوز حدود الذّات الفرديّة، وتصوير تجارب وأحلام وآمال الجماعة، فهو نافذة تطلّ على عالم متشابك من العلاقات والتّأثيرات المتبادلة.

يستهلّ بكريّة نصّه بتأكيد قاطع على قوّة ذاكرته، مستبعدًا أيّ احتمال للنّسيان، خاصّة في ظلّ الأحداث الّتي مرّ بها، يعتبر الذّاكرة جزءًا لا يتجزّأ من هوّيته، ورابطًا حيّويًا بين الماضي والحاضر والمستقبل، يستخدم تشبيهًا قويًّا ليوضّح هذه العّلاقة، فيشبّه الذّاكرة بالطّفل الّذي يتمسك بأمّه، والأمّ الّتي لا تتخلّى عن طفلها، مؤكّدا أنّ الذّاكرة ليست مجرّد مستودع للأحداث، بل هي رفيقة دائمة يستأنس بها ويستدعيها وقتما يشاء، سواء في اليقظة أو المنام، ويظهر ذلك واضحا في قوله: “أمسك بمعصمها وألوذُ بها إلى أيّ مكان” (ص 7).

هذا التّعبير المجازيّ يعكس مدى الألفة والتّقارب بين الكاتب وذاكرته، فهذه الفقرة الافتتاحيّة توضّح أهميّة الذّاكرة في حياته، ودورها في تشكيل هويّته وتوجيه مساره، فهي مستودع تجاربه، بها نحفظ قصص الأجداد، وهي الخيط الّذي يجمعنا بأحفادنا، وبوصلتنا الّتي تدلنا على الطّريق، ففي كلّ ذكرى نستعيدها ننقل قيمنا وتقاليدنا، ونزرع في نفوس الأجيال القادمة حبّ الأرض والانتماء إليها، نؤكّد على وجودنا وهويّتنا، ونبني جيلًا واعٍ بتاريخه وماضيه.

في هذا السياق، قرأ كلّ من محمود درويش وإدوارد سعيد واقعهما السياسيّ والإنسانيّ في مرآة الآخر، التقيا على أرضية الذّاكرة والتّاريخ، فبينما رسم درويش معاناة الإنسان في مواجهة واقعه، ناقش سعيد القضيّة بروح إنسانيّة، وقد أدرك كلّ منهما أنّ صراعنا مع الآخر ليس سوى حرب ذاكرة.

أمّا غسّان كنفاني، فجعل من الذّاكرة محورًا أساسيًا في أعماله، مؤكّدًا على دورها في مقاومة النّسيان والحفاظ على الهويّة، في حين اعتبرها سميح القاسم سلاحًا لمواجهة محاولات طمس الهويّة والتّاريخ.

أمّا مقولة الكاتب الرّاحل سلمان ناطور، فتختصر أهميّة الذاكرة الفلسطينيّة، وضرورة الحفاظ عليها؛ لمنع الغياب والتّغييب، حيث قال: “ستأكلنا الضّباع إن بقينا بلا ذاكرة”.

لم يتوانَ هؤلاء الأدباء عن استخدامها كوسيلة للتّعبير عن واقعنا، فكانت بالنّسبة لهم بمثابة الجسر الذي يربط بين الماضي والحاضر، وبين الأجيال المتعاقبة.

ينتقل بنا الكاتب إلى طفولته مع والدته الأرملة وإخوته، فالنوستالجيا عنده ليست مجرّد ذكرى، بل هي حالة عاطفيّة عميقة ترافقه في كلّ خطوة، يستعرضُ تفاصيل بيت الطّفولة البسيط، حيث تجسّدت قيمة الأسرة في أبسط صورها، وساد الحبّ في كلّ ركن من أركانه، على الرّغم من آلام الفقد المبكّر، يسرد أحداثاً فارقة في حياته، ويصف المشاعر الّتي رافقتها، ويحلّل الدّروس الّتي تعلّمها منها.

 الخوف كموتيف أدبيّ، رحلة داخل النّفس:

يتجسّد الخوف كموتيف أدبيّ في هذا العمل بعدّة مستويات، فهو يظهر بوضوح في تجربة الأمّ بعد وفاة زوجها، حيث عاشت في قلق دائم من فقدان أبنائها أو تعرّضهم للأذى، خاصّة في ظلّ الظّروف الصّعبة الّتي عاشوها.

عكس هذا الخوف تأثير هذه الظّروف على نفسية الأفراد وتصرّفاتهم، كما سلّط الضّوء على قوّة الأم وقدرتها على التغلّب على مخاوفها من أجل حماية أبنائها وتوفير حياة كريمة لهم.

يكتب (ص 74): “الخوف أحيانا يثأر من نفسه، ومن شدّته يتحوّل إلى مخزون قوّة، فالخائف المتحوّل إلى قويّ، لا يلتفت إلى الخلف، ولا يحاول تقليب مواضع خوفه من جديد. هكذا نجحت أمي في ترويض مخاوفها حتّى زأرت كالأسد”.

كما لاحق الخوف السّارد كظلٍّ عنيدٍ، منذ بواكير حياته وحتّى بعد أن بلغ أشده. كان خوفه على والدته انعكاسا لمخاوفه العميقة، فبعد أن تيتّم بوفاة والده، عاش في رعب دائم من فقدانها هي الأخرى، وعندما غادرت الدّنيا، رحمها الله، تركت في نفسه جرحا لا يندمل.

لقد ظلّ شبح الخوف من فقدان أمه يلاحقه حتّى في أحلامه، كان يراوده كابوس مزعج، وصفه بالتّفصيل بين الصّفحات (56 الى 59).

ذلك الكابوس كان إشارة واضحة لخوفه من غيابها، فهي بالنّسبة له لم تكن مجرّد أم، بل كانت الوطن والأمان والحضن الدّافئ، تحمّلت كلّ الصّعاب وتعبت وضحّت؛ لأجل تربية أبنائها دون كلل.

يقول (ص 103): “ذات الكابوس لم يفارقني منذ طفولتي إلى أن بلغت رشدي، تساءلت، لماذا يتردّد عليّ هذا الكابوس في منامي من فترة إلى أخرى؟ فأدركت أن خوفا شديداً أصابني في صغري، وترك أثره عليّ إلى يومنا هذا، مع تراجع حدّة الخوف”.

في عالم الأدب وفي السّيرة الذاتيّة تحديدا، عندما يتحوّل الخوف إلى “موتيف” متكرّر، فإنّه يتجاوز كونه مجرّد شعور عابر؛ ليصبح نافذة نطلّ منها على أعماق شخصية الكاتب وتجربته الحياتيّة.

في هذا النّصّ، يتحوّل الخوف إلى خيط رفيع يربط بين مختلف مراحل حياة الكاتب، يكشف عن تحوّلاته وتطوّره، يستخدمه كأداة للتّنقيب في أعماق نفسه، لفهم دوافعه ومخاوفه وكشف أسرار شخصيّته، الّتي ربّما، لم يكن مدركا لها في مرحلة مبكّرة من حياته.

يبدأ السّرد منذ عام (1976م)، حين يصف استشهاد جابر الطحان في القرية، في منطقة “المراح” خلال أحداث يوم الأرض، حيث ملأ الصّراخ والنّحيب فراغ اللّيل الّذي تضوّعت منه رائحة الموت.

يصف خوفه قائلاً (ص 18): “كان الرّعب من الموت يعشعش فينا؛ لدرجة كنت وشقيقي محمود، نخاف الذّهاب إلى الحمّام الخارجيّ في ساعات المساء، حين يخيّم الظّلام على الحيّ والقرية”.

“كنّا نخاف من الموت، حتّى من الحديث عنه، أمّا ذكر اسم الميت فكان مبعثا للهلع والرّعب، فالحديث عن الموت كفيل أن يبقيَنا في حالة نفسيّة سيئة للغاية”.

يتابع السّارد حديثه عن الخوف بعينيّ طفل بريء، لا يشعر بالأمان بسبب الظّروف المحيطة به.

تتّضح آثار تلك التّجارب المؤلمة على روحه، لتغدو فكرة الموت شبحا يطارده في كلّ زاوية، يؤرّق منامه ويقضّ مضجعه، فلطالما ارتسمت في مخيّلته على جدران الغرفة حيث ينام، أشكال وظلال من الضّوء الخافت، تتراقص على الجدران والسّقف، وتتحوّل في خياله إلى أشباح تترصّده، فتزداد نبضات قلبه رعبا وهلعا.

يكتب أيضا (ص 19): “كنت أعزّز التصاقي بالوالدة، الّتي كانت تنام على فراشها بجانبي”.

أمّا الأمّ فكان خوفها على أولادها العشرة واضحا، يتعاظم مع تقدّمها في السّن، أصبحت تخشى الوحدة، وتناشد أبناءها ألا يتركوها وحيدة، فهم بالنّسبة لها الملاذ الوحيد في هذه الحياة.

تقول (ص 63): “يمّة خليك حدي”.

يقول بكريّه (ص 63): “اعتقدنا أنّ خوفها مصطنع، لاحقاً أدركنا أنّ هذا الخوف حقيقيّ، يشعر به كبار السّنّ في خريف أيّامهم، حيث تسيطر عليهم فكرة الفراق والموت، الخوف في هذه المرحلة معروف وغير مبتذل”.

يكتب: “ما أبسط أمنيات العجائز، كأمنيات الأطفال طاهرة نقيّة، فهي لم تبغ شيئا من الدّنيا سوى منحها شعوراً بأنّها عنصر هامّ في هذا المحيط” (ص 51).

يقول أيضا: “كنت أظنّ أنّ المرض الجسديّ، هو أصعب ما يبتلى به الإنسان، لكنّني أنكر ذلك الآن، بعد التّجربة المرّة الّتي عاشتها أمّي مع الخوف، الخوف من الغامض، الخوف من الموت، الخوف من الوحدة، الخوف من أمر نجهله” (ص 46).

أمّا آثار التربيّة الخاطئة الّتي تعرّض لها الكاتب في طفولته؛ فظلت تلاحقه تاركة أثرا عميقا على نفسيّته، يكتب (ص 106):

“أعلم أنّ الوالدة لم تقصد ترهيبي ولا تعذيبي، فوالدتي كانت أميّةً لا تفقه أيّ شيء في علم النّفس وأساليب التربيّة الحديثة، لهذا جهلت تبعات تهديدها لي باختلاق الحكايات المخيفة، على سبيل المثال: “روح نام قبل ما يجيك أبو وجه مسلوخ” أو “أسكت قبل ما يجينا خطّاف الأطفال”.

“حينها أندسّ في فراشي، وأطمر وجهي بالغطاء، وأنا ألهث من الخوف”. (ص 107).

على صعيد الأحداث العامّة الّتي سادت، يصف الكاتب (ص 27) كيف شهدت قرى عرّابة وسخنين ودير حنّا، أيّاما عصيبة، حيث كانت المواجهات تتكرّر وتخلّف وراءها الشّهداء والمسيرات الحاشدة، الّتي تنطلق وتهتف بالشّعارات الوطنيّة، لتؤكّد على أنّ الارض موطن ووطن، هويّة وكيان.

كان مصطفى، شقيق الكاتب، قلبا ثائرا ينبض بحماس الشّباب المتمرّد، وكان عليّ شقيقه الآخر، عمود المنزل ورفيق والدته في تحمّل أعباء الحياة بعد رحيل الأب عام ثمانية وستين، حاولت العائلة الاعتماد على الزراعة لتوفير لقمة العيش، لكن حادثة تدمير المحاصيل ألقت بظلالها الكئيبة على حياتهم، وزادت من معاناتهم. تلك الحادثة أثرّت في طفله الدّاخليّ وزادت من خوفه، خاصّة حين سمع صراخ أهل البيت يتعالى في فضاء الحي.

يكتب (ص 35): “كان ردّي الطّبيعيّ أن التقطت طرف جلباب الوالدة، تمسكّت بساقها وانفجرت باكيا، خوفا لا حزنا، بكاء المذعور الّذي يشعر أن زلزالا قادما لا محالة، وفرص النّجاة معدومة”.

هناك حزنٌ يتسرّب من بين السّطور، يغمر القارئ بحنينٍ مؤرّقٍ، كنسيمٍ يحمل عبق ذكرياتٍ أليمة، واشتياقٍ إلى زمن مضى، وأرواح غابت، تتردّد سيرتها بين ثنايا السّطور؛ كأنينٍ مكتومٍ.

 

 أسلوب الكاتب، والتّأثير الفنّيّ:

يتّبع الكاتب أسلوبًا انفعاليًّا يشدّ القارئ، محدثًا فيه تأثيرات عميقة ومستمرّة؛ ليعكس حالة من التّساؤل والبحث عن الحقيقة، موظّفا أسلوب السّرد الدّاخليّ للكشف عن أفكاره ومشاعره بوضوح.

أمّا اللّغة، فاستُخدمت كأداة تجمع الواقع بالماضي والحاضر، والحزن والفرح، التقى الكاتب من خلالها بطفله الدّاخليّ الّذي كان، وبأحلامه الّتي راودته، ومشاعره الّتي أحسّ بها، وكأنّها حبلاً يمتدّ عبر الزّمن، يربط بين مختلف أطوار حياته، ويصالحه مع ذاته.

كانت نسيجًا من العمق والمعنى، حيث نسجت الكلمات الإيحائيّة خيوطًا من الدّلالات الفلسفيّة؛ لتدفع بالقارئ إلى رحلة تأمليّة في أعماق النّصّ، الّذي تنوّعت فيه المشاعر، لتلامس أعماق النّفس البشريّة، فمن الحيّرة والقلق، إلى الصّبر والأمل، إلى البحث عن الذّات والتّصالح مع الحياة.

 

  التّصنيف الأدبيّ:

الرّواية والسّيرة الذاتيّة هما نوعان أدبيّان لهما خصائص متميّزة، لكنّهما يتقاطعان في بعض الأحيان، ممّا يثير التّساؤلات حول تصنيف الأعمال الأدبيّة الّتي تجمع بينهما.

الرّواية هي شكل أدبيّ سرديّ يتضمّن أحداثًا وشخصيّات خياليّة، وهي مفتوحة على التّأويل والتّفسير، والكاتب في الرّواية يتمتّع بقدر كبير من الحريّة في صياغة الأحداث والشّخوص وتطوير الحبكة.

أمّا السّيرة الذاتيّة فهي تحكي قصّة حياة شخص حقيقيّ، ولكن باستخدام تقنيّات سرديّة روائيّة مثل الوصف، الحوار، الفلاش باك، والرّمزيّة، وغيرها، وذلك لتقديم سردٍ جذّابٍ ومثيرٍ للاهتمام لحياة الشّخص، مع التّركيز على الجوانب الإنسانيّة والنّفسيّة.

هي شكل أدبيّ يجمع بين سحر السّرد وعمق السّيرة، وتمثّل تحدّيًا مثيرًا للنّقاد والكتاب على حدّ سواء.

لقد عرّفها “فيليب لوجون” على أنّها استعادة نثريّة يقوم بها شخص يحكي عن نفسه وواقعه وحياته.

إذن، فالرّواية تعتمد على الخيال، بينما السّيرة ترتكز على وقائع حقيقيّة، حتّى وإن خضعت لعمليات سرديّة وتجميليّة، وكاتب الرّواية يتمتّع بحريّة أكبر في تشكيل الأحداث والشخصيّات، بينما كاتب السّيرة مقيّد بحدود الواقع والحقيقة.

أرى أنّ تصنيف عمل “أرملة من الجليل” كسيرة ذاتيّة، لا رواية، هو التّصنيف الأنسب، الّذي كان يجب وضعه على الغلاف؛ وذلك لارتباطه الوثيق بوقائع حياة الكاتب وتجربته الشخصيّة الحقيقيّة، على الرّغم من العناصر السرديّة المتوفّرة فيه، وعلى الرّغم من وجود بعض السّرد الغيريّ المتعلّق بالأمّ، لكن.. يبقى هذا التّصنيف، هو الأدقّ والأكثر ملائمة للنّصّ.

 

 الذّكريات والزّمن، ورحلة السّرد:

في هذا العمل، يمتدّ السّرد منذ عام (1976م) وحتّى اليوم، وهذا يعني أنّنا أمام رحلة زمنيّة طويلة، شهد فيها المجتمع تحوّلات سياسيّة واجتماعيّة جذريّة، ليغدو الزّمن أداة للتأمّل في تلك التغيّرات العميقة، وتأثيراتها على حياة النّاس.

على مستوى الجغرافيا المتغيّرة، يذكر السّرد أماكن مختلفة، يرصد من خلالها أثر الزّمان وتأثير الأحداث عليها، كما يواكب أجيالًا متعاقبة، لكلّ منها تجربتها الخاصّة، ما يبرز التنوّع والتباين في الرّؤى والتطلّعات، في ظلّ الظّروف المتغيّرة.

يغوص بكريّة في أعماق ذاكرته، لاستعادة الماضي وصياغة سلسلة متماسكة من المشاهد الحيّة، الّتي تسودها الألفة والأجواء الدّافئة، فيذكّرنا بالأرض الخصبة، وبأجدادنا وهم يكدحون في حقولهم، يحصدون ثمار تعبهم بوجوه مشرقة، ليبعث فينا الحنين إلى زمنٍ بسيطٍ مضى، كان فيه الحبّ أصدق، والعلاقات أعمق.

تحتفي الصّفحات (69- 73) بقدوم تشرين، موسم زراعة أشتال الدخان والبندورة في البستان الواسع أمام البيت.

كان هذا الموسم مناسبة لتكاتف العائلة، فكبارها وصغارها يشاركون في فلاحة الأرض، متّحدين في سبيل تحقيق هدف واحد.

أمّا شعور الفقد فقد ظلّ يلازم الكاتب، فكلما شاهد أبًا وابنه معًا، أحسّ بحنين عميق إلى حضن أبيه، كانت تلك اللّحظات مؤلمة ومحرجة في آن واحد، فيشعر وكأنّه غريب في عالمه الخاصّ.

في شيخوختها، كانت الأمّ تجد سعادتها في قضاء الوقت مع ابنائها، تستعيد ذكريات الماضي المرير، الّذي سطّرت فيه بطولات الأرملة الوفيّة المكافحة.

كانت متعتها أن تحكي قصصًا ترويها بفخر المنتصر على الدّنيا وقسوتها، في ظروف بدا فيها النّجاح مستحيلاً، والفشل يتربّص بها كذئب مفترس.

 

 الأرملة، تجسّد قوّة المرأة الفلسطينيّة وصمودها:

يروي الكاتب حادثة الجنديّ الذي طردته أمّه من أمام بيتها بصلابة وشجاعة، ويتساءل (ص78): “هل كانت أمّي قويّة بطبعها؟ أم أنّ الظّروف العصيبة هي من خلقت فيها تلك القوّة؟”.

“سألت نفسي: كيف لامرأة شابّة جميلة، كانت تعيش حياة مريحة وآمنة لدى أبويها أن تمتاز بهذه القوّة؟”.

الحديث عن أرملة كالكثير من أرامل بلادنا، وَجدَت نفسها ترعى الأيتام دون معيل، إنّه صراع البقاء تماما كما جاء في مسرحية شكسبير مع اختلاف السّياقين “إمّا أن تكون أو لا تكون”.

إنّ قصّة هذه الأرملة، هي قصّة صراع من أجل البقاء، قصّة تظهر مدى قوّة المرأة الفلسطينيّة وقدرتها على التكيّف مع أصعب الظّروف، فتاريخنا حافل بقصص نساء صُنعن من صلابة الصّخر، وقوّة الإيمان، قاومن بكلّ ما أوتين من قوّة، وحافظن على هويّتهن وعروبتهن.

يقول بكريّة: هذه هي الورود الّتي أحبّها حدّ الثمّالة، أليست شبيهة بأرامل بلادي؟ الصّابرات، المحصّنات، العفيفات، المؤمنات، الرّاضيات، الطّاهرات، التّقيّات؟ النّقيّات؟ أليست شبيهةً بأمّي؟ (ص 164).

 

 الوجوديّة، وفلسفة الحياة والموت:

يتبنّى هذا العمل “الوجوديّة” في تأكيده على فرديّة التّجربة الإنسانيّة، وعلى أهميّة القلق الوجوديّ في تشكيل هويّة الفرد، يطرح الأسئلة الجوهريّة حول معنى الحياة والموت والحريّة والذّات الإنسانيّة، يدعو المتلقّي إلى التوقّف والتأمّل في الأسئلة الكبرى الّتي شغلت البشريّة منذ الأزل، وإلى إعادة اكتشاف ذاته والعالم من حوله بعين جديدة، يصوّر صراع الإنسان الدّائم مع الحياة، مركّزا على شخصية الأمّ، وكفاحها من أجل إيجاد معنى لحياتها في عالم مليء بالتحدّيات.

يقول الكاتب عن الموت (ص 64 -65): “كم استنزف تفكيري كي أعرف مكنوناته وخباياه، كم بحثت في النّصوص الدّينيّة وقرأت فصولا كثيرة في فلسفة الحياة والموت، لأعرف ماذا يخبئ لبني البشر، هل الموت يعني حياة أخرى لا نعرفها؟ لِمَ نلهثُ خلف حياة فانية؟ ولِمَ يجب أن نعمّر البلاد ونظلم العباد؟ لِمَ الحروب؟ ولِمَ خلقنا الله؟ استغفر الله، وماذا بعد الحياة؟ هل الموت موحش؟ هل الموت تبديل عوالم؟ أم فناء وهباء أبدي؟”.

هذه الأسئلة الفلسفيّة الّتي كانت تحطّ رحالها في مخيّلة الكاتب ووجدان، هي جوهر الأدب الكفكاوي، فهي تتناول صراع الحياة؛ لمحاولة فهم سيرورة هذا العالم، الّذي يشغل الموت فيه حيزًّا كبيرًا.

كما اتّسم النّصّ بالتأمّل العميق للأفكار المجرّدة والمعقّدة المتعلّقة بالحياة والموت والمعنى من الوجود، ويبدو أنّ الكاتب قد استغرق تمامًا في عالم كافكا الأدبيّ، حيث تتردّد أصداء أفكاره في تساؤلاته الوجوديّة، ليعبّر عن حيرته وقلقه إزاء هذه الأسئلة الكونيّة، وغموض الحياة.

كما استخدم أيضا التّداعي الذهنيّ؛ لوصف تجربة الوعي الذاتيّ والقلق الوجوديّ، وذلك لخلق عالم سرديّ كثيف ومثير للتّفكير، تتداخل فيه الذّكريات وتتصارع مع مشاعر الخوف والقلق، الّتي رافقت مسيرته نحو النّمو الوجدانيّ، ومراحل تطوّره الفكريّ، والوعي بالذّات، وبالحياة والموت.

 

 فلسفة الكاتب الشخصيّة:

يكشف الكاتب عن فلسفته الخاصّة ونظرته إلى الحياة، يستخدم الماضي كمرآةٍ يعكس فيها الحاضر، يدعونا إلى التعمّق في أنفسنا، واكتشاف كنوزنا الدّاخليّة. ركز على أهمية الإحساس باللّحظة والاستمتاع بالتّفاصيل الصّغيرة، الّتي نغفل عنها عادة أثناء سعينا وراء الحياة.

قدّم رؤيته عن السّعادة مستندًا إلى تجاربه الحياتيّة، مؤكّدًا إيّاها بأمثلة عمليّة؛ كانسجامه مع أسرته، وهم يعتنون بشجر البرتقال، وبفرحتهم بالمكافأة وبدرّاجة ثلاثية العجلات، وصولًا إلى فرحة العيد الّتي كانت تزداد بهجة باقتناء الذبيحة.

يقول (ص 83): “لمّا قطعت مشوارا من عمري، وصرت متمكّنا بقدر ما من فلسفة المواقف والتصرّفات، أدركت أنّ السّعادة تكمن في تفاصيل الأيّام والزّمان، وهي ليست مرحلة ثابتة في مكان ما، أو مرحلة معيّنة من الزّمن، لأنّها تأتيك مصادفة دون استئذان، أو إخطار مسبق، وأقول ذلك ليس من باب إغداق المعلومة، أو استعراض قدرة فلسفيّة، بل لأنّ التجربة الذاتيّة أبلجت مقولتي هذه”.

هذه الأحداث الصّغيرة، رسمت لوحة زاهية للفرح في نفوسهم، وأكّدت أنّ السّعادة ليست هدفًا بعيدًا، بل لحظات صغيرة ومتفرّقة تنتشر في تفاصيل الحياة اليوميّة.

هذه الفلسفة تشجّع على تبنّي منظور إيجابيّ للحياة، وتركّز على الأشياء الجيّدة الّتي تحدث معنا، تحثّنا على تقبّل الواقع، والتكيّف مع الظّروف والتغيّرات الّتي تحدث معنا.

 

 التوثيق الأدبي: مرآة الأجيال وإلهام المستقبل

يُجسّد التّوثيق عبر الأدب وكتابة السِّيَر الذاتية أو الغيريّة، مرآةً تعكس تجارب الأفراد وإنجازاتهم، وتُلهم الأجيال القادمة للسّير على خطاهم، ففي طيّات السّرد الأدبيّ وسطور السِّيَر، تتجلّى قيمٌ نبيلة ومبادئ سامية، تُشكّل نبراسًا يهتدي به الشّباب في مسيرتهم نحو تحقيق الذّات والمساهمة في بناء مجتمع أفضل.

إنّ قراءة سيرة ذاتيّة لشخصية ملهمة، أو التعمّق في عمل أدبيّ يوثّق حقبة زمنيّة معيّنة، يُتيح لنا فرصةً للتعلّم من تجارب الآخرين، واكتشاف دروب النّجاح والتغلّب على التحدّيات، وعندما نُسجّل سِيَرنا الذّاتية، أو نكتب عن حياة الآخرين، فإننا نُساهم في حفظ ذاكرة الأمّة، ونُخلّد قصصًا تستحقّ أن تُروى، لتكون مصدر إلهام للأجيال القادمة، وتحفّزهم على تحقيق أحلامهم وطموحاتهم.

 

 ملاحظة أخيرة:

اختتم حديثي بالإشارة إلى نقطة أخيرة تستحقّ الذّكر، وهي أنّني لاحظت وجود عدد من الأخطاء المطبعيّة في الصّفحات، الّتي كان من الممكن تفاديها بمراجعة العمل قبل الطباعة.

آمل من الكاتب أن يتدارك هذه الأخطاء إن قرّر إصدار طبعة جديدة من هذا العمل.

  • ورقة مقدّمة لنادي حيفا الثّقافي، بتاريخ: (22.08.2024)