مقدمة:

أفضت العملية العسكرية التركية المسمّاة “نبع السلام” خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر 2019، إلى سيطرة تركيّة مباشرة على المنطقة الممتدة ما بين منطقتي رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، حدثت موجات نزوح جماعية، حيث كان أكثر من 100 ألف شخص قد فّروا بحلول 11 تشرين الأول/أكتوبر 2019. وارتفع هذا العدد إلى أكثر من 175 ألف بحلول 22 تشرين الأول/أكتوبر من العام نفسه، بمن فيهم نحو 80 ألف طفل.[1]

ونتيجة للمطالبات المتكررة من قبل الأهالي المهجّرين بضرورة السماح لهم بالعودة الى أماكن سكناهم الأصليىة، تزامناً مع التصريحات التركية الرسمية، وكذا النداءات التي أطلقها المجلس المحلي لرأس العين الذي تمّ إنشاؤه من قبل تركيا، طالبين السكان بالعودة، فقد تجرأ عدد من النازحين/المهجّرين على العودة إلى المنطقة والمطالبة بممتلكاتهم العقارية، لكن تبين من خلال شهادات هؤلاء النازحين إن تلك الوعود التي أطلقتها الحكومة التركية وكذلك المجالس المحلية والفصائل العسكرية، كانت مجرد وعود لتعمية الرأي العام لا أكثر.

وكانت “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” قد أصدرت تقريراً بتاريخ 22 نيسان/أبريل 2021، وثّقت فيه عمليات النهب والاستيلاء على العقارات في الأيام الأولى للغزو تحديداً، حين تمّت كتابة عبارات على جدران العشرات من المنازل تحمل أسماء فصائل من المعارضة السورية أحياناً وأسماء قادة في تلك الفصائل في أحيان أخرى، كدلالة على مصادرة تلك الممتلكات. بالإضافة إلى الحجّة المذكورة، قامت المجموعات المسلّحة باستخدام حجج أخرى للاستيلاء على ممتلكات سكان المنطقة منها: أن شاغل العقار لا يملك الأوراق التي تثبت ملكيته للعقار الذي كان يشغله، على الرغم من أنّ الكثير من عمليات البيع والشراء والتملك في سوريا، ولا سيما في تلك المناطق، كانت تتم (استناداً لعقود شفهية) بناء على عامل الثقة (كما جرت الأعراف) بين الأهالي. إضافة إلى اتباع أساليب أخرى؛ مثل الترهيب والابتزاز بشكل أساسي.[2]

اعتمد هذا التقرير على سبع شهادات مركّزة تمّ إجراؤها معظمها بشكل فيزيائي وأحياناً عبر الانترنت، لمشردين قسراً حاولوا استعادة ممتلكاتهم ومنازلهم بعد العملية العسكرية التركية المسمّاة “نبع السلام”. وتم تنفيذ تلك المقابلات خلال شهري شباط/فبراير وآذار/مارس 2022.

توصيات:

النصّ في الدستور السوري الجديد المزمع كتابته برعاية الأمم المتحدة، على سمو العهود والمواثيق الدولية على القوانين الداخلية، ولا سيما تلك الاتفاقيات المؤكدة لحقوق الانسان وحرياته الاساسية، ومنها حق التملك، وعلى الأخص تلك المعاهدات التي صادقت عليها سوريا، وتفويض القضاء الداخلي بتطبيق تلك الاتفاقيات على القضايا المنظورة أمامها.
تشكيل لجان مستقلة متخصصة في القضايا العقارية للنظر في الشكاوى والادعاءات التي يمكن أن تُقدَّم مستقبلاً، بخصوص الانتهاكات والتجاوزات التي حصلت على كامل الجغرافيا السورية، ومنها منطقتي عمليات “غصن الزيتون” و”نبع السلام”، على أن تكون القرارات الصادرة عن تلك اللجان قابلة للطعن بها أمام القضاء المدني المختص، بشرط تحرير القضاء السوري من هيمنة وتسلط السلطة التنفيذية في سوريا.
أن يتضمن الاتفاق السياسي المرتقب بين السوريين ما يفيد ببطلان جميع عمليات نقل الملكية العقارية التي تمت في سنوات الحرب السورية، ولا سيما في المناطق التي شهدت عمليات نزوح جماعية، بما في ذلك قرارات المحاكم والمجالس المحلية التي تم تشكيلها في مناطق كيانات الأمر الواقع وكذلك مناطق الاحتلال التركي، وعلى من يدعي خلاف ذلك إثبات العكس.
القيام بحملات المناصرة للضغط على الحكومة التركية بهدف القيام بواجباتها كدولة احتلال في المناطق التي تسيطر عليها وفق المعاهدات الدولية ذات الصلة، بضرورة منع الانتهاكات بحق الممتلكات العقارية، وإعادة المتلكات المنهوبة لأصحابها الحقيقيين، وتوفير البيئة الآمنة للعودة الطوعية للمهجرين، وهذا الأمر يجب أن يُطبَّق على كامل المناطق في سوريا.
التواصل مع الهيئات الأممية والدول الداعمة للإئتلاف الوطني السوري والحكومة السورية المؤقتة والميليشيات العسكرية التابعة لهما، لممارسة الضغوط عليها لوقف عمليات الاستيلاء غير المشروعة على ممتلكات سكان وأهالي المناطق التي تسيطر عليها، ولا سيما مناطق عمليات “نبع السلام” و”غصن الزيتون” و”درع الفرات”.

للمؤسسات الحقوقية: تكثيف التوثيقات المادية وتسليمها للهيئات الأممية المعنية بتوثيق والتحقيق في انتهاكات القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان في سوريا وفي مقدمتها لجنة التحقيق الدولية والآلية الدولية المستقلة المحايدة.

للآلية الدولية المحايدة ولجنة التحقيق الدولية المستقلة: إيلاء ملف التهجير القسري من المناطق المحتلة من قبل تركيا ووكلائها من الفصائل، أهمّية في التحقيق وبناء الملفات القضائية، خاصة لأن هذه الظاهرة يترتب عليها سلسلة من الجرائم المحتملة عدا عن جريمة التهجير بحد ذاتها، مثل جريمتي الاستيلاء على أملاك الخصم والنهب.

منعوها من الدخول إلى منزلها:

في منتصف شهر كانون الأول/ديسمبر 2019، أي بعد حوالي شهرين من العملية العسكرية التركية، قررت “أم شيار” العودة إلى منزلها الكائن في مدينة رأس العين/سري كانيه، برفقة ابنتها التي كانت تملك هي الأخرى عقاراً في الحي الشرقي من المدينة. بعد رحلة عصيبة، والمرور بعشرات الحواجز الأمنية والعسكرية، وصلت “أم شيار” برفقة ابنتها إلى منزلهم الأساسي، لكنّا فوجئت باحتلال منزلهم من قبل عائلة أخرى.

لاحقاً، تبيّن أنّ العائلة التي استوطنت في منزل “أم شيار” كانت عائلة أحد عناصر “فرقة السلطان مراد”، المنضوية تحت لواء الجيش الوطني السوري/المعارض، وقد عرفت ذلك عبر جيرانها.

منُعت “أم شيار” من الدخول لمنزلها من قبل مجموعة مسلّحة تتبع للفصيل نفسه، حيث أوردت في شهادتها [3]“لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة” قائلة:

“ذهبنا أنا وابنتي إلى رأس العين لنتفقد منازلنا التي تقع في الشارع ذاته، لكننا صُدمنا عندما وصلنا إلى شارعنا، إذ كان ستة مسلحين جالسين على كراسي بلاستيكية أمام باب منزلي يحتسون الشاي ويدخن عدد منهم النرجيلة، ولاحظت أنهم قد غيروا قفل باب المنزل، كما رأيت امرأة محجبة تنشر الثياب المغسولة حديثاً على سطحه، اقتربت منهم بخوف وأفصحت لهم عن هويتي وعن سبب قدومي، لكنهم طردوني دون أن يسمحوا لي بدخول المنزل، وقالوا بأنه محجوز، طالبين إلا أعود مجدداً.”

أضافت “أم شيار” أنها وابنتها تمّ طردهن من منزل الأخيرة أيضاً، كما أنهن لاقين معاملة أسوء من سابقتها من مسلحي الجيش الوطني السوري هناك، وتابعت حديثها قائلة:

“كان باب منزل ابنتي مفتوحاً، وبدا أن أغلب محتوياته قد سُرقت، لم يكن يقطن فيه أحد، لكن المسلحين الذين كانوا يقطنون في الجوار عاملونا بشكل غير لائق واتهمونا بالتعامل مع الإدارة الذاتية، وهذا الأمر غير صحيح مطلقاً، وقالوا: (نحن كتيبة الموت .. ارحلوا من هنا قبل أن تروا ما لن يعجبكن، ولا تعودوا مجدداً)، طلبت ابنتي أن يسمحوا لها بأخذ بعض الثياب لأولادها، انزعجوا وقاموا بإطلاق الرصاص في الهواء لإخافتنا، فرحلنا خائبين.”

وختمت “أم كاوى” بألم قائلة:

“لم نعد نستيطع العودة إلى رأس العين/سري كانيه في ظل سيطرة الفصائل التي تدعمها تركيا على المنطقة .. وباقون ونحن نعيش بحسرة على منزلنا الذي لا تزال تلك الفصائل تستولي عليه وتمنعا من العودة إليه.”

لا قيمة فعلية لأوراق المجلس المحلّي للسماح بالعودة:

“باز حسن” أحد نازحي رأس العين/سري كانيه، خرج مع عائلته عند بدء العملية العسكرية التركية على المنطقة وسكن في مدينة القامشلي/قامشلو.

بعد أقل من ثلاثة أشهر على نزوحه، سمع “باز” من الأهالي الذين بقيوا في المنطقة بأنه يمكن لأي نازح العودة وتقديم طلب إلى المجلس المحلي التابع للحكومة السورية المؤقتة، وبأن المجلس يوافق على الطلب عادة، فتشجع “حسن” وعاد إلى المدينة وروى التفاصيل التالية لسوريون خلال إجراء اللقاء معه في شهر آذار/مارس 2022:

 “فور وصولي إلى رأس العين/سري كانيه، قمت بمراجعة المجلس المحلي في المدينة، وقدمت طلباً للعودة إلى منزلي، وفعلاً وافقوا على طلبي بعد التحقق من هويتي، وأخبروني أنّ بإمكاني العودة إلى عقاري، كما سلّموني ورقة، هي عبارة عن طلب خطي مصدّق وموجه إلى الجهة العسكرية التي تقطن في منزلي حتى تخليه كي يتسنى لي العودة إليه.”

وأضاف الشاهد:

“أخذت تلك الورقة الممنوحة لي من قبل المجلس المحلّي، وتوجهت إلى الحي الشرقي الذي أقطن فيه، والذي يطلق عليه اسم حي “زور آفا/الحوارنة”، وأعطيت الورقة التي حصلت عليها للمسلحين الذين كانوا يستوطنون المنزل، وذلك من أجل إخلائه، لكنهم ماطلوا في ذلك. وفي كل مرة كانوا يخبرونني أن قائدهم ليس موجوداً، أو أنه في “اجتماع طارئ” ويطلبون مني العودة لاحقاً، وقد استمر ذلك نحو أسبوع، حتى قابلت قائد الفرقة “المعتصم” لاحقاً، وبعد مفاوضات معه، وافق على ارجاع منزلي مقابل دفعي لفدية كان مقدراها حوالي نصف مليون ليرة سورية..  واستعدت منزلي بعد أن قمت بالدفع.”

لم تكتمل فرحة “باز” باستعادة منزله المستولى عليه من قبل فرقة المعتصم، حيث حدث ما لم يكن في الحسبان. أضاف الشاهد في هذا الصدد:

“في نفس اليوم، وبعد ساعاتٍ قليلةٍ فقط من استعادتي لمنزلي .. تم اعتقالي من ذلك المنزل مباشرة، ومن قبل ثلاثة مسلحين من فرقة “المعتصم”. لقد قاموا بتقييد يداي واقتادوني مشياً على الاقدام إلى ماركت “الزعيم”، وهي محلات لبيع المواد الغذائية لنازح من رأس العين/سري كانيه، في الشارع الذي أقطن فيه، حيث كانوا قد أفرغوها من المواد الغذائية واتخذوها مقراً لهم، وهناك طلبوا مني إعطائهم “البطاقة الشخصية “، وحين اعطيتهم إياها، قاموا بالبزق على البطاقة ورميها في وجهي وقال أحدهم: “أنت كردي خنزير، وقد ولدت في عامودا، فما الذي أتى بك إلى هنا؟.”

وذكر الشاهد بأنه قد تم اعتقاله من قبل فصيل المعتصم لثلاث مرات متتالية بعد ذلك .. رغم أنّهم قاموا بالإفراج عنهم بعد المرة الأولى. وقاموا بضربه وتعذيبه خلال فترات الاعتقال تلك، وفي المرة الثالثة تحديداً وبعد أن قاموا بتعذيبه لدرجة فقدانه الوعي، قام عناصر الفصيل بوضعه في صندوق السيارة وقاموا برميه في الشارع، ، وقال له أحدهم: “اهرب من هنا، وانقذ حياتك، وإلا لن نتركك حياً إذا بقيت.”

وبالفعل عاد “باز حسن” الى محافظة الحسكة، إلا أن المسلحين لم يتركوه بحاله، حيث ظلوا يقومون بابتزازه عبر تصوير منزله وهم بداخله، ويطلبون منه دفع فدية مالية تقارب الخمسة آلاف دولار أمريكي مقابل عدم احراق المنزل، إلا ان الشاهد لم يدفع ولم يرد على طلبهم.

ابتزاز وتهديد وعرض بالمشاركة في جريمة استيلاء أخرى:

مع الأيام الأولى لبدء الهجوم العسكري التركي على رأس العين/سري كانيه، نزح “سردار خليل” مع عائلته إلى مدينة المالكية/ديريك، قبل أن تستقر العائلة بشكل مؤقت، وتنتقل لاحقاً إلى مدينة الحسكة، بعد استيلاء فصائل “الجيش الوطني السوري” على منزلها في رأس العين، وتهديدها في حال التفكير بالعودة. حيث سرد الضحية قصّته قائلاً:

“تلقيت رسائل الكترونية عبر تطبيق واتس آب بتاريخ 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2019. عرف المُرسل نفسه كعنصر في الجيش الوطني السوري، فرقة السلطان مراد، أخبرني أنه يمكث في منزلي وقد فتح حاسوبي المحمول، الذي بقي في المنزل، لكنني شككت في كلامه لأن حاسوبي كان محمياً بكلمة مرور، فأرسل لي عدة صور لعائلتي كانت محفوظة على الحاسوب، وطلب مني أن أدفع له مبلغ (500) دولار أمريكي مقابل مسح الصور والفيديوهات الخاصة، مهدداً بنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي إن لم ادفع له، فأجبته: لقد سرقتم محتويات منزلي وقمتم بالاستيلاء عليه، لذا لن أرسل لكم شيئاً.”

لم يرضخ “خليل” لابتزاز ذاك المسلح، وقام بحظره، فعاود الأخير مراسلته باستخدام رقم آخر على التطبيق نفسه، وفي هذه المرة عرض عليه أن يضمن له عودة آمنة إلى المدينة مقابل دفع مبلغ مادي، لكن العرض لم يتضمن عودة “خليل” إلى منزله، بل إلى منزل آخر من التي استولى عليها الجيش الوطني!

وتابع “خليل حديثه قائلاً:

“في المرة الثانية، طلب مني المسلح أن ادفع له مبلغ (6000) دولار أمريكي مقابل أن يضمن عودتي أنا وعائلتي إلى رأس العين/سري كانيه دون أن نتعرض لأي أذى، فسألته: هل سأسكن في منزلي. فردّ: كلّا. منزلك تسكن فيه عائلة من إدلب، لكن سنؤمن لك ولعائلتك منزلاً آخر مقابل المال الذي ستدفعه. رفضت ذلك، وأخبرته أنني لن اقوم بالاستيلاء على منزل غيري كما يفعلون، فانزعج كثيراً.”

بعد رفض “خليل” عرض المسلح الأخير بشأن العودة إلى رأس العين/سري كانيه، أخبره المسلح بأنّه لن يسمح له ولعائلته بالعودة إلى المدينة مجدداً، وهدده بإحراق منزله إذا حاول العودة إليه يوماً ما، أو رد عليه عبر الرسائل بأسلوب قد يزعجه.

الانتهاكات بحق الأيزيديين في عفرين دفعته للنزوح مبكّراً:

“سليمان.ب” أحد الكرد الايزيديين الذي نزحوا مبكراً من رأس العين/سري كانيه بسبب خوفهم من تكرار المآسي التي حدثت بحق أبناء جلدتهم الايزيدين في منطقة عفرين عام 2018، وتحديداً عقب العملية التركية المسمّاة “غصن الزيتون” الذي مكّنت تركيا وفصائل المعارضة السوريّة من احتلال المنطقة ذات الغالبية الكردية. قال في شهادته لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة يوم 15 آذار/مارس 2022، ما يلي:

“مع بدء الهجوم العسكري التركي على رأس العين، نزحت مع عائلتي من قريتي “بطانة” في ريف رأس العين/سري كانيه الغربي، باتجاه مدينة القامشلي، وتركت خلفي منزلي وكل ممتلكاتي، خوفاً على عائلتي، ذلك لأننا ايزيديون، والفصائل التي جاءت بها تركيا إلى المنطقة التي احتلتها هي فصائل إسلامية متشددة، لذا لم نجرؤ على البقاء بعد تجربة “عفرين” والانتهاكات التي تعرض لها الأيزيديون هناك.

بحسب “سليمان” ونقلاً عن جيران آخرين من القرى المجاورة، فقد أدى قصف الطيران التركي الحربي خلال العملية إلى هدم منزله مع ثلاث منازل أخرى كانت مُجهزة كاملة بالإسمنت المُسلح، في قرية “بطانة”. دون معرفة السبب.

وختم “سليمان” بالقول بأنه حاول مع فصائل الجيش لوطني، بوساطة أحد الجوار استعادة ممتلكاته، إلا أنهم رفضوا إعادتها إليه بحجة “أنه كافر”! وهددوه بالاعتقال إن فكر بالعودة. ُذكر بأن محاولاته لاستعادة ممتلكاته لم تتوقف لكن بلا جدوى.

وساطات تركية لإعادة الأيزديين بداعي حماية الأقليات:

أحد أبناء الديانة الأيزيدية تحفّظ على نشر معلوماته الشخصية، قال لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة في شهر آذار/مارس 2022، بأنّه وعقب نزوحه مع عائلته من رأس العين/سري كانيه إلى مدينة الدرباسية، نتيجة عملية “نبع السلام” التركية، في تشرين الأول/أكتوبر 2019، استولت فصائل “الجيش الوطني السوري” على منازل وأراضي وممتلكات عائلته الايزيدية. وكان من بينها نحو 2500 دونم (250 هكتار) من الأراضي الزراعية في قرى “عباه وشكرية” شرقي رأس العين، والتي تمّ الاستيلاء عليها واستثمارها من قبل فصائل “لواء صقور الشمال” و”جيش الاسلام”.

كسائر الايزيديين لم يكن الشاهد يجرؤ على العودة إلى رأس العين/سري كانيه، نظراً لغياب الأمن والاستقرار، وخوفاً من عدم قدرته على ممارسة طقوسه الدينية في ظل تواجد جماعات متطرفة دينياً.

حتى كانون الثاني/يناير 2022، عقب مضي أكثر من عامين على الاحتلال التركي لرأس العين/سري كانيه، عاد المصدر إلى رأس العين/سري كانيه، بعد تقديم وعود تركية للايزيديين بالسماح لهم باستعادة ممتلكاتهم، وعدم التعرض لهم، حيث أفاد المصدر في شهادته بما يلي:

“طالبتُ لواء صقور الشمال بإعادة أرضي وأراضي أخواني الزراعية، وقد رفضوا ذلك وطردوني في البداية، لكنهم اضطروا إلى إرجاعها وعدم التعرض لي بعد تدخل تركي، إذ كان مسؤولين أتراك قد تواصلوا مع عدة ايزيديين من رأس العين/سري كانيه، ممن هاجروا إلى ألمانيا، وطلبت منهم أن يعملوا على عودة عدد من الايزيديين إلى رأس العين حتى لا يُقال أن تركيا والفصائل المدعومة منها قد هجرت الايزيديين، ذلك لأننا أقلية دينية، كما وعدت بحماية الأيزيديين العائدين وإعادة ممتلكاتهم إليهم.”

واستكمل الشاهد قائلاً:

“على الرغم من معرفتنا أن الهدف من هذه الخطوة هو الادّعاء إعلامياً بأن تركيا تحمي الأقليات الدينية (استثمار سياسي) في ظل عدم عودة أي ايزيدي إلى رأس العين/سري كانيه وريفها عقب “نبع السلام” وحتى مضي عامين وأكثر، إلا أنها كانت فرصة أيضاً لنستعيد ممتلكاتنا، إذ كنتُ من بين ثلاث ايزيديين فقط عادوا، وفعلاً أعاد لي “لواء صقور الشمال” جزءاً كبيراً من أرضي وأراضي أخوتي في قرية “عباه” شرقي رأس العين/سري كانيه، وكانت تزيد عن 1750 دونماً (175 هكتار).”

رغم نجاح المصدر في استعادة بعض ممتلكات، إلى أنّ بعض المجموعات السلفية الإسلامية الأخرى، رفضت إعادة باقي ممتلكاته. حيث قال الشاهد حول هذا الأمر ما يلي:

“رفض فصيل (جيش الإسلام) إعادة أرضي لي واستولوا عليها. تلك الأرض التي تبلغ مساحتها أكثر من 700 دونم (70 هكتار) في قرية “شكرية”، وقد زرعوها هذا الموسم أيضاً بالقمح والشعير، ولم يستجيبوا لطلبي المتكرر بإعادة أرضي، ذلك لأنها خصبة وتدر عليهم بالفائدة، وإلى الآن احاول استعادتها منهم، كما أنهم يقطنون في منزلي ومنازل أخوتي وأقربائي في القرية، واتخذوا منها نقاط عسكرية يرفضون إخلائها، ورغم تقدمي بشكاوى لدى الجيش التركي والشرطة العسكرية التابعة للجيش الوطني السوري، إلا أن “جيش الإسلام” لم يأبه لمطالبي.”

طلبوا وثائق الملكية ثمّ قاموا بتمزيقها ثم تحرشوا بها:

بعد أنّ نزحت لمدّة شهرين مع عائلتها، عادت “فاطمة صالح” مع زوجها إلى مدينة رأس العين/سري كانيه بتاريخ 14 كانون الأول/ديسمبر 2019، حين تفاجئا بوجود أشخاص مدججين بالسلاح ينتمون لـ”فرقة الحمزات” في منزلهم، وطلبوا منهم الحصول على تصريح بالموافقة من قبل ما أسموه آنذاك بـ”المجلس العسكري” التابع الجيش الوطني السوري” كي يعيدوا المنزل اليهما.[4]

ورغم أنّ “فاطمة” حصلت على الموافقة المطلوبة من هؤلاء المسلحين لاسترداد منزلها، إلاّ أنّهم رفضوا الاعتراف بتلك الورقة، واتهموا زوجها بالتعامل مع الإدارة الذاتية، وهي التهمة الاعتيادية التي يصلقها أفراد الجماعات المسلّحة بالكرد عادة، لاعتقالهم ودفعهم إلى الهجرة بعيداً عن مناطق سكناهم الأصلية.

لاحقاً، طلبت المجموعة نفسها، أوراقاً من “فاطمة” تثبت امتلاكها للعقار، وهو ما دفعها بالعودة إلى مدينة الحسكة، لجلب الوثائق المطلوبة.

لحسن حظ “فاطمة” وعائلاتها، أنّها قامت باستخراج نسخة عن الوثائق الرسمية، ولم تقم بأخذ النسخ الأصلية معها، فعند عودتها إلى المدينة بتاريخ 25 كانون الأول/ديسمبر 2019، وإبرازها لتلك الأوراق، قامت عناصر من “فرقة الحمزة” بتمزيق تلك الأوراق وطلبوا منهم عدم العودة مرة أخرى والمطالبة بمنزلهم.

عادت “فاطمة” أدراجها خائبة، مع زوجها، لكنّها لم تفقد العزيمة، ففي شهر شباط/فبراير 2022، عادت “فاطمة” لوحدها إلى منزلها مرة أخرى، دون زوجها وطلبت من عناصر الفصيل إعادة منزلها، إلّا أنهم رفضوا ذلك، وطلبوا منها الرحيل وعدم العودة مجدداً. وسردت “فاطمة” ما حدث معها بالقول:

“ذهبتُ إلى مقر الفرقة في الحي وكان بعض قادتها مجتمعين فيه، وقدمت لهم شكواي، مطالبةً بإعادة منزلي، لأننا وزوجي نرغب بالعودة إلى منزلنا، فأهانوني وقللوا من احترامي، إذ قال أحدهم: “أليس زوجك رجلاً، لماذا لم يأت معكِ؟”، وقال آخر: “تعالي واسكني معي في منزلي لحين أنّ نجد حلاً”.. وكان يومئ بتلميحات جنسية ويبتسم بخبث، فخفت كثيراً، وأخبرت زوجي بما حدث، فطلب مني العودة بسرعة ومغادرة المدينة، وهو ما فعتله في صباح اليوم التالي، 5 شباط/فبراير 2022، حيث عدت إلى مدينة الحسكة التي نقطن فيها إلى يومنا هذا.”

لم تختلف قصة “نجاح أحمد” عن قصة “فاطمة” كثيراً، فقد علمت “نجاح” بواسطة أحد جيرانها ممن عادوا إلى المدينة، بأن مسلحي المعارضة قد استولوا على منزلها، فقررت العودة على الفور لاستعادة المنزل منهم، لكن محاولاتها المتكررة في سبيل ذلك باءت بالفشل. حيث قالت في معرض شهادتها[5] لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة في 12 شباط/فبراير 2022 حول ذلك ما يلي:

“بتاريخ 10 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، ذهبت إلى رأس العين برفقة زوجي، أملاً في استعادة منزلنا. لقد رأينا ثلاث مسلحين جالسين على الرصيف أمام باب المنزل، وكانوا قد كتبوا على الجدار الخارجي (كتيبة أحرار السفيرة) التي تتبع لفرقة السلطان مراد، أخبرناهم أننا أصحاب المنزل، طلبوا منا أن نجلب الأوراق التي تثبت ملكيتنا للمنزل ونعود لاحقاً. كان المسلحون يمكثون في خمسة منازل على الأقل في شارعنا، ولم يكن أحد من جيراننا قد عاد، باستثناء رجل مسن وزوجته، وقد بتنا تلك الليلة عندهم.”

عاودت الشاهدة بعد يومين الذهاب إلى منزلها كي تستعيده، بعد أن جلبت أوراق ملكية المنزل معها، لكن محاولتها لم تفلح هذه المرة أيضاً، إذ رفض المسلحون الخروج من منزلها، وهددوها بالاعتقال إن عادت مجدداً، وأنهت حديثها لسوريون قائلة:

“الكثيرين من الكرد، ممن عادوا إلى المدينة، تعرضوا للاعتقال أو الخطف من قبل مسلحي الجيش الوطني السوري، الذين حجزوا على عشرات من منازل الكرد، واسكنوا عائلاتهم أو نازحين من محافظات سورية أخرى في كثير منها، هذا فضلاً عن السرقة التي طالت منازل وممتلكات جميع سكان المدينة، وعلى رأسهم الكرد. هذا كله يكشف بشكل جلي عن عدائهم للشعب الكردي ونيتهم الانتقام منه وتهجيره.”

كيف يرى القانون الدولي حق السكان بالعودة:

أولاً: التهجير:

يتحمل كل طرف في النزاع المسلح المسؤولية القانونية المرتبطة بتسببه بتهجير السكان المدنيين خلال النزاع المسلح. يحظر القانون الدولي الإنساني الأمر أو القيام بالتهجير القسري للسكان، ويعتبر هذا الحظر أحد قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي.[6] ولا يُعتبر إخراج المدنيين من أماكن سكنهم إجلاءً قانونياً إلا إذا تم لأسباب عسكرية قهرية أو لدواعي أمن المدنيين أنفسهم.

غير أن الطرف المتسبب بنزوح المدنيين – قانونياً باعتباره إجلاءً أو بصورة غير قانونية باعتباره تهجيراً – يتحمل جملة من الالتزامات القانونية الأخرى المتعلقة بحماية وحقوق المدنيين النازحين، منها ما يتعلق بالاستقبال، والمأوى وما يتعلق به من ضمانات حماية وحقوق،[7] الملكية،[8] والعودة.[9] وتترتب على التهجير القسري المسؤولية الجنائية الفردية لما قد يرقى لجريمة حرب.[10]

ثانياً: حق العودة:

تنص القاعدة 132 من قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي على أنه “للأشخاص النازحين الحق في العودة الطوعية بأمان إلى ديارهم أو أماكن سكناهم المعتادة حالما تنتفي الأسباب الي أدت إلى نزوحهم”.

يفرض هذا الحق على السلطات ذات الصلة مجموعة من الواجبات القانونية تتمحور بشكل أساسي حول كَون النزوح حالة مؤقتة. كما تم تأكيد ذلك في مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية للنزوح الداخلي عبر تحميل السلطات المختصة – وبشكل أساسي تلك التي تسببت بالنزوح – واجب ومسؤولية تهيئة الظروف وتوفير الوسائل لتمكين المشردين داخلياً من العودة الطوعية، آمنين مكرّمين.[11]

إن التذرع بسير الأعمال العدائية والسياق العسكري وضروراته لدفع المدنيين للنزوح وتركهم وحيدين لمصائرهم يخالف جوهر حظر التهجير أولاً، وموجبات الطرف القائم على التهجير ثانياً. تتحمل السلطات المعنية مسؤولية القيام بالعديد من التدابير اللازمة لضمان حق عودة النازحين واللاجئين ومنها: تدابير تكفل العودة الآمنة، ولاسيّما نزع الألغام؛ توفير المساعدة لتغطية الحاجات الأساسية (المأوى، والغذاء، والماء، والعناية الطبية)؛ توفير مواد البناء، والمواد المنزلية، والأدوات الزراعية، والبذور، والأسمدة؛ ترميم المدارس، وبرامج تدريب المهارات، والتربية. كما يمكن اتخاذ تدابير تسمح للأشخاص النازحين (أو من يمثلهم) بزيارة مناطق العودة، قبل عودتهم إليها، لتقييم الوضع بالنسبة للأمان وللظروف المادية.[12] إن مقارنة سريعة مع ما يعرضه التقرير من الممارسات التي يتعرض لها من حاول العودة من ضحايا التهجير القسري تكشف بوضوح قيام السلطات المعنية – الفصائل المسيطرة على مناطق السكن الأصلي للنازحين ومن خلفهم تركيا كدولة احتلال من خلال تلك الفصائل كوكلاء – بنقيض واجباتهم أمام القانون الدولي.

يعتبر حق اللاجئ والنازح بالعودة إلى دياره واستعادة ممتلكاته التي خسرها نتيجة الظروف التي دفعته إلى الهجرة القسرية، من الحقوق الاساسية التي كفلتها العهود والمواثيق الدولية ذات الصلة، ومن غير المقبول أن نطالب هؤلاء بالعودة الى أماكن سكناهم الأصلية أو نشجعهم على ذلك، وبنفس الوقت تكون ممتلكاته العقارية مسلوبة منه، فمن أولى مقومات العودة هو وجود سقف يأوي هذا الشخص الراغب في العودة أو وجود أرض يستثمره ليقتات منه أو الاثنين معاً، وإلا فإن طلب العودة سيكون بلا معنى ان لم يترافق مع تأمين أدنى مقومات الحياة كالقدرة على استعادة الممتلكات العقارية إضافة الى البيئة الآمنة وغيرها من المقومات المشجعة على العودة الطوعية.

ثالثاً: النزوح وحق الملكية:

يحظر القانون الدولي على قوة الاحتلال – تركيا في هذه الحالة – الاستيلاء على الأملاك الخاصة في الأراضي المحتلة إلا في حالة الضرورة العسكرية الملحة[13] والتي يجب أن يتبعها تعويض المتضرر من هذا الإجراء، ولا يمكن الاستيلاء على الملكية الخاصة لإثراء المحتل.

وبغض النظر عن واقع الاحتلال، يعتبر تدمير ممتلكات الخصم والاستيلاء عليها من قبل أحد أطراف النزاع المسلح انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني العرفي[14] وقد يرقى إلى جريمة حرب سواء كان النزاع المسلح دولياً[15] – والاحتلال ضمنه – أو غير دولي.[16]

وحيث أن الاستيلاء أو الاستفادة من الأملاك الخاصة في منطقة رأس العين/سري كانيه لم يتم لأسباب يمكن تبريرها بالضرورة العسكرية الملحة في سياق العمليات العدائية، وكذلك لم يتم تمكين أصحابها منها أو تعويضهم عنها بعد انتفاء تلك الضرورة – إن وجدت، لا يبقى سوى تطبيق مفهوم النهب على هذه الممارسات كما تم تعريفه في عدة سوابق قضائية باعتباره الاستيلاء غير الشرعي على الملكية،[17] حتى لو لم يكن بنية القائم بالفعل استخدام الملكية المصادرة بشكل شخصي.[18] والنهب محظور وتترتب عليه المسؤولية الجنائية الفردية كجريمة متعارف عليها تاريخياً ومكرسة مؤخراً في نظام روما المؤسس لمحكمة الجنايات الدولية.[19]

وقد أكد المبدأ 21 من المبادئ التوجيهية للمشردين داخلياً على أنه لايجوز أن يحرم أحد من أمواله وممتلكاته تعسفاً، وأكد المبدأ رقم 28 بأنه يقع على عاتق السلطات المختصة، في المقام الأول، واجب ومسؤولية تهيئة الظروف وتوفير الوسائل لتمكين المشردين داخلياً من العودة الطوعية، آمنين مكرّمين إلى ديارهم، أو أماكن إقامتهم المعتادة أو التوطن الطوعي في مكان آخر من البلد، وتعمل هذه السلطات على تيسير إعادة دمج المشردين داخلياً العائدين أو المعاد توطينهم، كما يقع على عاتق السلطات المختصة واجب ومسؤولية مساعدة المشردين داخلياً العائدين و/أو المعاد توطينهم على استرداد أموالهم وممتلكاتهم التي تركوها وراءهم أو انتزعت منهم وقت تشريدهم، ما أمكن ذلك، فإذا تعذر استرداد هذه الأموال والممتلكات تكفلت السلطات المختصة بتقديم تعويض مناسب أو بنوع آخر من الترضية أو ساعدت هؤلاء الأشخاص في تعويضهم أو ترضيتهم.

وقد تمّ التاكيد على هذا حق اللاجئين في استرداد ممتلكاتهم ضمن المبادئ التي ذكرها المقرر الخاص للامم المتحدة “باولو بينيرو” والتي يُشار إليها اختصاراً بـ”مبادئ بينيرو”، حيث أكد بأنه يحقّ لجميع اللاجئين والمشردين أن يستعيدوا أي مساكن أو أراضي و/أو ممتلكات حُرموا منها، بصورة تعسفية أو غير قانونية، أو أن يحصلوا على تعويض عن أي مساكن أو أراضي و/أو ممتلكات يتعذر عملياً إعادتها إليهم، حسبما تخلص إليه محكمة مستقلة محايدة، وتولي الدول أولوية بَيِّنة للحق في الاسترداد باعتباره سبيل الانتصاف المفضَّل فيما يتعلق بالتشريد وعنصراً أساسياً من عناصر العدالة التعويضية، ويقوم الحق في الاسترداد كحق مستقل بذاته، لا تنتقص منه العودة الفعلية للاجئين والمشردين المستحقين لاسترداد مساكن وأراض وممتلكات أو عدم عودتهم.

خاتمة:

يعتبر حق الملكية من حقوق الانسان الأساسية التي نصت عليها العهود والمواثيق الدولية، وهذا الحق يرتبط ارتباط وثيق بحق اللاجئ والنازح في العودة الطوعية والامنة الى مكان سكناه الاصلي، ولايجوز بالتالي حرمانه من هذا الحق، وقد تمّ التأكيد على هذا الحق في المادة 17 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان لعام 1948، كما تم التأكيد في المبادئ التوجيهية بشأن التشريد الداخلي على وجوب توفير الحماية، في جميع الظروف، لأموال وممتلكات المشردين داخلياً، وبخاصة ضد النهب، والاستيلاء التعسفي وغير القانوني، وأيضاً من شغلها أو استخدامها، والإعتداءات المباشرة والعشوائية وأعمال العنف الأخرى.

ولا شك إن عمليات الاستيلاء على عقارات النازحين واللاجئين في منطقتي راس العين/سري كانيه وتل ابيض من قبل ميليشيات الجيش الوطني السوري المدعومة من تركيا، ستشكل حجر عثرة أمام عودتهم الطوعية والآمنة، فإن رغبوا في العودة يوماً ما، فإن أول ما سيتبادر إلى أذهانهم هو العودة للسكن في بيوتهم أو الاستثمار في أراضيهم، وفي حال عدم وجود ما ذكر، فلن يكون لعودتهم أي معنى، وبالتالي فإن تصرفات هذه الميليشيات المتمثلة بمصادرة ممتلكات المهجرين والاستيلاء عليها، تؤكد عدم صدق دعواتها لهؤلاء بالعودة إلى ديارهم وأماكن سكناهم، وعدم التزامها بالقرارات الاممية الصادرة بخصوص سوريا ولا سيما القرار 2254، لعام 2015 والذي أكّد على “الحاجة الماسة إلى تهيئة الظروف المواتية للعودة الآمنة والطوعية للاجئين والنازحين داخليا إلى مناطقهم الأصلية وإعادة تأهيل المناطق المتضررة، وفقا للقانون الدولي.”

بالاضافة الى ما ذكر فإن سلب ممتلكات أهالي المناطق التي تم التركيز عليها في هذه الورقة يخالف التشريعات السورية النافذة، وعلى راسها الدستور السوري الحالي حيث أكّدت المادة 15 منه بأن الملكية الخاصة، من جماعية وفردية، مصانة ولاتنزع إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض يعادل القيمة الحقيقية للملكية، وكذلك يخالف نص المادة 771 من القانون المدني السوري الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 84 لعام 1949، التي أكدت بأنه لايجوز أن يحرم أحد من ملكه.

إنّ قيام تلك الميليشيات بانتزاع تلك الممتلكات من مالكيها الأصليين ومنحها لأشخاص آخرين لا يملكون أي حق فيها، وفق ما ورد في شهادات الضحايا الذين تم الاستماع اليهم يشكل خرقاً واضحاً لمبدأ المساواة بين المواطنين الذي تم التأكيد عليه في ديباجة الدستور السوري والمواد 18 و19و33 منه.

زد على ذلك فإن المادة 723 من قانون العقوبات السوري قد نصت على عقوبة جزائية (الحبس) على من يستولي على عقار الغير بدون وجه حق، كما أكّدت المادة الثامنة فقرة2 من نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 والذي دخل حيز التنفيذ عام 2001، أن تدمير الممتلكات والاستيلاء عليها دون أن تكون هناك ضرورات عسكرية جريمة حرب، ولاسيما عندما ترتكب في إطار خطة أو سياسة عامة أو في اطار عملية ارتكاب واسعة النطاق، وينطبق هذا الأمر سواء تعلق الأمر بنزاع مسلح دولي أو نزارع مسلح غير ذو طابع دولي.

[1] للمزيد انظر الفقرات (46 و47 و48 و49 و50 و51) لتقرير لجنة التحقيق الدولية الخاصّة بسوريا. والصادر خلال الدورة الخامسة والأربعين لمجلس حقوق الإنسان. 15 أيلول/سبتمبر 2020. (أخر زيارة للرابط: 29 نيسان/أبريل 2022). https://www.ohchr.org/AR/HRBodies/HRC/IICISyria/Pages/Documentation.aspx?fbclid=IwAR0eZ0192X0I4JizGbP57wFYq0RjBNFRi_BVp0N5C15if6wCoKOEYqO20wA

[2] لم يتبق لي من منزلي سوى المفاتيح!. سوريون من أجل الحقيقة والعدالة 22 نيسان/أبريل 2021. (آخر زيارة للرابط: 23 تموز/يوليو 2022). https://stj-sy.org/ar/%d9%84%d9%85-%d9%8a%d8%aa%d8%a8%d9%82-%d9%85%d9%86-%d9%85%d9%86%d8%b2%d9%84%d9%8a-%d8%b3%d9%88%d9%89-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%81%d8%a7%d8%aa%d9%8a%d8%ad/

[3] تم إجراء اللقاء بشكل فيزيائي بتاريخ 25 آذار/مارس 2022. في مدينة عامودا. وتم حجب هوية المصدر بناء على رغبتها.

[4] أعطت الشاهدة الموافقة على استخدام معلوماتها الحقيقية.

[5] وافقت الشاهدة أيضاً على استخدام معلوماتها الصريحة.

[6] اللجنة الدولية للصليب الأحمر، قاعدة بينات القانون الدولي الإنساني، قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي، القاعدة رقم 129، متوفر عبر الرابط: https://ihl-databases.icrc.org/customary-ihl/ara/docs/v1_rul_rule129

[7] المصدر السابق، القاعدة 131.

[8] المصدر السابق، القاعدة ١٣٣.

[9] المصدر السابق، القاعدة ١٣٢.

[10] النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، المادة 8 (2) (هـ) (٨”).

[11] مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، المبادئ التوجيهية بشأن النزوح الداخلي، 22 يوليو / تموز 1998، المبدأ ٢٨.

[12] أنظر على سبيل المثال: UNHCR Executive Committee, Conclusion No. 18: Voluntary Repatriation.

[13] لائحة لاهاي رقم 4 بتاريخ 18 أكتوبر 1907 بشأن احترام قوانين وأعراف الحرب البرية.

[14] اللجنة الدولية للصليب الأحمر، قاعدة بينات القانون الدولي الإنساني، قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي، القاعدة رقم ٥٠.

[15] النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، المادة 8 (2) (ب) (13″).

[16] النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، المادة 8 (2) (هـ) (12″).

[17] أنظر على سبيل المثال: SCSL, Fofana Appeal Judgment 28 May 2008, para. 409.

[18] المصدر السابق، الفقرة ١٦٠.

[19] النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، المادة 8 (2) (هـ) (٥”).

The post سوريا: ارحلوا من هنا قبل أن تروا ما لن يعجبكن .. ولا تعدن مجدداً appeared first on سوريون من أجل الحقيقة والعدالة.

​”نبع السلام” Archives – سوريون من أجل الحقيقة والعدالة  

شارك هذه المقالة على المنصات التالية