إن الصراع على مدينة الباب الكردستانية الإستراتيجية، بين القوى المختلفة ليس وليد اليوم. فتركيا لم تخفي رغبتها بالسيطرة على هذه المدينة المهمة بعد تدخلها العسكري المباشر في سوريا، بهدف منع الكرد من ربط غرب الفرات بشرقه، وإقامة إقليم فدرالي يضم كل من محافظة الحسكة، والقامشلي، كوباني، منبج، الباب، جرابلس، إعزاز، تل رفعت وعفرين.
وتنظيم داعش هو الأخر، لم يخفي نيته يومآ الإحتفاظ بالمدينة، والإنطلاق منها نحو الشمال بهدف الوصول الى الحدود التركية، وإستعادة منافذه على الخارج، كما كان الحال قبل تسليم جرابلس للأتراك.
والكرد بدورهم كانوا يسعون بشكل جاد في فتح معركة تحرير المدينة، وكانوا على وشك شن هجوم واسع على المدينة، بعد الإنتهاء من تحرير منبج، بهدف تحريرها هي الإخرى من يد تنظيم داعش الإرهابي. أما النظام السوري فلم يكن معني بمصير المدينة حتى قبل اسبوعين، بسبب إنشغاله بمصير مدينة حلب الأهم بالنسبة له. فما الذي حدث، حتى تراجع الكرد فجأةً عن قرارهم، وغيروا وجهتهم نحو مدينة الرقة، عاصمة داعش، وكأن مدينة الباب لم تعد تعنيهم، أو أزيلت من على الخارطة.
سوف أحاول في عرض مقالتي هذه، فك طلاسم هذا القرار الكردي الغير مفهوم، وإلتزام صاحبه بالصمت، وعدم تحريكه ساكنآ. والمقصود بذلك، هو حزب الإتحاد الديمقراطي، وجناحه العسكري قوات الحماية الشعبية، وقوات سوريا الديمقراطية، المنضوية تحت لوائه القوات الكردية.
وهنا يتبادر إلى الذهن عدة أسئلة:
هل أخذ الكرد قرار عدم الذهاب إلى مدينة الباب وتحريرها من داعش بمحض إرداتهم؟ أم الأمريكان فرضوه على الكرد بضغط من تركيا؟ وماذا كان بإمكان الكرد فعله، أكثر مما فعلوه حتى الأن؟
حسب معلوماتي الشخصية، وقراءتي للواقع السوري العام، والكردي بشكل خاص، تؤكد بأن قرار عدم الذهاب الى مدينة الباب الكردستانية، لم يكن قرارآ كرديآ، وإنما فرض عليهم من قبل التحالف الدولي بقيادة أمريكا. وهذا ليس تحليل من عندي، بل معلومات مؤكدة. فالأمريكان رفضوا توجه الكرد نحو مدينة الباب، وحذروهم من مغبة القيام بذلك، وإلا خسروا دعمهم، وقالوا لن نقدم لكم الغطاء الجوي لقواتكم، ولن نحميكم من الطيران التركي. وطلبوا من الكرد أن ينضموا إليهم لتحرير مدينة الرقة أولآ، ومن ثم نقوم بتحرير الباب، ولكن الكرد رفضوا ذلك في حينه. وتوترت العلاقة بين الطرفين
وجمدت العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش، ولم تتفوه أمريكا بكلمة واحدة، عندما هاجم الطيران التركي مواقع القوات الكردية، شمال مدينة الباب، وعند دخول القوات التركية إلى مدينة جرابلس الحدودية، باتفاق مسبق مع النظام السوري والروس، وتنظيم داعش الإرهابي، أيضآ لم تتفوه أمريكا بكلمة!!
حسب ما هو معلوم، فإن أمريكا مهتمة فقط بمنطقة الجزيرة، وليست معنية بالمناطق الكردية الواقعة غرب الفرات، ومن هنا كان إمتناعهم الدائم عن حماية ومساندة الكرد في منطقة عفرين وفك الحصار عنها. وبرأي إن الأمريكان غير متحمسين لفكرة توحيد المناطق الكردية، وإقترحوا بدلآ عنه منح الكرد ممر على شاكلة الممر الذي يربط غزة بالضفة الفلسطينية. ولهذا حذرت الإخوة في قيادة (ق س د و ب ي د) قبل عدة أشهر، من تكرار هذا السيناريو في غرب كردستان.
وكل من تابع السياسات الأمريكية لفترة من الزمن عبر العالم، لا بد أنه توصل لنتيجة مفادها، بأن أمريكا لا تبحث عن حل للمشاكل العالمية، وإنما تقوم بإدارتها، ومد عمرها بقدر ما تستطيع، بحيث تخدم مصالحها السياسية والإقتصادية بالدرجة الإولى. ولهذا كان على الجانب الكردي إدراك ذلك، ويكون على دارية بأن المصالح الكردية لا تلتقى دومآ مع المصالح الأمريكية، وبالتالي في موضوع مدينة الباب كان على الكرد، عدم الإنتظار حتى تأتي الموافقة الأمريكية وهي لن تأتي. وكان بإمكانهم المبادرة الى فتح معركة تحرير الباب مباشرة بعد تحرير منبج. ولا أظن بأن الأمريكان كان في وسعهم، الوقوف ضد الكرد، والتفرج عليهم وهم يقاتلون تنظيم داعش.
قد لا تعني مدينة الباب الكثير بالنسبة للجانب الأمريكي، ولكنها بالنسبة للكرد تعني الكثير الكثير، وذلك لعدة أسباب منها:
– إنها مدينة كردستانية ويسكنها غالبية كردية.
– إنها حلقة الوصل بين غرب الفرات وشرقه، ومدخل لمنطقة الشبهاء الكردستانية المتاخمة لمدينة حلب.
– البعد الإقتصادي والجغرافي والتاريخي للمدينة.
– عودتها للحضن الكردستاني، يعني قطع الطريق على النظام التركي والسوري، ودحر داعش من أراضي غرب كردستان بشكل تام. وهذا يعزز من وحدة الكرد الجغرافية والديمغرافية، ويمنحهم دفعة قوية عسكريآ وسياسيآ، ويصبحون لاعبآ مهمآ على الساحة السورية.
وفي الختام، لا بد من القول بأن قيادة (ب ي د)، تتحمل جزء كبير من المسؤولية عن ضياع مدينة الباب من أيادي الكرد. وبتقديري الشخصي كان بإمكان الكرد لوحدهم تحرير المدينة، ولو بتكلفة بشرية باهظة. والقيادة الكردية مطالبة بشرح خفايا الموضوع
لشعبها، حتى الناس تدرك ما الذي جرى ويجري حول الباب، وسبب غياب الكرد عن تحرير مدينتهم، وترك مصيرها لأعدائها. فهل من مجيب؟؟
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=2585