انتهى الاجتماع الـ /20/ لمحادثات أستانا في العاصمة الكازاخستانية منذ أيام قليلة، وصدر في أعقابه البيان الختامي عن الاجتماع الذي تضمن جملة قرارات وتوجهات الاجتماع التي أراد المجتمعون إعلانها للرأي العام، ولكنه لم يتضمن جوهر المحادثات والتوافقات والخلافات الحقيقية التي تعكس التوافقات والتناقضات بين أطراف الاجتماع، فإذ يؤكد البيان على أهمية مواصلة الجهود النشطة لاستعادة العلاقات بين تركيا والنظام السوري، فإنه لم يوضح الأسس والضوابط التي تتطلبها إعادة تلك العلاقات، وبخاصة مسألة خروج تركيا من الأراضي السورية التي احتلتها ما يؤكد وجود خلافات كبيرة بين الأطراف على هذه المسألة التي تشكل أهم عوامل وأسس استعادة العلاقات، ولأن الجميع يعرف أن تركيا لن تنسحب من الأراضي السورية المحتلة لوجه الله ما لم تحقق أهدافها ومنها محاربة جميع أطراف محور أستانا لقوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية الديمقراطية، وحتى أن تركيا قد لا تنسحب أبداً لقناعتها المعروفة بأن الشمال السوري وبما في ذلك مدينة حلب هي من ممتلكات التاج العثماني.

لم يتم ذكر قرار مجلس الأمن الدولي رقم /2254/ الذي يعتبر الأساس لأي حل سياسي للأزمة السورية، بينما يتم الحديث عن تفعيل العملية السياسية، وفي الواقع لا ندري عن أية عملية سياسية يتحدثون. لقد نجح محور أستانا في نقل المفاوضات من جنيف إلى أستانا لأن ذلك يحقق مصالح الأطراف الثلاثة الضامنة، فروسيا لن تقبل بتطبيق القرار /2254/ وكذلك إيران وتركيا لأنه يترتب على تطبيق هذا القرار انتقال للسلطة، هدف روسيا ينحصر في حماية النظام والضغط على الوجود الأمريكي في سوريا، وإنهاء الإدارة الذاتية، وبالتالي تأمين وجودها القوي في سوريا دون منازع، وهدف إيران الحليف الأساسي للنظام السوري هو حماية النظام وقويمه ليبقى مطية لتحقيق سياسة إيران التوسعية في المنطقة العربية، ولا تقبل بأي انتقال للسلطة، كما أن تركيا تعمل من أجل أن تبقى سوريا تحت رحمتها إضافة إلى سيطرتها على كامل الشمال السوري وتوسيع وحماية مصالحها في سوريا.

تتضمن معظم فقرات البيان الختامي عن مكافحة الإرهاب، فعن أي إرهاب يتحدثون؟ المجتمع الدولي برمته يعرف أن تركيا هي راعية الإرهاب والإرهابيين، ولكن الإرهاب الذي يتحدثون عنه هو قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية، أي أن دول محور أستانا تعمل وتخطط من أجل القضاء على الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية، وهذه هي المكافأة الكبرى التي يريد بوتين تقديمها لأردوغان من أجل دفعه إلى إبعاد تركيا عن حلف الناتو، وهذه هي نفس أهداف إيران التي تجد في الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية العقبة الكأداء في سيطرتها الكاملة على سوريا، وعلى هذا الأساس يبدو أن محاربة قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية كان على رأس جدول أعمال الاجتماع، باعتبار أن روسيا وإيران وتركيا وبما في ذلك النظام السوري جميعها أصحاب مصلحة حقيقية في القضاء على الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية، خاصة أنها تعتبر أن وجود الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية هي مبرر وجود قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في سوريا.

إن الحديث عن عودة آمنة وطوعية وكريمة للاجئين السوريين هو بمثابة ذر للرماد في عيون اللاجئين وفي عيون المعارضة السورية لأنه لا يمكن حدوث عودة آمنة وطوعية وكريمة للاجئين بوجود النظام كما هو، أي دون حدوث أية تغييرات في النظام، أي دون تأمين الحل السياسي للأزمة السورية، وبدون ذلك لن يكون هؤلاء اللاجئون في أمان، وستكون التضحيات الجسيمة التي قدمها الشعب السوري قد ذهبت هدراً، العودة الآمنة والطوعية والكريمة ستكون فقط في حال تطبيق القرار /2254/ وفي ظل حل الأزمة السورية وانتقال السلطة.

في ظل هذه التوجهات الواردة في البيان الختامي لا يمكن اعتبار أن محور أستانا قد استطاع تحقيق خرق سياسي واضح باتجاه تحقيق أهدافه إلا إذا كانت هناك قرارات واتفاقات سرية، وبذلك يمكن اعتبار الاجتماع رقم /20/ تتمة واستكمالاً للاجتماعات السابقة، لكننا في الوقت نفسه لا نقلل من إمكانيات أطراف المحور ضمن الموازين الحالية للقوى، وبالرغم من كل ذلك يمكن اعتبار ثلاث فقرات وردت في البيان الختامي دليلاً دامغاً على معاداة محور أستانا للإدارة الذاتية الديمقراطية وقوات سوريا الديمقراطية وللشعب الكردي بشكل عام وهذه التوجهات هي:

1- مواصلة التعاون من أجل مكافحة الإرهاب ومواجهة الخطط الانفصالية الرامية إلى تقويض سيادة سوريا وسلامتها الإقليمية وتهديد الأمن القومي لدول الجوار.

2- رفض جميع المحاولات الرامية إلى خلق حقائق جديدة على الأرض، بما في ذلك المبادرات غير القانونية بشأن الحكم الذاتي بحجة مكافحة الإرهاب.

3- الدول الضامنة تدين التنظيمات الإرهابية والمجموعات المسلحة على اختلاف مسمياتها في سوريا، وتجدد التأكيد على رفض العمليات غير الشرعية للاستيلاء على النفط السوري.

الحزب اليساري الكردي في سوريا

شارك هذه المقالة على المنصات التالية

تابعونا على غوغل نيوز
تابعونا على غوغل نيوز