کوران مريواني
ترجمها من الکردية: نزار جاف
أواسط السبعينيات
أيام کان يقال فيها، المصريون يکتبون، واللبنانيون يطبعون، والعراقيون يقرٶون. في عصر أحد الايام الحارة في بغداد، قام بعض الاصدقاء بإجراء تعارف بيني وبين کريم العراقي في أحد المقاهي الشعبية.
في أيام الصيف وبعد الدوام الرسمي، کان يعمل في المقاهي الشعبية في بغداد. ولذلك کنا نلتقي کلما کانت سنحت لنا الفرصة. الحديث بيننا کان يدور دائما حول الادب، والشعر قبل ذلك. کان يحفظ وبصورة ملفتة للنظر الشعر الشعبي. المثير هنا، إن أصدقائي کانوا يحسدونني على قدرتي في حفظ الشعر والفلکلور لکنني لم أك مطلقا بمستوى قدرة العراقي بهذا الصدد. أعتقد إنه کان في معهد المعلمين. کريم العراقي الذي کان جذوره تعود الى أطراف البصرة، کانت له معرفة جيدة في الادب الشعبي لتلك المناطق العراقية.
بستان جده
کان يتحدث کثيرا عن جده الذي کان فنانا شعبيا حتى أخذني يوما الى ساحل نهر الفرات وبقينا هناك الى وقت متأخر. وبعد أيام جاء وقال لي: يقول جدي کل أصدقائك في جانب وذلك الشاب الکردي الذي يمتلك اسما صعبا بجانب آخر.
السويد
جاءت الايام ومرت، وهربت من العراق عام 1979، وإنقطعنا عن بعضنا. أريد أن أکون صادقا، فقد نسيت کريم العراقي، لأنه لم تکن هناك قناعة بإلتقائنا يوما.
في أحد أيام العقد التاسع من الالفية الماضية، جاء لاجئ الى مٶسسة الهجرة السويدية، وکنت يومها موظفا هناك کمترجم محلف، وما أن جلسنا في غرفة التحقيقات، وذکرت اسمي أمامه کمترجم له، فقد بادرني کريم العراقي: ألست أنت فلان؟ بموجب الاجراءات السائدة لم يکن يحق لي البقاء في غرفة التحقيقات لأننا نعرف بعضنا البعض، إذ أن القانون لا يسمح بذلك.
وطبقا للقوانين المعمول بها فقد تم إبلاغ مديرة المٶسسة(وکانت يومئذ إمرأة)، فذهبت الى غرفتها ورويت لها قصتي مع کريم العراقي، وکانت مفاجأة لهذه المديرة بأن رأت إهتماماتي الادبية وبعد أن قامت سکرتيرتها بتدوين کل ماذکرته أمامها، فقد سمحت لي بأن أبقى الى جانب کريم وأترجم له. مع ملاحظة أنه وفي تلك الايام کان الکثيرون يسجلون أنفسهم کعراقيين لکي يحصلوا على عق اللجوء، لذلك کانت الثقة کانت معدومة من هذا الجانب.
بعد بضعة أيام، هاتفني کريم وقال بأنه قد حصل على حق الاقامة الدائمة کلاجئ سياسي! وإن المحامي يقول بأن أشکر کوران. وهنأته وقلت له أن هذا من حقك.
کريم العراقي
في أکثرية مقابلاته في وسائل الاعلام، کان يتکلم عن ماضينا ويقول؛ أنا سعيد لأنني أينما أذهب أجد ثمة صديق يتکفل بي وکمثال على ذلك أنا وکوران في السويد.
بدر شاکر السياب وکريم العراقي
عندما إنتشر خبر المرض العضال لکريم العراقي في الارجاء، فإن المسٶولين في الامارات قد تابعوا حاله وإستدعوه لتلقي العلاج في أفضل المستشفيات. بدون أن يطلبون شيئا منه مقابل ذلك، علما بأنه کان يمتلك حق المعالجة التامة في السويد. العراقي، في حين إن بدر شاکر السياب بادر الى کتابة قصيدة في مدح أمير الکويت الذي سمح مقابل ذلك بمعالجته في احدى مستشفيات الکويت.
السياب الذي ضحى بفترة شبابه والفترة التي کان فيها طلبا جامعيا من أجل الحزب الشيوعي العراقي، لکنه عندما توفي لم يذکروا خبر وفاته لأنه کان قد إنتقد الحزب الشيوعي. والسياب الجد الاکبر للشعر الحر في الشرق العربي.
قلة هم الذين نجوا من الاستخفاف السياسي، وکثير أولئك الذين ذاع صيتهم في ظل السياسة وأصبحوا ينعمون برغد العيش. وهناك ثمة بلد قد أصبح بمثابة خرابة للثقافة الاصيلة، لکنه بمثابة الجنة لأشباه الساسة وأدعياء الثقافة. العراقي الذي توفي الجمعة الماضية، لن أسمع صوته بعد الان.
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=30496