تركيا ليس لها “حق الدفاع عن النفس”.. هذا ما يقوله القانون الدولي بشأن تبرير هجماتها على الكرد في سوريا

تبرر تركيا عدوانها المستمر على المدن والبلدات ضمن منطقة الإدارة الذاتية في شمال سوريا والذي يستهدف بشكل خاص المدن والبلدات ذات الغالبية الكردية، ووسائل عيشهم والبنية التحتية والمراكز الأمنية والحياتية بأنه يأتي في سياق “حق الدفاع عن النفس” في ردها على اتهامها بتنفيذ حملة “إبادة جماعية”.

لكن هل بالفعل تركيا تدافع عنه نفسها ..؟
يثير استمرار الهجمات على المدن والبلدات السورية واستمرار سقوط الضحايا وأغلبهم مدنيون قلقًا دوليًا، خاصة في ظل الآثار البشعة على الحياة المدنية والهياكل التحتية ووسائل العيش للسكان المدنيين. مع المطالب المتزايدة بفتح تحقيق دولي حول تجاوزات تركيا لحقوق الإنسان وضرب الاستقرار الإقليمي، ودعوتها إلى البحث عن حلول دبلوماسية لتخفيف التوترات وإحلال السلام في المنطقة.

تركيا وذريعة “حق الدفاع عن النفس”
تسببت الهجمات التركية المستمرة على المدن والبلدات ضمن منطقة الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا ومنطقة عفرين في سقوط مئات الضحايا، وتخلف دمارا هائلاً في البنية التحتية لا سيما وأن تلك الهجمات تستهدف بشكل مركز البنية التحتية وهو ما اعترف به رئيس الوزراء التركي والرئيس التركي في تصريحات متلفزة، لخصت الغاية النهائية من استهدافهم للمنطقة الحدودية بضرورة تهجير سكانها الحاليين وهم من الكرد لتوطين 3 مليون لاجئ عربي يقطنون تركيا بمزاعم أن هذه المنطقة صحراوية لم تعد تلائم معيشة الكرد.

“حق الدفاع عن النفس” هو الذريعة التي تتمسك بها تركيا، ورئيسها رجب أردوغان، فماذا يقول القانون الدولي عن هذه الذريعة؟

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استند على ذات المادة لتبرير هجومه المدمر على اوكرانيا.

ما المادة 51:
تنص المادة 51 من الجزء السابع من ميثاق الأمم المتحدة على أنّه “ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء “الأمم المتحدة” وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي، والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالاً لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فوراً، ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال، فيما للمجلس -بمقتضى سلطته ومسؤولياته المستمرة من أحكام هذا الميثاق- الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه”.

إساءة استخدام المادة:
تركيا سبق وأن تذرعت باستخدام هذه المادة في تدخلها السابق في سوريا، وشن ثلاث هجمات تبين لاحقا أنّ الغاية الأساسية من ورائها كان احتلال هذه المناطق وتهجير سكانها الأصليين تمهيدا لتوطين 3 مليون شخص تزعم تركيا أنّهم يقيمون في أراضيها، كما عمدت إلى تدمير مختلف الهياكل الإدارية والأمنية في المناطق السورية التي احتلتها وعوضت عنها بهياكل موالية لها واعتمدت على قواعد أساسية تتعلق بفرض التتريك وتغيير أسماء القرى والبلدات الى التركية وغير ذلك. كما أنّها استخدمت ذات المادة في التدخل العسكري في قبرص وشرق المتوسط وإقليم ناغورني كاراباخ وكذلك في ليبيا وتستخدمه في التدخل في العراق وإقامة العشرات من القواعد العسكرية.

ولتوضيح الجوانب الغامضة للمادة 51 أنشأ كوفي عنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة مجموعة عمل عام 2004 أصدرت تقرير “عالم أكثر أماناً: عملنا المشترك”.

وتنشأ المشكلة الأساسية في هذه المادة في الحالة التي يجري فيها تقييم التهديد المعني، كالحالة التركية واستغلالها المتكرر لتلك المادة في تبرير مطامحها في الغزو والتدخل الخارجي.

أولاً: مزاعم تركيا في استنادها على المادة 51 لتبرير هجماتها الوحشية غير سليمة على الإطلاق، فالجزء الثالث من المادة 51 لا ينطبق بتاتا: “تقليدياً (…) يمكن للدولة المهددة أن تشن عملية عسكرية شريطة أن يكون العدوان وشيكاً، وألا توجد طريقة أخرى لتجنب التهديد وأن يكون التدخل العسكري متناسباً”. وهو ما لم يتم أصلا.

قوات سوريا الديمقراطية التي تعرضت مناطقها بشكل أساسي للاستهداف لم تشن أي عدوان على تركيا، وكل مزاعم ربط الهجمات التي تستهدفها لا يستند لأي تحقيقات صحيحة، فلم يتم صدور أي نتائج نهائية للتحقيقات، ولم يتم الكشف عن ملابساتها، ولم تشكل أي لجان محايدة وتشارك في تلك التحقيقات.

أضف أنّ تركيا تشن هجماتها ثم تبحث عن حجج لتبريرها، مفضلة الرد العسكري واستهداف البنية التحتية والمدن الآهلة بالسكان ومخيمات النازحين، كطريقة مثلى تعتمدها بشكل أساسي في سوريا والعراق، لا سيما وأن البلدين مرتبطين بطموحات تركيا في إقامة ما تسميه “منطقة آمنة”.

لعل فشل الصفقات التي إرادتها تركيا مع واشنطن ومع موسكو ومع طهران بمطامح إقامة ما تسميه تركيا (المنطقة الآمنة) يدفع للاعتقاد بوجود رابط بين الهجمات التركية وتلك المطامع وهو المشروع الذي ظل أردوغان يروج له منذ اندلاع الحرب الأهلية في سوريا (2013)، لغايات تبدو للمجتمع الدولي خبيثة لذا رفض تمويلها أو دعمها لكونها تستهدف تهجير ثلث سكان سوريا من أهالي تلك المناطق من الكرد الذين لا يخفي أردوغان كراهيته مقابل توطين آخرين من اللاجئين وهم ورقة الرئيس التركي والقنبلة الموقوتة التي يود استغلالها في وجه الغرب تحديداً.

كما أنّ التدخل العسكري التركي المتكرر وقصف أهداف غير متناسب إطلاقاً بحسب ذات المادة حيث تبين أنّ من بين تلك الأهداف مستشفى و محطات طاقة ومياه ومراكز خدمية وبنى تحتية وصوامع تخزين الحبوب ومدارس ومخيمات للاجئين ومراكز تدريب مهنية ومعامل ومصانع، وهو ما يدعم الاتهامات الموجهة لتركيا في أنّها تهدف لضرب استقرار المنطقة وتهجير سكانها ويؤكد أنها ترتكب جرائم حرب وابادة جماعية.

ثانيا: تنص المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة المتعلق بالدفاع عن النفس على ما يلي: ” ليس في هذا الميثاق ما يخل بالحق الأصيل في الدفاع عن النفس الفردي أو الجماعي إذا وقع هجوم مسلح ضد أحد أعضاء الأمم المتحدة، إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لصون السلم والأمن الدوليين “.

وهنا نجد أنّ تصريحات المسؤولين الأتراك برمتها تربط الهجمات التي تشنها بمخطط ربط المناطق التي تحتلها في شمال سوريا وإقامة منطقة متصلة تمهيدا لمخطط كشف عنه الرئيس التركي في الجمعية العامة للأمم المتحدة بتوطين 3 مليون لاجئ فيها كلها تبرر وتربط هجوم ليلة 20 نوفمبر بأحداث تفجير شارع تقسيم دون الكشف كما أشرنا لنتائج التحقيقات.

لم تواجه تركيا أي تهديد وشيك من قوات سورية الديمقراطية ووحدات حماية الشعب والتي أكدت في عدة بيانات بأنّهم ملتزمون بالدفاع عن النفس داخل سوريا. وبما أنّه لا يوجد أي تهديد حقيقي، فإنّ رد تركيا – أي قصف المدن في جميع أنحاء المنطقة والتهديد باستخدام الوكلاء الجهاديين لغزو الأراضي التي تسيطر عليها قوات سورية الديمقراطية – لا يتناسب بأي حال من الأحوال مع القانون الدولي.

وعلى الرغم من المزاعم التركية على العكس من ذلك، فمن الواضح أنّ الدفاع عن النفس التقليدي أو الاستباقي لم يبرر إطلاق الهجوم. كما وانّ تركية لم تبلغ مجلس الأمن الدولى – وهو شرط آخر في المادة 51- عن نتائج التحقيق وتلقيها أي تهديدات أو خروقات مقنعة، وهي لم تبلغ مجلس الأمن أيضاً بالعملية العسكرية.

استهداف المدنيين:
سير الهجمات العسكرية التركية وغيرها من الهجمات لا يفي بالمعايير الدولية المتصلة بالحرب. فبموجب نظام روما الأساسي، فإنّ ” توجيه الهجمات عمدا ضد السكان المدنيين بصفتهم هذه أو ضد الأفراد المدنيين الذين لا يشاركون مباشرة في الأعمال الحربية” يعتبر جريمة حرب. حيث قامت الطائرات التركية بالقاء الصواريخ على المدن والبلدات السورية وقرب المخيمات ودمرت مشفى ومخازن حبوب ومحطات توليد الطاقة كما أنّ القصف تسبب في مقتل 12 مدنيا بينهم صحفي.

توصية:
– يجب على جميع الدول الفاعلة في الشأن السوري لاسيما الولايات المتحدة وروسيا أن يتخذوا خطوات فورية لوقف الهجمات التركية وإنهاء تواطؤهم في جرائم الحرب التي ترتكبها تركية ضد المدنيين. حيث لم يكن قصف المدنيين ممكنا بدون الضوء الأخضر الروسي الأمريكي وفتح المجال الجوي السوري أمام الطائرات التركية. كما وأنّ هذه الطائرات قد اشترتها تركية من الولايات المتحدة.

يجب على صناع السياسة في الولايات المتحدة أن يتصرفوا فورا لحظر مبيعات الأسلحة في المستقبل – وعلى جميع الحكومات الأخرى التي تستخدم معداتها العسكرية في العمليات التركية أن تفعل الشيء نفسه ولا سيما ألمانيا. ويتعين على الدول التي تعمل بالفعل كشركاء لقوات سورية الديمقراطية على الأرض فى سوريا – وخاصة الولايات المتحدة وروسيا – أن تقدم مساعدتها وتدعم الاستقرار بدلا من محاولة عكس مسارها والتعاون مع أردوغان.

على المدى الطويل، يجب على الدول والمنظمات الدولية ذات الصلة أن تبدأ عملية المساءلة القانونية عن جرائم تركيا في سوريا. وفي حين أنّ تركيا ليست طرفا في نظام روما الأساسي، لا تزال هناك عملية لإحالة إجراءاتها إلى المحكمة الجنائية الدولية. وتنص المادة 14 من نظام روما الأساسي على أنّه يجوز لأي دولة طرف في المعاهدة أن ” تشير إلى المدعي العام حالة يبدو أنّها ارتكبت فيها جريمة أو أكثر من الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة تطلب إلى المدعي العام التحقيق في حالة الغرض من تحديد ما إذا كان ينبغي توجيه تهم إلى شخص معين أو أكثر بارتكاب هذه الجرائم “.

من الواضح أنّ تركيا ارتكبت وترتكب جرائم ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية في سوريا و العراق. الصور ومقاطع الفيديو والشهادات من سكان المنطقة الذين يشهدون على الجرائم تؤكد ذلك. فأيّة دولة من الدول ال 123 التي صدقت على نظام روما الأساسي يمكن – بل ينبغي أن تبدأ – بجمع الأدلة لإحالة. يجب على شعوب تلك الدول الضغط على حكوماتها للقيام بذلك.

إنّ تصرفات تركيا في سوريا والعراق وهجماتها المتكررة هي مثال واضح على جرائم ضد الانسانية، وفق منظور القانون الدولي لحقوق الإنسان والمنظمات الدولية. وإذا كان العالم يؤمن بقيم مؤسساته، فإنّه سيسمي هذه الجرائم على ما هي عليه، ويعمل على وقفها، ويضمن المساءلة.

​المصدر: مركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا

شارك هذه المقالة على المنصات التالية