مشاهير الكرد في التاريخ ( الحلقة 54 ) الموسيقي إسحاق الموصلي: نديم الخلفاء (توفي عام 235 هـ /850 م)

د. أحمد الخليل

سليل الفن

ثمة مثل قديم يقول: ” الآباء يأكلون الحِصْرِم، والأبناء يَضْرَسون”.

ولكن ليس جميع الآباء يرتكبون الأخطاء، ويدفع أولادهم الثمن، فثمة آباء يفعلون العكس، إنهم يكدحون ويشقون، ويمهّدون الطريق لأولادهم، كي يعيشوا حياة تجمع بين الهناءة والمجد؛ وهذا ما نجده في سيرة كل من الموسيقي والمغنّي إبراهيم بن ماهان بن بَهْمَن بن نُسْك، المشهور باسم إبراهيم الموصلي، وسيرة ابنه الموسيقي والمغنّي إسحاق الموصلي.

ومرّ في الحلقة السابقة أن أسرة إبراهيم الموصلي هي بنت الجغرافيا الكردية اللورية، وبناء على ذلك رجّحنا أنه كردي لوري (فَيْلي)، أما كونه كردستانياً فأمر أكدته المعطيات الجغرافية التي أفصح عنها الجغرافيون القدماء، وقد تشرّد ماهان والد إبراهيم من موطنه أَرَّجان (في جنوب غربي إيران حالياً) وأم إبراهيم حامل به، هرباً من ظلم ولاة بني أمية، وتوجّهت الأسرة غرباً نحو العراق، واستقرت في الكوفة، ولم يكمل إبراهيم تعليمه في الكُتّاب، إذ كان هاوياً للموسيقى والغناء، وصحب بعض الفتيان من هواة الطرب، فأنكر أخواله عليه ذلك، فهرب إلى الموصل (ابن الجوزي: المنتظم، 9/ 156 – 157).

وتنقّل إبراهيم بين الموصل والرَّيّ Rai (رغه) والأُبُلّّة والمَذار (مَيْسان)، يلتقي بكبار الملحّنين والمغنّين، ويأخذ عنهم، ويعرض مهاراته الفنية على أسماعهم، وتمكّن- بفضل مواهبه واجتهاده- من الوصول إلى قصر والي البصرة الأمير العباسي محمد بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس، وتدرّج في الارتقاء، ليصبح أحد كبار الموسيقيين والمغنّين في بلاط الخلفاء العباسيين؛ بدءاً من المَهدي، ومروراً بالهادي، وانتهاء بهارون الرشيد، وحصل على الجوائز الثمينة والمكافآت الكثيرة، وكان من الطبيعي أن يصبح من مشاهير عصره، ومن كبار الأغنياء أيضاً.

وبما أن إبراهيم صار من حاشية الأمير العباسي محمد بن سليمان في وقت مبكّر إلى حدّ ما، ونال جوائزه، فذلك يعني أن ابنه إسحاق – ولد سنة (155 هـ/772 م)-  عاش حياة بعيدة عن الفقر منذ أيام صباه، ولا ريب في أنه صار ينعم بحياة القصور في بغداد بعد أن أصبح والده من المقرَّبين إلى الخلفاء، وكان من الطبيعي أيضاً أن يحظى بما كان يحظى به أبناء عِلْية القوم في عصره من رخاء العيش، وتحصيل للآداب والعلوم، ويتضح من سيرة إسحاق أن والده اعتنى بتعليمه، واعتنى في الوقت نفسه بإعداده ليخلفه في مجال الموسيقى والغناء في بلاط الخلفاء.

ثقافة موسوعية

ولا يكفي أن ينعم المرء بالرخاء، وبفرص التعلم، كي يصبح متعلماً قديراً، وإنما لا بد من أن تكون لديه رغبة حقيقية في التعلم، وكان إسحاق ممن يمتلك تلك الرغبة، بل يستفاد من سيرته أنه كان حريصاً جداً على توسيع معارفه في مجالات عديدة، وترسيخ معلوماته، والانتقال إلى مرتبة المثقف الموسوعي، هذا رغم أنه كان من المتخصصين في فن الموسيقى والغناء؛ وأشار الأصبهاني إلى ذلك في كتابه (الأغاني، 5/271 – 272) قائلاً:

” أخبرني يحيى بن علي المنجِّم قال أخبرني أبي عن إسحاق قال: بقيت دهراً من دهري أُغلِّس [الغَلَس: ظلمة الليل قُبيل الفجر] في كل يوم إلى هُشَيْم [محدِّث] فأسمع منه، ثم أصير إلى الكِسائي أو الفَرّاء أو ابن غَزالة [نحاة]، فأقرأ عليه جزءاً من القرآن، ثم آتي منصور زَلْزَل [ضارب عود شهير] فيضاربني طَرْقَين أو ثلاثة، ثم آتي عاتِكَة بنت شُهْدَة [مغنّية]، فآخذ منها صوتاً أو صوتين، ثم آتي الأَصْمَعي وأبا عُبَيْدة [لغويان وراويان]، فأناشدهما وأحدّثهما فأستفيد منهما، ثم أصير إلى أبي فأُعلمه ما صنعت ومن لقِيت وما أخذت وأتغدّى معه، فإذا كان العشاء رحت إلى أمير المؤمنين الرشيد“.

إذاً لم يكن إسحاق فوضوياً في مسيرته التثقيفية، إنه كان يسير وَفق خطة دقيقة، فيدور في اليوم الواحد على مشاهير المحدّثين والنحاة واللغويين والملحّنين والمغنين، فيتعلّم من صاحب كل علم، ويبدو أن والده إبراهيم كان يتابع بحزم ولده في تنفيذ تلك الخطة التثقيفية، بل كان ينتظر كل يوم من ابنه أن يقدّم له تقريراً شفهياً حول تحصيله الثقافي، وفي المساء كان يصطحبه معه لحضور مجلس الخليفة، ومعروف أن مجالس الخلفاء حينذاك كانت عامرة بكبار العلماء في مختلف الميادين.

ولم يبخل إسحاق بالأموال لاستكمال تحصيله الثقافي في فنون العلم، إنه كان يقدّم لمن يعلّمه أموالاً كثيرة، وكان يعلم أنه ليس بخاسر، وأنه سيستردّ في المستقبل أضعاف ما ينفقه من الأموال في مجال العلوم، لقد قال: ” أخذ مني منصور زَلْزَل، إلى أن تعلمت مثلَ ضربه بالعود، أكثر من مائة ألف درهم ” (الأغاني، 5/272). وكان زَلَزَل من كبار الضاربين على العود في ذلك العصر. وذكر الأصبهاني (الأغاني، 5/274) كرم إسحاق على معلميه قائلاً:

” كان إسحاق يُجري على ابن الأعرابي [لغوي كبير] في كل سنة ثلثمائة دينار، وأهدى له ابن الأعرابي شيئاً من كتاب النَّوادر كتبه له بخطه؛ فمرّ ابن الأعرابي يوماً على باب دار الموصلي ومعه صديق له؛ فقال له صديقه: هذه دار صديقك أبي محمد إسحاق. فقال: هذه دارُ الذي نأخذ من ماله ومن أدبه “.

ولعل من الغريب أن نجد إسحاق- وهو رجل الموسيقى والغناء- حريصاً على تحصيل علم الحديث أيضاً، قال الأصبهاني (الأغاني، 5/269):

” وقد روى الحديث، ولقي أهله؛ مثل مالك بن أَنَس، وسُفيان بن عُيَيْنَة، وهُشَيْم بن بَشير، وإبراهيم بن سَعد، وأبي معاوية الضَّرير، ورَوْح بن عُبادة، وغيرهم من شيوخ العراق والحجاز. وكان مع كراهته الغناء أضنّ خلق الله وأشدهم بخلاً به على كل أحد حتى على جواريه وغلمانه ومن يأخذ عنه منتسباً إليه متعصّباً له، فضلاً عن غيرهم “.

وروى إسحاق قائلاً:

” جئت يوماً إلى أبي معاوية الضَّرير ومعي مائة حديث، فوجدت حاجبه يومئذ رجلاً ضريراً؛ فقال لي: إن أبا معاوية قد ولاّني اليوم حِجْبتَه لينفعني. فقلت: معي مائة حديث، وقد جعلت لك مائة درهم إذا قرأتُها. فدخل واستأذن لي فدخلت. فلما عرفني أبو معاوية دعاه، فقال له: أخطأتَ، وإنما جعلتُ لك مثل هذا من ضعفاء أصحاب الحديث، فأما أبو محمد [يقصد إسحاق] وأمثاله فلا. ثم أقبل عليّ يرغّبني في الإحسان إليه، ويذكر ضعفَه وعنايتَه به. فقلت له: احتكِم في أمره. فقال: مائة دينار؛ فأمرت بإحضارها الغلامَ، وقرأت عليه ما أردت وانصرفت “(الأغاني، 5/273 – 274، وانظر ابن الجوزي: المنتظم، 11/226- 227).

بل كان إسحاق يستخدم نفوذ كبار القوم عند العلماء، كي يسهّلوا له تحصيل ما يرغب فيه من العلوم، ولاسيما علم الحديث، وقال في هذا الشأن:

” صرت إلى سُفيان بن عُيَيْنة لأسمع منه، فتعذّر ذلك عليّ وصعب مرامه، فرأيته عند الفَضْل بن الرَّبِيع [من الوزراء]، فسألته أن يُعرّفه موضعي من عنايته ومكاني من الأدب والطلب، وأن يتقدّم إليه بحديثي. ففعل وأوصاه بي؛ فقال: إن أبا محمد من أهل العلم وحَمَلته. قال: فقلت: تَفْرِض لي عليه ما يحدّثني به. فسأله في ذلك. ففرض لي خمسة عشَر حديثاً في كل مجلس؛ فصرت إليه، فحدّثني بما فرض لي. فقلت له: أعزّك الله، صحيح كما حدّثتني به؟ قال: نعم، وعقَد بيده شيئاً، قلت: أفأرويه عنك؟ قال: نعم، وعقَد بيده شيئا آخر، ثم قال: هذه خمسة وأربعون حديثاً، وضحك إلي، وقال: قد سرّني ما رأيتُ من تقصّيك في الحديث، وتشدّدك فيه على نفسك، فصِرْ إليّ متى شئت حتى أحدّثك بما شئتَ ” (الأغاني، 5/273).

وليس عجيباً، والحال هذه، أن يصبح إسحاق من كبار مثقفي عصره، وخاصة في مجالات الأدب وعلم الفقه، قال الأصبهاني (الأغاني، 5/268):

” وموضعُه من العلم، ومكانُه من الأدب، ومحلُّه من الرواية، وتقدُّمه في الشعر، ومنزلتُه في سائر المحاسن، أشهرُ من أن يُدَلّ عليه فيها بوصف؛ وأما الغناءُ فكان أصغر علومه وأدنى ما يوسَم به، وإن كان الغالب عليه وعلى ما كان يُحسنه؛ فإنه كان له في سائر أدواته نظَُراء وأكْفاء، ولم يكن له في هذا نظير؛ فإنه لحق بمن مضى فيه وسبق من بقي، ولََحَب [وسّع] للناس جميعاً طريقه فأوضحها، وسهّل عليهم سبيله وأنارها؛ فهو إمام أهل صناعته جميعاً، ورأسُهم ومعلّمُهم؛ يعرف ذلك منه الخاصّ والعامّ، ويشهد به الموافق والمفارق“.

وجاء في (تاريخ بغداد، 6/340 – 341) أن إسحاق الموصلي قال:

” لمّا خرجنا مع الرشيد إلى الرَّقّة قال لي الأَصْمَعي: كم حملتَ معك من كتبك؟ قلت: تخفّفت فحملت ثمانية أحمالٍ ستةَ عشَرَ صندوقاً. قال: فعجب. فقلت: كم معك يا أبا سعيد؟ قال: ما معي إلا صندوق واحد”.

وتقدّم إسحاق في ميادين الثقافة- وخاصة علم الفقه- تقدماً كبيراً، حتى إن المأمون- وهو الخليفة الواسع الثقافة، الخبير بفنون العلوم والآداب- أشاد به في أكثر من مناسبة، وكان يرشّحه لتولّي منصب القضاء، بل كان يفضّله على كثيرين من قضاة عصره؛ وهذا دليل على أن إسحاق لم يكن من البارزين في مجال علم الفقه فقط، بل كان يمتاز بخصال حميدة أيضاً، قال الأصبهاني (الأغاني، 5/268 – 269):

” وكان المأمون يقول:  لولا ما سبق على ألسنة الناس، وشُهر به عندهم، لولّيته القضاءَ بحضرتي، فإنه أولى به، وأعفّ وأصدق وأكثر ديناً وأمانة من هؤلاء القضاة “.

وأكد الأصبهاني رأي المأمون في إسحاق قائلاً (الأغاني، 5/272):

 “حدّثَنا ابن شَبيب من جلساء المأمون عنه، أنه قال يوماً- وإسحاق غائب عن مجلسه-: لولا ما سبق على ألسنة الناس، واشتهر به عندهم من الغناء، لولّيته القضاء، فما أعرف مثله ثقةَ وصدقاً وعفّةً وفقهاً؛ هذا مع تحصيل المأمون وعقله ومعرفته”.

موهبة شعرية

أما في مجال الشعر فكان إسحاق من الشعراء البلغاء، وقد شهد له الأَصْمَعي- وهو لغوي كبير- بذلك، وروى الأصبهاني (الأغاني، 5/278) ” أن الأصمعي أُنشد قولَ إسحاق يذكر ولاءه لخُزَيمَة بن خازم:

إذا كانت الأحرارُ أصلي ومَنصبي

ودافعَ ضَيْمي خازمٌ وابنُ خــازمِ

عَطَسْتُ بأنفٍ شــامخ، وتناولتْ

يدايَ الثُّريّا قاعــــداً غيرَ قائمِ

قال: فجعل الأصمعي يعجب منهما ويستحسنهما، وكان بعد ذلك يذكرهما ويفضلهما“.

ونقل الأصبهاني عن إسحاق أنه قال (الأغاني، 5/316): ” أنشدت في حضرة المعتصم:

قل لمــن صدَّ عاتبا        ونأى عنـــكَ جانبا

قد بلغتَ الــذي أرد        تَ وإن كنتَ لاعــبا

فأعجبه، وقال لي: قد- والله- أحسنت! وأمر لي بألفي دينار“.

ومن شعر إسحاق في حضرة الخليفة هارون الرشيد:

وآمرةٍ بالبخل قلت لهــا: اقصُري

 فذلك شيءٌ ما إليــــه سبيلُ

أرى الناسَ خُلاّنَ الكرام، ولا أرى

بخيلاً له حتى الممـــات خليلُ

وإني رأيتُ البخــل يُزْري بأهلهِ

فأكرمتُ نفسي أن يقــال: بخيلُ

ومن خير حالات الفتى لو علمتِه

إذا نال خيراً أن يكـــون يُنيلُ

فَعالي فَعـــال المُكْثرين تَجمُّلاً

ومالي كمـــا قد تعلمين قليلُ

وكيف أخاف الفقرَ أو أُحْرَمَ الغنى

ورأيُ أميــر المؤمنين جميلُ؟!

” فقال الرشيد: لا تخف إن شاء الله؛ ثم قال: لله دَرُّ أبيات تأتينا بها؛ ما أشدَّ أصولَها، وأحسنَ فصولَها، وأقلّ فضولَها! وأمر له بخمسين ألف درهم” (الأغاني، 5/322. وانظر القالي: الأمالي، 1/31).

مغنّ يكره الغناء

إن ثقافة إسحاق الموسوعية جعلته يستصغر على نفسه أن يكون مجرد مغنّ في بلاط الخليفة، وأن يسمى (المغنّي)، ولعله كان يرى أنه لا يقلّ معرفة بالأدب والفقه وعلم الكلام من كثيرين ممن لمعت أسماؤهم في هذه الميادين، قال الأصفهاني (الأغاني، 5/268):

” على أنه كان أكرهَ الناس للغناء، وأشدَّهم بغضاً لأنْ يدعى إليه أو يُسمّى به. وكان يقول: لَوَدِدتُ أن أُضرَب، كلما أراد مريدٌ مني أن أغنّي، وكلما قال قائل: إسحاق الموصلي المغنّي، عشرَ مَقارِع، لا أطيق أكثرَ من ذلك، وأُعفى من الغناء، ولا يَنسُبني مَن يذكرني إليه “.

وذكر الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد، 6/342 – 343) نقلاً عن شاعر اسمه محمد بن عطيّة العطوي ”  أنه كان عند يحيى بن أَكْثَم [كبيرالقضاة] في مجلس له يجتمع الناس فيه، فوافى إسحاق بن إبراهيم الموصلي، فأخذ يناظر أهل الكلام حتى انتصف منهم، ثم تكلم في الفِقه، فأحسن وقاس واحتجّ، وتكلم في الشعر واللغة، ففاق من حضر. فأقبل على يحيى فقال: أعزَّ الله القاضي، أفي شيء مما نظرتُ فيه وحكيته نقص أو مَطْعَن؟ قال: لا. قال: فما بالي أقوم بسائر هذه العلوم قيامَ أهلها، وأُنسَب إلى فنّ واحد قد اقتصر الناس عليه؟ قال العَطوي: فالتفت إليّ يحيى بن أكثم فقال: جوابه في هذا عليك… فقلت: نعم أعز الله القاضي، الجواب عليّ. ثم أقبلت على إسحاق، فقلت: يا أبا محمد، أنت كالفَرّاء والأَخْفَش في النحو؟ قال: لا. قلت أفأنت في اللغة وعلم الشعر كالأَصْمَعي وأبي عُبَيْدة؟ قال: لا. قلت: أفأنت في الأنساب كالكَلْبى وأبي اليَقْظان؟ قال: لا. قلت: أفأنت في الكلام كأبي الهُذَيْل والنَّظّام؟ قال: لا. قلت: أفأنت في الفِقه كالقاضي؟ قال: لا. قلت: أفأنت في قول الشعر كأبي العَتاهية وأبى النُّوّاس؟ قال: لا. قلت فمِن ها هنا نُسِبتَ إلى ما نُسبتَ إليه؛ لأنه لا نظيرَ لك فيه ولا شبيه، … فضحك وقام فانصرف. فقال لي يحيى بن أكثم: لقد وَفّيت الحجّةَ حقَها، وفيها ظلمٌ قليل لإسحاق، وإنه لممّن يَقِلّ في الزمان نظيره “.

ونقل الأصبهاني (الأغاني، 5/286) عن عليّ بن المنجِّم قوله:

” سأل إسحاقُ الموصلي المأمونَ أن يكون دخوله إليه مع أهل العلم والأدب والرواة لا مع المغنّين، فإذا أراده للغناء غنّاه. فأجابه إلى ذلك؛ ثم سأله بعد حين أن يأذن له في الدخول مع الفقهاء. فأذن له. قال: فحدثني محمد بن الحارث بن بُسْخُنَّر أنه كان هو ومُخارِق وعَلّويه [مغنّيان] جلوساً في حجرة لهم ينتظرون جلوسَ المأمون وخروجَ الناس من عنده، إذ دخل يحيى بن أَكْثَم وعليه سواده [لباس أسود كان شعار بني العباس وأتباعهم] وطويلته [قَلَنْسُوَة طويلة كانت للقضاة]، ويدُه في يد إسحاق يماشيه، حتى جلس معه بين يَدَيْ المأمون، فكاد عَلّويه أن يُجَنّ، وقال: يا قوم، أسمعتم بأعجب من هذا؟! يدخل قاضي القضاة ويده في يد مغنّ حتى يجلسا بين يدي الخليفة! ثم مضت على ذلك مدة، فسأل إسحاق المأمون أن يأذن له في لبس السَّواد يوم الجمعة والصلاة معه في المقصورة. قال: فضحك المأمون وقال: ولا كلّ ذا يا إسحاق! وقد اشتريت منك هذه المسألة بمائة ألف درهم؛ وأمر له بها “.

وأقل ما نستنتجه من هذا الخبر أن إسحاق كان في نفسه أكبر من أن يكون مصنَّفاً مع المغنّين والملحّنين، وأن المأمون وحاشيته كانوا يقدّرون له ذلك، وقد أراد إسحاق ذات مرة أن ينخلع من صنعة الغناء، ولعله كان بذلك يهيّئ نفسه كي يتخلّص من صفة (المغنّي)، لكن المأمون لم يوافقه على ذلك، قال الأصبهاني (الأغاني، 5/374): ” كان إسحاق قد أظهر التوبة وغيّر زِيّه، واحتَجَر [تغيّب] من حضور دار السلطان. فبلغه أن المأمون وَجَد [غضب] عليه من ذلك وتنكّر، فكتب إسحاق إليه، وغنّى فيه بعد ذلك:

يابنَ عمّ النبي، سمعاً وطـاعةْ

قد خلعــنا الرداء والدُّرّاعةْ

ورَجَعنا إلى الصناعة لمّا كان

سَخَطُ الإمــام تركَ الصناعةْ “.

عبقرية موسيقية

ولننتقل إلى مواهب إسحاق الموسيقية والغنائية، ولا عجب أن يكون الرجل عبقرياً في هذا المجال، وكيف لا؟! فهو من ناحية وارث سليل والده العبقري، وخرّيج مدرسته الموسيقية الغنائية، وهو من ناحية أخرى رجل واسع الثقافة، خبير بالأدب، مبدع للشعر، مطّلع على المعلومات الموسيقية المترجمة من كتب اليونان، وإن اجتماع الموهبة الفطرية مع الثقافة العميقة كان حرياً بأن يوصل إسحاق إلى درجات عليا من الإبداع الفني، وشهد له معاصروه من الخبراء في الغناء والموسيقى بأنه “هو الذي صحّح أجناس الغناء وطرائقه، وميّزه تمييزاً لم يَقدِر عليه أحد قبله، ولا تعلّق به أحد بعده ” (الأغاني، 5/269)، وقد ألّف كتاباً في فن الموسيقى والغناء سمّاه (الأغاني)، ذكره تلميذه عمرو بن بانَة، وأشاد به. وأتى في كتابه “على كل ما رسمتْه الأوائل مثل إقْليدس ومَن قبلَه ومَن بعدَه من أهل العلم بالموسيقى، ووافقهم بطبعه وذهنه فيما قد أَفنَوا فيه الدهور، من غير أن يقرأ لهم كتاباً أو يعرفه” (الأغاني، 5/269 – 270).

ولم تأت عبقرية إسحاق عبثاً، وإنما كانت نتيجة بحث ودراسة ومتابعة وتدريب مستمر، وقد سأله ذات يوم أحد كبار رجال البلاط سؤالاً موسيقياً صعباً، فأحرجه، فذهب إلى صديقه عليّ بن يحيى المنجّم، وقال له:

” إن هذا الرجل سألني عما سمعتَ، ولم يبلغ علمه أن يستنبط مثله بقريحته، وإنما هو شيء قرأه من كتب الأوائل، وقد بلغني أن التراجمة عندهم يترجمون لهم كتب الموسيقى، فإذا خرج إليك منها شيء فأعطنيه” (الأغاني، 5/270 – 271).

ووعده صديقه علي بذلك، وقال في هذا الصدد (الأغاني، 5/270 – 271):

” ومات قبل أن يخرج إليه شيء منها. وإنما ذكرتُ هذا بتمام أخباره كلها ومحاسنه وفضائله، لأنه من أعجب شيء يُؤْثَر عنه أنه استخرج بطبعه علماً رسمته الأوائل؛ لا يوصل إلى معرفته إلا بعد عِلم كتاب إقليدس الأول في الهندسة، ثم ما بعده من الكتب الموضوعة في الموسيقى، ثم تعلّم ذلك وتوصّل إليه واستنبطه بقريحته، فوافق ما رسمه أولئك، ولم يَشِذّّ عنه شيء يحتاج إليه منه، وهو لم يقرأه ولا له مدخل إليه ولا عرفه، ثم تَبيَّن بعد هذا، بما أذكره من أخباره ومعجزاته في صناعته، فضلُه على أهلها كلهم وتميُّزه عنهم، وكونُه سماءً هم أرضها، وبحراً هم جداوله “.

بلى، بهذا الجد والاجتهاد وصل إسحاق إلى ما وصل إليه من مهارة موسيقية رفيعة، وقد قال ذات مرة (الأغاني، 5/277):

” دخلت على المأمون يوماً وعَقِيد [مغنّ] يغنّيه ارتجالاً، وغيره يضرب عليه. فقال: يا إسحاق، كيف تسمع مغنّينا هذا؟ فقلت: هل سأل أمير المؤمنين عن هذا غيري. قال: نعم، سألت عمي إبراهيم [ابن المَهدي]، فوصفه وقرَّظه [مدحه] واستحسنه؛ فقلت له: يا أمير المؤمنين – أدام الله سرورك، وأطاب عيشك – إن الناس قد أكثروا في أمري، حتى نَسبتْني فِرقة إلى التزيّد في علمي. فقال لي: فلا يَمنعْك ذلك من قول الحق إذا لَزِمك. فقلت لعَقيد: اُرْدُد هذا الصوت الذي غنّيته آنفاً. وتَحفّظَ فيه، وضرب ضاربُه عليه. فقلت لإبراهيم بن المَهدي: كيف رأيته؟ فقال: ما رأيت شيئاً يُكرَه ولا سمعتُه. فأقبلت على عَقيد، فقلت له حين استوفاه: في أيّ طريقة هذا الصوت الذي غنّيتَه؟ قال: في الرَّمَل [لحْن]؛ فقلت للضارب: في أيّ طريقة ضربتَ أنت؟ قال: في الهَزَج الثقيل [لحْن]؛ فقلت: يا أمير المؤمنين، ما عسَيتُ أن أقول في صوت يغنّي مغنّيه رَمَلاً ويضرب ضاربه هزَجَاً، وليس هو صحيحاً في إيقاعه الذي ضرب عليه؟! قال [إسحاق]: وتَفهَّمَه إبراهيمُ بن المَهدي بعدي، فقال: صدق يا أمير المؤمنين“. وأضاف إسحاق قائلاً: “وجعل [المأمون] يتعجّب من ذَهاب ذلك على كل من حضر، وكنّاني في ذلك اليوم مرتين“.

إن في هذا الخبر دليلاً واضحاً على رهافة الحس الموسيقي عند إسحاق، وعلى دقة ملاحظته وقوة حجّته، ولم تكن ثقافة إسحاق الموسيقية مقتصرة على الألحان الأعجمية (الكردية، الفارسية) والعربية فقط، وإنما كان محيطاً بالألحان الرومية أيضاً، وكان يمتلك مهارة تمييز اللحن الرومي وإن كان الغناء بالعربية، وأهّلته خبرته ومواهبه الموسيقية لأن يكون حَكَماً بين كبار المغنّين في البلاط العباسي حينذاك، وكان يصدر في أحكامه عن رؤية فنية دقيقة وحس موسيقي مرهَف، قلما  امتلكه غيره، وكان يجعل للممارسة القول الفصل، ويمتحن المتنافسين، ويُصدر الحكم غير منحاز، ونتيجة ذلك كان يتعرّض لغضب بعض من لم يقدّمه في المرتبة (الأغاني، 5/279 – 280).

وبلغت عبقرية إسحاق الموسيقية أنه كان يشوّش مواقع أوتار العود، ثم يضرب عليه اللحن المناسب لكل أغنية، دونما أدنى خلل، وكان هذا أمراً يعجز عنه الآخرون، وقد فعل ذلك في مجلس الخليفة الواثق بالله، حينما تحدّاه مغنّ يدعى (مُلاحظ). وقال الأصبهاني (الأغاني، 5/281 – 282):

” تناظر المغنّون يوماً عند الواثق، فذكروا الضُّرّاب وحِذْقهم، فقدّم إسحاق زَلْزَلاً على مُلاحِظ، ولملاحظ في ذلك الرياسة على جميعهم. فقال له [لإسحاق] الواثق: لئن متَّ لتموتنَ هذه الصناعة معك. وأمر له بثلاثين ألف درهم “.

وقال إسحاق (الأغاني، 5/285):

” دعاني المأمون وعنده إبراهيم بن المَهدي، وفي مجلسه عشرون جارية، قد أجلس عشراً عن يمينه وعشراً عن يساره، ومعهن العيدان يَضربن بها؛ فلما دخلت سمعت من الناحية اليسرى خطأً فأنكرته. فقال المأمون: يا إسحاق، أتسمع خطأ؟ فقلت: نعم- والله- يا أمير المؤمنين؛ فقال لإبراهيم: هل تسمع خطأ؟ فقال: لا. فأعاد عليّ السؤال. فقلت: بلى- والله- يا أمير المؤمنين، وإنه لفي الجانب الأيسر. فأعاد إبراهيم سمعه إلى الناحية اليسرى، ثم قال: لا- والله- يا أمير المؤمنين، ما في هذه الناحية خطأ. فقلت: يا أمير المؤمنين، مُر الجواري اللواتي على اليمين يُمسكن. فأمرهن فأمسكن. فقلت لإبراهيم: هل تسمع خطأ؟ فتسمّع ثم قال: ما ها هنا خطأ. فقلت: يا أمير المؤمنين، يُمسكن وتَضرِب الثامنة. فأمسكن وضربت الثامنة، فعرف إبراهيم الخطأ،…  فطرب أمير المؤمنين المأمون، وقال: لله دَرُّك يا أبا محمد؛ فكنّاني يومئذ “.

ولم يكن إسحاق رخيم الصوت عذبه، ومع ذلك كان يعرف كيف يؤدّي الغناء بشكل رائع، لذلك كان أقرانه ومنافسوه في مجال فن الموسيقى والغناء، يحسبون له ألف حساب، وقد قال أحد معاصريه:

” قلت لزُرْزُور الكبير: كيف كان إسحاق يَنْفُق على الخلفاء [تروج بضاعته] معكم؛ وأنت وإبراهيم بن المَهدي ومُخارِق أطيبُ أصواتاً وأحسنُ نغمة؟ قال: كنا – والله يا بُني- نَحضر معه، فنجتهد في الغناء، ونُقيم الوَهَج [نقدّم ما هو رائع] فيه، ويُقبل علينا الخلفاء، حتى نطمعَ فيه، ونظن أنا قد غلَبناه، فإذا غنّى عمِل في غنائه أشياء من مداراته وحِذْقه ولطفه، حتى يُسقطنا كلَّنا، ويُقبل عليه الخليفة دوننا، ويُجيزِه دوننا، ويُصغَى إليه، ونرى أنفسنا اضطراراً دونه ” (الأغاني، 5/326).

وروى الأصبهاني (الأغاني، 5/327) أنه: ” كان المغنّون إذا حضروا، وليس إسحاق معهم، غنَّوا هُوَْينى، وهم غير مفكرين؛ فإذا حضر إسحاق لم يكن إلا الجِدُّ “. وكان إسحاق حريصاً على تجويد إنتاجه الفني، وإتقان أدائه الموسيقي، ولم يكن ممن يركض خلف المظاهر، ويهمل الجوهر، وقد قال أحد معاصريه لحمّاد بن إسحاق (الأغاني، 5/430):

” قلت لأبيك إسحاق: يا أبا محمد، كم يكون غناؤك؟ قال: نحواً من أربعمائة صوت [لحن أغنية]. قال: وقال له رجل بحضرتي: ما لك لا تُكثر الصنعة كما يُكثر الناس؟! قال: لأني إنما أنقر في صخرة “.

وقد شهد الخلفاء لإسحاق بعلوّ شأنه في فن الغناء، فقال الواثق (الأغاني، 5/286): “ما غنّاني إسحاق قط إلا ظننت أنه قد زيد لي في ملكي، ولا سمعته يغنّي غناء ابن سُرَيْج [مغنّ شهير قديم] إلا ظننت أن ابن سُريج قد نُشِر، وإنه ليحضرني غيره إذا لم يكن حاضراً، فيتقدمه عندي وفي نفسي بطيب الصوت، حتى إذا اجتمعا عندي رأيت إسحاق يعلو، ورأيت من ظننته يتقدمه ينقص؛ وإن إسحاق لَنعمةٌ من نعم المُلك التي لم يُحظَ بمثلها؛ ولو أن العمر والشباب والنشاط مما يُشترى لأشتريتهن له بشطر [نصف] ملكي“.

حسّاد.. وذكاء

لقد مر في الحلقة الخاصة بسيرة إبراهيم الموصلي أن المنافسة الفنية بينه وبين الأمير العباسي إبراهيم بن المهدي كانت شديدة، وكان إبراهيم بن المهدي يستغل كونه من الأسرة الحاكمة في التضييق على إبراهيم والتحامل عليه، وكان يتحايل عليه، ويسرق بعض ألحانه، وينسبها في مجالس الخلفاء إلى نفسه، ويُحرج إبراهيم. وبعد وفاة إبراهيم الموصلي، وحلول ابنه إسحاق محلّه، وجّه إبراهيم بن المهدي سهامه إلى إسحاق، فكان يحاول الحطّ من شأنه، والانتقاص من انتمائه، ويصفه بأنه (جُرْمُقاني) (الأغاني، 5/289). وأحياناً كان الخلاف يتفاقم بينهما بشدة في حضرة الرشيد، وما كان إسحاق يتردّد في الردّ عليه بجرأة وقسوة، بل عيّره ذات مرة بأخواله في حضرة الرشيد، وكان الرشيد يصلح بينهما، ويدافع عن إسحاق، ويردع أخاه إبراهيم عن الإساءة إليه، ويهدّده إذا ألحق مكروهاً بإسحاق (الأغاني، 5/297).

وإن المرتبة التي بلغها إسحاق عند الخلفاء وكبار رجال البلاط كانت تثير الحسد في نفوس أقرانه من أرباب الفن، ومنهم مُخارِق وعَلّويه، وقد وجدا إسحاق يدخل ذات يوم إلى مجلس الخليفة الواثق بصحبة القاضي أحمد بن أبي دُؤَاد، وفي زيّ مثل زيّه، ” فقامت على عَلّويه القيامة وقال: يا هؤلاء، خِيناكر [كلمة أعجمية تعني: المغنّي المُضْحِك] يدخل إلى الخليفة مع قاضي القضاة! أسمعتم بأعجب من هذا البَخْت قط! فقال له مُخارِق: دع هذا عنك، فقد- والله- بلغ ما أراد. ولم نلبث أن خرج ابن أبي دُؤاد ودُعي بنا فدخلنا، فإذا إسحاق جالس في صف النُدَماء لا يخرج منه، فإذا أمره الواثق أن يغنّي خرج عن صفهم قليلاً، وأُتي بعود، فغنّى الصوتَ الذي يأمره به؛ فإذا فرَغ من القَدَح قطع الصوت الذي يأمره به حيث بلغ ولم يُتِمّه، ورَجَع إلى صف الجُلَساء” (الأغاني، 5/296).

وكان بعض كبار المغنّين يَكيدون لإسحاق عند الخلفاء، وقد فعل مُخارق ذلك عند الواثق، لكن إسحاق كان يخرج من المعركة منتصراً في النهاية، لسبب واحد؛ هو أنه كان واثقاً على الدوام مما يقول، ولم يكن ينطق في مجال الموسيقى والغناء إلا بما هو منطقي ومؤكد. (الأغاني، 5/360 – 361).

وإضافة إلى العبقرية الفنية والثقافة الموسوعية، كان إسحاق يمتاز بالذكاء وسرعة البديهة، وروى الأصبهاني عن إسحاق (الأغاني، 5/405) في هذا الصدد قوله:

” ذكر المعتصم يوماً بعض أصحابه وقد غاب عنه، فقال: تعالَوا حتى نقول ما يصنع في هذا الوقت. فقال قوم: يلعب بالنِّرْد [طاولة الزَّهر]، وقال قوم: يغنّي. فبلغتني النوبة. فقال: قل يا إسحاق. قلت: إذا أقول وأصيب؟! قال: أتعلم الغيب؟ قلت: لا، ولكني أفهم ما يصنع وأَقْدِر على معرفته. قال: فإن لم تُصِبْ. قلت: فإن أصبت؟ قال: لك حُكْمُك، وإن لم تُصِب؟! قلت: لك دمي. قال: وَجَب. قلت: وَجَب. قال: فقل. قلت: يتنفس. قال: فإن كان ميتاً؟ قلت: تُحْفَظ الساعةُ التي تكلمت فيها، فإن كان مات فيها أو قبلها فقد قَمَرْتَني [غلبتني]، فقال: قد أنصفتَ. قلت: فالحُكْم. قال: احتكم ما شئت. قلت: ما حكمي إلا رضاك يا أمير المؤمنين”.

–  –  –  –

وخلاصة ما يستنتجه الباحث في سيرة إسحاق الموصلي أنه كان فنّاناً عبقرياً بحق، جمع بين الموهبة الموسيقية والثقافة الموسوعية، وامتاز بالإحساس المرهف، والخلق الرفيع، والمعرفة الواسعة، والذكاء الوقّاد، وشهد له معاصروه ومن جاء بعده من المؤرخين بكل ذلك وأكثر؛ قال الحافظ المؤرخ الذهبي في (تاريخ الإسلام، حوادث ووفيات 231 – 240، ص 93): ” كان إليه المنتهى في معرفة الموسيقى، وله أدبٌ وافر، وشعر رائق جَزْل، وكان عالماً بالأخبار وأيام الناس، وغير ذلك من الفِقه والحديث واللغة، وفنون العلم “.

ونقل الذهبي (تاريخ الإسلام، حوادث ووفيات 231 – 240، ص 94) عن الخطيب البغدادي قوله في وصف إسحاق: ” كان حُلو النادرة، حسن المعرفة، جيد الشعر، مذكوراً بالسخاء، له كتاب (الأغاني) الذي رواه عنه ابنه حمّاد “. وجاء في (تاريخ بغداد، 6/434): ” قال محمد بن يحيى: سمعت إبراهيم بن إسحاق الحربي يقول: كان إسحاق الموصلي ثقة صدوقاً عالماً “.

وبعد حياة ملأى بالجد والاجتهاد، حافلة بالعطاء الفني، توفي إسحاق ببغداد في أول خلافة المتوكل، سنة (235 هـ/850 م)، وله من العمر ثمانون عاماً
(الأغاني، 5/43. ابن الجوزي: المنتظم،11/227).

المراجع

  1. الأصبهاني: الأغاني، مؤسسة جمال للطباعة والنشر، بيروت، 1963م.
  2. ابن الجوزي: المنتظم في الملوك والأمم، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1992م.
  3. الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد، المكتبة السلفية، المدينة المنورة، 1970 م.
  4. الذهبي: تاريخ الإسلام، تحقيق الدكتور عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، الطبعة الثانية، 1993 م.
  5. القالي: كتاب الأمالي، دار الكتاب العربي، بيروت، 1990 م.

وللمزيد من المعلومات انظر:

–       الراغب الأصفهاني: محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء.

–       السيوطي: تاريخ الخلفاء.

–       المسعودي: مروج الذهب ومعادن الجوهر.

وإلى اللقاء في الحلقة الخامسة والخمسين

د. أحمد الخليل   في 1 – 5 –  2008

شارك هذه المقالة على المنصات التالية