الجمعة, نوفمبر 22, 2024

شمال سوريا: النساء ضحايا بأشكال متعددة، من العنف الأسري إلى الانتهاكات والجرائم المرافقة للنزاع

بتاريخ 27 شباط/فبراير 2024 انتشر مقطع فيديو على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يُظهر فتاة تتعرّض للضرب بعنف بواسطة العصي والقضبان الحديدة، تناوب على ضربها عدة رجال وأطفال، وسط تعالي صرخات الفتاة طيلة الفيديو تنادي ببراءتها قائلةً “والله بنيّة” (أي عذراء) باللهجة العامية، وفيما اكتفى المارة بالمشاهدة بصمت، قام أحدهم بتوثيق أحداث الجريمة التي وقعت في قرية “تل السمن” التابعة لمحافظة الرقة.[1]

عقب ذلك، انتشر مقطع فيديو آخر أيضاً، وتمّ تداوله على نطاق محدود، يُظهر تعرض شقيقة الضحية أيضاً للضرب والمعاملة السيئة، في مكان آخر قريب ضمن القرية ذاتها، حيث قيل إنّ الشقيقتان للضرب والتعنيف، لأنهما اتُهمتا بعلاقة حب خارج إطار الزواج.

القضية التي عُرفت في وسائل التواصل الاجتماعي باسم “فتاة تل السمن”، وانتشرت تحت هذا الوسم أيضاً، نقلتها مواقع ووسائل إعلام محلية ودولية، تمثّل أحد حالات العنف بذريعة “الشرف”. عقب انتشار الفيديو قامت قوى الأمن الداخلي بإلقاء القبض على اثنين من الجناة، فيما لاذ آخر بالفرار، بحسب بيان نشرته، وقالت أنّ أحد الجناة هو عم الفتاة والآخران أبناء أعمامها، في حين نجت الفتاتان وتتم حمايتها من قبل دور المرأة التابعة للإدارة الذاتية.

تُظهر الإحصائيات التي وثّقتها منظمة سارا لمناهضة العنف ضد المرأة، والتي تنشط في مناطق شمال وشرق سوريا، خلال عام 2023، ما لا يقلّ عن 180 حالة ضرب وإيذاء وعنف ضدّ النساء، إضافةً إلى توثيق 21 حالة قتل، و73 حالة انتحار؛ والتي يُعتقد أنّها في الغالب نتيجة التعرّض للعنف الأسري والضغط النفسي.

ولا يقتصر العنف ضدّ النساء على العنف الأسري والمجتمعي، بل إنّ النساء تعرّضن للاعتقال التعسفي، في المناطق التي احتلتها تركيا رفقة فصائل “الجيش الوطني السوري”، كما هو الحال في عفرين ورأس العين/سري كانيه وتل أبيض، والتي تروّج تركيا بأنها “مناطق آمنة”، حيث وثّقت رابطة “تآزر” للضحايا اعتقال ما لا يقلّ عن 22 امرأة، خلال عام 2023، كما تم توثيق مقتل 9 نساء وإصابة 19 أخريات، نتيجة الهجمات التركية بالمسيّرات والطائرات الحربية على مناطق شمال شرق سوريا.

 

“والله بنيّة” –عذراء-:

“طالما أنّ هناك امرأة واحدة تتعرّض للعنف، فهذا يعني أنّ كلّ النساء تتعرّضنَ له”.

الصحفية المستقلّة هديل سالم، من حملة أطلقتها “تآزر” في اليوم الدولي لمناهضة العنف ضد المرأة

ونددت منظمات نسائية بالجريمة عبر بيان تمّ إلقائه أمام وسائل إعلامية في ساحة النعيم وسط مدينة الرقة، وهي الساحة التي كان تنظيم “داعش” يُنفّذ فيها أحكام القصاص والإعدام، في رمزية واضحة إلى رفض العنف بكافة أشكاله، وجاء في البيان أن “تتعرض المرأة بشكلٍ شبه يومي في أنحاء العالم لجرائم العنف والقتل وكل ذلك تحت ذريعة ما يسمى الشرف والمواريث الدينية الخاطئة التي لا صلة لها بالإنسانية ولا بالأخلاق الفاضلة“، كما اعتبر أن الجرائم المرتكبة بحق النساء “أمراض مجتمعية منتشرة وما زالت مستمرة بأساليب قمعية وانتهاكات وحشية تسعى لإبعاد المرأة وإقصائها عن المشاركة في مساحة التنظيم وتطوير الذات وفي كافة مجالات الحياة“.

كما ندّدت الشخصية الدينية الاجتماعية “مرشد معشوق الخزنوي” بالحادثة، نافيا أن يكون الوازع فيها دينياً، بل متعلّقاً بعادات اجتماعية بالية، ذلك عبر لقاء إعلامي على أثير إذاعة Arta FM.

ووفقا للمادة 50 من العقد الاجتماعي، الذي صادقت عليه الإدارة الذاتية نهاية العام 2023، فإنّه “تُعدّ ممارسة كلّ أنواع العنف ضد المرأة أو استغلالها أو فرض التمييز السلبي عليها، جُرماً يُعاقب عليه القانون”.

وقد أطلقت “تآزر” حملة بمناسبة اليوم الدولي للقضاء على العنف ضدّ المرأة، شاركت فيها نساء فاعلات، إحدى المشاركات هي الناشطة المدنية آريا أومري التي قالت:

“لن يتوقف العنف القائم على نوع الجنس، إلا عندما تتغير المفاهيم السائدة حول الجنس والنوع الاجتماعي، ويتم تصحيحها. وهذا التصحيح لن يتحقّق بصورة كاملة، إلا ضمن تغيير شامل، من خلال رسم سياسات جديدة، تضمن عدالة اقتصادية واجتماعية للجميع، واستقلال القضاء وامتثاله للقوانين الإنسانية والاتفاقيات الدوليّة في محاربة التمييز، وإصلاح المؤسسات التعليمية. أي لا بد من برنامج سياسي اجتماعي اقتصادي متكامل، يستهدف جميع مؤسسات الدولة والمجتمع”.

 

المرأة ضحية النزاع:

“مرحباً أيها العالم، اسمي فرح، وقد كُنت أقطف القطن مع والدتي، حين قصفتنا تركيا، وفقدتُ على إثرها قدماي، وليس بإمكاني المشي واللعب بعد الآن”.

خلال عام 2023، تعرَضت مناطق شمال شرق سوريا لاعتداءات وهجمات تركية متكررة، بما في ذلك حملتين عنيفتين بالطائرات المسيّرة والحربية، بدأت إحداها في 5 تشرين الأول/أكتوبر، والثانية بتاريخ 24 كانون الأول/ديسمبر، وبلغ عدد الهجمات في المرتين 111 هجمة بطائرات مسيّرة وأخرى حربية، شملت استهدافاً للبنية التحتية الحيوية ومصادر النفط والطاقة، والمنشآت التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة، وراح ضحيتها 9 مدنيين وجرح أكثر من 20 آخرين على الأقل، وفقاً لما وثّقته “تآزر”.

في الحملة الأولى، وثّقت “تآزر” إصابة الطفلة فرح حين كانت تعمل مع أهلها في جني محصول القطن مع عاملات أخريات، لإعالة أسرهن، في قرية “بشيرية” بريف الدرباسية شمال شرق سوريا، وقد فقَدَتْ “فرح” على إثرها قدميها، إلى جانب إصابة ثلاث عاملات أخريات، بتاريخ 09 تشرين الأول/أكتوبر 2023.

وفي الحملة الثانية أيضاً قُتلت الفتاة “بيريفان محمد” ذات الـ 33 عاماً -وهي وحيدة لأهلها- أثناء قصف مسيّرات تركية لمطبعة سيماف التي تطبع الكتب المدرسية، وقد قتل أربعة آخرون من طاقم العمل في المطبعة نتيجة تعرضها للقصف.

شبح الاعتقال يُلاحق النساء:

في منتصف آذار/مارس 2023، فوجئت “نسرين محمد/اسم مستعار” بمداهمة منزلها في مدينة رأس العين/سري كانيه من قبل مجموعة مسلحة، قام عناصرها باقتياد زوجها بعد أن عصبوا عينيه وأحكموا ربط يديه، وانهالوا عليه بالضرب على الرأس والظهر بعقب أسلحتهم الرشّاشة/الكلاشينكوف، كلّ ذلك أمام أنظارها وأطفالها الذين انتابتهم الهلع والخوف.

لا يزال مصير زوج “نسرين”، الذي اعتقلته قوات “الشرطة العسكرية” التابعة لـ “الجيش الوطني السوري” مجهولاً، رغم محاولاتها المُتكرّرة الحصول على معلومات حوله، لتعاني كما غيرها من عائلات المحتجزين تعسفياً والمختفين قسرياً لدى “الجيش الوطني” من شعور عام بالكرب والضيق والحيرة، إذ لم تُوفر لها الحماية، وتُركت لتتدبّر أمورها بنفسها.

وتعاني النساء من الاعتقال سواء أكنّ هنّ الضحايا المباشرات أو كنّ من ذوي المعتقلين كما في مثال “نسرين محمد”، وقد تم توثيق اعتقال ما لا يقلّ عن 22 امرأة في مناطق عفرين ورأس العين/سري كانيه وتل أبيض شمال سوريا، على أيدي القوات التركية وفصائل “الجيش الوطني السوري” التي تدعمها.

ووثّقت رابطة “تآزر” عشرات الحالات من ناجيات من الاعتقال والتعذيب على مدار سنوات من سيطرة تركيا وفصائل “الجيش الوطني السوري” على مناطق عفرين ورأس العين/سري كانيه وتل أبيض شمال سوريا، تُظهر فظائع مرّت بها النساء، وتكرّرت أنماط التعذيب بدءاً بالأذى النفسي والجسدي، من ضرب وشتم وحتى حالات اغتصاب لفظي وجسدي.

رحلت بحسرة بيتها:

منذ عملية “غصن الزيتون” التركية في عام 2018، كانت فصائل “الجيش الوطني السوري” وتحديداً فصيل “صقور الشمال” قد استولى على منزل المدنيّة ملك خليل إيبو (63 عاماً) في قرية علي جارو، التي تتبع ناحية بلبل في ريف عفرين، ولم تفلح جميع محاولاتها باسترداد منزلها، حيث عادت إلى عفرين بعد ثلاث سنوات قضتها نازحة في منطقة الشهباء، قبل أن تفارق الحياة ومعها غصة وحسرة العودة لمنزلها.

في هذه الصور أعلاه التي تداولها نشطاء من عفرين، يقف المجرم المدعو “أسمر” وهو يُشاهد جثمان مالكة المنزل الذي استولي عليه بقوة السلطة وتهديد السلاح، ومنعها من دخوله وهي حيّة، وكان السبب في موتها قهراً.

الضحية “ملك خليل إيبو” (63 عام) فارقت الحياة نتيجة إصابتها بجلطة دماغية، بعد تلقيها تهديدات من عناصر في لواء صقور الشمال، بحسب ما أفاد أقارب لها لرابطة “تآزر”، بعد رفعها دعوى مطالبةً باستعادة منزلها وحقول أشجار الزيتون التي تملكها في قرية “علي جارو” التابعة لناحية “بلبل” في ريف عفرين المحتلة.

المجرم “أسمر أبو العزّ” هو المسؤول الأمني والاقتصادي في لواء صقور الشمال في الجيش الوطني السوري بقرية “علي جارو”، وقد استولى على ممتلكات الضحية وعائلتها منذ احتلال منطقة عفرين من قبل تركيا في عام 2018. علاوةً على الاستيلاء على منزل وممتلكات الضحية، فقد أذاقها قهراً مُضاعفاً منذ صيف عام 2022، حيث عادت إلى قريتها، وطالبت باستعادة منزلها وممتلكات عائلتها، لكن المجرم “أسمر” وعناصر مجموعته منعوها من دخول المنزل، وهددوها بالقتل لإرغامها على التخلي عن حقوقها، ما كان سبباً في تدهور حالتها الصحية.

الراحلة ملك، أمّ لسبعة أولاد، وكانت قد أوصت، قبل وفاتها، بأن يُنقَل جثمانها إلى منزلها قبل أن يوارى الثرى، وبتدخّل وجهاء من القرية، سمح المدعو “أسمر” بنقلِ جثمانها إلى منزلها قبل استكمال مراسم دفنها في قريتها.

صورة ملتقطة من مقطع الفيديو، يُظهر مشيّعين يحملون جثمان الضحية “ملك إيبو” ويطوفون به منزلها المستولى عليه من قبل فصيل صقور الشمال.

تشهد منطقة عفرين التي تحتلها تركيا انتهاكات لحقوق الإنسان، لا حصر لها، من قبل القوات التركية وفصائل “الجيش الوطني السوري” التي تقودها وتدعمها “أنقرة”. تشمل الانتهاكات الموثقة، القتل بإجراءات موجزة والاختفاء القسري، وكذلك مصادرة الممتلكات، والنهب، وعرقلة عودة السكان، ولا سيما الكُرد، وعمليات التتريك والتغيير الديمغرفي.

وسبق أنّ وثّقت رابطة “تآزر” للضحايا، في تقريرها أين بيتي: انتهاكات حقوق الملكية في شمال سوريا تُكرّس التغيير الديمغرافي، أنماطاً متكرّرة ومنهجية من عمليات النهب والاستيلاء على ممتلكات المدنيين في منطقتي “نبع السلام” و “غصن الزيتون”، خاصّةً تلك التي حدثت خارج سياق العمليات القتالية، كسلب الممتلكات العقارية والاستيلاء عليها بدون وجه حق، أو بيعها أو حرقها وتدميرها، وطرد سكانها الأصليين، ودفعهم الى مغادرة المنطقة.


[1] لا تنصح “تآزر” بمشاهدة مقطع الفيديو الذي يُظهر فتاة تتعرّض للضرب بعنف بواسطة العصي والقضبان الحديدة، في قرية “تل السمن” بريف الرقة، فهو يعرض مشاهد قاسية لفتاة مرمية على الأرض ومن حولها 7 شبان يتناوبون على ضربها بالعصي، وطوال 55 ثانية، وهي تصرخ وتقول: “والله بنية، والله بنية”، في تأكيد منها على عذريتها.

المصدر: تآزر

شارك هذه المقالة على المنصات التالية