حين اُحتلّت جرابلس.. أين كان العرب؟

كورد أونلاين |

*آلان عثمان

يبدو ان اختيار اردوغان لتاريخ الـ 24 من آب للإعلان عن احتلال جيوشه لمدينة جرابلس السورية، لم يأتي من فراغ، فقبل 500 عام وفي شهر آب 1516 م هَزم جيش السلطان العثماني “سليم” جيش المماليك في المعركة المعروفة بـ “مرج دابق”، واستمر احتلال العثمانيين للمنطقة حوالي 400 عام لم يسجل فيها المؤرخون أي تقدم عمراني أو علمي أو ثقافي يذكر.
بعد 500 عام يكرر التاريخ نفسه ويعود “السلطان اردوغان” لاحتلال مدينة سورية ومن نفس البوابة، يرافقها صمت عربي رسمي، وابتسامات تتشكل على أفواه المذيعين والمذيعات العرب في الفضائيات الخليجية عند إذاعتهم أخبار اقتحام الدبابات التركية مع القوات الخاصة للأراضي السورية.
وبالعودة إلى ما جرى قبل أيام في جرابلس تبين مشاهد الفيديو أن عملية اقتحام الدبابات التركية للأراضي السورية مع مجموعات تركمانية وأخرى ذو توجهات إسلامية “كأحرار الشام والسلطان مراد ونور الدين الزنكي والجبهة الشامية..”، قد حصلت ضمن صفقة استلام وتسليم لاسيما أن الطرفان لم يعلنا عن سقوط أي قتلى وجرحى بين صفوفهم، فالمعروف عن التنظيم باستماتة مقاتليه عن أي مدينة تقع تحت سيطرتهم، فماذا لو كانت المدينة منفذهم الوحيد المتبقي مع العالم الخارجي وكانت أحدى البوابات التي تمد التنظيم بالمقاتلين الأجانب، هذا غير النفط السوري الذي كان يتدفق عبر تلك البوابات إلى تركيا.

ستكشف الأيام المقبلة مدى جدية الدولة التركية في محاربة داعش، رغم أن الأحداث المتتالية تشير أن القوات التركية والمجموعات المرتبطة بها يتوجهون الى الأراضي التي تم تحريرها من قبل قوات سوريا الديمقراطية، وما ارتكبته طائرات الجيش التركي من مجازر بحق المدنين في تلك القرى المحررة من داعش يكشف نوايا النظام التركي.
يبدو أن النظام التركي دخل المستنقع السوري ولن يخرج منه بسهولة وهذا ما سعت إليه واشنطن منذ بداية الأزمة السورية لجره الى هذا المستنقع ففي حال جديته في محاربة “داعش” ستكون تركيا أمام أزمة داخلية كون التنظيم لديه خلايا نائمة في تركيا ولن تقف تلك الخلايا مكتوفة الأيدي، أما إن كانت النية محاربة الكُرد فسيوحد النظام التركي، الكُرد في أجزاء كردستان الأخرى على معاداته وستخلق جبهات عسكرية كردية جديدة لمحاربته.
ان ما جرى في جرابلس خلال الأيام الفائتة تشير الوقائع أنه مرتبط بالتغيرات التي طرأت مؤخراً في السياسة الخارجية لحكومة العدالة والتنمية وعلى صلة باللقاءات التي جرت بين وزيري الخارجية الإيراني والتركي، ما ينذر بتعقد الأزمة السورية أكثر مما هي عليه، فالنظام “الايراني- التركي – السوري” يجمعهم دائماً هدف مشترك وهو معاداة أي مشروع كردي في المنطقة، ورغم العداوة التاريخية بين النظامين التركي والايراني لكنهما لا يريان نفسهما إلا في جبهة واحدة مجدداً لمحاربة الكُرد، لكن الشيء الملفت هو تلقف مجاميع المعارضة السورية بشيء من الفرح الاتفاقات الأخيرة التي تخص الشأن الكردي، وكأنها ستكون بمنأى عن أي اتفاق تركي إيراني سوري، وكأن إيران التي استثمرت في الأزمة السورية لأكثر من 5 سنوات ستتوقف عن دعم النظام.
فرسائل النظام التركي الغزلية للنظام السوري ستترجم قريباً على ارض الميدان، وفي الوقت الحالي لن يزرف اردوغان الدموع على قصف الطائرات السورية لمناطق المعارضة، ولن يعلن عن خطوطه الحمر في حال تقدم قوات النظام في مناطق سورية أخرى.
ما ميز حدث احتلال الجيش التركي لمدينة جرابلس السورية عن غيره من الواقع المأساوي لأشكال الاحتلال التي باتت تعرفها الأراضي السورية، هو مشهد اقتحام رتل الدبابات التركية بشكل سافر للحدود التركية وهو ما لم تجرأ عليه أي دولة تورطت في الأزمة السورية، الأهم من كل ما جرى، ماذا قدمت تركيا لتضمن سكوت ايران والعرب والأمريكيين والروس والنظام لتحصل على تصريح الاحتلال؟ وهل ستقف أطماع اردوغان عند حدود جرابلس أم ستأخذه النشوة للتوجه الى مدينة حلب وتحقيق حلمه ويعود بخلط التحالفات التي عقدها مع أصدقاء اليوم.
*صحفي كردي

alanosman1@

المصدر: رأي اليوم

شارك هذه المقالة على المنصات التالية