الجمعة, نوفمبر 22, 2024

بشار جرار: عن ورقة الجولان في صفقة القرن

يحتار اللبيب فيما إن كان قرار ترامب بخصوص الجولان دعائيا انتخابيا إسرائيليا أم أميركيا؟ أم تراه كان قرارا رئاسيا “ربانيا” في إشارة إلى رد وزير الخارجية الأميركي مايك بامبيو على سؤال شبكة الإرسال المسيحية عندما أقر تساؤل المحطة عما إن كان نجاح ترامب في الانتخابات الرئاسية هدية الرب إلى إسرائيل لإنقاذها من إيران (الفرس) للمرة الثانية في التاريخ من خطر الإبادة.

أم لعله -وهو الأرجح- قرارا سياسيا تفاوضيا أبقى عمدا أقوى أوراق صفقة القرن إلى ما قبل الإعلان عنها كما هو متوقعا إثر إعلان الفائز في الانتخابات الإسرائيلية -وهو في الغالب الأعم- تجديد الثقة برئيس الوزراء الحالي بنيامين نتانياهو.

كيف لا وقد تحقق في ولايته 4 أهداف “تاريخية” تمثلت بانسحاب أميركا من اتفاق إيران النووي واختراق لم يعرف مداه بعد في التطبيع مع الدول العربية وبخاصة الخليجية، واعتراف واشنطن وعديد من الدول بالقدس عاصمة موحدة أبدية لإسرائيل، وأخيرا قرار ترامب بخصوص الاعتراف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان.

وقد جاء القرار في غمرة احتفالات يهود العالم بعيد القرعة بضم القاف “بوريم أو فوريم” الذي تعارف الناس عليه بصفته (عيد المساخر) الذي يسخر من قرعة هامان الفارسي الذي أراد بها اختيار يوم لإبادة اليهود لكن مخططه الشرير أحبط بتدبير ذكي من البطلة اليهودية التاريخية إستر التي تعرف في عالم اليوم في سائر أرجاء المعمورة.

خلافا لمرسومه الرئاسي بخصوص القدس الذي خلا من أي شخصية غير أميركية، حرص الرئيس دونالد ترامب على توقيع مرسومه الخاص بالجولان بحضور نتنياهو في آخر زيارة يقوم بها إلى واشنطن في ولايته الحالية كرئيس للوزراء.

فهل يعزز هذا المشهد من فرصهما بالفوز بولاية ثانية؟ هذا ما سيحصل على الأرجح إن نظرنا إلى قوة اليمين والتيار الديني المحافظ في كل البلدين.

لكن ورغم تطابق المرسومين تقريبا من حيث الأهمية الاستراتيجية لا بد من التوقف عند حقائق فارقة بينهما وبصرف النظر عن الاتفاق مع القرارين أم رفضهما.

إن التمهيد لقرار ترامب بخصوص الجولان جاء عبر زيارة ميدانية لأقرب حلفائه الأقوياء إليه في مجلس الشيوخ الأمريكي عضو مجلس الشيوخ المخضرم ليندسي غراهام.

القرار رافقه تغيير في مفردات تقرير الخارجية الأمريكي السنوي بخصوص حالة حقوق الإنسان في العالم حيث خلا لأول مرة من تعبير “المحتلة” في الإشارة إلى الضفة الغربية ومرتفعات الجولان.

المصطلح تم استبداله بكلمة “تحت السيطرة” الإسرائيلية، ثم جاءت تغريدات ترامب وتصريحات وزير خارجية أمريكا تباعا بالتأكيد أنه قد آن الأوان للاعتراف “بسيادة” إسرائيل على الجولان.

كلمة السر في تغريدة ترامب المباغتة على غرار تغريداته قبل أشهر بخصوص الانسحاب من سوريا كانت عند إشارته إلى الأهمية الحساسة لأمن إسرائيل والاستقرار الإقليمي في إشارة إلى مخاوف واشنطن المتكررة من استخدام مرتفعات الجولان “كمنصة” صاروخية لإيران سواء أكان ذلك بشكل مباشر أم عبر الجيش السوري النظامي أم حزب الله اللبناني.

لم تكن الإشارة لأي مرجعية تاريخية لاهوتية كما كان الحال فيما يخص قرار القدس بل كانت إشارة محض أمنية – عسكرية، إشارة تحمل رسالة من شقين: إسرائيلي وآخر إقليمي.

إن هجوم ترامب المباغت في هذا التوقيت يكشف في ظني عن رسالة دعوة لالتحاق طهران بشكل مباشر أو عبر دمشق بترتيبات صفقة القرن لتكون هي “الميغا ديل” أو أم الصفقات التي حلم سلفه باراك أوباما بتحقيقها في الشرق الأوسط عبر اتفاق إيران النووي.

بعبارة أخرى، إن تمكنت دمشق أو طهران من التعاطي الإيجابي مع مخاوف إسرائيل وأمريكا ودول إقليمية أخرى كالسعودية بخلق شرق أوسط جديد لا يقوم فيه الأمن على الردع النووي أو الصاروخي المتبادل، قد يتم التوصل إلى آلية للتفاوض على مستقبل الجولان “كمرتفعات” منزوعة السلاح أو مزروعة بما يكفي من آليات الإنذار المبكر.

وكأن الدائرة تدور فتعيد إلى الأذهان ما ضاع قبل زهاء ربع قرن من فرص عند الحديث عن “وديعة رابين” واتفاق سري “مزعوم” بين الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد ورئيس وزراء إسرائيل الراحل اسحق رابين.

*هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة – الخارجية الأميركية.

نقلاً عن CNN

شارك هذه المقالة على المنصات التالية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *