في ضيافة المحاربين القدامى.. بشار جرار يكتب من واشنطن

أخط هذه السطور من مقهى ريادي في حيّنا الواشنطونيّ. تنتفي -لبعد المسافات- شبهة الدعاية للمحل وصاحبه، لكن رفاق سلاح (الكلمة لا الرصاصة) وأصحاب فضل كانوا حاضرين بقوة أمام خاطري. 

ما لفت انتباهي للكافيه أمران: اسمه (مقهى المقاتل) وفكرته الريادية المستمدة مما أفنى صاحب المحل عمره في خدمته، هي الروح القتالية. 

هو مشروع خاص لمتقاعد عسكري يؤمن أن لكل إنسان معركته الخاصة. عرفت ذلك عند الاستفسار عن كلمة السر لل (واي فاي) فكانت: ما هي معركتك؟ 

سؤال يستحق التحية العسكرية.. فمن منا بلا معارك؟ كلنا “في الهم شرق” لكن العبرة التي لا تخفى عن المقاتل المظفر، تكمن في تمييز المعارك الحقيقية عن الوهمية، المعارك القابلة للنصر والمعارك المحكومة بالهزيمة أو اللا حسم وهي بالضرورة معركة خاسرة. معارك الأنا والآخر والكل. ولكل معركة أولويتها وأسباب خوضها وكسبها. 

أكرمتني حياتي الخاصة والعملية بشرف معرفة عسكريين في خدمتهم وفي تقاعدهم ومن جنسيات شتى، فلمحت فيهم جميعا ما يستحق الوقوف محبة وإجلالا. 

ولا أخفي انحيازي إلى صفوة الصفوة وخيرة الخيرة من الجندية وهي تلك التي ينزع فيها المقاتل طواعية كل ما يظهر خدمته ومرتبته ونياشينه. يعمل بصمت مطبق ومطلق حتى بعد انتهاء الخدمة.  ولعل أكثر ما يضحكني ويحزنني إلى حد الخجل، شهادتي أكثر من مرة لتساؤل متعال أجوف لمتقاعد من الخدمة: إنت عارف مع مين بتحكي؟!

الله أسأل أن نحسن إنزال الناس مكاناتهم، وأن نحسن تمييز معاركنا، فالمعارك الحقيقية والكبرى لا يكسبها إلا الفرد المقاتل جنديا كان أم قائدا. وحدهم فرسان الحق، عاملين أو محاربين قدامى الأصدق إنباء واستبسالا والأقدر حسما وانتصارا. 

تلكم هي معركتنا الحقيقية، تبدأ بالنفس مع قليل من القهوة يفرح القلب ولا يرفع الضغط والدهون الثلاثية!

 

*هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة – الخارجية الأميركية، وله مقالات رأي في موقع CNN  العربية بشكل دوري.

 

“تموز نت”

 

أضف تعليق