الثلاثاء, نوفمبر 5, 2024

الجزء السابع.. بارزان في المصادر اليهودية والسريانية والغربية

ب. د. فرست مرعي

1- في سنة 1919م خلف الكولونيل(= العقيد) ليجمن في حاكمية الموصل السياسية الكولونيل بيل، الذي كان يجمع بين الخبرة الطويلة والمقدرة الفريدة في الادارة. ولما كان حديث عهد بالمنطقة رغب في ان يتعرف بها شخصياً، ويلتفت التفاتاً خاصاً الى تكوين آرائه عن القضية الكردية . فزار عقرة في نهاية تشرين الأول(1919م) وفرض غرامة على “فارس آغا” وعلى رئيس آخر من رؤساء الزيبار يدعى “بابكر آغا”، لان أتباع الاثنين كانوا يقتنصون شبانتنا، وفي أول تشرين الثاني(= 1919م) عبر(نهر) الزاب لأجل ان يفتش شبانة(= درك) احد الرؤساء المحليين . لكن الزيباريين اهتاجا لأنهما دعيا للمحافظة على النظام وغرما فاتصلا بالشيخ احمد البارزاني الذي بعث اليهما بأخيه (= الشيخ محمد صديق) مع عشرين من رجاله لمساعدتهما. وكمن هؤلاء مع فارس(= آغا) وبابكر (= آغا) واتباعهما، وقد بلغوا حوالي المائة رجل عداً، في طريق عودة الضابطين بالقرب من بيراكبرا قرية بابكر واطلقوا عليهما النار فقتلوهما. وكان في معية الضابطين أربعة من الشبانة، فقتل اثنان، كان احدهما آثورياً، وكان الثاني من أهل عقرة وقد حاول الدفاع عن ضابطيه. اما الاثنان الآخران فقد كانا من الزيباريين فانضما الى العدو. وتدل جميع الدلائل على ان قتل الضابطين لم يكن قد دبر من قبل، بل كان ناتجاً عن سورة من سورات الغضب المفاجئة التي يتميز بها المزاج الكردي . لكن هذا القتل وقد وقع بالفعل يشير الى بداية الثورة . فقد أغار الزيباريون والبارزانيون على عقرة ونهبوها، وفر ضابط الشبانة الى الموصل بشق النفس . وفي خلال يوم واحد او يومين تشاجرت القبيلتان على الاسلاب فعاد البارزانيون الى بيوتهم . وقد عرضت علينا عدة قبائل مساعدتها وأظهرت ودها نحونا، وعندما شق الكابتن كيرك، معاون الحاكم السياسي في باطاس ( رواندوز )، طريقه الى عقرة في 9 تشرين الثاني(= 1919م) مع الشبانة الاكراد فقط وجد سكان البلدة يبتهلون من أجل عودة الادارة البريطانية. وعند وصول الرتل التأديبي الى وادي الزاب رفعت معظم القرى الراية البيضاء ، وكان يبدو على سكانها الخوف الحقيقي من أغواتهم، ورحبت بمن يحميها منهم، وقد أحرق جنودنا دور الرؤساء الزيباريين، ثم عبروا الزاب وأنزلوا العقوبة نفسها بالبارزانيين، وجرياً على القاعدة التي اتبعت في حملة العمادية لم نتعرض بالقرويين . ولم يستطع الثوار إثارة القبائل المجاورة، وكان ذلك في الدرجة الأولى بسبب موالاة الرجل البارز بالقرب من عقرة لنا، وهو “عبد القادر آغا الشوشي” . ولذلك لم نجد مقاومة في تقدمنا. وقد فر الجناة الاربعة وهم فارس وبابكر وشيخ احمد بارزان واخوه (= محمد صديق) الى الجبال، فاعتبروا خارجين على الحكومة . ولم تقع قلاقل في العمادية من اجلهم، كما رفض السيد طه الشمديناني (= طه بن الشيخ صديق بن الشيخ عبيدالله النيري) الاستماع الى اقتراح قائمقام نيري، حيث كان الترك يحتفظون بحامية صغيرة، بوجوب مبادرته هو و”سيتو الأوراماري” المساعدة الزيباريين . وقد سبب موقفه هذا عدم اطمئنان القائمقام على سلامته ، فترك نيري وانسحب شمالا الى باش قلعة، وعندما انهيت الحركات تقرر تقليص حدودنا الى عقرة والكف عن محاولة التمسك ببلاد الزيبار بين عقرة والزاب مرة أخرى. ينظر: المس غير ترود بيل، فصول من تاريخ العراق القريب، ترجمة: جعفر الخياط، ص226 – 228.

2- في الأول من تشرين الثاني(= 1919م) أدى النقيب سكوت، المعين حديثاً مساعد للحاكم العسكري في عقرة، صحبة حاكمه السياسي مستر بل، زيارة إلى (بيره كبرا) مركز ديار الزيبار، وذلك بقصد البحث في قضايا معينة، مع الزعماء المحليين: فارس آغا وبابكر آغا. وهاجم الأخيران بعض ما قيل في أثناء الحوار، وتآمرا، تلكم الليلة عينها على قتل ضيفيهما. وأرسلا إلى الشيخ أحمد(= البارزاني)، عبر النهر، يطلبان إليه المجيء ليكون لهما عوناً. وخرج الرجلان، صباح اليوم التالي يصطحبان رجالهما وأخاً للشيخ أحمد(= الشيخ محمد صديق)، ويسيران على الوجه المعتاد مع الضيوف. وما أن كان الجميع خارج مرأى القرية إلا و عمد أحدهم إلى إطلاق رصاصة خرَّ على إثرها مستر بل صريعاً حالاً. وسحب النقيب سكوت مسدسه فرمي، وطار من يده. وكان أن عمد إلى الإلتجاء إلى صخرة، وبواسطة بندقية خطفها من حارسه، استطاع أن يصيب واحداً واثنين من مهاجميه، لكن جميع أفراد دركه نبذوه وتخلوا عنه، فيما خلا واحداً. وسرعان ما غلب على امره وقتلوه…”. ينظر: دبليو. آر. هي: سنتان في كردستان، نقله إلى العربية، حققه وعلق عليه: فؤاد جميل، ج1، ص47.

3- برزان ( = بارزان) قرية كردية تقع على بعد من نهر الزاب الكبير وعلى الضفة اليسرى منه، إنها ليست بعيدة عن الطرق المؤدية الى المراعي الواقعة في الجبال الشاهقة، حسب ما سجله الكاهن( القس) البروتستانتي “وليام ويكرام W.A. Wigram ” (1873 – 1953م) عام 1914م في كتابه (كردستان مهد البشرية – الحياة في شرق كردستان)، نرى صورة جيدة مقبولة للشيخ عبدالسلام (= الثاني). لقد صوره شخصية محبة للانكليز وطاغية متهور (= اسلوب غربي يقصد به المستبد) غير أنه كان إيجابياً تجاه أتباعه من المسيحيين لذا وصف بشيخ المسيحيين. بينما نلاحظ العكس في وصف الحاكم العسكري البريطاني “ستيفان همسلي لونكريكLongrigg ” (1893 – 1979م) في كتإبه (العراق الحديث من سنة 1900 الى سنة 1950م) حيث يقدم الشيخ وكأنه معتوه لا يكف عن مضايقة المسيحيين. وهناك وصف مشابه لهذا نقرأه عند الدومنيكي الفرنسي “جان موريس فييه” ( 1914 – 1995م) في كتابه(آشور المسيحية- المجلد الاول) إذ يقول: إن البرزانيين قاموا بتخريب القرى المسيحية في منطقة عقرة بصورة منتظمة. ينظر: ميشيل شافالييه، المسيحيون في حكاري وكردستان الشمالية (الكلدان والسريان والآشوريون والارمن)، ترجمة: نافع توسا، ص217.

4- لعبت قرية بارزان دوراً هاماً في الحياة المسيحية وكان المتعبدون الآشوريون (= الرهبان السريان) قد حولوا المنطقة بقراها وجبالها الى مساكن لتعبدهم، وظلت هذه القرية والمنطقة على مسيحيتها الى نهاية القرن التاسع عشر، إذ رغم ما لحق بها من مذابح واضطهادات وتهديم لأديرتها وكنائسها ومدارسها. فإن الوثائق المحفوظة، تشير الى بقاء كنيستين فيها أواخر القرن التاسع عشر هما : كنيسة (مريم العذراء) وكنيسة (ماركوركيس). ففي وقت متأخر من قبل اسماعيل يعود الى سنة 1873م نجد بأن القس(يعقوب بن القس كانون البرزاني) كان يرعى شؤونها الروحية . ولقد كتب في كنيسة مريم العذراء (قصة ذخائر مار كيوركيس) وقد فرغ من كتابتها يوم 14 حزيران سنة1873م. ورغم ما كان قد لحق برزان المسيحية من دمار من جراء مهاجمتها في سنة 1838م من قبل إسماعيل باشا. زعيم أكراد العمادية. إلا أننا نعتقد (= الكلام لهرمز أبونا) استناداً على الادلة المسيحية المتروكة فيها بأن برزان ظلت على مسيحيتها حتى نهاية العقد الاخير من القرن التاسع عشر. ينظر: هرمز أبونا، الآشوريون بعد سقوط نينوى، المجلد الخامس، 36. ولا نوافق المصدر في كثير مما ذكره فكانت بارزان مكان لاتباع الديانات السماوية الثلاث، ويبدو من خلال المصادر أن اليهودية أقدم رسوخاً من المسيحية فيها، أما بخصوص الاسلام فمشيخة بارزان النقشبندية منذ الربع الاول من القرن التاسع عشر أبلغ دليل على ذلك.

5- في منتصف شهر تشرين الاول عام1931م اجتمعت في مركز قضاء عقرة لجنة مصالحة بين شيخ بارزان، الشيخ أحمد البارزاني، وشيخ برادوست، الشيخ رشيد لولان، لرأب الصدع وحل المشاكل العالقة بين المشيختين النقشبنديتين الجارتين، وضم أعضاء لجنة المصالحة كل من متصرف (= محافظ) الموصل وأربيل وقائمقام قضاء رواندوز والزيبار وعضو يمثل كلا الشيخين، وقد مثل الشيخ أحمد أخوه الملا مصطفى البارزاني، ولم يحضر ممثل الشيخ رشيد لولان البرادوستي؛ لذلك لم يثمر اجتماع اللجنة عن أي نتيجة تثمر في المصالحة بين الجانبين.

6- في منتصف عام 1931م حدث صراع قبلي تطور الى اشتباكات بين مسلحي قبائل بارزان بقيادة الشيخ أحمد البارزاني وبين مقاتلي قبائل برادوست بقيادة الشيخ رشيد لولان، وفي هذه المعارك برز الدور العسكري والقيادي للملا مصطفى البارزاني الذي كان يقود مقاتلي عشائر بارزان، وبهذا الصدد يذكر مهندس طريق هاملتون الاستراتيجي، المهندس النيوزيلندي ” أرشيبالد ميلن هاملتون” (1898 – 1972م) ما نصه :” وفي العام 1932م نشبت معارك طاحنة بين قوات الشيخ أحمد زعيم قبائل بارزان وبين من يدعي ( بالشيخ رشيد)، وهو رجل دين شديد التعصب، هاجم الشيخ أحمد لأنه – كما يزعم – يميل الى النصرانية! والواقع أن كلا الشيخين متعصبان لدينهما الاسلامي، إلا أن آراءهما مختلفة وكذلك أخلاقهما، فالشيخ رشيد الذي جعل مقره مؤخراً في قرية لا تبعد عن مخيمي (= مخيم المهندس النيوزيلندي المذكور) – رجل لا يؤمن جانبه، وليس أهلاً للثقة مطلقا. ولعل عدم تعرضه لي يعود فحسبه الى استفادة رجاله الجرحى من ( مستشفاي) ومراجعتي للتضميد والعلاج. وهو بالتأكيد يكنُ لي بغضاً شديداً لأني ( كافر) وفيما كان رجاله يترددون الى (( مخيمي للمعالجة، لم يزرني بشخصه كالاخرين))”.ينظر: أي. أم. هاملتون، طريق في كردستان، ص217 – 218.

المصدر: كردستان 24

شارك هذه المقالة على المنصات التالية