الخميس, ديسمبر 26, 2024

الجزء الحادي عشر.. بارزان في المصادر البريطانية والامريكية

ب. د. فرست مرعي

1- كانت الصعوبة الأولى التي تمت مواجهتها في التخطيط للعمليات ضد (بارزان) هي النقص التام إلى المعلومات المباشرة الموثوقة حول البلدة لقد توغل عدد قليل من ضباط الإدارة البريطانيين في المنطقة الواقعة شمال شرق جبل (شیرین)، صحيح أنه في صيف عام ۱۹۲۷م، أنشأت مجموعة من القوات العراقية معسكرا دائما على الضفة اليسرى لنهر الزاب الأعلى في (بلي)، حيث تم تجهيز أرض الهبوط، وظلت قيد الاستخدام المستمر، لكن هذه القوات كانت محصورة في المنطقة المجاورة مباشرة لمعسكرهم ولم يكن من المناسبات السماح لهم بإجراء استطلاعات خارج منطقة جبل (شيرين)، ومع ذلك فقد استكشفوا ممر جبلي (سولي) حتى قرية (بيديال). الكورد في وثائق الارشيف الوطني البريطاني- الحملة العسكرية العراقية – البريطانية على منطقة بارزان(1931 – 1932)، الجزء الخامس، اعداد وترجمة: شيركو حبيب، تقديم ومراجعة عبدالفتاح علي البوتاني، أربيل، 2010م، ص32.

2- قبل عام ۱۹۲۷م وافق الشيخ أحمد على إنشاء مركز للشرطة في قرية (بارزان) نفسها، لكن هذا المركز لم يمارس سيطرة فعالة، ولم يتمكن المسؤول الحكومي من العبور إلى المنطقة الواقعة شمال شرق جبل (شيرين)، وصعوبات مماثلة وإن كانت أقل خطورة في منطقة (شيروان). وبالتالي، قبل العمليات العسكرية، تمت مواجهة صعوبات كبيرة في جمع البيانات الكافية فيما يتعلق بأفضل الطرق التي يجب اتباعها والإمدادات التي قد تكون متاحة خاصة فيما يتعلق بالمياه والرعي. كنا محظوظين(= الكلام للمصدر العسكري البريطاني)

للغاية من ناحية، بجزء من خريطة (بارزان) نصف بوصة(= إنج) التي أصدرها مدير المسح في الحكومة العراقية من المسوحات التي أجريت في صيف عام ١٩٢٦م حيث أثبتت دقتها بشكل ملحوظ ليس فقط فيما يتعلق بخطوط ومواقع الجبال والوديان، ولكن أيضًا في مواقع وأسماء القرى، إن دقة الخرائط التي تبلغ حجمها نصف بوصة بالإضافة إلى وفرة من الصور الجوية العمودية والمائلة التي تم التقاطها قبل وأثناء العمليات ساعدت إلى حد ما في التعويض عن نقص المعلومات الطبوغرافية والجغرافية المتاحة في مجموعتنا من مصادر أخرى. على أية حال لم يكن هناك أي تعويض عن النقص في المعلومات المتعلقة بسكان هذه المناطق، كان من المستحيل في البداية الحصول على عملاء مستعدين لدخول أراضي الشيخ أحمد، وخلال المراحل الأولى من العمليات لم يكن لدى المقر الرئيسي للطيران سوى معرفة قليلة جدا بالسكان تجاه الشيخ أحمد أو تجاه الحكومة العراقية، في المراحل اللاحقة تحسنت الاستخبارات الجوية بسرعة بسبب التطور السريع في عدم الولاء للشيخ أحمد. ومع ذلك، فقد واجهت أكبر صعوبة في الحصول على أي معلومات موثوقة أو مفصلة عن موقف القرويين الذين يعيشون في أودية منطقة (مزوري بالا). الضفة اليسرى (لشه مدينان).المرجع السابق، ص33.

3- في عام 1908م أعلن الشيخ عبد السلام الثورة في بارزان وتحدى السلطات التركية، وبدأ يتآمر مع الروس مثل سادة شمزينان. وكان الروس يدخرون المساندة الكردية القبلية لجناحهم التركي. فقبض عليه الترك في السنة 1914م وشنقوه في الموصل. فخلفه الفتى المندفع الشيخ أحمد. وفي 1919م كان البريطانيون المنتصرون بمواردهم المحدودة، يحاولون إقامة إدارة مدنية قوية يمكنها إحباط المطامع التركية في ولاية الموصل التي لم تزل موضع نزاع. وأخذ الشيخ أحمد كما أملاه عليه طبعه، يراسل الترك لمقاومة البريطانيين. وكان هؤلاء إذ ذاك يمثلون السلطة المركزية، ويعملون على تقليص الاستقلال القبلي والقضاء على الفوضى والتسيب، وفي أواخر العام 1927 سمح الشيخ أحمد لأتباعه بأن يعلنوا حلول روح الله فيه دون إقامة وزن لمبادئ الدين القويمة منتشيا بإخلاص أتباعه المطلق. وكانت الحرب القبلية التي تلت ذلك مصحوبة بتدخل الشرطة وانهار ادعاء شيخ أحمد بالحلول مع ان نفوذه بقي. وجاءت السنة 1931 والحكومة العراقية تترقب نهاية الانتداب في العام التالي. وراحت تستعد لبسط سلطانها على كل أرجاء المملكة ومن ضمنها المناطق الجبلية والقبلية التي كان معظمها يقوم برعاية شؤونه بنفسه. في ذات الوقت بالضبط خطر ببال الشيخ أحمد أن يمتحن إخلاص أتباعه والتأكد هل سيتبعونه في زيغه أم يتركونه حتى بلغ الأمر بأعدائه حداً أن اتهموه باعتناق المسيحية. وأعلن الجهاد على البارزانيين باسم الدين والشرع، الشيخ رشيد لولان الشديد المكر والدهاء، إلى الجنوب في منطقة برادوست بالقرب من الحدود الإيرانية، وهو كذلك من شيوخ الطريقة النقشبندية. وما زال مدى اندفاعه إلى قتال البارزانيين بوحي من الخارج غامضاً، إلا أنه لقي على كل حال هزيمة نكراء على يد واحد من أخوة الشيخ أحمد وهو الشاب المدعو ملا مصطفى.

ينظر: وليام ايغلتن الابن، جمهورية مهاباد جمهورية 1946 الكردية، ترجمة وتعليق: جرجيس فتح الله، أربيل، دار آراس للطباعة والنشر، ص86- 88. وزحف رتل من الجيش العراقي لإعادة الأمن إلى نصابه فأصيب بهزيمة واندحر فدعيت القوة الجوية المملكة البريطانية لإنقاذ الوضع لم تكن المرة الأخيرة). وفي ربيع 1932 اندفع رتل تأديبي ثان نحو بارزان فلقي مصير أخيه. إذ سقط في كمين أعده قبليون هم أبرع في الحروب الجبلية من جنود السهل المشاة فعادت القوة الجوية لقصف القرى البارزانية بعد إلقائها مناشير الانذار المضادة وأثبتت عملية الاكتساح هذه جدواها وأفلح الجيش العراقي بعدها في الوصول إلى بارزان وارغم الشيخ أحمد على الانسحاب إلى تركيا فقبض عليه. وفي العام 1935 سلم إلى العراق لينفى إلى الحلة ثم إلى السليمانية. وقضى ملا مصطفى المدة نفسها محتجزا في المدينة الأخيرة. ينظر: المرجع السابق، ص88 – 89. وفي تعليق لمترجم الكتاب (جرجيس فتح الله) يقول معلقاً على كلام الدبلوماسي الامريكي (وليام ايغلتن الابن) يقول ما نصه:” إن الحكومة العراقية كانت أبعد نظرا من ان ترسل أفواجا من الجيش العراقي لأجل إعادة شيخ طريقة صوفية وأتباعه إلى جادة الدين أو أن تعاقبه على شذوذ أو زيغ ظهر منه. ولا شك ان المؤلف لا يقصد هذا وأما موضوع الحلول وهو غاية الصوفية والصوفيين المسلمين على اختلاف طرقهم فإن صح الادعاء بأن الاتحاد بالذات الإلهية – الحلول قد سمع عن الشيخ أحمد بوصفه الشيخ الأكبر للطريقة فلا غرابة فيه ولا يستدعي اجراة معينا. ومن كان صوفيا أو ملما بالتصوف الإسلامي لا يدهشه الأمر مطلقا”. – المعرب – وتشاء الأقدار ان يصاب رشيد لولان نفسه بهزيمة ساحقة أخرى على يد ملا مصطفى البارزاني في أيار 1959م عندما قاد ملا مصطفى وأتباعه مع الجيش العراقي للقضاء على حركته في برادوست بعد ثورة تموز 1958م بأقل من سنة. ولم يتم القضاء عليه نهائيا إلا في أوائل 1962م، عندما استخدمه نفس الحكم الذي ثار عليه قبل ستين ونيف لضرب الثورة الكردية – المعرب – جرجيس فتح الله، ص88.

4- كان الشيخ أحمد بارزاني زعيمًا دينيًا كورديًا مهما، ولد حوالي عام ١٨٩٧م(=1896م)، ويتمتع بشخصية متعصبة، ويحظى بتبجيل خاص من قبل غالبية سكان منطقة (بارزان) بأكملها، حتى أنه تم ترقيته من قبل بعض أتباعه إلى مرتبة الإله وكان يُعبد في مواجهة (بارزان) عند أداء عباداتهم بدلاً من مكة). ينظر: الكورد في وثائق الارشيف الوطني البريطاني- الحملة العسكرية العراقية – البريطانية على منطقة بارزان(1931 – 1932)، الجزء الخامس، اعداد وترجمة: شيركو حبيب، تقديم ومراجعة عبدالفتاح علي البوتاني، أربيل، 2010م، ص34. وبهذا الصدد يعلق أحد الباحثين الكرد على اتهام الشيخ أحمد بإدعاء الالوهية بالقول:” هذه مبالغة غير صحيحة من كاتب التقرير، فالشعب الكوردي يحترم ويقدر قادته المخلصين، وليس لهم إله إلا الله، ولا يعبد احدا سواه وقبلة المسلمين منهم هي مكة (المترجم- شيركو حبيب، ص34). ومن اساليب السلطات العراقية والبريطانية للقضاء على حركة الشيخ احمد البارزاني الوطنية هو استخدام (السلاح الديني) وهذا السلاح مؤثر في مجتمع متدين اشاعت السلطات بأن الشيخ: خرج عن تعاليم الاسلام وبدا يأمر البارزانيين بأكل لحم الخنزير، وانه اعتنق المسيحية، وهو على اتصال بالشيوعيين الذين يحاولون نشر افكارهم في منطقة بارزان، وانه أعلن نفسه إلاهاً وأمر بأن يذكر اسمه في نداء الصلاة كان ذلك ضرب على الوتر الديني أضعف نقطة في الدرع القومي الكوردي وماتزال”. وكل تلك التهم كانت تخرج من دائرة الاستخبارات البريطانية المتواجدة في عقرة واربيل والموصل، وللأسف انطلت تلك التهم على بعض الشيوخ ورؤوساء العشائر حتى أن احدهم وهو الشيخ رشيد لولان برادوستي اعلن بسببها الجهاد على البارزانيين. ينظر: الكورد في وثائق الارشيف الوطني البريطاني، ج5، اعداد وترجمة: شيركو حبيب، تقديم ومراجعة عبدالفتاح علي البوتاني، ص34، هامش(1). وفي السياق نفسه يذكر الباحث والاكاديمي الكردي (عرفات كرم ستوني) رداً على هذه الاقاويل: وقد دفعت هذه التهم الشيخ رشيد لولاني البرادوستي إلى إعلان الجهاد ضد شيوخ بارزان لكونهم خارجين عن الإسلام، ومرتدين عن الدين ، ، وبعد أن انتصرت المشيخة البارزانية على أعدائها ومنافسيها وخصومها أرسل الشيخ أحمد البارزاني أخاه ملا مصطفى مع جماعة كبيرة من أتباعه، فطردت الشيخ رشيد من لولان، لأنه كان يعتقد بزندقة الشيخ أحمد البارزاني، ففر الشيخ رشيد البرادوستي إلى إيران، كان ذلك في تشرين الثاني عام (1931م) . ويبدو لي من الناحية العلمية المنهجية أن مثل هذه التهم العقدية الخطيرة لا تأتي من فراغ، فلا بد من وجود شيء وراء ذلك، والحقيقة التي لا جمجمة فيها أن الشيخ أحمد بريء من هذه التهم، إلا أن مريدي الطريقة ربما غالوا وتطرفوا فوقعوا في هذه الشطحات والمخالفات، وهذه هي طبيعة التصوف ، و خاصة عندما يدخل أشياعه في حالة الفناء والسكر، وهي حالة معروفة في علم التصوف تعرف بالشطحات الصوفية، وقد حصل لكثير من الصوفية في التاريخ، وهذا موضوع شائك لا مجال للحديث عنه، وعندما يصل الأتباع والمريدون إلى هذه الحالة، لا يمكن للشيخ ولا لغيره أن يوقفهم ويزجرهم وينهاهم، لأنهم في حالة غيبوبة لا يعرفون ما يقولون ولا ما يقومون به، وهذه ظاهرة معروفة في عالم التصوف في جميع الأديان السماوية وخاصة في التصوف الهندي والبوذي وهؤلاء يعرفون بالديوانة، وهم طبقة: ” تمارس من الحرية أكثر مما ينبغي حتى تصل ممارستها هذه حد الاعتداء على حريات الآخرين، وكثيرا ما وقف الشيخ مكتوف اليدين أمام تطرفها، وعجز عن كبح جماح أعضائها، والسيطرة على تصرفاتهم، وقد ذکر الکاتب پی رش مثالا على ذلك، حيث قام أتباع الشيخ محمد البارزاني بطرد أخي الشيخ الوحيد (ملا قاسم) من بارزان بالرغم من استنكار الشيخ محمد ومعارضته، وعللوا عملهم هذا بقولهم: إن التعاليم النقشبندية لم تروضه، ولم تترك فيه بصماتها لتجعله شبيها بشقيقه، ولم يستطع الشيخ محمد البارزاني فعل شيء لأخيه “.وعندما يكون الشيخ مطبقا للتعاليم الأساسية في الطريقة ومتبعا لها بحذافيرها، فإنه يعظم في نظر مريديه، فيقعون في الطاعة العمياء، ويستجيبون لكل أمر صادر من الشيخ، ولو كان فيه ضرره، ولقد تحدث مارتن (= فان بروينسن – المستشرق الهولندي) عن أتباع شيوخ بارزان قائلا: ” وكثيرا ما كان يقال بأن أتباع شيوخ بارزان كانوا مستعدين وبلا أي نقاش أن يقذفوا بأنفسهم من على جرف شاهق إذا ما طلب الشيخ منهم ذلك ” . والذي يريد الباحث أن يصل إليه أن الشيخ أحمد البارزاني بريء من هذه التهم الخطيرة، وأنها لفقت من قبل الإنكليز وخصوم مشيخة بارزان في ذلك الوقت، للحط من شخصيته الاجتماعية والسياسية والدينية. ينظر: عرفات كريم ستوني، الحياة الدينية من (نهري إلى (بارزان)، منشورات منتدى الفكر الاسلامي في إقليم كوردستان العراق(19)، 2010م، ص58 – 60.

5- لم يكن الشيخ أحمد البارزاني قائداً عسكرياً، فقد ترك هذه المهام لأخيه رئيسهم الملا مصطفى ومحمد صديق، وأتباعه المسلحون(كثير منهم كانوا يحملون بنادق تركية أو ألمانية الصنع). كان أتباعه الشخصيون معروفين بملابسهم وطاقية رؤوسهم. كانت التكتيكات التي يفضلها قادته هي تلك الخاصة بحرب العصابات ونصب الكمائن والهجمات الليلية بهدف الحصول على الغنائم. وفرة الغطاء الجيد في جميع أنحاء هذه المناطق والتنقل الشديد لرجاله مكنتهم من التمويه متخفين على جوانب أي رتل عسكري والاستفادة الفورية من أي فرصة. وكان الشيخ أحمد معتادًا على قضاء أشهر الشتاء في قرية (بارزان)، حيث يسكن منزلا قويا جيد البناء، في الربيع كان ينتقل فوق جبل (شيرين) إلى قرية (كاني بوت)، وفي الصيف إلى الينابيع عند رأس (كاني بوت) وأودية شنكيل أسفل (قمة كوري هوري).

المصدر: كردستان 24

شارك هذه المقالة على المنصات التالية