الأحد, مارس 9, 2025

المسلحون القادمون من الفضاء ما بعد السوفييتي في سوريا: التهديدات ومشاكل نزع التطرف

شرع مواطنو بلدان الاتحاد السوفييتي السابق بالوصول إلى سوريا بعد بضعة أشهر فقط من بدء الصراع المسلح بين الحكومة والمتمردين. وفي نهاية عام 2011 وبداية عام 2012، نشأت في هذا البلد أولى الجماعات السلفية الجهادية، والتي دعت، من بين أمور أخرى، إلى تدويل الصراع في سوريا، معتبرة ذلك خطوة أولى نحو توسيع نطاق “الجهاد الهجومي”. وكانت مجموعات من هذا الطيف بالتحديد هي التي اجتذبت ممثلي السلفية المتطرفة من بين مواطني روسيا وغيرها من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق.

في خريف عام 2016، خسر تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” (وهو منظمة معترف بها كإرهابية، ويحظر نشاطها على أراضي الاتحاد الروسي) آخر جزء خاضع للسيطرة من الحدود السورية التركية، ما صَعّبَ إمكانية انضمام أشخاص من بلدان رابطة الدول المستقلة إليه. لم يكن تدفق الأجانب إلى معقل المتمردين (منطقة إدلب)، والانضمام إلى صفوف جماعات جبهة النصرة (المنظمة معترف بها على أنها إرهابية، وأنشطتها محظورة على أراضي الاتحاد الروسي) وجند الأقصى (المنظمة معترف بها على أنها إرهابية، وأنشطتها محظورة على أراضي الاتحاد الروسي) كبيراً أبداً، وظل في صفوفها بشكل أساسي أولئك المسلحون الذين وصلوا إلى هناك قبل عام 2014، على الرغم من وجود عدد صغير من الأجانب الذين انضموا إليهم لاحقاً.

في مرحلة مبكرة من الصراع (2011-2013)، شكّل مواطنو روسيا ودول ما بعد الاتحاد السوفييتي الذين وصلوا إلى سوريا للقتال تحت شعارات الجهادية السلفية، مجموعاتٍ قتالية خاصة بهم، مرتبطة بدرجات متفاوتة بهياكل المتمردين المحلية، ثم بالمنظمات الإرهابية؛ جبهة النصرة وداعش. لكن اليوم في سوريا، انخفض العدد الإجمالي للمقاتلين الأجانب بشكل كبير. وقد ساهم في ذلك عدد من العوامل؛ حيث كان هناك الانقسام بين الجماعات المقاتلة الأجنبية في عامي 2013 و2014، عندما تخلت جبهة النصرة عن ولائها لتنظيم داعش، لكنّ العديد من مقاتليها بدأوا بالانشقاق والانضمام إلى داعش، في حين بقيت قِلّة داخل المجتمع المتمرد في إدلب. وقد حدث مثل هذا الانقسام، على سبيل المثال، في “جيش المهاجرين والأنصار” (المنظمة معترف بها كإرهابية، وأنشطتها محظورة على أراضي الاتحاد الروسي) – أكبر مجموعة تتكون من الجهاديين الأجانب، عندما انضم جزء كبير من المجموعة التي يقودها طرخان باتيرشفيلي، والتي تتكون في الغالب من مواطني الفضاء ما بعد السوفييتي، إلى تنظيم داعش. وقد قُتل معظم المقاتلين الأجانب الذين انتهى بهم الأمر في صفوف داعش، على الرغم من استمرار العثور على آثار بعضهم في وقت لاحق. حيث تم العثور على العديد من الذين تمكنوا من الفرار، في أوكرانيا، وأغلبهم في مدينة بيلا تسيركفا. وانخفض أيضاً تدريجياً عدد المسلحين من الاتحاد السوفييتي السابق الذين واصلوا نشاطهم في إدلب. ولم يكن من بين الأسباب التي ساعدت على ذلك، الخسائر في المعارك، وعدم تدفق عناصر جدد فحسب، بل أيضاً السياسة التي بدأ باتباعها في إدلب أبو محمد الجولاني، المعروف الآن باسم أحمد الشرع، زعيم جبهة النصرة آنذاك، ثم هيئة تحرير الشام (منظمة معترف بها على أنها إرهابية، ويحظر نشاطها على أراضي الاتحاد الروسي). لقد أثّرت عمليات التحول في تنظيم داعش، في المقام الأول، على المقاتلين الأجانب الذين كانوا في السابق في طليعة هذه المجموعة، وكانت الفصائل الجهادية التي لم تكن جزءاً من التنظيم، لا تزال مرتبطة به ارتباطاً وثيقاً.

أجنحة جبهة النصرة “الثقيلة” و”الخفيفة”

أصبحت جبهة النصرة منذ عام 2016، الفصيل المسيطر في إدلب، وفي الوقت نفسه، استمرت عملية رفضها لمفهوم “الجهاد النخبوي” و”الطليعة القتالية” لصالح ما يسمى بـ”جبهة النصرة” و “جهاد الأمة”، الأمر الذي جعل من الممكن حصر “الجهاد” في سوريا فقط. في الوقت نفسه، أجرت جبهة النصرة أول عملية إعادة تسمية لها وأصبحت “جبهة فتح الشام”، وأعلنت فك ارتباطها عن تنظيم القاعدة (المنظمة معترف بها كإرهابية، وأنشطتها محظورة على أراضي الاتحاد الروسي)، وفي هذا الوقت، تم تشكيل جناحين داخل المجموعة نفسها؛ “الثقيل” و”الخفيف”. أما الجناح “الثقيل”؛ فقد كان يتألف من جهاديين سلفيين مقتنعين، وداعمين لنشر الجهاد في بلدان أخرى، وكان ضمن هذه المجموعة العديدُ من الأجانب. ويمثل الجناحَ “الخفيف” السّوريون الذين رأوا في “جبهة النصرة”، ومن ثم في “هيئة تحرير الشام”، البنية الأكثر فعالية لمحاربة نظام الأسد؛ لقد شاركوا في وجهات نظر متطرفة إلى حد أقل بكثير. وبمرور الوقت، بدأ الجناح “الخفيف” يسيطر، وبدأ الجهاديون الأجانب ينضمون إليه، ويترسخون تدريجياً في سوريا، ويؤسسون العائلات، وما إلى ذلك.

ومن هذه النقطة، بدأت عملية “التجذير” أو “السورنة” التدريجية لجبهة النصرة، وعزّز تحول “جبهة فتح الشام” إلى “هيئة تحرير الشام” في يناير/ كانون الثاني 2017 هذا الاتجاه، ما جعله غير قابل للعودة. وارتفعت أعداد السوريين في التنظيم، وتراجع دور المقاتلين الأجانب؛ وفي الوقت نفسه، كان على أولئك الذين اختاروا البقاء في صفوف المجموعة، أن يتخلوا عن المواقف الأكثر تطرفاً. فعلى سبيل المثال؛ تم طرد هؤلاء الجهاديين الذين رفضوا قبول الرأي القائل بأنه من المقبول إدانة هجمات 11 سبتمبر/ أيلول، ويختلفون مع هذه الأساليب التي تتبعها هيئة تحرير الشام؛ أو تم استبعادهم مما يسمى بحركة “الشريعة” التي وصفت تركيا بأنها “دولة كافرة” وزعمت أنه من المستحيل التعاون مع مثل هذه الدول وقواتها المسلحة.

وقد أصبح هذا الأمر ذا أهمية خاصة بعد التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا في أواخر عام 2016. في ذلك الوقت، رفضت جبهة فتح الشام الاعتراف به رسمياً، لكنها في الواقع بدأت تتبع الاتفاقات الروسية التركية، ما أدى إلى توترات ليس فقط داخل الفصيل نفسه الذي سرعان ما أصبح “هيئة تحرير الشام”، ولكن أيضاً في علاقاتها مع الجماعات الأكثر تطرفاً في إدلب، بعضها عمل كجزء من هيئة تحرير الشام، بينما كان البعض الآخر مستقلاً. لكن هذه التناقضات أصبحت واضحة بشكل خاص بعد اتفاقيات مارس/ آذار 2020 بين روسيا وتركيا، عندما بدأت هيئة تحرير الشام في التصدي بنشاط لمحاولات المتطرفين لتعطيل وقف إطلاق النار الأخير.

علاوة على ذلك، منذ عام 2017، تم تقييد تطبيق الشريعة الإسلامية في إدلب، بما في ذلك وقف عقوبات الحدود الشرعية (أي الإعدامات، والعقوبات البدنية للجرائم ضد الدين) التي كان يستخدمها بعض القضاة في السابق. لقد توقف إصدار مثل هذه الأحكام. وأصبح هذا أيضاً مظهراً واضحاً لانحراف الجماعة عما يسمى السلفية النجدية نحو السلفية الشامية الأكثر اعتدالاً، أي السلفية السورية، والتي وضع أسسها في وقت سابق شخصيات دينية مثل علي الطنطاوي ومحمد بهجت البيطار وعصام العطار. وفي الواقع، كانوا يمثلون مزيجاً من العقائد اللاهوتية المبسطة للسلفية وأيديولوجية الإخوان المسلمين (وهي منظمة معترف بها كإرهابية، ويحظر نشاطها على أراضي الاتحاد الروسي).

وفي الفترة ذاتها، عادت هيئة تحرير الشام في إدلب إلى استخدام المذهب الشافعي في الفقه، رافضة التفسيرات السلفية المبنية على المذهب الحنبلي، وأحكام علماء الوهابيين السعوديين، مع أنّ احتكار المبادئ النجدية لا يزال قائماً في علم الكلام، وإن كان ذلك دون أن يصاحبه اتهام بالكفر لمن يخالفها.

المجموعات وأعضاؤها بعد عام 2017

بدأ العديد من المقاتلين الأجانب، بما في ذلك أولئك القادمون من الاتحاد السوفييتي السابق، بالانضمام إلى جماعات أكثر تطرفاً انفصلت عن هيئة تحرير الشام، مثل جماعة حراس الدين (وهي منظمة معترف بها على أنها إرهابية، ويُحظر نشاطها على أراضي الاتحاد الروسي)، والتي احتفظت بعلاقاتها مع تنظيم القاعدة، أو أنصار التوحيد (منظمة معترف بها كإرهابية، ويحظر نشاطها على أراضي الاتحاد الروسي)، والتي أصبحت خليفة للجماعة المتطرفة جند الأقصى. إضافة إلى مجموعة كتيبة خطاب الشيشاني القوقازية، التي هاجمت الدوريات الروسية التركية على الطريق السريع M4 في عام 2020 بسبب رفضها الاعتراف بالوضع الراهن في إدلب.

لكن هيئة تحرير الشام تمكنت من القضاء على تنظيم حراس الدين بشكل شبه كامل، في إطار ترسيخ حكمها المنفرد في إدلب. وانتهى الأمر بالعديد من المقاتلين الأجانب، بما في ذلك القوقازيين والأوزبك، من هذه المجموعة في سجون هيئة تحرير الشام، ولا يزالون هناك حتى يومنا هذا. في الواقع، هذا هو السبب وراء تسمية السجن المركزي في إدلب، في منطقة الشيخ بحر في المدينة، والذي كان يحتجز فيه الجهاديون الأجانب، بـ “غوانتانامو إدلب”. ومع ذلك، واصلت جماعة أنصار التوحيد نشاطها، ووافقت على الاعتراف بالدور القيادي لهيئة تحرير الشام، وشاركت، من بين أمور أخرى، في الهجوم على حلب وحماة في ديسمبر/ كانون الأول 2024. وترتبط معظم أعمال الانتقام والهجمات غير المصرح بها في محافظة حماة بعد سقوط نظام الأسد بمقاتلين أجانب، معظمهم من آسيا الوسطى، ما زالوا في صفوف هذه الجماعة.

وفي نهاية عام 2024، تم التوصل إلى اتفاق بشأن الاندماج النهائي لهذه المجموعة في الجيش السوري الجديد، واعترافها بالوضع الراهن في سوريا، لكن لا شيء معروفٌ حتى الآن عن مصير مقاتليها الأجانب. فمعظم المجموعات الأجنبية التي كانت موجودة بالفعل في عامي 2020 و2021، تم دمجهم في هيئة تحرير الشام، وأُجبر أولئك الذين لم يوافقوا على الاندماج والاندماج الكامل على مغادرة سوريا. المجموعة الوحيدة التي لم تكن ملزمة بالاندماج مع هيئة تحرير الشام، والتي استمرت في العمل بشكل مستقل، على الرغم من اعترافها بقيادة هيئة تحرير الشام، كانت “حزب تركستان الإسلامي” الأويغوري (المنظمة معترف بها كمنظمة إرهابية، وأنشطتها محظورة على أراضي الاتحاد الروسي).

ولكي يتمكن الجهاديون الأجانب من البقاء في صفوف هيئة تحرير الشام، كان عليهم أيضاً تلبية عدد من الشروط؛ كان الأمر يتعلق أولاً، بالتكريس الكامل لمستقبل “الثورة السورية”، والتخلي عن الأفكار والأهداف الأخرى، بما في ذلك العودة إلى بلدانهم لمواصلة الجهاد.

وهكذا، على سبيل المثال، حدث انقسام في الجماعة ذات الأغلبية القوقازية “أجناد القوقاز”، حيث لم يكن العديد من مقاتليها يريدون “التجذر” في سوريا، لكنهم كانوا يهدفون إلى مواصلة القتال ضد روسيا. حيث غادر قادتها، تحت ضغط من قيادة هيئة تحرير الشام، في عامي 2021 و2022 من إدلب وتوجهوا إلى أوكرانيا بقيادة الزعيم السابق للتنظيم عبد الحكيم الشيشاني حيث قاد هناك التشكيلات الإيشكيرية للقوات المسلحة الأوكرانية. وبالمناسبة، توجه إلى أوكرانيا أيضاً ممثلو مجموعات أجنبية أخرى رفضت الاندماج الكامل في هيئة تحرير الشام. وعلى سبيل المثال، جزء ممّا يسمى بالمتشددين “المجموعة الألبانية”، بينما بقي ممثلون آخرون من أجناد القوقاز والمجموعة الألبانية، الذين وافقوا على ربط مستقبلهم بسوريا، وعملوا في صفوف هيئة تحرير الشام، وهم الآن جزء من القوات المسلحة للحكومة الانتقالية.

ومن ثمّ، فإنّ أحد المعايير التي سمحت للمقاتلين الأجانب بالبقاء في سوريا هو رفض مواصلة “الجهاد” بمفهومهم، خارج البلاد. وفي واقع الأمر، كان الانقسام في “أجناد القوقاز” مرتبطاً إلى حد كبير بهذا العامل. أما أولئك الذين نظروا إلى الصراع في سوريا باعتباره استمراراً للحرب مع روسيا، بدلاً من قبول أفكار “الثورة السورية” بشكل كامل، والمشاركة في مستقبل سوريا، فقد اضطروا إلى الانتقال إلى أوكرانيا. وينطبق الأمر نفسه على أولئك الجهاديين الذين سبق أنْ دعوا إلى توسيع الجهاد خارج سوريا. حيث انتقلوا إلى تنظيم “حراس الدين” وتم تطهير معظمهم من قبل هيئة تحرير الشام مع تلك المجموعة. ويواصل آخرون، مثل الفصيل الشيشاني الصغير “جند الشام”، الاختباء من هيئة تحرير الشام في الجبال الواقعة بين محافظتي إدلب واللاذقية، لكنّ أعدادهم لا تتجاوز بضع عشرات من الأشخاص.

ومن المؤشرات أيضاً في هذه القضية، مصير أحمد منصور، القائد العسكري المصري في هيئة تحرير الشام ومؤسس حركة 25 يناير الثورية، الذي اختفى في دمشق بعد دعوته إلى ثورة ضد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وحسب ما أصبح معلوماً، فقد تم اعتقاله بعد تصريحاته، من قبل جهاز الأمن التابع للإدارة السورية الجديدة “هيئة تحرير الشام”. وتحاول السلطات الجديدة الحدّ من النشاط المستقل للقادة الميدانيين والأفراد الذين لا ينسقون أقوالهم وأفعالهم مع قيادة الحركة. ويعد أحمد منصور من الشخصيات المصرية القليلة رفيعة المستوى التي لم يتم طردها من الجماعة من قبل قيادة هيئة تحرير الشام حتى وقت قريب، وذلك بشكل رئيسي لأن دوره كان يقتصر على الواجبات العسكرية دون التدخل في القضايا الدينية والسياسية. والآن، بعد أن أدلى بتصريح سياسي، “جاءوا إليه أيضًا”.

أين يقاتل مسلحو الاتحاد السوفييتي السابق اليوم؟

يتمركز اليوم الجزء الأكبر من المقاتلين الأجانب من الاتحاد السوفييتي السابق في أحد ألوية هيئة تحرير الشام الـ(11)، والذي يُطلق عليه اسم “أبو عبيدة” – تكريماً لأحد الصحابة الذين بُشِّروا بالجنة- وهي تشمل بشكل رئيسي التشكيلات الأوزبكية مثل “الإمام البخاري”، وكتيبة “التوحيد والجهاد”، وكتيبة “الغرباء” التركستانية الأويغورية. ومن المرجح أن ينضموا إلى الجيش السوري الجديد بكامل قوتهم. ومن المتوقع أيضاً أن يتم منحهم الجنسية السورية.

ويجب أن نضع في الاعتبار أنّ العديد من المسلحين من الاتحاد السوفييتي السابق قد ترسخت جذورهم بالفعل في سوريا، وأسسوا عائلات بنوا من خلالها علاقات مع المجتمعات السورية المحلية. ولذلك فمن المرجح أن معظمهم يتوقعون البقاء في سوريا. وبشكل عام، على الأرجح، فإن الأغلبية تخلّت بالفعل عن فكرة الجهاد العالمي أو تصديره من سوريا. ويعتبر القادة الأجانب الذين حصلوا على مناصب ورتب في الجيش السوري الجديد “مُختبرين” ويتشاركون مواقف السلطات السورية الجديدة.

ولعل دمج المقاتلين الأجانب في الجيش السوري الجديد سيقلل من مخاطر عودتهم إلى بلدانهم الأصلية لمواصلة الجهاد، وعلى العكس من ذلك، إذا قررت السلطات السورية الجديدة، تحت ضغط من الغرب، رفض خدماتهم، فسيتم طردهم خارج البلاد، وقد يصبحون مطلوبين في صفوف الحركات الجهادية الأخرى. ومع ذلك، وكما يمكن الحكم عليه من مثال القائد المصري أحمد منصور والمقاتلين الأوزبك من “أنصار التوحيد”، فإنه ليس كل المسلحين الأجانب في سوريا قد تخلوا عن مهمة “تصدير الجهاد” وهم على استعداد للتصالح مع السياسة التي تنتهجها السلطات السورية الجديدة. وهذا ينطبق أيضاً على التعددية الدينية في سوريا.

وبالمناسبة، فإنّ العديد من المصادر الناطقة باللغة الروسية المتمركزة في سوريا والتي تدعم هيئة تحرير الشام، تتجاهل الأخبار المتعلقة بخطوات السلطات السورية الجديدة في الاتجاه الديني كالموافقة على تدريس ثلاثة مذاهب من العقيدة (الأشعرية، الماتريدية، الأثرية) بدلاً من السلفية النجدية، حتى لا تسبب “اضطرابات” في صفوف المؤيدين. والأمر نفسه ينطبق على التصريحات التصالحية للسلطات السورية الجديدة تجاه روسيا. ويتم ذلك عمداً لإخفاء الأجندة عن المؤيدين الذين ما زالوا يتعاطفون مع هيئة تحرير الشام. لكن السؤال هو أنهم عاجلاً أم آجلاً سوف يكتشفون الحقيقة وربما ينجذبون إلى حركات أكثر تطرفاً.

ويجب الأخذ في الاعتبار أنّه بالإضافة إلى المسلحين، هناك أيضاً نشطاء جهاديون ناطقون بالروسية في سوريا، والذين قد يشكلون تهديداً أكبر، لأنهم لا يخضعون للسيطرة المباشرة لهياكل الإدارة السورية الجديدة. وعلى العكس من ذلك، فإنهم غالباً ما خلقوا خلفية سلبية لهيئة تحرير الشام نفسها. على سبيل المثال، كان ناشطٌ إرهابي طاجيكي من إدلب يُعرف باسم “فاروق شامي” آخرَ شخص تواصل مع عبد الله أنزوروف، الذي ارتكب جريمة قتل المعلم الفرنسي صامويل باتي في عام 2020. ومنذ ذلك الحين، ورغم أن هيئة تحرير الشام لم تدعم رسمياً أو تدعو بشكل مباشر إلى الهجمات في فرنسا، فقد اتُهم بالدعوة إلى هذه الهجمات بسبب علاقاته بهيئة تحرير الشام، حيث كان ولا يزال في سوريا.

ومن غير المرجح أن تؤدي علاقات هؤلاء الناشطين بالجماعات المسلحة غير الراضية عن حكم أبو محمد الجولاني إلى ثورة ضد قيادة هيئة تحرير الشام نفسها، ولكنها قد تجبر بعضهم على العودة إلى وطنهم لمواصلة أنشطتهم التخريبية. بعضهم سيفضل الانتقال إلى أوروبا، وبعضهم، كما حدث من قبل، سيتوجهون إلى أوكرانيا، حيث سينضمون إلى التشكيلات ذات الصلة في القوات المسلحة الأوكرانية.

يبدو أنّنا لم نشهد اليوم أيّة زيادة في التهديدات الإرهابية الصادرة من سوريا، بفضل سياسة إزالة التطرف والاندماج التي تنتهجها السلطات السورية الجديدة، والتي أصبحت استمراراً لسياسة تطهير إدلب من المقاتلين الأجانب، عندما كان المقاتلون الأجانب ذوو الآراء الأكثر تطرفاً أول من تعرض للهجوم. والنقطة هنا ليست فقط أن أحمد الشرع نفسه غيّر آراءه فجأة، بل إن الجهاديين الأجانب بمواقفهم المتطرفة، هم الذين أصبحوا دائماً عقبة في طريقه إلى السلطة في سوريا.

ومن المهم أيضاً أن نلاحظ أنّ التغيير في السلطة في سوريا كان الأكثر إيجابية من بين ممثلي الحركات الإسلامية المعتدلة، الذين كانوا منتقدين ثابتين لأيديولوجية الجهادية السلفية، بما في ذلك أبو محمد الجولاني نفسه في عهد جبهة النصرة، وحتى في عهد هيئة تحرير الشام قبل انسحابها من إدلب. وفي الوقت نفسه، يُنظر إلى خطوات القيادة السورية الجديدة بشكل سلبي في المجتمعات السلفية، وحتى في الفضاء ما بعد السوفييتي؛ لقد دعموه في السابق، أما الآن فيعبرون عن خيبة أمل كبيرة. ولذلك لا يمكن القول إنّ تغيير السلطة في سوريا يمكن أن يسبب إثارة وتوتراً في هذه المجموعات، بل العكس هو الصحيح، إذ يمكن في كثير من الأحيان رؤية الارتباك وسوء الفهم، حيث يمكن توضيح مايلي:

أولاً: تعرضت السلطات السورية لانتقادات بسبب رفضها فرض معايير الشريعة الإسلامية، حتى في مجال التطبيق المحدود كما كان الحال في إدلب. فهناك، على سبيل المثال، منذ عام 2017، لم تصدر أية أحكام بالحدود (الإعدام للردة أو الزنا، وما إلى ذلك).

ثانياً: هناك خلاف مع تصرفات السلطات السورية الجديدة فيما يتعلق برفض إدخال قواعد اللباس الإسلامي (وهذا يتعلق بارتداء الحجاب الإلزامي، وما إلى ذلك) وتعيين النساء في مناصب عليا، بما في ذلك مدير البنك المركزي، ومحافظ محافظة السويداء، وما إلى ذلك.

ثالثاً: لم تتدخل الدولة في الاحتفال بعيد رأس السنة، وعيد الميلاد، وأولئك الذين حاولوا تنظيم الاستفزازات (حرق شجرة عيد الميلاد في إحدى مدن محافظة حماة) تم اتخاذ عقوبات تأديبية بحقهم.

وأخيراً؛ عاد إلى البلاد كبار علماء الأشاعرة أمثال أسامة الرفاعي ومحمد راتب النابلسي، وأعلنت العقيدة الأشعرية والماتريدية ومدرسة أهل الحديث بوصفها دعائم التعليم والتنوير الإسلامي في سوريا. أذكّركم أنه في إدلب لم يكن مسموحاً إلّا بدراسة العقيدة السلفية النجدية وتفاسير محمد بن عبد الوهاب وابن تيمية. والآن هذا الاحتكار لم يعد موجوداً. السلفيون يعربون عن استيائهم من تعيين الأشاعرة والماتريدية والصوفية في مناصب أئمة المساجد. وتستمر المساجد الشيعية في عملها. ولكن هناك عدداً من الجوانب التي لا تزال تثير الرفض بين المتطرفين ولا تسمح لهم باعتبار السلطات السورية الجديدة مثالاً يحتذى به. بشكل عام، يشير اتجاه تصرفات السلطات السورية إلى أنه يمكن تجنب السيناريو الأفغاني لعام 2021 (بعد ذلك، بعد فترة توقف معينة، بدأت حركة طالبان الأفغانية في إرساء معايير الشريعة في التفسيرات الأكثر صرامة). وفي سوريا، يبدو من غير المرجح في هذه المرحلة أن يحدث مثل هذا التطور للأحداث. ومن الطبيعي ألّا يجد كل هذا تفهّماً لدى أنصار الحركات الراديكالية في الفضاء ما بعد السوفييتي، وغالباً ما يُتهم أحمد الشرع بالعلمانية.

الكاتب: كيريل سيمينوف، عالم سياسي، متخصص في شؤون الشرق الأوسط، خبير مستقل في مجال الصراعات في الشرق الأوسط، وأنشطة الحركات الإسلامية والمنظمات الإرهابية.

الترجمة عن الروسية: د. سليمان الياس

رابط المقال الأصلي

 

المصدر: مركز الفرات للدراسات

شارك هذه المقالة على المنصات التالية