الثلاثاء, مارس 4, 2025

الكرد السوريون في ظل الحكومات الإسلامية ـ1ـ

برادوست ميتاني

بدايات دخول كرد سوريا في الإسلام

قبل مجيء الجيوش الإسلامية في عهد الخليفة عمر بن الخطاب واعتناق الكرد الإسلام  في سوريا كان أكثرهم إيزيديين، مع قسم آخر كانوا يعتنقون الزردشتية، واليهودية، والمسيحية، حيث أنهم لم يتعرفوا على الإسلام ولم يعتنقوه، خلال ذلك كان الكرد في مناطقهم تحت سلطة الدولة الرومانية التي كانت تصارع الدولة الساسانية الكردية، وكانت مناطقهم منهكة بسبب ذلك  الصراع الحربي الطويل  بين الدولة الرومانية والدولة الساسانية، والتي أثرت سلباً على تماسك الدولة الرومانية بسبب اضمحلال قوتها العسكرية والاقتصادية ونفور الناس من الحالة العسكرية، لذلك ظهر ضعفها في  مواجهتها للجيش الإسلامي الذي كان في طور البناء والقوة، وخاصة أنه جيش أيديولوجي، شعاره الجهاد في سبيل الله، ونيل رضاه واكتساب الدخول إلى الجنة، لتلك الأسباب كان انتصارهم في المعارك سهلاً وسيطرتهم على المنطقة بصورة متلاحقة وسريعة ومن خلال جيوش جرارة تجاوز عددها ستة جيوش، وكل جيش يبلغ عدد مقاتليه من أربعة آلاف حتى سبعة آلاف، وإذا قارننا هذا العدد بعدد السكان والفئات العسكرية فيه حينها فيكون ذلك العدد ضخماً جداً.

عن كيفية قدوم الجيش الإسلامي إلى روج آفا وسوريا وخاصة المناطق الغنية بالكرد، يقول ابن الأثير(1): “وبلغ أبا عبيدة أن جمعا من الروم بين معرة مصرين وحلب، فسار إليهم فلقيهم فهزمهم، وقتل عدة بطارقة وسبى وغنم، وفتح معرة مصرين على مثل صلح حلب، فجالت خيوله فبلغت بوقا، وفتحت قرى جوما وسرمين وتيزين، وغلبوا على جميع أرض قنسرين وإنطاكيا، ثم أتى أبو عبيدة حلب”، ص496 “وقد التقى أهلها فلم يزل بهم حتى أذعنوا وفتحوا المدينة، وسار أبو عبيدة يريد قورس وعلى مقدمته عياض… وبث خيله، فغلب جميع أرض قورس وفتح تل عزاز. ثم سار أبو عبيدة إلى منبج، وعلى مقدمته عياض فلحقه وقد صالح أهلها على مثل صلح إنطاكية وبعث جيشا مع حبيب بن مسلمة إلى قاصرين، فصالهم أهلها على الجزية أو الجلاء فجلا أكثرهم إلى بلد الروم، وأرض الجزيرة وقرية جسر منبج، ولم يكن حينها الجسر موجوداً. ص 532”.

فخرج عياض بن غنم ومن معه فأرسل سهيل بن عدي إلى الرقة، وقد أرجع أهل الجزيرة عن حمص إلى كورهم حين سمعوا بأهل الكوفة فنزل عليهم؛ فأقام يحاصرهم حتى صالحوه فبعثوا في ذلك إلى عياض، وهو في منزل وسط بين الجزيرة فقبل منهم وصالحهم وصاروا ذمة.

ويقول في ص534 “فسار عياض إلى الجزيرة سنة ثمانية عشرة للنصف من شعبان في خمسة آلاف وعلى ميمنته سعيد بن عامر بن حزيم الجمحي، وعلى ميسرته صفوان بن المعطل، وعلى مقدمته هبيرة بن مسروق؛ فانتهت طليعة عياض إلى الرقة، فأغاروا على الفلاحين، وحصروا المدينة وبث عياض السرايا، فأتوه بالأسرى والأطعمة وكان قد حاصرها ستة أيام فطلب أهلها الصلح فصالحهم على أنفسهم، وذراريهم وأموالهم ومدينتهم، وقال عياض الأرض لنا قد وطئناها وملكناها فأقرها في أيديهم على الخراج ووضع الجزية”.

ثم أتى قرى على الفرات، وهي جسر منبج وما يليها ففتحها وسار إلى رأس عين، وهي عين الوردة، فامتنعت عليه وتركها وسار إلى تل موزان ففتحها على صلح الرها سنة تسعة عشرة.

ويقول في ص 535: قيل إن عياض أرسل عمير بن سعد إلى سري كانيه، ففتحها بعد أن أشتد قتاله عليها، وقيل: إن عمر أرسل أبا موسى الأشعري إلى سري كانيه بعد وفاة عياض، وقيل: إن خالد بن الوليد حضر فتح الجزيرة مع عياض وقيل: إن خالداً لم يسر تحت لواء أحد غير أبي عبيدة.

إذا أمعننا النظر في تلك الأحداث والمعارك سنجد أن إجراءات أعقبت السيطرة على المدن -بعد حصارها والدخول إليها- البعيدة عن أخلاقيات الفتح والحرب، وخاصة لنشر الدين، منها سبي الأهالي أي أخذ النساء منهم عنوة، وكذلك الغنائم بالاستيلاء على أموالهم، وكانوا يعتبرون الأرض التي يسيطرون عليها  ملكاً لهم، بالإضافة إلى الجزية، والتي جعلت الكثير من الكرد أن يتخلوا عن دينهم الإيزيدي والزردشتي والمسيحي واليهودي وغيرها من أديان الشعب، ليتخلصوا من الجزية والتمييز في المعاملة بينهم وبين من أسلم، وبالتقادم صارت الجزية عبئاً ثقيلاً على الكرد وخاصة منهم الفقراء، ولكي يتخلصوا منها تركوا دينهم كما أسلفنا ودخلوا الإسلام، وخاصة  أن الجزية لا تفرض على البشر فقط بل حتى على الحيوانات، وعلى كل رأس من الناس ورأس من الماشية والخيل ضريبة مختلفة، مثال على ذلك والشيء بالشيء يذكر أن وثيقة (2) عثمانية من الأرشيف العثماني لعام 1894م تتضمن اعتناق 280 عائلة إيزيدية الإسلام تخلصاً من الجزية في منطقة مديات.

بالرغم من قوة الجيش الإسلامي نلاحظ وجود مقاومة من الأهالي، وكذلك من السلطة الرومانية ولكن كانت ضعيفة أمام تلك الجيوش الجرارة.

رغم أن الدعوة للدين كانت تستوجب أن تكون بالقناعة والفكر والحوار، إلا أن نشر الدين في تلك الفترة وتلك المناطق كان عن طريق الجيوش والقوة، عن ذلك الفتح يقول ا. د. حكيم أحمد خوشناو (3) :تم فتح الرقة صلحا أما مدينة عين الوردة (سرى كانيه)، فإنها استعصت أول الأمر على القائد المسلم عمير بن سعد، ولكن بعد قتال تم فتحها على صلح . كما امتنعت سري كانية على عياض بن غنم ففتحها عمير بن سعد، بعد أن قاوم أهلها المسلمين بشدة. فدخلها المسلمون عنوة ثم صالحها المسلمون على أن تدفع الجزية على رؤوسهم. على كل رأس أربعة دنانير، لم تُسبّ نساؤهم ولا أولادهم.

يقول أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب ابن واضح الكاتب العباسي المعروف باليعقوبي (4) وكان أبو عبيدة بن الجراح قد وجه عياض بن غنم الفهري إلى الجزيرة، فلم يزل يحاصر عليهم ثم افتتح الرقة وسروج والرها ونصيبين، وسائر مدن الجزيرة وكانت صلحاً، ووضع عليها الخراج على الأرضين ورقاب الرجال. على كل إنسان أربعة وخمسة، وستة دنانير، وذلك في سنة 18 هجري.

بسبب العاطفة الدينية لدى بعض المؤرخين أنهم يتجاهلون وقائع تتعلق بالرد الشعبي، وخاصة الكردي في مناطقهم، ومقاومتهم للجيوش الإسلامية مثلما فعل اليعقوبي، الذي لخص ذلك دون أن يذكر المقاومة، التي ظهرت في أورفا، وسري كانيه مع ذكره لضرب الخراج بالدنانير على الأرضين ورقاب الرجال. بالرغم من أن اليعقوبي يذكر في تلك الصفحة بأنه كان قد انتشر مرض “طاعون عمواس” في الشام وقد توفي (25000) شخص منهم العديد من قادة جيوش المسلمين بمن فيهم أبو عبيدة بن الجراح، وغلا السعر، واحتكر الناس فنهى عمر الاحتكار.

لا يخفى على أحد أن المنطقة كانت مسرحاً للصراع، والقتال حتى بين القادة المسلمون أنفسهم، منها ما حدث في الجزيرة والشام (5) ففي ذلك يذكر ابن الأثير أنه خلال الصراع بين معاوية، والإمام بن علي سيّر معاوية عبدالرحمن بن قباث بن أشيم إلى بلاد الجزيرة، وفيها شبيب بن عامر جد الكرماني، الذي كان بخراسان وكان شبيب بنصيبين، فكتب إلى كميل بن زياد الذي كان بهيت في العراق لنجدته، فجاء كميل وقاتل عبد الرحمن ومعه معن بن يزيد السلمي، وهزمهما، وعمل باهل الشام القتل، فكتب إلى علي بالنصر، ففرح ولكنه سخط عليه من تلك الأعمال.

أقبل شبيب من نصيبين إلى كميل، واتبع الشاميين فلم يلحقهم فعبر الفرات، ورجع شبيب فأغار على نواحي الرقة وساق ماشيتها، وخيلها وسلاحها كلها، وعاد إلى نصيبين ثم كتب بذلك إلى الإمام علي الذي نهاه عن أخذ الأموال إلا الخيل والسلاح الذي يقاتلون به.

جبل الكرد (عفرين) وجيش المسلمين

نحن نعلم أن قسماً كبيراً من أهلنا الكرد في عفرين ظلوا متمسكين بدينهم الأصلي الذي هو الإيزيدي، ولم يأتِ ذلك عن عبث، إنما بالدفاع عنه وتحمل النكبات مثلما يحدث لهم في الوقت الحالي بعد احتلال عفرين من قبل الاحتلال التركي، ومرتزقته ما يسمى الجيش الوطني، ولقد شهدت مناطق عفرين مآثر في التفاني ومواقع دارت في رحاها معارك عديدة قديماً وحديثاً.

يقول الأديب والكاتب أ. مروان بركات (6): “نأتي على ذكر أعزاز لأنها كانت بوابة الجيوش المغيرة عل منطقة جبل الكرد من الجهة الشرقية في أغلب الفترات التاريخية هذا أولاً، وكون أعزاز كانت تتبع إدارياً لمدينة النبي هوري في أكثر من فترة تاريخية، عندما أراد أبو عبيدة بن الجراح اقتحامها قال ليوقنا حملته هل لديك من حيلة لدخول قلعة إعزاز. قال يوقنا نعم، وحيلتي هي أن أركب جوادي وتضم إلي مائة فارس من المسلمين ولنكن على زي الروم، ولباسهم وأتقدم بهم ثم يتقدم أمير من المسلمين ومعه ألف فارس على خفاف الخيل، وأنا في المقدمة بمائة فارس على مقدار فرسخ كأننا هاربون منكم، وأوائل الخيل صار في طلبنا فإذا أشرفنا على أعزاز نلقي الصوت فإذا نظر صاحبها داراس، لابد أن ينزل إلينا ويلقانا، فإذا سألني أخبرته أني أسلمت زوراً ثم هربت، فخرج المسلمون في طلبي فإذا سمع مني ذلك سيصعد بنا إلى حصنه، ولكن مقدم الألف بالقرب منا في قرية غير أهلة، فإذا كان نصف الليل سرنا في وسط الحصن، ونضع السيف في أعدائنا فإذا كانت صلاة الفجر يأتينا أمير المسلمين بألف جندي التي معه، فلما سمع عبيدة الجراح استنار وجهه، واستشار خالد بن الوليد في ذلك فقال: يا أمين الأمة رأي سديد لن يغدر هذا الرجل، ويرجع إلى دينه”.

بتلك الحيلة سيطر جيش المسلمين على حصن أعزاز والمدينة، وفي اليوم التالي توجه جيش المسلمين باتجاه جبل بارسا خاتون الواقع إلى الشمال، والغرب من أعزاز على بعد خمسة كيلو مترات المطل على سهول قرية قسطل جندو وقطمة.

وعن بقية مناطق عفرين يقول أ. بركات (7): تابع جيش المسلمين سيره باتجاه دير سمعان والحامية البيزنطينية في قرية براد في وسط ليلون، وبعد التغلب عليها يقول عطا بن جعيدة الذي كان رأس الجيش الإسلامي: سرنا حتى وصلنا إلى جنديرسه وقرى الجوما وحين وصلوا إلى حدود مدينة قورش “النبي هوري” حالياً، فلقيهم راهب من رهبانها يسألهم الصلح؛ فبعث به إلى أبي عبيدة فصالحه على صلح أنطاكية، وبهذا غلب على جميع أراضي قورش، وكان ذلك في عام 636م، ونزلنا في مرج واسع ونزل الجيش هناك والقائد عبيدة كان تراوده نفسه الرجوع إلى حلب، هذا المرج الواسع على الأغلب هو سهل قرة بابا التابع لناحية راجو حالياً، أو سهل شيخ الحديد في جبل الكرد، وفي هذا الموقع جرت معركة بين جيش المسلمين وجيش الروم، وخطب ميسرة بجنوده قائلاً: اعلموا أن الدنيا دار ممر والآخرة دار مقر، واسمعوا ما قال نبينا محمد الجنة تحت ظلال السيوف. وإثر هذه المعركة خضعت كل منطقة جبل الكرد عفرين لحكم الدولة الإسلامية، وبعد ذلك ذهب أبو عبيدة بن الجراح إلى مدينة قورش النبي هوري وأقام فيها عدة أيام وأعجب بالمدينة، وموقعها الجميل على نهر صابون وبكنيستها التي كانت فريدة زمانها على الأطلاق في عموم شمال سوريا.

بالطبع الإيمان بالقناعة له قيمة أكبر بكثير من الإيمان تحت ظلال السيوف؟ كان جدي الله يرحمه دائما يقول: اللهم اجعلني من المؤمنين الذين آمنوا عن قناعتهم وليس من المؤمنين الذين آمنوا خوفاً من السيوف.

المراجع:

1-ابن الأثير الجزري – الكامل في التاريخ مجلد 2ص495

2-الوثيقة في صفحة أ.أدهم شيخو

3-أ.د حكيم خوشناو -كتابه الكرد وبلادهم عند البلدانيين المسلمين ص285

4-أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب ابن واضح الكاتب العباسي المعروف باليعقوبي في مؤلفه تاريخ اليعقوبي ص150

5-ابن الأثير في كتابه الكامل في التاريخ ج3 ص 379في فقرة ذكر غارة اهل الشام على اهل الجزيرة

6ـ 7-كتاب جبل الكرد –عفرين عبر العصور –للأستاذ مروان بركات ص99 وص 104

من كتابي الذي هو قيد الإنجاز والذي يحمل عنوان: “الوجيز من الوجود الكردي في سوريا منذ فجر التاريخ“

​المصدر | صحيفة روناهي

شارك هذه المقالة على المنصات التالية