-1-
شكل هجوم قوات الإدارة المؤقتة في دمشق، وما تسمى بفزعات العشائر التي شكلتها هذه الإدارة على مدينة السويداء وأريافها، والفظائع التي ارتكبتها والتي نجمت عن مقتل حوالي /1700/ شخص وجرح آلاف أخرى واختطاف الرجال والنساء والأطفال الشرارة التي اندلع منها اللهيب في الجنوب السوري، خاصة أن كل ذلك جاء بعد المجازر المروعة التي ارتكبتها هذه السلطة في الساحل السوري وفي حمص وحماة وأريافهما، وبعد التدخل الإسرائيلي في كامل مناطق الجنوب مثل القنيطرة ودرعا والسويداء.
نتائج هذا العدوان على السويداء متعددة الجوانب، فهي من جهة فتحت أعين السوريين على حقيقة هذه السلطة وأهدافها، ومن جهة ثانية فقد أكدت على أن هذه السلطة لا تحترم أدنى قواعد الديمقراطية في التعامل مع مكونات الشعب السوري، وتستعمل أساليب المجازر بدلاً من الحوار الوطني، وكانت النتيجة الأوضح أنها فتحت المجال واسعاً أمام إسرائيل للسيطرة على ثلاث محافظات سورية هي القنيطرة ودرعا والسويداء.
كل هذه الممارسات السلبية والمتهورة، بل والقمعية البعيدة عن المنطق الوطني في التعامل مع قضايا الشعب والوطن السوري أدت إلى عزلة واسعة لهذه الإدارة ليس فقط على المستوى الوطني السوري، وإنما على المستوى الدولي أيضاً، وبدون شك فإن المجتمع الدولي الذي يرى الجرائم التي ترتكب بحق الشعب السوري لن يقف مكتوف الأيدي، وفي هذا الإطار جاء اجتماع مجلس الأمن الدولي الذي أدان ممارسات السلطة المؤقتة ورأى أنها قد تصل إلى مستوى جرائم حرب، ولهذا طالب صراحة بتطبيق القرار الأممي رقم /2254/ لعام 2015 الذي يتضمن الانتقال السياسي للسلطة.
بعد جرائم الساحل والسويداء وغيرها من أعمال القتل والخطف، بما في ذلك اختطاف النساء تتوجه هذه السلطة نحو الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا ونحو قوات سوريا الديمقراطية، وأصبحت توجه التهديدات تلو الأخرى بالهجوم عليها وبتدخل تركي سافر لدرجة أن تركيا أصبحت الموجه والراعي الأول لإدارة سياسات ومواقف هذه السلطة التي زجت بكل إعلامييها وذبابها الالكتروني في توجيه تهم الانفصالية إلى قوات سوريا الديمقراطية، وأرغمت تركيا هذه الإدارة أيضاً على عدم تنفيذ اتفاق 10 آذار بين الجنرال مظلوم عبدي وأحمد الشرع رئيس المرحلة الانتقالية، كما أرغمتها على عدم المشاركة في اجتماع باريس الذي يجري برعاية كل من فرنسا والولايات المتحدة.
تعرف الإدارة المؤقتة في دمشق ويعلم الجميع أن أي هجوم تقوم به سلطة دمشق على شمال وشرق سوريا وعلى قوات سوريا الديمقراطية لن تكون نزهة، وأن نتائج مثل هذا الهجوم سترتد عليها، وقد يكلفها إنهاء سلطتها على كامل سوريا، ويعرف رؤساء العشائر التي تستعد للفزعات بأن أي تحرك من هذا القبيل ستضع نهاية محزنة لطموحاتهم وستريق الكثير من الدماء السورية الغالية.
بنتيجة سيطرة تركيا وقطر على جميع مفاصل هذه السلطة المؤقتة، وتنفيذها لأجنداتها تدخل هذه السلطة في عزلة شاملة حتى من ما تسمى بحاضنتها الشعبية من العرب السنة، والعين الخبيرة ترى وتدرك هذه الحقيقة جيداً، خاصة أن الكثير من العشائر العربية بشيوخها ووجهائها يدركون جيداً الآثار السلبية لمثل هذه الحروب الداخلية والقتل على الهوية، ويقفون من العيش المشترك لجميع السوريين على اختلاف انتماءاتهم التي كانت وستبقى إحدى السمات الرئيسية لسوريا.
-2-
تتهرب الإدارة المؤقتة في دمشق من تلبية استحقاقات الداخل، وهي استحقاقات هامة وكثيرة يترتب على معالجتها استقرار البلاد، وفي مقدمتها مسألة الانفتاح على المكونات السورية، لأن سوريا بتكوينها الواقعي والتاريخي دولة متعددة القوميات والأديان والمذاهب، ولا يمكن تحقيق الأمن والاستقرار في البلاد دون الانفتاح عليها وتلبية حقوقها المشروعة من خلال الحوار الوطني وليس عن طريق فوهات المدافع، وهناك الكثير من الاستحقاقات الأخرى مثل إنهاء الخطاب الإعلامي التحريضي وبث الكراهية، وإنهاء ظاهرة السلاح المنفلت لإشاعة الأمن والاستقرار، وتحسين المستوى المعيشي للشعب وتوفير الخدمات الأساسية والصحة والتعليم، وتأمين الحريات الديمقراطية، وحرية التعبير عن الرأي حرية الصحافة وعودة الأحزاب السياسية والاجتماعية، والحياة السياسية بشكل عام، وفتح الطريق أمام النضال السلمي الديمقراطي وعدالة توزيع الثروة وغيرها الكثير، وفي الواقع فإن هذه الأمور هي بالضبط مصدر شرعية أي نظام سياسي واقتصادي واجتماعي، غير أن مجلس الشعب المرتقب تشكيله والإعلان الدستوري والحكومة المؤقتة جاءت كلها متناقضة مع الاستحقاقات التي يناضل من أجلها الشعب السوري، غير أنه بدلاً من الحصول على الشرعية من الداخل السوري تهرب هذه الإدارة إلى الخارج متوسلة الحصول على الشرعية منه كما تفعل الآن مع تركيا وقطر والغرب وإسرائيل.
بدلاً من خطاب وطني شامل يدعو إلى اجتماع السوريين وإلى وحدتهم في خدمة بناء الوطن المدمر، ومن أجل النهوض والانتعاش الاقتصادي تساند هذه الإدارة الخطاب الانتقامي والتحريضي وخطاب نشر الكراهية بين أبناء الشعب السوري.
بسبب الممارسات الخاطئة وتوجهاتها الفئوية والمواقف المتطرفة من الفسيفساء السورية بدلاً من مفاهيم العصر كالديمقراطية والعيش المشترك وتمتين الوحدة الداخلية تنفض عن الإدارة المؤقتة الكثير من شرائح الشعب السوري، بما في ذلك قسماً هاماً من المواطنين والتقدميين والديمقراطيين من ما يسمى حاضنتها الشعبية (العرب السنة)، وكنتيجة لكل ذلك بدأ الخارج أيضاً يدرك حقيقة هذه الإدارة التي أثبتت عدم قدرتها على إقامة نظام سياسي ديمقراطي يجمع الشعب السوري ويحقق الأمن والاستقرار في البلاد، فأصبح يحذرها ويتراجع عن دعمها وتعويمها، وانعكس ذلك بشكل جلي في قرار مجلس الأمن الدولي الذي صدر منذ عدة أيام.
-3-
إذا كانت كل المكونات السورية، بما في ذلك ما تسمى حاضنة هذه الإدارة المؤقتة – بالاعتذار من العرب السنة لأن الكرد السوريين بأغلبيتهم الساحقة هم أيضاً من المذهب السني الكريم – تنفض وتعارض سلطة من لون واحد ومن منهجية واحدة، فإن ذلك يعني دخولها في عزلة شعبية واسعة، وإذا كان المجتمع الدولي بدأ في اتخاذ مواقف جدية تجاه هذه السلطة، وأصبحت مهمته تنحصر في الضغط عليها من أجل انتزاع مكاسب ومواقف معينة منها كالدخول في الاتفاقات الإبراهيمية والسلام مع إسرائيل فهذا يعني أن السلطة المؤقتة في أوج ضعفها، خاصة بعد أن أصبح الجنوب السوري بما في ذلك القنيطرة ودرعا والسويداء منطقة منزوعة من السلاح، أي أنها واقعياً أصبحت خارج سيطرة الإدارة الانتقالية، ثم لماذا تخاف هذه السلطة من سياساتها ومواقفها إذا كانت في مصلحة سوريا والسوريين، لماذا لا توضح مضامين لقاءاتها السرية والعلنية ومفاوضاتها مع إسرائيل وهي نقطة رئيسية لدى جميع السوريين إضافة إلى بيان طبيعة علاقاتها مع تركيا التي تحتل مساحات واسعة من الأراضي السورية وتقود عملياً سياسات السلطة المؤقتة وكأنها وصية على سوريا، ولماذا تقبل هذه السلطة بكل تلك العلاقات والمواقف مع الخارج وفي الوقت نفسه تعرقل الحوار الوطني السوري؟ علماً أن الحوار الوطني السوري هو الحلقة المركزية في إخراج سوريا من أزمتها ومحنتها الراهنتين.
إن كل هذه التطورات تدل على أن بقاء هذه الإدارة في السلطة في دمشق بات مرهوناً بقوة الفصائل وجزء منها غير سورية موجودة على قوائم الإرهاب الدولية، وهذا يعني أن الإدارة المؤقتة تعيش اليوم أقصى درجات ضعفها، وليس لديها ما يقنع به السوريين بمختلف قواهم السياسية والاجتماعية وقوى المجتمع المدني التي تتجاهلها هذه الإدارة أصلاً، وتضيق بل تقمع نشاطاتها وتحركاتها، ومع هذه التطورات يبدو أن معظم العشائر العربية التي تحاول هذه الإدارة تحريضها وتحريكها من أجل إسكات معارضيها قد بدأت تفهم المعادلة، وتبتعد عن أجواء خلق الفتن والسلوكيات الضارة.
طريق الشعب الحزب اليساري الكردي في سوريا
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd-online.com/?p=75029