رشيد الصوفي.. العصي على النمذجة، الملتزم دائما ًبـ اللا- التزام

صالح كوباني

لن يكون مبالغا الادعاء أن أهم حدث في عالم الثقافة والموسيقى والفن في غرب كوردستان عموما وفي كوباني خصوصا لهذا العام هو رحيل الفنان رشيد الصوفي.

تعرفت إلى الأستاذ رشيد الصوفي سنة ١٩٨٤، وذلك عن طريق  شقيقه المرحوم محمود الثاني الذي كان صديقا مقربا. صداقة امتدت الى مالانهاية .

تبين فيما بعد أن نسج الصداقة مع رشيد الصوفي ليس بالأمر الصعب  لبساطته وبعده عن التعقيد، يمنح انطباعا بأنه يعرفك منذ زمن بعيد.

لكن عندما يعود المرء بشريط الذاكرة للخلف ويعيد تقييم مسارات الأمور وتسلسل الأحداث، يتبين بالنتيجة ان ذاك الشخص الصافي، الصوفي، طيب المعشر، سريع البديهة، حاضر النكتة، قد يحمل بداخله آلاما وانكسارات، وعدم شعور بالأمان مع المكان والساعات الرملية التي لا تتوقف.  وإن الرجل أستهزئ بالحياة كونها سطحية، تفتقد للأصالة ولا تستحق التقدير التي كنا نمنحها.

لم يكترث بالمال ولا بالجاه، ولم يؤسس أسرة ليقحم أطفالا في عالم قد لا يستحق الاستمرار .

لم يكن لديه عنوان ثابت، علما بأنه كان يتمتع بشبكة علاقات واسعة  في الوسط الفني والثقافي السوري عموما و الكردي على وجه الخصوص.

لذا كنا نعرف عنه الكثير، و لكن معرفتنا به  ظلت قليلة في نفس الوقت.

يذكر أنه تزوج في السنين القليلة الأخيرة من عمره من السيدة الفاضلة په روين بطال ليستقر معها في كوباني مسقط رأسه .

تجربتي الشخصية مع رشيد صوفي في المجال الفني تمتد من ١٩٨٤ حتى ١٩٨٩ عندما غادرت البلاد للدراسة.

في هذه الفترة مضينا سوية اياما وليال، تناولنا من سفرة العائلة مما تيسر مرات لا تحصى.

كنت أعتبر نفسي واحدا من أفراد العائلة كوني تقاسمت قناعات سياسية مع صديقي ” ثاني ” وبعض اخوته.

من أشعاري التي لحنها وغناها الراحل رشيد صوفي هي :

وا ده لالا من شيرينى

Wa delala min şîrînê

من بان ته كر لسه ر آفى

Min ban te kir

توو سوسني

Tu sosinî

چوومه به ر چم

Çûme ber çem

گوليستانا دل

Gulistana dil

آفده ريحان

Avde rîhan

خوه زيا هى في

Xweziya hêvî

لم يكن الراحل يجيد قراءة النصوص الكردية المكتوبة بالأحرف اللاتينية، لذلك كنت أتولى قراتها له فيما كان يدونها بالأحرف العربية.  تمر أيام قليلة وانا اتابعه واسعى إلى  تجديد عزيمته . يقرأ النص من جديد، ولأن بعض الاحرف الصوتية الكوردية لا تتوفر في العربية، كنا نكتشف سويا سوء فهم النص، نعدل ونمضي.

شيئا فشيئاً أدركت أن لديه  صعوبة في الالتزام، لذلك حين كان يعد بإنهاء لحن ما خلال يومين ، كنت أزوره في الموعد المحدد لمتابعته .

من القراءة الاولى للنص كان يصمت، يصفن قليلا، ثم يضع بعض الشخبطات بجانب كل فقرة ” عجم عشيران….، كورد….، فرح فزا….” يسمي المقامات التي تناسب المقاطع. ولأنني لا افهم المقامات، كنت امازحه احيانا قائلا: ما دمت اخترت مقام “الراست” لهذا المقطع، فلماذا لا تضع له اطارا، وترشه بقليل من “العجم” مثلا؟

او كنت على سبيل المزاح اقول: نحن مقبلون على ازمة شديدة، لذا علينا شد الاحزمة والإقلال من استخدام ” البيمول “و”الربع دييز”، هذا “الربع دييز” مقطوع اصلا من الأسواق….

كان يضحك مطولا ضحكاته المتقطعة المعروفة

في تلك الفترة كان رشيد يتواجد في كوباني فترات طويلة، يستقبلنا جميعا من عازفين ومغنين وكتابا ومهتمين بالشأن العام. اغلب تلك اللقاءات والسهرات كانت في دار عائلة صوفي  ولأن فنانونا المحليون تعلموا العزف والغناء سماعيا، كان رشيد يستعرض المقامات ويعلم بعضهم  أصول المقامات .

أستطيع القول إن حماس شبابنا الفنانين في تلك الفترة لتعلم المقامات والنقاش فيها، كان بفضل رشيد الصوفي.

اجتمعت الظروف، وجود رشيد المطول في كوباني، متابعتي وحماسي الشديدين ان يلحن رشيد كلماتي، حيث كان الفنان أحمد چب متواجدا في كوباني ويتدرب  على تلك الألحان برفقة رشيد الصوفي، كذلك كان بوزان فتاح بوزو صاحب “تسجيلات نسرين” قد اشترى  جهاز تسجيل جديد من ستوديو الشرق الاوسط، حيث كان متحمسا لتشجيع ودعم الفنانين عامة والأصوات المحلية بشكل خاص. كل هذه الظروف مجتمعة أدت إلى ولادة ألبومين غنائيين باللغة الكوردية، حيث لم يكن في تصور أحدنا أن صدى تلك الاغاني ستصل إلى أطراف كوردستان ، و تصدح حناجر الكثير من فناني كوردستان بأغنية “خوزيا هى في”.  رائعة رشيد الخالدة .

المصدر: مدارات كرد

 

Scroll to Top