الضعف الدبلوماسي يهدد مكاسب شمال وشرق سوريا

نورالدين عمر

ما تزال الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا تعاني من ضعف واضح في أدائها الدبلوماسي، إذ تفتقر إلى فريق محترف يمتلك رؤية سياسية شاملة وقدرة حقيقية على التواصل والتفاوض مع الأطراف الإقليمية والدولية. فغياب جهاز دبلوماسي منظم ومؤهل يجعل صوتها خافتاً في المحافل السياسية، ويحد من قدرتها على الدفاع عن مشروعها السياسي، كما يقلل من فرصها في كسب الاعتراف الدولي والدعم اللازم لاستقرار مناطقها.

إن بناء فريق دبلوماسي قوي ضرورة استراتيجية تمليها المرحلة الراهنة. فالتحديات التي تواجهها الإدارة الذاتية، سواء في الميدان أو في العلاقات مع القوى الدولية، تتطلب وجود جهاز دبلوماسي يمتلك الكفاءة والخبرة والقدرة على رسم سياسات متوازنة. هذا الفريق ينبغي ألّا يتكون من شخصيات حزبية فقط، بل من شخصيات تمتلك خبرة في العمل الدبلوماسي، إلى جانب مستشارين سياسيين متخصصين وخبراء في القانون الدولي، ومتحدثين إعلاميين محترفين يجيدون إدارة الخطاب الإعلامي والتواصل مع الصحافة والرأي العام العالمي، إضافة إلى مساعدين فنيين وإداريين يديرون ملفات المراسلات والتنسيق اللوجستي بدقة واحتراف.

هذا الفريق الدبلوماسي يجب أن يتحلى بالكفاءة والمعرفة الواسعة بالسياسة الدولية والقانون الدولي، وأن يمتلك الخبرة في التفاوض وحل الأزمات، مع القدرة على الإقناع وبناء الثقة مع الأطراف الخارجية، والمرونة في التعامل مع المتغيرات السياسية. والأهم من ذلك أن تكون لديه رؤية استراتيجية واضحة تعبر عن مصالح جميع مكوّنات المنطقة دون استثناء.

كل ذلك يحتاج إلى ميزانية مدروسة واستثمار حقيقي في الجانب الدبلوماسي، لأنه يشكل إحدى الركائز الأساسية لاستقرار المنطقة وتطورها، تماماً كما هو الحال في الجوانب الأمنية والعسكرية والخدمية. فالقوة العسكرية وحدها لا تكفي لضمان الاستمرار، ما لم تترجم إلى حضور سياسي مؤثر قادر على حماية المكتسبات عبر الشرعية الدولية والعلاقات المتوازنة مع الدول الفاعلة.

لكن قبل كل ذلك، تحتاج الإدارة الذاتية إلى رؤية جديدة مغايرة وغير حزبية في بناء مؤسساتها، وعلى رأسها المؤسسات الدبلوماسية التي ما تزال حتى اليوم تعاني من ضعف في الأداء وغياب للتأثير الفعلي، رغم التضحيات الكبيرة التي قدمتها شعوب المنطقة. فالدبلوماسية ليست مجرد بيانات أو لقاءات، بل هي فن إدارة المصالح، وبوابة الاعتراف، وجسر التواصل مع العالم الخارجي. ومن دون تطوير هذا الجانب، سيبقى مشروع الإدارة الذاتية معرضاً للتحديات والعزلة، مهما كانت إنجازاته على الأرض.