تفكيك خطاب الناشطة الجولانية – الأميركية ميساء قباني

د. محمود عباس

ردًّا على الترهات التي تروّج لها السيدة ميساء قباني، الناشطة السورية الداعمة لحكومة الجولاني، والتي نسجت لنفسها شبكة من العلاقات المريبة داخل الوسط السياسي الأمريكي بتمويل قطري–تركي، وصولًا إلى ارتباط غير مفهوم مع (تولسي غابارد) رئيسة الاستخبارات الوطنية الأمريكية، والتي تحاول من خلاله تمرير خطاب طائفي خطير تحت عباءة الوطنية، أقدّم هذا الردّ توضيحًا للرأي العام، ورفضًا لاستغلال الدين والمذهب لتكريس الكراهية وتزوير الحقائق…… (صفحتها ستجدونها في التعليقات.)

السردية التي تطرحها كاباني ليست مجرد رأي، بل مشروع تحريضي قائم على التكفير والعنصرية والتضليل، ومن واجب كل من يملك كلمة أن يفضحه بوضوح.

لا أرغب في الإطالة في توصيفك يا سيدة ميساء، لكن قبل أن نخوض في الحديث، ما العلاقة أصلًا بينك وبين رئيسة الاستخبارات؟ هل تتبرّئين منها أم تتبرّئين لنفسك عبرها؟ أم أنّ المسألة مجرد صومٍ مشترك تفاخرت بها في أحدى منشوراتك، رغم أن مظهرك لا يوحي بأنك تعرفين من الصوم سوى اسمه؟ الفارق بينك وبين الجولاني وحكومته سنوات ضوئية، ومع ذلك تتصرّفين وكأنك وصيّة على الحقيقة.

سيدة ميساء قباني،

رغم عدم وجود أي تصريح يدعم ما تدّعينه، حول احتضان قوات قسد لضباط من النظام المجرم البائد، كان من أبسط الأخلاق السياسية، لو وُجدت، أن تدركي أنّ رأس النظام المجرم البائد بشار الأسد يجلس اليوم في حضن بوتين، وأنّ زعيمك الجولاني، الإرهابي بلا نقاش، لم يتردّد في تقبيل يد بوتين الذي دمّر نصف سوريا وجعل أهلها بين قتيل ومهجّر.

فقوات قسد ليست بحاجة إلى ضبّاطٍ كان نظامهم بالأمس من أشدّ أعداء الكورد قبل أن يكونوا أعداء الثورة. ثم إن وُجد ضابط أو اثنان، فهم يعملون تحت الإشراف المباشر لوزارة الدفاع الأمريكية، فهي صاحبة القرار في قسد جملةً وتفصيلًا. فهل تُرى السيدة (تولسي غابارد) وهي التي ترأس لجنة الاستخبارات الوطنية، تتّهم نفسها والقيادة العسكرية الأمريكية بالخيانة؟ ولماذا صمتت عندما استقبل ترامب الإرهابي الأخطر بعد البغدادي، وهو المطلوب بعشرة ملايين دولار؟

فأيهما الأبشع يا سيدة ميساء، ضابط هارب، على فرض صحة الرواية، أم استقبال إرهابيٍ كانت واشنطن قد وضعت على رأسه أعلى مكافأة في المنطقة؟ أم علاقتك المريبة بالمخابرات الأمريكية؟

ومع ذلك، يا سيدة ميساء،

يبقى الشعب الكوردي، وحراكه، وقسد، والإدارة الذاتية، أكثر إنسانية وارتفاعًا من كل هذا الضجيج. يمتلكون روح التسامح، ويعملون بمنطق “عفا الله عمّا مضى”، خلافًا لإرهابيي حكومة الجولاني الذين ما زالوا حتى اليوم يقتلون السوريين على الهوية دون رادع أو ضمير.

للأسف الشديد، نحن نعيش مرحلة من الانحطاط القيمي والأخلاقي، من البعث إلى الأسد المقبور والمجرم إلى الجولاني، لم تعرفها سوريا حتى في أكثر عصورها قتامة وظلامًا.

سيدة ميساء،

خطابك لا يحمل من الوطنية شيئًا؛ فالوطن لا يُبنى على مذهب، ولا تُحرَّر الأوطان بأوهام الفرقة الناجية، ولا تُقاس الانتماءات بعمق السجود ولا بطول السجادة، بل تُقاس بميزان القيم والإنسان والعدل. وأنت للأسف لا تتفاخرين بالإسلام، بل تتفاخرين بمذهبٍ معيّن، بل وبأقصى أطيافه تكفيرًا ووهابيةً، وهو ذات المستنقع الذي خرج منه الجولاني الذي تدافعين عنه، والذي جعل من الدين بوابة للقتل والذبح والوصاية على الدماء.

هذا ليس وعيًا سياسيًا، بل نكوصٌ إلى أسوأ أشكال العنصرية حين تلبس عباءة الدين، والدين منها بريء.

العنصرية السياسية يمكن فضحها وهزيمتها، أمّا العنصرية المستندة إلى نصٍّ مُحرَّف وتأويلٍ مريض، فهي أخطر لأنها تُلبِس الكراهية ثوب القداسة، وهو ما تفعلينه بالضبط، تمامًا كما تفعل المجموعات الإرهابية التي تقتل باسم الله وهي أبعد ما تكون عنه.

تكتبين بثقةٍ عمياء:

“نحن أصحاب الأرض… نحن أهل السنة… دمشق لنا إلى يوم القيامة…”

هذا ليس خطاب ثائر، ولا صوت صاحب حق، بل نسخة رخيصة من خطاب داعش والنصرة؛ لا فرق بين عبارتك هذه وبين شعارات البغدادي والجولاني حين كان يذبح السوريين باسم “الفتح والتمكين”.

من يختزل سوريا في مذهب، ليس وطنيًا، بل خنجرًا مغروسًا في ظهر الوطن والشعوب السورية.

تدّعين أنكم “حررتم دمشق”!

أي تحرير؟

حلب وإدلب اليوم في حضن أردوغان، ودمشق تحت وصاية إسرائيل، وأجهزة القمع ترفع رايتها فوق صدور الناس. إن كان هذا هو “تحريركم”، فحتى الاستبداد يخجل من الادعاء الذي ترددينه.

وتزعمين أن الكورد “اختاروا الخيانة والتمرد والانفصال”.

هذه الجملة وحدها فضيحة تاريخية؛ فمنذ نشوء سوريا الحديثة، المصنوعة على مكاتب الفرنسيين والبريطانيين، والكورد شعب مستهدف.

فمن الذي غاص بدماء من؟

ومن الذي طُمس تاريخه وهويته؟

ومن الذي كان هدفًا لسياسات الإلغاء بينما رفعت السلطة شعار “الشعب السوري واحد”؟

وتتغنين بـ”أهل السنة”.

أي سنة؟

سنة العلماء؟ أم سنة الوهابية؟

سنة الاعتدال؟ أم سنة الجولاني الذي قبّل يد من دمّر نصف سوريا؟

إن كنتِ تنتمين للتيار الوهابي التكفيري، فقوليها صراحة، ولا تختبئي خلف الإسلام؛ فالإسلام أكبر من أن يكون غطاءً للكراهية.

ثم تهللين لـ”عشيرة بني خالد”، وكأن سوريا دولة قبائل وليست وطنًا لجميع أبنائها.

سيدة ميساء،

الوطنية ليست صراخًا في “فيسبوك”، ولا شعارات عن “دمشق إلى يوم القيامة”، ولا ادّعاء امتلاك الأرض والسماء.

الوطنية موقف أخلاقي قبل أن تكون شعارًا.

والوطن لا يُبنى على الإقصاء، ولا على مذهب، ولا على تكفير نصف الشعب.

وإن كان لكِ حقٌّ في شيء، فهو أن تراجعي نفسك قبل أن تتحدثي باسم سوريا التي تتبرّئين من نصف أهلها.

سوريا ليست لكِ، ولا لي، ولا لقبيلة، ولا لمذهب.

سوريا للجميع، أو لا تكون.

 

الولايات المتحدة الأمريكية

25/11/2025م

Scroll to Top