الأربعاء 30 تموز 2025

الحزام العربي تلك الحلقة الأشد وطأة من السلسلة العنصرية

صلاح بدرالدين

عندما يتجاهل القانون الأساسي – الدستور – منذ مرحلة الانتداب ، وماقبل الاستقلال ، ومن بعده ، وفي مختلف العهود وحتى اللحظة أي وجود لغير المكون العربي ، في بلاد متعددة الاقوام ، والثقافات مثل سوريا ، يشكل فيها الكرد قرابة ١٥٪ من سكان البلاد ، فان تفسيره على الصعيد العملي يعني نفي العكس ، من جانب الحاكم حتى لوتطلب ذلك الإلغاء ، والعمل على تغيير التركيب الديموغرافي بشتى السبل لاثبات صحة ماذهب اليه الدستور ، وهذا ماحصل لنا نحن الكرد السورييون منذ نحو قرن من جانب مختلف القوى ، والتيارات السياسية التي حكمت البلاد او كانت بالمعارضة من ممثلي البورجوازية الوطنية ، والقوميين ، والبعثيين ، والشيوعيين الرسميين ، والإسلاميين .
مارست الحكومات المتعاقبة التميز ضد الكرد كسياسة متبعة متواصلة ، وخصوصا في عهد العقيد – اديب الشيشكلي – حيث بدات الأوساط الحاكمة باثارة النعرة القومية ضد الكرد تحت عنوان ( الخطر الكردي ) المزعوم ، ولعب وزير الخارجية آنذاك القومي المتعصب – اسعد محاسن – دورا في ذلك ، بالإضافة الى محافظ الجزيرة في حينها البعثي – سعيد السيد – ، اما محاربة الكرد عبر تغيير التركيب الديموغرافي لمناطقهم وبشكل ممنهج فقد بدأ منذ قيام الملازم اول – محمد طلب هلال – مدير الامن السياسي بالجزيرة ( وهو بعثي واصبح عضوا بالقيادة القطرية ) بعد اعداد تقريره عام ١٩٦٣ بعنوان – دراسة عن محافظة الجزيرة من النواحي السياسية – الاجتماعية – القومية – ثم اعتمد التقرير كبرنامج عمل من جانب النظام البعثي ( قامت رابطة كاوا للثقافة الكردية بنشر التقرير على شكل كتاب ) ، وقد قامت حكومة – يوسف زعين – بتنفيذ بنود التقرير – المخطط بجانبيه ( الإحصاء الاستثنائي لمحافظة الحسكة والحزام العربي ) ، وفي عهد – حافظ الأسد – اشتدت وتيرة التنفيذ بعد إضافة حملات القمع والاعتقالات ، والتجريد من الحقوق المدنية بحق مناضلي الحركة الوطنية الكردية ، وتضاعفت موجات الهجرة والنزوح في عهده الى درجة ان ضواحي دمشق شهدت ظهور بلدات وقرى كردية من نازحي الجزيرة بشكل خاص .
دراسة – هلال – كانت تقريرا مخابراتيا سريا وزع بين أصحاب القرار بشكل محدود ، وقد حصلنا عليه – في البارتي الديموقراطي الكردي اليساري – عام ١٩٦٥ ، حيث بادر احد القياديين في حزب البعث بالحسكة ، من أبناء عائلة – المسلط – الى طلب الاتصال عبر وسيط بأحد القياديين في حزبنا آنذاك على وجه السرعة ولامر هام ، وتم ذلك حيث سلمنا نص التقرير قائلا : انني ساغادر البلاد ولكنني اردت اعلامكم عن مؤامرة خطيرة ضد اخواني الكرد قبل ذلك ، فقمنا على الفور بارسال التقرير الى أوروبا ونشر هناك بعدة لغات على نطاق واسع ، ثم قمنا باتخاذ الخطوات اللازمة حسب قدرتنا لوقف هذا المشروع العنصري البغيض .
ومن جملة الخطوات بادرنا الى في صيف ١٩٦٦ اعداد وفد شعبي وتوجهنا الى دمشق ، وحاولنا اللقاء مع رئيس الحكومة – يوسف زعين – وكان العنوان العام لمهمة الوفد تحسين أوضاع الفلاحين الكرد ، ولكن الهدف الأساسي كان اسماع صوتنا الرافض للمخطط الى الحكومة ، ولهذا تراجعت الحكومة عن لقائنا بعد الموافقة الأولية .
وبسب نشر التقرير ، وحملة التعبئة التي قمنا بها عبر الندوات السرية في ريف المنطقة ، ودعوة الفلاحين الى المقاومة السلمية للمخطط ، وتوزيع منشور من ٣٠ بندا في جميع مدن محافظة الحسكة في وقت واحد ، قامت السلطات بحملة اعتقالات واسعة في اب ١٩٦٦ كانت موجهة بشكل أساسي ضد اليسار ، وكانت المرة الأولى التي يتم فيها استهدافي حيث توجهت دورية مشتركة الى منزلنا بقرية جمعاية لاعتقالي وكنت بالقامشلي ، ومن حينها أصبحت في عداد الملاحقين .
الى جانب كل ذلك وبامكانياتنا المحدودة توجهنا الى دمشق ، وتواصلنا مع معظم التنظيمات السياسية من شيوعية ، وقومية ماعدا حزب البعث ، ولم نجد آذانا صاغية لمخاطر المخطط ، حتى ان ( رفاقنا ) الشيوعيين لم يتفقوا معنا على مصطلح – الحزام العربي – بل سموه – كولخوذات ومزارع الدولة – ولكن ذلك لم يثنينا عن مواصلة العمل ، حيث توجهنا الى بيروت وتواصلنا مع معظم اطراف الحركات الديموقراطية ، والتقدمية اللبنانية ، والفلسطينية ،و والعربية ، كما ابلغنا سفارات جميع الدول الاشتراكية عن هذا المخطط وسلمناهم نسخا من التقرير – المخطط .
في حقيقة الامر حاول حافظ الأسد تنفيذ المشروع – الحزام العربي – وقد اخبرني الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ان الأسد طلب لقاءه وكان الموضوع الوحيد : توطين فلسطينيين – في مناطق الجزيرة ، واجبته باننا سندرس الموضوع ، ثم طرحت الموضوع في اجتماع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ، واخبرت اخواني مقدما رايي الرافض ، وقلت الله هل سنتحول من ضحايا الى جلادين ؟ ، واخبرني مرة أخرى ان – صدام حسين – طلب منه نفس الشيئ عن توطين فلسطينيين في كردستان العراق .
لذلك وفي الذكرى السنوية الواحد والخمسين لمخطط الحزام أقول واوجه كلامي الى الاخوة والشركاء بدمشق ، ان قطع الطريق على – المخطط – يبدأ بتضمين الدستور مادة تؤكد على التعددية القومية ، وعلى وجود الكرد وغيرهم ، وضمان حقوقهم ، وقبل هذا وذاك اصدار مرسوم رئاسي بابطال مخطط الحزام العربي ، واعتباره عنوانا للاضطهاد ، والعنصرية ، والتفرقة .