الرقص الشركسي.. مكانة عالية وتراث عريق
منبج/ خضر الجاسم –
تقول المقولة الشركسية «من لا يجيد الرقص… لا يحسن القتال»؛ عبارة صغيرة توجز أهمية الرقص للشركس. ويحظى بشهرة واسعة لا تنافسه أي من الرقصات الفلكلورية في العالم، لما يتميز من أصالة، وعراقة، وتنفرد بمزجها طقوس الحب والحرب.
يحتلّ الرقص الشركسي مكانةً كبيرة في الثقافة الشركسية؛ لأن ثقافتهم تلخص مراحل حياتهم فتجمع بين الفتوة، والفخر، والاعتزاز، بموروثهم، الذي ورثوه عن أجدادهم الأوائل، ونقلوه كذلك إلى الأحفاد، ويخطئ من يظن بأن رقصهم مجرد أداء حركات جسدية معيّنة، وإنما لكل رقصة أسطورة، وحكاية تروي تاريخهم القديم، ولم تثنهم الحروب عن شغفهم بالحب، كون هذا الرقص في المقام الأول، تعبيراً صادقاً واحتراماً للأطراف كلها.
هُجِّر الشركس من موطنهم الأصلي في القوقاز على يد روسيا القيصرية، منذ ما يقارب مائة وخمسين عاماً، واتجهوا للاستقرار في كل أنحاء العالم بما فيها بلاد الشام، ومن ضمن المناطق، التي استوطنوها منبج، فكانوا من السكان الأوائل الذين عمروها بعد أن كانت مدينة خربة طوال قرون عدة. (البكار، 1999، صفحة 67)
وخلال مكوثهم في منبج حافظ الشركس على عاداتهم لسببين، الأول: الحفاظ عليها لكيلا تموت”، والثاني: جمال تلك العادات، وإنسانيتها وأهمية ”أديغة خابزة“ في حياة الشركس، وفقًا للصحفي نوار كتاو. (مصري، 2020)
الرقص الشركسي
في هذا السياق، يقول سامر حباق، من الشعب الشركسي، في حديث لصحيفتنا «روناهي»: ”إن الشراكسة مارسوا عاداتهم وتقاليدهم بمنبج، ومن ضمنها الرقصات الشعبية، وما من شك هي مستوحاة من بلاد القفقاس. وبالطبع، تتنوع بين إيقاع سريع وآخر بطيء، تبعاً لطقوس الحياة الممتلئة بالتناقضات بين الحب والحرب“.
ويضيف:” عادة ما تعقد الرقصات وسط الاحتفالات والمناسبات، وفي أجواء خاصة“.
وتعرف حلقة الرقص الشركسية باسم الـ «جوغ». وتُؤدَّى الرقصات بترتيب معيّن يمثّل تطوّر العلاقة العاطفية بين الشاب والفتاة. ويمثل مكان وقوف الشاب من الحلقة رمزية بموقعه في الحياة والمجتمع، وأيضاً دليلاً على شرفه وكبريائه.
ويوضح، أن حلقة الرقص لا تعقد إلا برفقة موسيقا خاصة بالشركس، التي من الثابت ألاّ نجد عرساً شركسياً من دونها، والتي لها أشكال وألوان متعددة.
ويعلّق” حباق“ على أهم الآلات الموسيقية تلك التي تعزف أثناء حلقة الرقص، فيشير إلى وجود آلة الأكورديون «البشنة» والفلوت، وآلات قديمة مثل «شبكا بشنة»، ومعناها «آلة عزف»، و«الباربان» آلة إيقاعية، و«الشيكابشينكا» التي تلهم السامع الهدوء والصبر، و«القاميل»، والذي يعني الناي الشركسي الخاص، وكثير غيرها.
ويؤكد” حباق “أن طريقة الرقص الشركسي مختلفة عن سواها من الرقصات الأخرى باعتبارها تؤدى ليس لمجرد أداء حركات جسدية معيّنة بل لكل رقصة حكاية مستمدة من الموروث الشركسي”.
أهم الرقصات، يشرحها” حباق“ وفق التسلسل الآتي: رقصة «القافا»، التي تسمى «رقصة الأمراء»، وتتميز بإيقاع هادئ كونها تؤدى على رؤوس الأقدام. وتعبّر عن اللقاء الأول الذي يتم بين الشاب والفتاة. يحاول فيها الشاب لفت انتباهها فلا يحرّك عينيه بعيداً عنها، بينما هي لا تنظر مباشرةً إلى عينيه، وتنتهي بإلقاء التحية، حيث يضع الشاب يده على صدره، وتضع الفتاة إحدى يديها على الأخرى.
ثاني الرقصات هي: «الششن»، وهي من الرقصات السريعة، التي تظهر رشاقة الراقصين وخفة حركتهم، وتتسم بارتفاع سريع للإيقاع وإظهار مهارة الراقصين بالرقص والحركات السريعة. وتؤدى بدائرة واسعة ثم يضيّقها الشاب والفتاة، حيث يلتقيان في المنتصف ويبتعدان مرة أخرى“.
يضيف حباق: “وتقام رقصة /الووج/ لحظة الوداع للذهاب للقتال أو السفر، أو للدلالة على قبول الفتاة للشاب أثناء الرقص“. ويبيّن أن هناك بعض الرقصات لكنها غير متداولة عند الشركس.
الزيّ الشركسي
” الأديغة“ وهم الشركس الأصليون. ويتألفون من اثنتي عشرة قبيلة. أما علمهم فيحتوي العدد ذاته من النجوم، بالإضافة إلى ثلاثة أسهم. كما أن للرقص الشركسي غنىً بأزياء خاصة للذكور والإناث، وتمثل الزي الخاص بأهالي القفقاس وأسلحتهم.
ولفت” حباق“ إلى أن اللباس الشركسي يمتاز بالأناقة باعتماده على التطريز بخيوط الفضة والذهب.
عادة ما يتألف لباس الرجل من بنطال يضيق عند الساق، ويشد بشريحة تحت القدم، وحذاء من الجلد، يصل إلى ما تحت الركبة، وبلوزة أو صدرية ذات ياقة مرتفعة، ورداء من الجوخ الأسود أو الرمادي، يقول” حباق“، “منطقة الصدر تتزين بجیبين لتخزين العيارات النارية، وهما مزركشان بخيوط من الذهب أو الفضة، ويشد في مكان الوسط بنطاق جلد تعلق عليه «القامة» الخنجر الشركسي، بخيوط من الفضة أو الذهب، أما غطاء الرأس فهو «القلبق».
ويقول” سامر حباق“ إن من عادات الشركس وجوب الفتاة تعلم الرقص منذ الصغر.
تجدر الإشارة إلى أن أهم ما يميز الشركس «العادات» التي يحافظون عليها إلى الآن؛ كزواج «الخطيفة»، واحترام المرأة، وكبار السن، وقانون أصول التعامل بين الشركس أنفسهم المسمى بـ «أديغة خابزة».
مراجع:
_حسين علي البكار. (1999). منبج سيرة ومسيرة. حلب: دار الثريا.
_زينب مصري. (9 8, 2020). تفرقهم المدن وتجمعهم “أديغة خابزة”.. كيف حافظ شركس سوريا على موروثهم الثقافي.
الثقافة – صحيفة روناهي
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=19812