د. ضياء عبد الخالق المندلاوي
تحظى اللغة الكوردية بمكانة رسمية في العراق، وهذا المكانة هو ثمرة جهود تاريخية كبيرة بذلها الشعب الكوردي عبر سنوات طوال من النضال في سفوح الجبال لتحقيق حقوقه اللغوية والثقافية والسياسية، ورغم تلك التضحيات الجسيمة باعتبار اللغة الكوردية لغة رسمية في العراق، تظهر بين تارة واخرى تحديات عملية في تطبيق هذا الحق، حيث يواجه الكورد عراقيل في استخدام لغتهم في بعض المؤسسات الحكومية، وكان اخرها في المؤسسات التعليمية وعدم السماح للطلبة الكورد ترجمة الاسئلة والمحاضرات والاجابة باللغة الكوردية وبالتحديد في الجامعات الحكومية والاهلية في محافظات كركوك وديالى والموصل، هذه العراقيل لا تعكس فقط تحديات إدارية، بل تمثل أيضاً انتهاكاً للدستور والقوانين التي تنص على الحقوق اللغوية والثقافية للشعب الكوردي.
وهنا اود الاشارة الى بعض الوثائق الدستورية والتاريخية التي تؤكد على الحقوق اللغوية للشعب الكوردي، واهما اتفاقية ١١ اذار ١٩٧٠، هذه الاتفاقية، التي تم التوصل إليها بقيادة الزعيم الخالد مصطفى البارزاني، كانت نتيجة لجهود طويلة الأمد من أجل تحقيق الحقوق السياسية واللغوية والثقافية للشعب الكوردي في العراق، وبنصوص واضحة وصريحة، حيث جاءت في الفقرة الاولى من البيان على ماياتي (تكون اللغة الكوردية لغة رسمية مع اللغة العربية في المناطق التي غالبية سكانها من الكورد ، وتكون اللغة الكوردية لغة التعليم في هذه المناطق ، وتدرس اللغة العربية في العراق كلغة ثانية في الحدود التي يرسمها القانون)
وكذلك قرار المرقم ٢٨٨ في ١١/٣/ ١٩٧٠، الصادر عن مجلس قيادة الثورة المنحل، الذي اعتبر اللغة الكوردية لغة رسمية مع اللغة العربية في المناطق التي غالبية سكانها من الكورد، كما نصت على أن تكون اللغة الكوردية لغة التعليم في هذه المناطق.
اضافة الى تضمين حقوق الشعب الكوردي في دستور العراقي عام ١٩٧٠ وجاء في المادة (٧) فقرة (ب) النص الاتي “تكون اللغة الكوردية اللغة الرسمية إلى جانب اللغة العربية في المنطقة الكوردية”
فضلاً عن المادة (٤) من الدستور العراقي لعام ٢٠٠٥ التي اكدت بان اللغة الكوردية لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية.
هذا الاعترافات القانونية والدستوري يعزز من الحقوق اللغوية للشعب الكوردي، ويضمن له الحق في استخدام لغته في المؤسسات الرسمية والتعليمية، مما يعكس التزاماً دستورياً بحماية وتعزيز الهوية الثقافية للشعب الكوردي.
ان الاعتراف باللغة الكوردية كلغة رسمية هو خطوة هامة نحو تعزيز الحقوق اللغوية والثقافية للشعب الكوردي، ومع ذلك يبقى التحدي الأكبر هو ضمان التطبيق الفعلي لهذا الحق في جميع المؤسسات الحكومية والتعليمية، بما يضمن للشعب الكوردي ممارسة حقه في استخدام لغته بكل حرية وبدون عوائق.
في هذا السياق يظهر أن قرار وزارة التعليم العالي المرقم (ت م ٣ ٨٢٩٨) في ١٦/ ٧/ ٢٠٢٥ كان مجحف بحق الشعب الكوردي، وانتهاك لحقوقه اللغوية والثقافية، هذا القرار كان يمكن أن يكون له تأثير سلبي كبير على الطلبة الكورد، حيث كان من شأنه أن يحد من استخدامهم للغتهم الأم في المؤسسات التعليمية وما يصاحبها من تداعيات علمية وقومية وثقافية وسياسية.
ومع ذلك، بفضل الجهود الاستثنائية التي بذلها الدكتور شاخوان عبد الله نائب رئيس مجلس النواب العراقي، تمكن من إلغاء هذا القرار وإيقاف تطبيقه، عن طريق اجراء الاتصالات اللازمة مع وزارة التعليم العالي، وتمكن من التفاهم مع معالي وزير التعليم العالي الدكتور نعيم العبودي بحقوق الكورد اللغوية والثقافة واهمية احترامها وفق الدستور ومبادئ حقوق الانسان.
وبفضل جهود الدكتور شاخوان وتفهم معالي الوزير لتلك الحقوق الدستورية وتعاونه، تم حل المشكلة عن طريق التوجيه بإلغاء القرار والسماح للطلبة الكورد باستخدام لغتهم الأم.
وهنا يصبح من الضروري على جميع المعنيين احترام الحقوق اللغوية للشعب الكوردي والتأكيد على أهمية الالتزام بالقوانين واللوائح، ان ضمان الحقوق اللغوية للشعب الكوردي ليس فقط مسألة دستورية، بل هو أيضًا مسألة حقوق إنسان أساسية، تعكس التزام الحكومة الاتحادية بقيم العدالة والمساواة، والتنوع الثقافي في العراق.
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd-online.com/?p=72833