برادوست ميتاني
قامت إمارة كردية من قبل الخالتيين الكالتيين الكرد في جزيرة بوتان لقرون عديدة وكان آخر مراحلها إمارة الأمير بدرخان العريقة والنشيطة 1812- 1848م وقد كان الجزء الغربي والشرقي من روج آفا والمسمى بمنقار البط أي الجزيرة تابع لتلك الإمارة الكردية.
من المصادر التي تؤكد ذلك: يقول ساوثكيت: إنه كان يوجد بين رميلان – نسيبين ودجلة 54 قرية في النصف الأول من القرن العشرين (7) (ويقول أحمد شريف مارديني (8): إن سكان الجزيرة ارتفع من 40000 إلى 365000 عام 1960م، يقول الراحل عبد الحميد درويش المناضل السياسي الكردي (9): إن بعض الكرد كانوا نصف رحل يسكنون بين شمالي الجزيرة العليا جنوب سلسلة جبال طوروس في العديد من القرى وهؤلاء ينتمون إلى العشائر الكردية وبعد اتفاقية سايكس بيكو 1916م وتخطيط الحدود بين تركيا وسوريا قسم الخط الحديدي الذي يربط مدينة حلب ببغداد والذي اعتبر في معظمه بين الدولتين العشائر الآنفة الذكر (أي الكردية) إلى قسمين، وهذه العشائر الموجودة في هذه المنطقة مئات السنين.
يؤكد ذلك الأستاذ حسن الأمين إن موطن الكرد في غرب إيران وشمال العراق وجنوب شرقي تركيا وشمال شرق سوريا. ويقول الباحث نيبور الذي جاء إلى المنطقة 1767م مع البعثة الدانمركية للاستشراق: إن عشائر كيكية وملية وإيزيديين من شنكال قاومت السلطة العثمانية من ناحية الأتاوات اعترافاً بحقوقهم في الرعي جنوب خط ماردين نسيبين.
ينقل الصحفي صبحي عبد الرحمن (10) على لسان أحد الشخصيات الشاشانية المرحوم “عزت سليم بك” من قرية السفح ومن مواليد 1905م الذي قال: “لم يكن بين ماردين ودير الزور إلا بضع قرى للكرد في سهل ماردين الجنوبي في أطراف عامودا ونسيبين والدرباسية القديمة وقليلا من الأعراب”.
يذكر أ.عبد الحميد حاج درويش في كتابه المذكور هنا كمصدر في ص 29 أن أبا الثناء شهاب الدين محمود أفندي الشهير بـ الوسي زادة (11) الصادر عام 1876م يقول: “وسرنا في طريق وعرة فنزلنا في الساعة التاسعة قرية تسمى “عامودا” وهو حقيقة اسم لربوة في مجازها موجودة وتشتمل من البيوت على نحو سبعين ونزلت في بيت رجل يدعى ملا سليمان، ثم يكمل الكاتب: سرنا براحة على أرض وحللنا قرية دكر وهي بضم الدال المهملة والكاف العجمية (أي ليست عربية) على وزن سرر وتشتمل من البيوت على نحو مائة بيت وبينها أي قرية دوكر وبين نصيبين “تل الذهب وتل الشعير” وفي الساعة السابعة جئنا جلغا (أي جل آغا) وهي قرية تشتمل من البيوت نحو تسعين ومعظم أهلها والحمد لله تعالى من المسلمين”.
يكمل أ. عبدالحميد (12): “أما السيد جميل كنه البحري فكتب حول الموضوع في كتابه نبذة عن المظالم الفرنسية في الجزيرة والفرات ص 82 فيقول عينت مديراً لناحية القرمانية –قرية تابعة للدرباسية الآن- وفي 29 حزيران 1929م توجهت إلى سري كانهي ومنها إلى الحسكة ثم قصدنا مركز الناحية وكان عدد السكان فيها لا يزيد عن مائتي دار بعضها يسكنها الكرد وبعضها الآخر الكائن في القسم الخلفي يشغله اللاجئون من السريان والأرمن”.
ويتابع أ. عبد الحميد في ص32: وحول الموضوع يقول بيير روندو: إن الإعمار الكردي في سوريا أقدم كثيرا مما يتصوره المرء إذ إن بعض الجماعات الكردية مثل الكيكية في الجزيرة العليا كانت منذ الأزمان الغابرة تسكن موقعها الحالي. وفي ص33 يرد أ.درويش: أما أنور عسكر الشمري يقول في كتابه قبيلة طي ص434 “وفي موقع بياندور اشتركت العشائر الكردية وستة عشر فرداً جوالياً ضمنهم بعض الراشد فنالوا شرف الانقضاض على مقر قيادة الجنرال الفرنسي روكان”. وفي ص 34: يذكر أحمد وصفي زكريا في كتابه عشائر الشام المطبوع 1947م ص 659-664: تعد العشائر الكردية من الشرق إلى الغرب كالتالي ميران، هسنان، هاوركية، اليان، شيتية، أطراف شهر، بوبلان، ميرسينية، بينار علي، ملاني خضر، دقورية، كابارة، كيكية، ملية. وفي ص 34 و35 يذكر أ.عبد الحميد حاج درويش: معالم تركت أثر العشائر الكردية في الجزيرة تل كوجر، فيض سينكان جنوب جبل عبد العزيز والسينكان فخذ من كيكان. كبزى كيكان جبل صغير في ناحية درباسية. قوجا كيكان أو القصرك على ضفاف نهر خابور. كبزى ملان حبل صغير بالقرب من سرى كانيه.(هسنان بعرض حوالي 30كم وطول حوالي 75كم تمتد من حول دير بتجاه شنكال جنوبا. جبل كراتشوك بروز اسمه الحقيقي جبل موس سان نسبة إلى فخذ من عشيرة هسنان. تل مجدل جنوب خابور حوالي 13 كم بعيد عن الحسكة والآخر هو “جليب آغا” في جبل عبد العزيز (أي جيايى كزوانان) كلاهما نسبة إلى الزعيمين مجدل وجليب آغا من عشيرة ملية الخضر قبل 150 سنة.
التواجد الفرنسي في الجزيرة
بعد اتفاقية سايكس – بيكو /1916/ والتي تمخض عنها رسم الحدود بين الأتراك والإنكليز في العراق والفرنسيين في سوريا، لم يتمكن الفرنسيون من بسط حكمهم المركزي على الجزيرة، عندما كانت تابعة للحكومة المركزية في دمشق وبعد القضاء عليها /1920/ عاشت الجزيرة فترة من الزمن تفتقر إلى سلطة مركزية، وكان السكان يعيشون بمرارة إزاء وعود الدول الاستعمارية المخالفة للعهود التي قطعوها لهم لذلك كانت قلوبهم مع الثورات الوطنية التي عمت سوريا ضد الفرنسيين، وكذلك إخوتهم في العراق ضد الإنكليز، بالإضافة إلى السياسة القومية التي استخدمها الأتراك ضد الشعوب في المنطقة بعد أن لملموا جروحهم بعد اتفاقية سيفر /1920/، وقد خلقت تلك المشاعر لديهم روحاً قوية في الدفاع عن الأراضي عندما بدء النفوذ الفرنسي يتغلغل رويداً رويداً إلى منطقة الجزيرة بإنشاء مخفر لهم في بياندور في الثالث من آيار1922 (13) (بين تربه سبيه و قامشلو حالياً)، وكذلك مركز إداري وعسكري ومخفر في عين ديوار (شرقي ديرك) ومخفر في قرية القرمانية القريبة من عامودا، وتقدموا منها نحوها. ولكنهم ردوا على أعقابهم وعندما حاولوا ذلك مرة ثانية لم يتمكنوا منها إلا بعد اتفاق مع أهل المدينة، بأن يكون المخفر ذا عناصر محلية حصراً. وقد مد الفرنسيون نفوذهم بعدها إلى تربه سبي كذلك إلى قامشلو (التي أُسست حديثاً، إذ كانت عبارة عن واد يمر فيه نهر “جقجق” وسط نباتات طويلة وكثيفة يقال لها بالكردي “قاميش” ، ولكثرة هذا النبات سميت بقامشلو) وقد استقر في المدينة بكثرة الكرد والسريان والأرمن بالدرجة الأولى ثم تجمع حولها بعض القبائل العربية مثل الطي في قسمها الجنوبي خاصة. وفي عام /1936/ كان الكرد يمثلون ثلثي سكان الجزيرة (14).
رداً على الاحتلال الفرنسي للجزيرة عمت مقاومة شعبية وطنية ثورية شاركت فيها أطياف المجتمع الجزراوي ومكوناته من الكرد والعرب والسريان والأرمن وبقيادة الكرد من آل عبيس وآل حاجو والعشيرة الدقورية وغيرهم من الوطنيين.
أخواتي وأخواني:
1-إليكم غيض من فيض عن الطابع الثقافي الكردي متجذر في أسماء أهم المراكز البشرية في الجزيرة. منها:
بلدة تل تمر نسبة إلى زور تمر باشا الملي زعيم المليين.
دشتا هسنان نسبة إلى عشيرة هسنا الكردية.
الحسكة نسبة إلى حسكى الإيزيدي الوكيل لدى إبراهيم باشا الملي أو عشيرة هسكى الإيزيدية. وقامشلو نسبة إلى قاميش باللغة الكردية أي نبات القصب.
كرى توبي باسم ديارى ملا عبيس، وعباس من رؤساء عشيرة دوركا في دكرى غربي تربة سبيه. بلدة جل آغا أربعين آغا. درباسية من الإيزيدي درباس. عامودا من بلدة دارى التاريخية الواقعة شمالها . كرى سبي التل الأبيض. كوبانى من معنى لمة العشائر الكردية بقيادة عشيرة برازا. تربة سبي قبور البيض وغيرها
.جبل كوكب المكان العالي الجبلي. ديركا حمكو من السيد حمكو وبيته القريب من الدير وهو من عشيرة هسنا الكردية.
تل كوجر المنسوب إلى أهلنا الكوجر وكذلك كبزى ملان وكبزى كيكان وبحيرة سموقي (الخاتونية) وغيرها كثيرة نأتي إليها في أبحاثنا القادمة.
2-تلك لمحة قصيرة عن المدخل في بحثنا الآتي فيما بعد هذا الذي نعده عن الوجود الكردي في الجزيرة وسنقوم بالبحث بشيء من التفصيل في تاريخ مدننا الواقعة فيها كل على حدة إن شاء الله
المراجع:
1 – مجلة الحوار العدد 36 صيف 2002 ص12 مقالة للباحث أ.نذير جزماتي .
2 – كتاب الحوريون تاريخهم وحضارتهم للباحث الألماني جرنوت فيلهلم، ترجمة إلى العربية أ.فاروق إسماعيل.
3- د. حكيم خشناو في كتابه الكرد وبلادهم عند البلدانيين والرحالة المسلمين ص106
4- لمحة تاريخية عن كرد الجزيرة للأستاذ عبد الحميد درويش ص27.
5- أ.لوند محمد (لوند كاردوخي) – منطقة ديرك -ج1- ص86
6- كلوديوس جيمس ريج في كتابه رحلة ريج في العراق 1820م الجزء الأول صفحة 308 ترجمة أ. بهاءالدين نوري
7- مجلة الحوار العددان 5و6 1994 ص20
8- أ.أحمد شريف مارديني في كتابه محافظة الحسكة ص93
9- أ.عبدالحميد حاج درويش في كتابه لمحة تاريخية عن اكراد الجزيرة الذي جاء ردا على سهيل زكار(المعلومات من كتيبه ذلك المأخوذة من المركز العربي للمعلومات العدد 10)- ص 40
10-الصحفي أ.صبحي عبدالرحمن – في كتيبه كاليفورنيا الشرق الجزيرةا لصادر عام 1954م ص 49
11- أبو الثناء شهاب الدين محمود افندي الشهير بالألوسي زادة في كتابه نشوة الشمول في السفر إلى استانبول -ص90
12- لمحة تاريخية عن أكراد الجزيرة للأستاذ عبد الحميد درويش ص 30
13- كتاب صفحات منسية من نضال الجزيرة السورية للأستاذ صالح هواش المسلط .
14- مجلة الحوار العدد41 خريف 2003 مقالة للباحثة ناليدا فوكارو ص18.
صحيفة روناهي
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd-online.com/?p=70797