صبري رسول
نشر د. عبدالحكيم بشار مقالاً في موقع ولاتي مه تاريخ 15 تموز 2024 بعنوان «المجلس الوطني الكردي.. ما له وما عليه»!! مع كتابة إشارتين للتّعجب في نهاية جملة العنوان، ولا وظيفة لغوية لها ولا سياسية.
في ردّي هذا لن أقف على جميع النقاط الواردة في المقالة، سيكون الرّدّ عاماً ولإيضاح بعض الثّغرات، والبحث عن الجواب للسؤال الإشكالي: من يتحمّل المسؤولية عن الأوضاع الكارثية التي يواجهها الشّعب الكُردي قي كردستان سوريا.
الواقع المرير الذي يعيشه الشّعب الكردي في كردستان سوريا يتحمّل مسؤوليته كلّ القوى السّياسية دون استثناء، بدءاً من أحزاب «الوحدة الوطنية» المجتمعة تحت تلك العباءة، رغم الثّقل النّوعي في هذه الصّفة، والدّاعمة أو«التّابعة» للإدارة الذاتية التي أسّسها وأعلنها حزب الاتحاد الديمقراطي ومنظومته (TEV-DEM) كقوة عسكرية مسيطرة على المنطقة، ويشاركه في تحمّل المسؤولية، المجلس الوطني الكُردي (ENK-S) بوصفه الجسم السّياسي الأكثر قوة، ومنظمات المجتمع المدني، والنشطاء والمستقلون، الباقون في الدّاخل، والمهاجرون إلى أوربا، والصّامتون، حتى الأحزاب المزيفة والشّكلية «وهي بالعشرات» التي وقفت جهات مشبوهة لتشكيلها وطرح صرفها الصّحي فيها، لتسميم المناخ السّياسي تتحمّل المسؤولية، لأن هناك كرد يحتلون واجهتها.
فــ(ب ي د) هو المسؤول بالدرجة الأولى عما وصلت إليه الأمور من تدهورٍ في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية نتيجة ممارسة القمع والاستبداد والتنكيل بحقّ النشطاء وكوادر الأحزاب الكردية. والتنصّل من تطبيق اتفاقيتي هولير 11/6/2012 ودهوك 22/10/2014 بين المجلس الوطني الكردي في سوريا ومجلس الشعب لغربي كردستان، والسيطرة على موارد المنطقة وترك مصير الشّعب تتقاذفه الرّياح السّياسية الموسمية والعواصف العسكرية لدول الجوار. الأحزاب الشّمولية تخلق الأزمات ولا تحلّها، ومنها (ب ي د).
تاريخ الحزب العمال الكردستاني يُثبت بأنّه لم يلتزم بأي اتفاقية مع أي طرف كرديّ، ولا يسعى لبناء أي وثيقة تفاهم مع الآخرين إلا لاستثمارها وتسخيرها لتقوية نفسه والتنصّل منها، وفرعه السّوري حزب الاتحاد الدّيمقراطي لن يستطيع أن يحيد عن السّكة.
فهذا الحزب يسعى إلى تعطيل الحياة السياسية والاستئثار بالطّغيان السياسي، والإداري من خلال كانتوناتٍ ثلاثة فُرِضَت على رقاب الشعب الكردي كسلطة الأمر الواقع منذ 2014، ويتحمّل الجزء الأكبر من المسؤولية في فقدان منطقة عفرين وسري كانيه وكري سبي التي تحتلّها تركيا. كما يحاول إلى تفريغ منظمات المجتمع المدني «الشبابية والنسائية والحقوقية» من محتواها ومن الأهداف الحقيقية التي أُنشِئت من أجلها، بفرض تراخيصٍ عليها وفق شروطٍ ومقاسات خاصة تلبي سياساتها وأيديولوجيتها أو منع أنشطتها.
ومسؤولية المجلس الوطني الكردي لاتقلّ عن مسؤولية القوى الأخرى، فقد كان المجلس يحوز على تأييد الشّارع الكردي في السّنوات الثلاثة الأولى من تأسيسه، إيماناً من الجماهير العامة بحقوق الشّعب الكردي القومية التي تنكّر لها النّظام السوري خلال عقود، بل ومارس بحقّه سياسات إلغائية بشعة استهدفت وجود الكرد كقومية في سوريا من خلال مشاريع عنصرية، لكن تراجعت شعبية المجلس نتيجة ترّهلٍ أصاب مفاصله، وضعفٍ في أدائه التّنظيمي، وعدم امتلاكه الإرادة السياسية في قيادة دفة الحركة في هذه المرحلة الدقيقة، وعدم تفعيل مكاتبه المصابة بالشّلل، ناهيك عن انتشار رائحة الفساد الإداري والمالي التي أزكمت أنوف النّاس المعترين، أنوف الجماهير التي تركض من الصّباح إلى المساء بحثاً عن الخبز والماء والكهرباء.
كما يجب ألا ننسى أنّ مسألة عفرين لعبت دوراً كبيراً في ابتعاد المجلس الوطني الكردي عن الجماهير وليس العكس، فدخول الجيش التركي إلى عفرين، بعد تدمير الكثير من منشآتها، واختلاف المجلس بل وارتباكه في المصطلح القانوني الصّحيح للعملية العسكرية التّركية، وثمّ تسليمها إلى فصائل إسلامية متطرفة مارست الغطرسة والنّهب والسّلب، واختطاف النّاس واغتصاب النّساء وحرق البساتين (رغم غياب المنظمات الحقوقية لرصد الانتهاكات) وصمت المجلس عمّا يحدث هناك أحْدَث هوة كبيرة ومسافة شاسعة بين الجماهير والمجلس، فاستغلّ حزب الاتحاد الديمقراطي هذه المواقف وسخّرها لنفسه في حربٍ إعلامية ضد المجلس.
سيطرة القوات التّركية على عفرين وأريافها، وتسليمها لفصائل تمارس الإرهاب هي عملية احتلال لغةً واصطلاحاً، حيث زحفت قواتها وعبرت الحدود وسيطرت على المنطقة مع استخدام القصف النّاري المفرط، ومازالت تديرها بالشّراكة مع الفصائل الموالية لها. هذه المسألة سياسية وقانونية لا يمكن تغطيتها بالرغبات والمواقف السياسية، تنصّل المجلس من الموقف السّياسي، واكتفى باصطلاح «الاجتياح». الولايات المتحدة الأميركية احتلّت العراق سنة 2003، وتعاملت جميع القوى السياسية العراقية معها لإيجاد مخرجٍ سياسي، وهذا أمر طبيعي، يحقّ للمجلس التعامل مع أي قوى أخرى سياسياً حتى لو كانت محتلّة بما يحقّق مصلحة الشّعب الكردي والسّوري. ماذا نسمّي دخول قوات غازية إلى منطقة ما، وفرض سيطرتها على الشّارع ولغتها على التعليم ومنع لغة أهل المكان؟
يا ترى لو زحفت قوات إسرائيلية وسيطرت على مساحة جغرافية بحجم عفرين من المنطقة المتاخمة لحدودها، هل يمكن للائتلاف الوطني قبول ذلك؟ هل كانت ترضى تلك الفصائل بهذه العملية.؟ ما الفرق بين تركيا وإسرائيل إذا أقدمت إحداها على احتلال منطقة من سورية؟
وهنا أصل إلى مسؤولية الحزب الدّيمقراطي الكردستاني – سوريا (PDK-S) أمام قواعده وجماهيره. عندما أسّسنا معاً هذا الحزب في مؤتمرٍ توحيدي في هولير 5/4/2014 كان الهدف منه بناء تنظيم مؤسساتي قادر على قيادة المرحلة المفصلية من تاريخ الشّعب السّوري، وليس تأسيس شركة تجارية يستفيد منها فئة من النّاس، بعد مرور عام واحد من التأسيس امتعض الكثيرون من أدائنا، تنظيمياً وإعلامياً وسياسياً، فمستوى رضا الناس عن أداء الحزب الديمقراطي الكردستاني-سوريا كان أقل من رضاهم من مستوى أداء المبعوث الدولي السّابق دي مستورا، والحالي غير بيدرسن، فالحزب دخل مرحلة السّبات السّياسي منذ منذ زمن طويل 2017، ولم يرتقِ إعلامنا إلى مستوى الأحداث المتسارغة والدّقيقة، ما دفع النّاس إلى التّذمر والتملل، وغابت قيادة الحزب في قيادة النّضال الجماهيري، وكأنّ الحزبَ غيرُ معنيٍّ من تذمّر رفاقه وجماهيره وعامة الناس، وهذا مؤشّر قوي بوجود فواصل كبيرة بين القيادة والقواعد.
قبل المؤتمر الأخير للحزب الديمقراطي الكردستاني الذي سميّتهم بالثّاني عشر، لم تتوقّف همسات النّاس ولا إشارات أصابعهم إلى تراخي دور الحزب، وضعف أدائه في مرحلةٍ من أخطر المراحل السّياسية التي يمرّ فيها الشّعب الكردي، والقيادة تتحمّل المسؤولية بالدرجة الأولى، وكي نكون منصفين علينا أن نؤكد أنّ كوادر الحزب في مختلف هيئاتهم، كلهم مسؤولون عن تقليص دور الحزب وانحساره في أنشطةٍ محددة، ولا يتوقفون من توجيه الملامات إلى القيادة ناسيين أن العمود الفقري للعمل الحزبي على عاتقهم، والحزب كان يمتلك قاعدة جماهيرية عريضة كانت تشكّل القوة الأساسية التي ستغيّر موازين القوى في انعطافٍ سياسي في كردستان سوريا.
المؤتمر الأخير اتّسم بالضّعف، حيث لم يكن يحمل أي مشاريع تنظيمية أو سياسية، أو غير ذلك، ورغم إشارة الرئيس مسعود البرزاني إلى فشل القيادة، كانت واضحة، كانت على هذه القيادة أن تحترم كلمة هذا القائد الكبير، لكنها لم تتحرّك بوصفها المسؤولة عما حصل، وإشارته كانت كافية لتعلن أمام المؤتمر عن ضعفها وفشلها، لكن المؤتمر اُختُصِر على تحديد القيادة نفسها مع تطعيمها بشخصياتٍ أضعف منها، غالبيتهم شخصيات غير مؤهّلة، لا تملك مهارات قيادية، كما أنّ التّسمية أثارت الشكوك بالوحدة الحاصلة بعد فترة الاتحاد السّياسي بإطلاق صفة (المؤتمر الثّاني عشر)، وكانت التّسمية الصحيحة (المؤتمر الأول، بعد الوحدة أو الثاني).
وبعد المؤتمر، انهارت المنظمات الحزبية، وابتعدت عشرات الرّفاق الذين قضوا حياتهم في العمل السياسي والتّنظيمي، وانطمرت سيرتهم النّضالية مع إسدال ستارٍ قاتم عليها.
المجلس الوطني الكردي ومنذ التأسيس كان أمام استحقاقٍ لا يمكن تجاهله، لكنه تجاهلَ الاستحقاق، ولم يسمع رأي الجمهور، كما كانت عمل مكاتبه حتى الأمس مجرّد شكلٍ من دون نشاط، وهو يتحمّل المسؤولية الكاملة في ابتعاده عن جماهيره وليس العكس. أما الحزب الديمقراطي الكردستاني لم يعد هناك أي تبريرٍ للتّرهل والتّراخي، وجميع الكوادرالذين مازالوا منخرطين في العمل التنظيمي يتحملون المسؤولية التّاريخية في مرحلةٍ دقيقة وخطيرة.
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=47003