روجافا كردستان: تحديات حماية الهوية والحاجة إلى الدعم الدولي
خالد دقوري
تعتبر منطقة شمال غرب سوريا، الممتدة من عفرين حتى ساحل البحر الأبيض المتوسط، واحدة من أكثر المناطق تنوعًا ديموغرافيًا وثقافيًا في سوريا. تشمل هذه المنطقة قرى وبلدات يغلب عليها الطابع الكردي، بالإضافة إلى وجود مجتمعات علوية ومسيحية، مما يجعلها فسيفساء ثقافية ودينية فريدة. ورغم كل محاولات طمس الهوية الكردية وتعريب الكرد وتهجيرهم من خلال مشاريع حزام عربي التي قامت بها أنظمة فاشية في سوريا بهدف تذويب الكرد في البوتقة العروبية، فإن هذه المحاولات باءت بالفشل. بات اليوم واضحًا صعود كردي قوي في المنطقة، خاصة في سوريا، مما يعكس واقع الكرد في روجافا كردستان. إلا أن هذه المنطقة، ورغم ثبات الهوية الكردية، تواجه تحديات كبيرة نتيجة للصراعات السياسية والاجتماعية التي تعصف بالبلاد منذ سنوات، وما يزيد من تعقيد الوضع هو الحروب المستمرة التي جعلت الوضع الأمني متقلبًا للغاية.
تعد القومية الكردية واحدة من المكونات الرئيسية في هذه المنطقة، حيث يعيش الكرد في قرى وبلدات تمتد من عفرين إلى ريف إدلب وحماة وسهل الغاب. ومع زوال خطر حزب البعث بسبب سقوط نظام الأسد, الذي كان يفرض سياسات قمعية تجاه الهوية الكردية، بدأ الكرد في هذه المناطق بإعادة اكتشاف هويتهم الثقافية واللغوية. لكن، الإعلان عن هذه الهوية لا يزال يواجه تحديات جسيمة، خاصة في ظل وجود جماعات إسلامية راديكالية تفرض نمطًا معينًا من الحياة الدينية والسياسية، مما يعرض ثقافات وديانات الأقليات لخطر التهميش والاضطهاد. كما أن عملية احتلال عفرين (التي هي مركز ثقل كردي في غرب الفرات) من قبل جيش الاحتلال التركي وتواطؤ بعض مرتزقة الثورة السورية مع هذا الاحتلال، قد أدت إلى فقدان الكرد لمنطقة هامة جدًا في شمال غرب سوريا، ما أضاف مزيدًا من الضغوط على المكون الكردي في المنطقة.
إلى جانب الكرد، تعيش في هذه المنطقة مجتمعات علوية ومسيحية، تتميز بنمط حياة يختلف عن النمط الذي تفرضه الجماعات الإسلامية الراديكالية. هذه المجتمعات تعاني من التمييز والإساءة، بل وحتى التكفير في بعض الأحيان، مما يزيد من شعورها بالعزلة والخوف. من هنا، فإن الإعلان عن الهوية الكردية الأصلية قد يكون خطوة نحو حماية هذه المجتمعات من التهديدات الدينية والسياسية التي تواجهها، والتي قد تؤدي إلى المزيد من تفتيت النسيج الاجتماعي. في ظل هذه الظروف المعقدة، يرى الكثيرون أن الحل الأمثل يكمن في طلب الحماية من قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تدير أجزاء كبيرة من شمال وشرق سوريا تحت مظلة حكومة الإدارة الذاتية. قسد، التي تعتمد بشكل كبير على مكونات المنطقة من كرد وعرب وسوريا والتي بدأت نواتها من وحدات حماية الشعب الكردي وأثبتت كفاءة عالية في مكافحة إرهاب تنظيم داعش، قد تكون قادرة على توفير بيئة أكثر أمانًا لهذه المجتمعات. بالإضافة إلى ذلك، فإن تحويل المنطقة إلى سيطرة قسد قد يساهم في إنهاء المآسي التي يعيشها السكان ويوفر لهم فرصة للعيش بسلام بعيدًا عن الصراعات الدينية والأيديولوجية التي تأخذ المنطقة رهينة وخاصة تعتمد قسد على مبدأ الهويات التشاركية والإعتراف المتبادل..
حقيقة أن منطقة شمال غرب سوريا، من عفرين وحتى الساحل، هي منطقة غنية بتنوعها الثقافي والديني، ولكنها أيضًا منطقة تعاني من صراعات عميقة. الإعلان عن الهوية الكردية الأصلية وتحالفها مع هويات المغيبة في المنطقة وطلب الحماية من قسد قد يكونان خطوات نحو مستقبل أكثر استقرارًا لهذه المجتمعات. مع ذلك، فإن تحقيق هذا الهدف يتطلب جهودًا دبلوماسية وسياسية كبيرة، بالإضافة إلى تعاون دولي لضمان حقوق جميع المكونات في المنطقة، وضمان حمايتها من أي تهديدات قد تساهم في تدمير النسيج المجتمعي المحلي. وإن نجاح هذه المنطقة في تجاوز الخطر التركي والجماعات الجهادية المتطرفة قد يخلق واقعا جديدا لكل سوريا قائم على التعددية والتنوع والشراكة الحقيقة بين قوميات وأديان سوريا دون إقصاء أحد.
الآراء الواردة في المقالات لا تعكس بالضرورة رأي صحيفة كورد أونلاين
رابط مختصر للمقالة: https://kurd.ws/?p=63153