الجمعة 18 تموز 2025

علماء وخطباء من مختلف مناطق سوريا يوجهون نداءً لسلطة الأمر الواقع ويدعون إلى وقف نزيف الدم وضبط الخطاب الديني والتكفيري

أصدرت ثلةٌ من علماء الشام وخطبائها وأئمتها وطلاب العلم من دمشق وريفها، مرورًا بحلب وحمص وحماة ودرعا والمنطقة الشرقية، بيانًا مشتركًا وصفوه بأنه ثمرة “مشاوراتٍ عِجافٍ خضناها بصعوبةٍ بالغةٍ”، ووجهوه إلى عموم الشعب السوري، وخصوصًا إلى سلطة الأمر الواقع، داعين إلى وقف نزيف الدم وضبط الخطاب الديني والتكفيري، معبرين عن خشيتهم “لا على أنفسهم، بل على دينهم أن يُختطف، وعلى الأسر أن تُذبح باسم الجهاد”.

وجاء في مستهل البيان، الذي حمل تاريخ 17 محرم 1447 هـ الموافق 17 تموز 2025 م، تحية لأبناء الشعب السوري من مختلف مكوناته، مسلمين ومسيحيين، علويين وموحدين، شيعة وإسماعيليين ومرشدين، تلاها ترحم على أرواح الضحايا من مختلف الأديان، ممن سقطوا في موجة العنف الأخيرة. وقال البيان: “نترحَّم على كل نفسٍ بريئةٍ سُفكت دماؤها في هذه الفتنة – مسلمين ومسيحيين – ونقول كما أمرنا ربنا: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ﴾”.

وانتقد العلماء ما وصفوه بـ”استباحة منابر رسول الله ﷺ لخطاب التكفير وتسويق الجهاد بلا ضوابط”، مؤكدين أن مجازر الساحل وصحنايا والسويداء وتفجير الكنائس وسفك الدماء باسم الدين “هي تشويهٌ لدين الله، ونحن منها براء”، مذكرين بقول النبي ﷺ: «من قاتل تحت راية عُمِّيَّة… فقتل، فقتلته جاهلية».

ووجه الموقعون على البيان نداءً مباشرًا إلى سلطة الأمر الواقع، جاء فيه:
1. “اتقوا الله في الدماء”، مستشهدين بقوله تعالى: ﴿من قتل نفسًا بغير نفس… فكأنما قتل الناس جميعًا﴾، وبحديث النبي ﷺ: «لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق».
2. “اتقوا الله في المساجد”، مؤكدين أن المساجد يجب ألا تُتخذ منابر للفتنة والخطاب التحريضي.
3. “اتقوا الله في الشباب”، في ظل ما وصفوه بدفع الشباب إلى التهلكة والاقتتال الداخلي، مذكرين بحديث النبي: «من حمل علينا السلاح فليس منا».
ووجّه البيان وصايا إلى مختلف مكونات المجتمع السوري، مؤكدًا للمسيحيين أنهم “إخوة في الوطن”، واستشهدوا بحديث النبي ﷺ: «من ظلم معاهدًا… فأنا حجيجه يوم القيامة». كما دعوا السوريين جميعًا للتمسك بالوحدة ونبذ الفتنة، قائلين: ﴿واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا﴾، محذرين من “الفتنة التي النائم فيها خير من القاعد، والقاعد فيها خير من القائم”.
وختم البيان بالدعاء للشهداء، وبالدعوة إلى العودة للكتاب والسنة، والتأكيد على العدل والإحسان كمنهج في مواجهة الأزمة. وجاء في ختامه: “اللهم ألف بين قلوبنا، وردنا إلى كتابك وسنة نبيك ردًّا جميلًا… ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ﴾”.

نص البيان:

بسم الله الرحمن الرحيم
*وصلى الله على سيدنا محمدٍ وآله وصحبه وسلِّم تسليمًا كثيرًا*
*التاريخ: ١٧ محرم ١٤٤٧ هـ الموافق ١٧ تموز ٢٠٢٥ م*

أيها الإخوة الأكارم في سورية الحبيبة، مسلمين ومسيحيين،علويين و موحدين وشيعة وإسماعيليين ومرشدين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

نحن ثلةٌ من علماء الشام وخطبائها وأئمتها وطلاب علمها، من دمشق وريفها إلى حلب وحمص وحماة ودرعا والمنطقة الشرقية، نرفع هذا البيان بعد مشاوراتٍ عِجافٍ، خضناها بصعوبةٍ بالغةٍ *لا خوفًا على أنفسنا* – فمن قال الحق في وجه الظالم فمات، فهو شهيد – بل خوفًا على ديننا أن يُختطف، وعلى أسرنا أن تُذبح باسم “الجهاد”، استجابةً لقوله تعالى:
*﴿وَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ﴾* [المائدة: ٤٤].

أولاً: ترحُّمٌ على أرواح الشهداء
نترحَّم على كل نفسٍ بريئةٍ سُفكت دماؤها في هذه الفتنة – مسلمين ومسيحيين – ونقول كما أمرنا ربنا:
*﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا﴾* [الحشر: ١٠].
ونذكر قول النبي ﷺ:
*«مَا مِنْ مَيِّتٍ يُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِائَةً، كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ لَهُ، إِلَّا شُفِّعُوا فِيهِ»* (رواه مسلم).

ثانياً: جذور الفتنة ونذير الرسول
ابتهلنا شكرًا لله على زوال النظام الجائر، راجين مرحلةً تُعلي كرامة الوطن، لكننا فوجئنا *بفتنةٍ أطبقت على القلوب*، حيث استُبيحت منابرُ رسول الله ﷺ لخطاب التكفير، وسُوِّق الجهاد بلا ضوابط، وقد حذَّرنا الصادق الأمين:
*«مَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمِّيَّةٍ يَدْعُو إِلَى عَصَبِيَّةٍ، فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ»* (رواه مسلم).
بل تحقق قوله ﷺ:
*«يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يُكْفَأُ فِيهِ الإِسْلَامُ كَمَا يُكْفَأُ الإِنَاءُ بِمَا فِيهِ»* (أحمد).

فمجازرُ الساحل وصحنايا والسويداء، وتفجيرُ الكنائس، وسفكُ الدماء باسم “أهل السنة والجماعة” – هي تشويهٌ لدين الله، ونحن منها براء، *﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾* [فاطر: ١٨].
ثالثاً: نداءٌ لسلطة الأمر الواقع
١. *اتقوا الله في الدماء*:
*﴿مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾* [المائدة: ٣٢].
وقال ﷺ: *«لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِغَيْرِ حَقٍّ»* (النسائي).

٢. *اتقوا الله في المساجد*:
*﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾* [البقرة: ١١٤].
فلا تتخذوها منصاتٍ للفتنة، واذكروا: *«الْقَتْلَى فِي الْفِتْنَةِ فِي النَّارِ»* (الترمذي).

٣. *اتقوا الله في الشباب*:
*﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾* [البقرة: ١٩٥].
وقال ﷺ: *«مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا»* (متفق عليه).
رابعاً: وصية للأمة
١. *للمسيحيين*: أنتم إخوتنا في الوطن، وقد قال النبي ﷺ:
*«مَنْ ظَلَمَ مُعَاهَدًا أَوِ انْتَقَصَهُ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»* (أبو داود).

٢. *لكل السوريين*: تمسكوا بحبل الله:
*﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾* [آل عمران: ١٠٣].
واحذروا الفتنة التي وصفها ﷺ:
*«تَكُونُ فِتْنَةٌ النَّائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَاعِدِ، وَالْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ»* (أحمد).

٣. *الزموا الجماعة*:
*«عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ»* (أبو داود).
الختام: دعاءٌ وعهد
اللهم ارحم شهداءنا، واجعل دماءهم نورًا يُضيء طريق الحق.
اللهم ألف بين قلوبنا، وردَّنا إلى كتابك وسنة نبيك ردًّا جميلًا.
*﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾* [النحل: ٩٠].

وصلى الله على سيدنا محمدٍ النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلِّم تسليمًا كثيرًا.
*والحمد لله رب العالمين.*