الخميس, فبراير 6, 2025

علويون في سوريا يخشون عمليات الانتقام بعد إطاحة الأسد

جثت نسرين عز الدين بأسى في جوار ثلاثة قبور في حديقة منزلها رصفت حولها الحجارة ووضع عليها بخور وورود ذابلة، وفيها يرقد ابنها وزوجها وابن شقيقته الذين قتلهم مسلحون “أجانب” في منطقة يقطنها علويون في غرب سوريا.

في مطلع كانون الثاني/يناير، توجّه زوجها عمّار وابنهما موسى، وابن شقيقة الزوج محمد، على متن دراجة نارية الى حقل زيتون قرب قرية عين الشرقية في المنطقة الساحلية ذات الغالبية العلوية التي انتمى إليها الرئيس المخلوع بشار الأسد.

غير بعيد من الحقل، كان هناك مسلحون تؤكد عز الدين (48 عاما) لوكالة فرانس برس أنهم “من فصائل متشددة، أجانب لا نعرف من أين أتوا، ملثمين”.

وتتابع السيدة النحيلة وقد غلبتها الدموع “صار إطلاق نار كثيفا عليهم”.

بصوت خافت، تشير عز الدين الى أن زوجها كان موظفا في القطاع العام، بينما لم يتجاوز ابنها وقريبه الثامنة عشرة من العمر. تضيف “كانا السنة بكالوريا (ثانوية عامة)”.

عقب إسقاط الأسد في الثامن من كانون الأول/ديسمبر، يؤكد علويون تعرّضهم لاعتداءات خلفيتها دينية.

من جهتها، تعمل السلطات الجديدة بقيادة هيئة تحرير الشام الإسلامية التوجه، على محاولة طمأنة الأقليات، وتدين أعمالا “إجرامية” و”خارجين عن القانون”، وتتعهد ملاحقة المرتكبين.

رغم ذلك، لا تزال عز الدين وعائلتها تنتظر معرفة من قتل أحباءها.

يبلغ تعداد العلويين نحو 1,7 مليون نسمة، ويشكّلون نحو تسعة في المئة من سكان سوريا ذات الغالبية السنية. وعلى مدى العقود الماضية في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد ونجله بشار، اعتُبِر العلويون ركيزة أساسية للحكم، وحضروا في مراكز أساسية في القطاع العام والمؤسسات العسكرية والأمنية التي لطالما اعتمدت الاعتقال والتعذيب والترهيب أساليب لقمع أي معارضة.

في المنزل المتواضع لعز الدين، تجمّع أفراد من العائلة في غرفة المعيشة المطلة على الحديقة. وفي حين يؤكدون أن بعض أقاربهم كانوا عسكريين سابقا، كما كثيرين من أبناء الساحل، يشددون على أنه لم تكن للضحايا علاقة بذلك.

ويؤكد أفراد من العائلة أن السلطات فتحت تحقيقا، دون أن تُعرف نتائجه.

ويوضح علي اسماعيل (30 عاما) “تلقينا وعودا بأنه ستتم ملاحقتهم ومحاسبتهم، لكن لم نرَ أي شيء ولا أي خطوة جبارة”.

– تنميط –

بعد سقوط الأسد، اختار اسماعيل، وهو مهندس كهرباء، أن يترك حلب، كبرى مدن شمال سوريا، وحيث كان يقيم منذ عشرة أعوام، العودة الى المناطق الساحلية في غرب البلاد حيث يتركز العلويون.

ومثل كثيرين، خشي اسماعيل أن يتعرض لاعتداءات انتقامية على خلفية الربط بين الأسد وأبناء الطائفة، حتى في حال لم يكونوا من مناصري النظام.

ويوضح “في أي منطقة، في أي مدينة، تعرّضت الطائفة العلوية لما يشبه هجوما من الاتهامات: أنت علوي (يعني) أنت مع النظام… أنت علوي معنى ذلك (أنك) مجرم كنت مقاتلا مع بشار الأسد”.

خلال الأسابيع الماضية، أعلنت السلطات الجديدة تنفيذ حملات أمنية بهدف ملاحقة “فلول النظام” السابق، شملت مناطق يقطنها علويون خصوصا في وسط البلاد وغربها حيث أوقف اثنان من كبار المسؤولين الأمنيين السابقين.

عند مدخل مدينة جبلة ذات الغالبية العلوية قرب الساحل، يقيم عناصر أمن ملثّمون بزيهم الأسود حاجزا تعرّض في أواخر كانون الثاني/يناير لإطلاق نار أسفر عن مقتل شخصين وإصابة ثلاثة.

ويقول مسؤول إدارة الأمن العام في المنطقة أحمد عبد الرحمن إن من يقف خلف ذلك هم عناصر “كانت ضمن صفوف النظام أو عناصر كانت تتبع لمليشيات للنظام”، مضيفا أنها “شخصيات تعرف أنها… ستحاكم بسبب الجرائم (التي ارتكبوها)، فدائما يسعون لزعزعة الأمن وبث الفوضى وعدم الاستقرار”.

– “القضاء على العيش المشترك” –

منذ الثامن من كانون الأول/ديسمبر، أحصى المرصد السوري لحقوق الانسان أكثر من 240 حالة “إعدام وأعمال انتقام” خصوصا في محافظتي حمص وحماة.

وقال الرئيس الانتقالي أحمد الشرع في مقابلة بثت الإثنين إن النظام السابق عمل “على تقسيم المجتمع خلال الاعتماد على فئات معينة… استخدمها ضد فئات أخرى”، معتبرا أن ذلك جعل “احتمالية حصول الحرب أهلية كبيرة جدا وحصول عمليات انتقام كبيرة جدا”.

وشدد على أن “الدولة هي تشكل ضمانة لكل الطوائف”، وأن السلم الأهلي “ليس رفاهية اليوم في سوريا بل هو واجب على السوريين”.

وفي بلدة سلحب في غرب محافظة حماة، يحتسي رجال القهوة، على هامش مراسم تشييع أشخاص قضوا بإطلاق نار من مسلحين في قرية العنز بشرق المحافظة.

ويقول علي الشحود إن هؤلاء، وهم “سوريون يتحدثون بلهجة حموية”، جالوا على منازل يقطنها علويون وأخرجوا منها نحو 15 شابا “وأطلقوا النار علينا عشوائيا… أمام النساء والأطفال”.

قتل خمسة وأصيب خمسة، بينهم الشحود الذي أصيب في الكتف والساق، لكنه خسر شقيقه وابنه البالغ 15 عاما ووالده (75 عاما) وعمه الثمانيني.

ويقول رجب المحمد، وهو من سكان القرية، إن المسلحين سرقوا هواتف نقالة بهدف “التغطية” على ما قاموا به “لكي يقال إنهم سارقون، وليس إنهم أطلقوا النار علينا لأننا علويون”.

وينفي المحمد أي ارتباط بالأجهزة العسكرية والأمنية للأسد، موضحا “لا يوجد لدينا سلاح… لو كان كذلك لما تركت أبي وأخي وابني يُقتلون”.

بعدما أقاموا فيها لفترات طويلة، اضطر العديد من العلوين لترك بلدات في محافظات مختلطة طائفيا مثل حمص وحماة، خوفا من أعمال انتقامية.

من هؤلاء سكان قرية الزغبة في شرق محافظة حمص مثل علي المحمد، المسؤول البلدي السابق الذي انتقل الى سلحب.

ويقول المحمد لفرانس برس “حمص وحماة هما المحافظتان الأكثر تنوعا طائفيا… هذه المشاكل تحصل من أجل القضاء على فكرة العيش المشترك”.

المصدر: أ ف ب

شارك هذه المقالة على المنصات التالية